شخصيات خالدة
ولد الأديب والمفكر اللبناني المعروف أمين الريحاني في قرية الفريكة بلبنان عام 1876م، وانتقل وهو في الثانية عشرة من عمره مع والديه إلى نيويورك حيث تعلم اللغة الإنكليزية وأخذ يعاون أباه في التجارة، ثم التحق بكلية نيويورك لدراسة القانون. أقام في أمريكا حتى عام 1904م، ثم عاد إلى وطنه لبنان فاستقر فيه قليلا ثم بدأ رحلاته فتوجه أولاً إلى مصر ثم زار جزيرة العرب. بعد ذلك قصد العراق فدرس أحواله في كتابٍ لم يطبع للأسف، وعاد إلى لبنان وبقي فيه حتى وفاته عام 1940م. يقف الريحاني علماً بارزاً بين أعلام المقالة العربية الحديثة، ورائداً للشعر المنثور الذي بات يسمى في أيامنا هذه (قصيدة النثر)، ومفكراً جريئاً لعب دوراً كبيراً في الإصلاح والتنوير في الوطن العربي إبّان النصف الأول من القرن العشرين. والريحاني هو أحد الأدباء الذين بوساطتهم عرف العرب الثقافة الغربية عن طريق مؤلفاته باللغة العربية، ولا سيما (الريحانيات)، كذلك عرف الغرب الثقافة العربية عن طريق كتاباته باللغة الإنكليزية إذ ترجم كثيراً من آثار الأدب العربي إلى اللغة الإنكليزية ليتعرف الغربيون التراث العربي في تنوعه وغناه. من أجل ذلك صار الريحاني محل اهتمام الغرب، ففي عام 1999 أعلن في العاصمة الأمريكية واشنطن إنشاء(معهد أمين الريحاني) في ولاية ميريلاند، وجرى التنسيق لهذا المشروع بين(متحف أمين الريحاني ومنظمة أمين الريحاني) من جهة، و(المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية) من جهة أخرى، وكان الهدف من إنشاء هذا المعهد هو تحسين وتطوير التفاهم بين الشرق والغرب. لكن لغطاً كبيراً أثير حول الريحاني في هذه الأيام عندما أفرجت الخارجية الأمريكية عن وثيقة تقول إن الريحاني كان يبعث بتقارير سرية إليها عبر القنصلية في بيروت، كما ورد في مجلة (الهلال) المصرية، لكن أحداً لم يستطع إثبات هذه التهمة وربما كان تعاونه مع القنصلية الأمريكية في أمور وشؤون ثقافية كان الريحاني معنياً بها، ولا ننسى أن أمريكا ما قبل الحرب العالمية الثانية هي غير أمريكا ما بعد هذه الحرب. إن هذه الأسباب وغيرها هي التي جعلت الباحث الكردي صباح كريم مولود، يختار أمين الريحاني موضوعاً لرسالته الموسومة ب(المقالة الذاتية في أدب أمين الريحاني) التي نال بها درجة الماجستير بتقدير(امتياز) وقد توصل الباحث إلى نتائج أهمها غلبة الاتجاه الاجتماعي على مقالات الريحاني إذ تناول فيها العادات الاجتماعية البالية والخرافات السائدة في المجتمع العربي، بالنقد والتحليل، كما عني بالمرأة وأراد أن يفك القيود التي تُكبّلها فهاجم التقاليد السقيمة التي تقمع المرأة. وتميز الاتجاه السياسي والقومي عنده بواقعيته، وكان هدفه الأساس هو الوحدة العربية التي لا يمكن أن تتحقق إلا بزوال الحدود المصطنعة بين الأقطار العربية، جغرافية كانت أو دينية أو طائفية. وفي الوقت نفسه دعا إلى الاعتراف بحقوق القوميات الأخرى الموجودة في الوطن العربي لأن الريحاني آمن بالنزعة الإنسانية، وهي عنده نزعة مثالية ذات طابع رومانسي، تقوم على العدل والإنصاف والمساواة بين البشر، وعدم النظر إلى الاختلافات الطبقية، فهدفه هو نشر المبادئ السامية والمثل العليا بين الناس ومحاربة النظم التي تباعد بين البشر. أما الخصائص الفنية للمقالات فتتمثل في السهولة والسلاسة التي تتسم بها، فضلاً عن العناية الكبيرة بالعناوين التي ترتبط بمضامين المقالات ارتباطا وثيقا، واستخدام الصور البلاغية والفنية وعناصر السرد والتناص للتأثير في المتلقي وإقناعه بما تحمله المقالات من أفكارٍ وتوجهات.وتزخرمقالات الريحاني بأفكار ومبادئ إنسانية واجتماعية سامية مثل الأيمان بالمساواة بين البشر ومحاربة التعصب والعنصرية، والدعوة إلى ثقافة التسامح والإيمان بالعقل ونبذ الخرافات، وهذه الأفكار والقيم النبيلة التي نحتاج إليها في عالمنا اليوم .