محمد البدري *ترويج الخرافة لم يدرج بعد في استحقاق اقامة الدعوي الجنائية علي مروجها. ولن يوافق العقل العربي علي قانون يجرم الكذب، ولو كنا في زمن العلم والمعرفة، أو في أي زمن آخر. فجينات العقل العربي مرتبة علي كروموزوم الجهل. الم يبزغ ذلك العقل من خضم الجاهلية؟ سياسيا نجح العقل العربي بجدارة في تاكيد هويته. فعلي مدي نصف قرن ناطح دولا وحكومات وانظمة وجيوش وفلسفات. في كل معركة كان هو الخاسر. ثم يحتفل بكل صلافة بالانتصار. فماذا لو ان عقل الاخوان ذو المرجعية الدينية والاسلامية قرر ان يدخل الحلبة كتبادل الزملاء الادوار في المصارعة الحرة؟ هكذا دخل الاخوان في مصر وحماس في فلسطين ساحة الحكم والسلطة. اليست العروبة والاسلام وجهين لعملة واحدة، اليس بنو هاشم وبنو امية شركاء في الدعوة. إعادة عقارب الساعة الي الوراء سيكون منهج اللاعبين الاسلاميين، ولن تبتعد نتائجهم عن نتائج العروبين. في جعبتهم الحديث " لن ينصلح حال الامة الا بما صلح به اولها". ولن اضيع الوقت في البحث في العنعنات وعن صدقية الحديث. فالواقع المتدني جاهز بتخلفه ليصدق كل شئ. درس الخمسون عاما يجعلنا نؤجل عملية الفهم إلي اشعار آخر او نبوة جديدة أو تدخل امريكي. فالمرجعية العربية/الاسلامية لا هدف لها الا طمس كيمياء الفهم داخل العقل. والحماية التي يمكن ان نوفرها لانفسنا من مفاسدهما ليس في القول والتحذير من مغبة تركهم يخربون باسم الصلاح والتقوي والعودة الي حظائر الايمان أو بالامة الواحدة إنما بقراءة جديدة صحيحة لتاريخهم وقراءة صادقة وعلمية لتاريخ الاسلام كما حدثت وليس كما يوهمنا بها فقهاء السلاطين وكتاب السلطة.فالاسلام وطوال تاريخه كان اكثر من اسلام طبقا للارض التي حل بها، فلا يوجد اسلام تقليدي وآخر منحرف وثالث تقدمي ورابع رجعي، انما اسلام تم تشكيلة ليتناسب مع طبيعة كل مجتمع ومزاجية وذهنية مكتسبيه من ثقافات هي سابقة عليه. فبصمة الجاهلية هناك، وبصمة التسامح هنا. ولم يجمع كل هذه المجتمعات الا البقاء داخل حظائر الايمان مع التخلف والتسليم بالهزيمة. وكانت الحروب ومعارك المسلمين هي ستار الدخان حيث توارت العقلانية وحرية الفرد وخياراته وراء تامين الدعوة. فالاسلام الذي عرفته مصر مثلا، وليس كما هو الان، هو مكتسب ثقافي اصبح ضمن روافد الثقافة الحالية وكان افضل اسلام مقارنة بباقي العوالم الاسلامية لان مصر اخذته ووضعته في مكانه الصحيح وابقت الاهم والاجدي، العرق والطين. والاسلام في مصر وفي غيرها من البلاد مثله مثل اللغة تم تعرضه لعوامل متعددة كالاسقاط والتبديل والاختيار والاستبعاد والتفضيل والترجيح لمحتواه و محموله الديني والاجتماعي والاقتصادي. وهو امر طبيعي ولا غبار علي اصحابه من ممارسته لانه بات ملكا لاصحابه في كل وطن حل به. مجددا وفي زمن فيتامينات اموال النفط والمنشطات الغرائزية للافكار الدينية تولت نفس الجماعات الحاملة للعقل العربي اياه، علي نفسها عاتق التناطح والحرب في جولة جديدة تاكيدا وتصديقا لفكرة هانتجتون في صراع الحضارات. انه اختبار جديد وحقيقي للاسلام السياسي الحالي وهو يقع علي عاتق حماس والاخوان المسلمين. والنتيجة اما ستكون في صالح اليهودية او الاسلام، باعتبار ان حماس وجماعات الاسلام السياسي يفضلون التسمية الدينية لاطراف الصراع. لهذا سعدت ايما سعادة بوصول حماس في الانتخابات ولم اكن بنفس الغبطة في حال الاخوان. فمعركة الاخوان اقل درجة رغم كون اجندة الاخوان هي ايضا اجندة حماسية. لكنها تخلو من احتلال ارض انما فساد وتنمية وبطالة وتخلف عن الحداثة والديموقراطية، أي معظم الموروث الاسلامي. ومع ذلك فإن معركة الاخوان أصعب الف مرة من معركة حماس لبقائهما في خانة كيمياء طمس الفهم مع فارق هام هو نفسه الفارق التاريخي القديم في فجر الاسلام. فحماس ستهلل نصرا وابتهاجا بكل عملية انتحارية، فمقاتليها شهداء. وستولول علي كل هزيمة باعتبار ان رجالها تركوا مواقعهم علي جبل احد ولم يلتزموا بالتعليمات. فمعارك الخارج ونتائجها ستكون سحابات الدخان لاخفاء الفساد الداخلي او اللاعقلانية المطروحة. وهو ما تفتقده حركة الاخوان المسلمين. فكما كان الاتحاد الاشتراكي فاسدا ولم يدرك احد الكارثة لانه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ستجري الامور في غزه. فيعود المجاهدون او الثوار او قبيلة المؤمنين من غزواتهم فرحين بالنصر طالما انهم لم يعطوا الدنية من دينهم وما زالوا علي قلب رجل واحد حتي ولو وصل الشعب الفلسطيني إلي درك الحضيض فقرا وتخلفا. وعلي الجانب اليهودي فان بني قريظة الجدد في تل ابيب والاكثر ذكاءا وعلما ومعرفة واشد حنكة سيصرخون بانهم ضحايا رغم ان الدخل السنوي للدولة و للمواطن الاسرائيلي في ازدياد. كل من اقام مجتمعا اسلاميا أعاد عقارب الساعة الي الوراء التي هي سنة اسلامية باعتبار السلف هم من يجب تقليدهم. وليس مجرد فوز 88 عضو من الجماعة هو انتصار لهم وترويجا لبداية مسيرة الالف ميل التي تبدأ من مجلس الشعب انما التوظيف لهم مثل وعيا للتمترس في مواجهة الضغوط الخارجية أي ترويجا لمدي ما يمكن ان يذهب اليه المجتمع من فوضي لو ان خطر الضغوط الغربية استمر لمن عليه الدور.والاخوان جاؤوا ايضا لكبح جماح حركة المطالبة باصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية حقيقية وسليمة دون فوضي وخراب. فالجماعة تقوم بالخدمات والتوصيل للمنازل واصبحت جماعة وظيفية لها دور وليس مجرد قوي سياسية تعبر عن مصالح طبقة ناشئة اللهم الا البيروقراطية المصرية التي تعودت علي قصعة الفته المجاني فيما يسمي بالقطاع العام واكل الاصول والتعيش علي ما هو قائم دون أي تجديد واحلال. انهم المعبرين الحقيقيين عن الطفيلية المصرية التي استشرت في حياتنا. ولا معني لوجودها في مجلس تشريعي سوي تقنين شرعي لكل ما هو فاسد ويستحق تحويل ملفاته الي القضاء والنيابة. ولتبديد ستار الدخان الاخواني، الممثل في شعار الاسلام هو الحل، نسال بدورنا: هل سيفلت الاخوان من مرجعية نص ديني او فقهي يقول بمساواه المصريين جميعا دون تمييز علي اساس الدين؟. وإذا كان " فرق تسد " مبدأ استعماري، فما موضع مسالة التفرقة علي الكفر والايمان، او اختلاف الاديان؟وما تلك الهوية التي اسس لها حسن البنا في عشرينات القرن العشرين، في مناخ توحد فيه المصريون من اجل دستور واستقلال؟ وقتها ادرك المصريون ان الوطن قبل الدين وان العقل قبل الايمان. الدين وقتها لم يكن في خطر بقدر ما كانوا هم وفلاسفتهم ونصوصهم في خطر، فاي هوية إذن دافع عنها الاخوان خارج الاجماع الوطني العارم؟ والاكثر غرابة ان تكون ممارسة الجماعة طوال تاريخها ينم عن رؤية تآمرية تعطي انطباعا كما لو انهم جماعة سرية تجتمع في بيت احدهم وتهاجر إذا لزمت الهجرة وتغتال إذا لزم الامر وتتحالف او تتواطأ مع قوي الرجعية وتعادي وتتنكر لقوي اليسار وتنعت بالكفر. ولا دليل علي تلك الممارسة الا بانهم احتووا عسكر يولية وضللوا الجميع. ولم ينكشف المستور الا عندما وقع المحظور. كما يقول المثل الشعبي " ما شافهومش وهم بيسرقوا شافوهم وهما بيقسموا " فعندما وقعت الواقعة وانفردوا بالحكم بعد تصفيات متدرجة للاحزاب وقوي المجتمع باسلوب العنف الذي لم تستنكره الجماعة. وعندما باتت الغنيمة جاهزة للتقسيم في العام 1954 الشهير، انقضوا علي بعضهم البعض فتكا واغتيالا وشنقا وتنكيلا.فماذا يعني الاسلام اليوم اللهم الا الحجاب ومعة انتاجية رديئة وبيروقراطية طفيلية وزيادة مفرطة سجودا وركوعا التي هي امر خاص بالفرد ولا علاقة له بالسلوك العام مع ظهور ازياء منفرة تنم عن ارتداد حضاري واضح وذوق منحط في اغلبه واختفاء لقدرات العقل عن فهم ما يجري في بلاد اكثر اسلاما من مصر وبلاد اخري لا اسلام فيها إطلاقا.ويحلوا للبعض القول بان حركة الاخوان راكمت تجارب وخبرات ادت الي وجود مسافة فاصلة بينها وبين السلفية الراديكالية هو في حاجة الي تحليل لخطابهم في السنوات القليلة الماضية. واكثرها فجاجة وعدوانية هو قول مصطفي مشهور مستعيدا فكرة الجزية التي علي غير المسلم دفعها للمسلم من اجل بقائه حيا.ولا يمكن فهم السكوت عن مثل هذا الامر وعدم ترديده في الفترة الاخيرة الا كنوع من التحالفات التي عودنا عليها الاخوان قديما وحديثا. فما زال قادتهم يقولولن بان تطبيق الشريعة مؤجل. فمن اجل تمرريرهم الي مجلس الشعب وحصولهم علي هذا القدر الكبير من المقاعد كان لا بد من مكياج لخطابهم الاسلامي الذي لا يمكنه ابطال نص ديني واضح في جباية الجزية. فالمرجعية التي يتماهون خلفها، ويحتموا ويدغدغوا البسطاء بها حتمت عليهم السكوت مؤقتا عنها وعن كثير مثلها كموضوع الردة والجلد وقطع اليد وكل تلك الممارسات التي بالقطع لم يقولوا بصراحة ووضوح رأيهم فيها. نواياهم الحقيقية تتفق ومصعب الزرقاوي وجماعات القتل فاقاموا صلاة الخوف في اول جلسة برلمانية وكانهم في حرب حيث يراقب نصفهم العدو تحت قبة البرلمان بينما النصف الاخر يقضي صلاة الظهر في اروقتة. فمن كان العدو إذن، اللهم الا باقي ممثلي الشعب واعضاء الحكومة. ــــــــــــــ* كاتب مصري
|
فكر
الإسلاميون في سدة الحكم
أخبار متعلقة