ذكرتنا تفجيرات لندن ومدريد الارهابية بخطر الارهاب في اوروبا. اذن، كيف يمكننا الرد كمواطنين وكمسؤولين في دوائر تخطيط وصنع السياسات؟ هذه هي القضية التي يعمل المجلس الاوروبي على النظر فيها حاليا. لكنني ارى ثلاثة انواع من الردود المحتملة. أولا: يجب علينا ان نجعل اجراءات مكافحة الارهاب اكثر فعالية. فالحكومات قد حسنت من اجراءات التنسيق في هذا المجال منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 وذلك من خلال إطلاق مبادرات ايجابية، وبفضل تعزيز التعاون بين اوروبا والولايات المتحدة، بالاضافة الى العمل الايجابي في مجال الشرطة والاستخبارات والمعلومات. واعتقد انه من الضروري الاعتماد على ما تم انجازه في هذه المجالات، فأوروبا لا تفتقر الى الارادة او الامكانيات، سواء كان ذلك في المجال القانوني أو المالي أو الاستخباراتي أو في الجانب المتعلق بعمل الشرطة. لذا، فإن التركيز الآن يجب ان لا ينصب على خلق امكانيات جديدة وإنما يوجه الى الاستخدام الافضل للامكانيات الموجودة اصلا. كما ان تحسين مستوى الانسجام والتنسيق يجب ان لا يصبح ممارسة بيروقراطية، وهذا هو السبب في تركيز المجلس الاوروبي على الخروج بنتائج عملية. والى ذلك أصبح تحسين مستوى تبادل المعلومات من ضمن الاولويات. اذ يجب تبادل المزيد من المعلومات وبصورة اكثر سرعة وفعالية ومن جانبي كنت قد اقترحت قبل احداث مدريد اننا يجب ان نعزز من القدرات المتوفرة في المجلس فيما يتعلق بتحليل المعلومات الاستخباراتية في مجال الارهاب، كما رحبت باتفاق الدول الاعضاء في هذا الجانب. ولا اعتقد اننا في حاجة الى »سي آي إيه« اوروبية، إلا أنني سأطلع اجتماع المجلس الاوروبي المقبل في يونيو (حزيران) على الجوانب المتعلقة بتبادل المعلومات الاستخبارية ذات الصلة بالعمليات. واذا كان لا بد من السير في هذا الطريق، يجب ان نثبت ان ذلك سيؤدي الى تحسين التعاون الواسع مع ضمان السرعة والجانب الامني. يضاف الى ذلك اننا يجب ان نطبق بصورة كاملة ودون أي تأخير الاجراءات القانونية، مثل مذكرة الاعتقال الاوروبية، ذلك لأن هذه ادوات حيوية لمكافحة الارهاب. كما يجب علينا ايضا تسريع خطوات تعزيز تأمين الحدود والسيطرة عليها. وبالاضافة لذلك يجب ايضا ان ننظر مجددا الى الاجراءات الهادفة الى محاربة تمويل الارهاب. ومن اجل تنسيق وانسجام الخطوات التي يجب علينا اتخاذها قررت تعيين منسق لجهود مكافحة الارهاب، اذ سيتولى جيغز دب فريز مهام العمل الذي يجري حاليا داخل الاتحاد الاوروبي في هذا المجال. اما خارج نطاق القارة الاوروبية، فإننا في حاجة الى النظر مرة اخرى الى العمل مع الدول الاخرى، ويجب هنا ان نساعد شركاءنا في تعزيز قدراتهم على مكافحة الارهاب متى ما كانت هناك حاجة الى المساعدة. اما اذا لم تكن هناك نية من الجانب الآخر، فإن ذلك سيثير تساؤلات حول اساس هذه الشراكة. ثانياً: نريد أن نبقى على اصرارنا بتفهم ومعالجة العناصر الكامنة وراء الارهاب. ليس ثمة سبب يبرر الارهاب، بيد أنه لا مبرر لتجاهل أسباب الارهاب. ومن الواضح أن هناك مجموعات جانبية متزمتة خارج نطاق الخطاب السياسي. غير أن هذه المجموعات تستمد بعض زخمها من مستنقع الاستياء والشكوى. وحيث تكون هذه الشكوى مشروعة فإن من الواجب معالجتها ليس فقط لان العدالة تقتضي ذلك بل ايضاً لان هذا جزء اساسي من عملية »تجفيف المستنقع«. لن يستطيع الارهاب أن يؤدي الى تقدم على صعيد تحقيق الآمال المشروعة للشعب الفلسطيني، كما لا ينبغي له أن يفعل ذلك. إلا ان بذل المجموعة الدولية بالتعاون مع الفلسطينيين الرافضين لاستخدام العنف، جهوداً حثيثة لمعالجة هذه الآمال من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة للإرهاب. ولهذا السبب لا يمكن إرجاء حل النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني والشعور العميق باليأس في بعض اطراف العالم العربي، الى ان يتحقق النصر في الحرب على الارهاب. وفي الوقت نفسه، يتوجب علينا أن نسعى لتحقيق الاستقرار والحكم الجيد وسيادة القانون في المنطقة. ثالثاً: نستطيع جميعنا، كمواطنين اوروبيين أن نحمي ديمقراطياتنا من خلال ممارستنا للحقوق التي نثمنها ودفاعنا عنها، بل يتوجب علينا ذلك. فالارهابيون يسعون الى خلق جو من الذعر والقمع. والايمان بالديمقراطية هو خير سلاح نلجأ اليه في دفاعنا هذا. هؤلاء الذين يحسون أن جواً من المحاباة إزاء الارهاب يسود اوروبا، هم على خطأ. لقد شاركت الى جانب مليوني شخص في المسيرة التي طافت بشوارع مدريد في اليوم التالي على التفجيرات. لم يكن الخوف هو السمة البارزة آنئذ وإنما التصميم الهادئ على التعبير عن احترام الاموات والصمود في وجه الارهاب والدفاع عن الديمقراطية التي يثمنها الاسبان. والناس في اوروبا متحدون في تصميمهم على مكافحة الارهاب. وفي الوقت نفسه، هناك جدال سياسي مشروع حول أفضل السبل للاستمرار في عملية المكافحة هذه. ومن شأن تجميد هذا الجدال ان يكون بمثابة الخيانة للمبادئ الديمقراطية. فالاوروبيون يدركون ان النصر في الحرب على الارهاب لن يتحقق بسهولة. وسيكون هناك عدد من النجاحات التي تبقى مجهولة، لكن سيكون هناك ايضاً تراجعات في سياق هذه الحرب. وينبغي الا تدفعنا نجاحاتنا الى التواطؤ والاستخفاف بالخصم، كما يجب الا تثير فينا التراجعات شعوراً باليأس. ينبغي أن نكرس طاقاتنا كلها للعمل على بسط سيادة القانون، وذلك من دون المساس بمبدأ سيادته، فالارهاب يستهدف القيم التي تأسس عليها الاتحاد الاروبي. ومن هنا فالارهاب سيُهزم من خلال التشبث بهذه القيم نفسها. * الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي
|
فكر
وسائل أوروبا الثلاث للمضي في مكافحة الإرهاب
أخبار متعلقة