اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب
بوسع كل من قرأ أفكار البتول والغفوري في مقالاتهما التي عرضناها في الحلقة (6) من هذا المقال ملاحظة أنّ القاسم المشترك بين تلك المقالات هو الاحتفاء والانبهار بدمج جناحي الإرهاب في السعودية واليمن ضمن إطار موحد لتنظيم «القاعدة»، ومخاصمة أي تعاط مع أعمال العنف التي يقوم بها تنظيم «القاعدة» من منطلق وضعها في خانة الإرهاب، حيث سعى كاتبا تلك المقالات إلى إظهار العنف الذي يمارسه إرهابيو القاعدة في صورة جهاد ومقاومة، واتهام الخطاب الإعلامي اليمني والعربي السائد بتوصيف، المقاومة على أنها ارهاب.وقد بذل الكاتبان جهدا بارعا ً لإظهار الإرهاب في صورة مقاومة صامدة ومتنامية فشلت في القضاء عليها الحلول الأمنية والعسكرية والحوارات الفكرية بما فيها فيلم «الرهان الخاسر» ( !! ) ، وخلصا إلى التأكيد على ضرورة إجراء «مراجعة جادة » من قبل الدولة والقاعدة ، في اليمن والسعودية «لهذه المواجهات والأعمال التي لا تخدم الدين ولا الوطن ولا المصلحة العامة » . أما أغرب ما جاء في تلك المقالات فهو حرص البتول على الإشادة بصدق التكوين الديني والعقدي لمرتكبي الجرائم الإرهابية التي ينفذها أتباع تنظيم «القاعدة»، إلى جانب الحرص على المبالغة في إظهار بأس وقوة هذا التنظيم الإرهابي.ولئن كان بأس هذا التنظيم قد بدا هشـا ومبالغـا فيه بعد الضربات المتلاحقة التي تعرض لها تنظيم «القاعدة» الموحد غداة الإعلان عن ظهور قيادته الجديدة والموحدة في اليمن والسعودية ، حيث أدت الضربات والملاحقات الأمنية الى استسلام العشرات منهم لأجهزة الأمن اليمنية ، وقيام المدعو محمد العوفي بتسليم نفسه لأجهزة الأمن السعودية، فيما قامت أجهزة الأمن اليمنية بتسليم خمسة مطلوبين سعوديين آخرين من قادة أعضاء هذا التنظيم إلى حكومتهم بعد إلقاء القبض عليهم، فإن اعترافات العوفي على شاشة التلفزيون السعودي بأنه لم يكن قد أطلع من قبل على البيان الذي كان يقرؤه من جهاز كمبيوتر أمامه أثناء تصوير الفيلم الذي أنتجته مؤسسة (صدى الملاحم ) التابعة لتنظيم ( القاعدة ) في اليمن ، ناهيك عن اعترافاته المخجلة بأنه انقلب على دينه وأهله ووطنه بعد تأثره بالفكر الضال ، وإعترافه بأنه اكتشف دور بعض الأجهزة الاستخبارية الإقليمية في استخدام تنظيم «القاعدة» كورقة سياسية في لعبة المصالح والاستقطابات والتجاذبات الإقليمية، ان كل ذلك يقدم دليلا إضافيا ًعلى هشاشة التكوين الديني والعقدي لإرهابيي تنظيم «القاعدة».والحال أن ما اسماه البتول في إحدى مقالاته (صدق التكوين الديني والعقدي) لتنظيم « القاعدة» ، يعيدنا إلى إشكاليات الحركة الصحوية الإخوانية التي قامت بتفريخ عناصر التطرف والإرهاب في الأراضي السعودية واليمنية وأراضي بلدان عربية أخرى تحت عباءة (الإسلام الصحيح) أو (التدين السني الصحيح ) حيث سبق لأحد شيوخ هذه الحركة وهو «سلمان العودة» ــ قبل تراجعه ــ أن وصف الداعية يوسف العبيري وهو أحد رؤوس التكفيريين في السعودية بأنه كان صادقا في تكوينه الديني وقناعاته العقدية عند مقتله في إحدى المواجهات الأمنية مع السلطات السعودية عام 2004م . والمعروف أن «أسامة بن لادن» أثنى على مسيرة الإرهابي القتيل يوسف العبيري في شريط بعنوان( شهداء المواجهات) الصادر عن مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي التي تتولى توزيع أشرطة تنظيم «القاعدة».ما من شك في أن المصرع المأساوي للداعية الشاب يوسف العبيري يقدم صورة حية لواحدة من أبرز إشكاليات الحركة الصحوية السعودية واليمنية حين يقوم بعض الدعاة والمثقفين الصحويين بتجميل صورة مرتكبي الجرائم الإرهابية والإشادة بصدق تكوينهم الديني والعقدي، وهو التكوين الذي تم على تربة الأفكار التي نشرتها الحركة الصحوية من خلال مشايخها ودعاتها ومتحزبيها، ويعتبر المتطرفون الانتحاريون في مقدمة ضحاياها بعد أن آمنوا بها.ومما له دلالة أن الارهابي الضال محمد العوفي أعلن ــ وهو يرفع سبابة يده اليمنى ــ في الشريط التلفزيوني الذي بثته القنوات الفضائية بشأن الاعلان عن توحيد جناحي ( القاعدة ) في اليمن والسعودية تعهدا ً بالسير على درب الشيخ يوسف العييري الذي لقي مصرعه في إحدى المواجهات الأمنية في السعودية مع المتطرفين والارهابيين من أتباع الفكر الضال . ويتسق ذلك التعهد مع حرص رموز الحركة الصحوية الاخوانية في السعودية على التذكير بما يسمونه (استشهاد ) الشيخ يوسف العييري والاشادة بمناقبه التي كانت تتلخص في التوفيق بين الفكر الوهابي في المجال العقدي ، والفكر الاخواني القطبي في المجال السياسي الحركي ، بالتزاوج مع الأفكار الجهادية السلفية للشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين والشيخ محمد بن عقلا الشعيبي والشيخ ربيع بن هادي المدخلي ، على نحو ما أشار اليه الباحث الاسلامي السعودي الدكتور علي العميم في كتابه الشهير ( مشائخنا ومشائخ الصحوة ) الذي لاحظ فيه ان الحركة الصحوية الاخوانية في السعودية حافظت على التزمت الحنبلي الوهابي الشكلي من جهة ، ومنحته ديناميكية سياسية واجتماعية وعقائدية حركية من جهة أخرى، مشيرا الى أن المتغير الاخواني في البعد الجهادي اتسم بالنزوع نحو إبراز أفكار سيد قطب التي انبثقت من العباءة الاخوانية لإخفاء الطبيعة التكفيرية لأفكار محمد بن عبدالوهاب بعد ان كثر الهجوم عليها في داخل السعودية وخارجها بعد أحداث 11 سبتمبر ‘ وهو ما أكد عليه المفكر والداعية الاسلامي السعودي الشيخ حسن بن فرحان المالكي في كتابه الشهير ( محمد بن عبدالوهاب داعية وليس نبيا ) والذي اشار فيه الى ((أن سيد قطب تعرض للمبالغة في نقد أفكاره التكفيرية لأننا وجدنا في «متشابه» كلامه ما يوحي بالتكفير، بينما وجدنا التكفير في « صريح» كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا متشابهه )) ولسوف نقف أمام جذور الفكر التكفيري في البيئة الثقافية والدينية السعودية التي وفرت تربة خصبة للحركة الصحوية الاخوانية في اليمن والسعودية والبلدان العربية بمزيد من التفصيل في حلقة قادمة من هذا المقال.كان يوسف العبيري يقر بأنه أحد المنتسبين لتيار الصحوة الإسلامية الاخوانية، وكتب رسالة موجودة بالكامل على موقعه في الإنترنت تحت عنوان (نصيحة الشيخ يوسف العبيري للشيخ سلمان العودة بعد خروجه من السجن) قال فيها :( نحن نعلم يقينا أن صحوتنا المباركة بصوتكم سمعنا نداءها، وبوجودكم غيرت الواقع وبفكركم تزايد نهجها، فلكم الفضل بعد الله فوق فضل غيركم من العلماء والدعاة في ما حققته هذه الصحوة . علمًا أننا ما تعلمنا المنهج إلا من فضيلتكم).صحيح أنّ هذه الشهادة من يوسف العبيري تفسر لنا إصرار شيوخ الحركة الصحوية الذين تراجعوا أو الذين لم يتراجعوا عن نهجهم التطرف على الإشادة بصدق التكوين الديني والعقدي لضحاياهم حتى لا يدينوا أنفسهم ويتحملوا المسؤولية عن المصير المأساوي الذي آلوا إليه، لكن هذه الشهادة توضح لنا أيضًا الوجه الآخر للصورة بعد انفصال يوسف العبيري وأمثاله من المتطرفين عن المنهج الصحوي الذي اقترب كثيرا من النزعة الثورية الانقلابية المغامرة في التسعينات ، ليخرج في نهاية المطاف متبنيا رؤية إخوانية جديدة تنحو إلى الاعتدال والمهادنة على نحو ما ذهب إليه الشيخ «سلمان العودة» بعد تراجعه في السجن ، وامتنع عنه الشيخ «سفر الحوالي».أصابت ضحايا الحركة الصحوية من أتباع تنظيم «القاعدة» صدمة كبيرة من جراء تراجع الشيخ «سلمان العودة» عن بعض أطروحاته ومواقفه، وقد عبر يوسف العبيري عن جانب من هذه الصدمة في رسالة النصيحة التي وجهها إلى شيخه الكبير «سلمان العودة» قائلاً: (( راجع يا شيخنا الكبير ما كنت تطرحه في محاضراتك عن سلطان العلماء وهشيم الصحافة الكويتية واليمنية التي تتمتع بما تسمى حرية الصحافة.. وليكن همك الأول رضا الله سبحانه وتعالى.. وصدق التكوين العقدي، وألا تحدث في أتباعك الشباب بلبلة بأقوال تناقض ما كنت تنادي به قبل السجن». وبهذه الصدمة يكون العبيري برسالة النصيحة الموجهة لشيخه وأستاذه «سلمان العودة» قد سلط الضوء على واحدة من أبرز إشكاليات التقاطع بين فكر الحركة الصحوية وفكر وممارسات التيار الجهادي التكفيري المنبثق عنها ، والمتمثل في تنظيم «القاعدة، الإرهابي».. فمنهج العنف الذي زرعه العودة وأقرانه من مشايخ الصحويين في قلب الداعية يوسف العبيري وأمثاله من الدعاة الشباب ، لم يكن من السهل تغييره بعد أن غدا هذا المنهج وعيا أيديولوجيا صارما ً ومتماسكا ، يوجه سلوك الضحايا الذين تاثروا به . وعند هذه النقطة تبرز مفاعيل جديدة لمشهد مركب ، يثور فيه المجاهد الشاب على شيخه الداعية ، ويعلن صدق ولائه للمثل والمبادئ التي تعلمها على يد من تراجع عنها أو يتظاهر بالتبرؤ منها ولو إلى حين!!في الاتجاه نفسه كتب يحيى بن علي الغامدي وهو أحد الضحايا الذين لقوا حتفهم في المواجهات الأمنية مع الدولة على الأراضي السعودية كلاما ذا مغزى عميق في العدد السادس من مجلة «صوت الجهاد» الناطقة بلسان التيارالتكفيري في السعودية قبل توقفها عن الصدور بقوله : ( كان بعض هؤلاء العلماء يرسلون الشباب إلى الثغور ويقدمونهم للساحات إما بأشرطتهم وكتبهم ومضامين أفكارهم القائمة على نبذ الحكم بغير ما أنزل الله وجهاد الكفار والطغاة).ثم قال ملمحا للشيخ سلمان العودة :( فأحدهم بدأ يعيد الحسابات ويتجه نحو العصرنة وتمييع المفاصلة مع أعداء الله من المرتدين والرافضة والزنادقة»!!! وإذ تحرص مجلة «صوت الجهاد» التي كانت تصدر في السعودية على إيراد مقتطفات من كتب أئمة ومشايخ أهل السنة مثل ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب وأبي محمد المقدسي وسيد قطب ومحمد بن عقلا الشعيبي وناصر الفهد وعلي الخضير ومحمد بن سرور وربيع المدخلي، يكتب يحيى الغامدي قبل مصرعه في العدد الخامس من المجلة بعنوان :«سنوات الخداع .. دراسة لواقع دعاة الصحوة» قائلاً : ( إن مما يحزن القلب ويدميه في هذه الأيام العصيبة التي كاد الإسلام أن يصطلح فيها ما نرى من تناقضات وتخبطات دعاة الصحوة ).ثمّ يضيف : (إنني هنا لست في معرض الرد التفصيلي على الشبهات التي تقدم بها دعاة الصحوة فقد كفيت في ذلك، ولكنها محاولة لفهم كيف تغير المشايخ وما هي أسباب ذلك؟ وما هي حجج التضليل الذي يمارسونه على عوام الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع أن العوام كانوا أحسن حالا من هؤلاء الدعاة، فهؤلاء الدعاة ما انفكوا يعقدون أمر هذا الدين ويطلسمونه في أذهان الناس لكي لا يتمكن من الإفتاء واتخاذ المواقف غيرهم». هكذا يتحدث ضحايا الحركة الصحوية من أتباع تنظيم «القاعدة» بعد أن صاغ شيوخ هذه الحركة وعيهم الأيديولوجي الجديد على نحو يجعل منهم طلابا وتلاميذ مخلصين وصادقين في تكوينهم الديني والعقدي بحسب قول البتول في مقاله عن أتباع «القاعدة» في اليمن والسعودية. وإذا كان من حق الضحية أن يتحدث فمن حق القارئ الكريم معرفة ما الذي كان يقوله ويتحدث به شيوخ ودعاة الحركة الصحوية الإخوانية في السعودية ؟ .لن نبدأ بحديث الشيوخ الذين كانوا سباقين في التراجع عن مواقفهم أمثال الشيخ سلمان العودة الذي أنتج خطابا جهاديا راديكاليا تجاه القوى الداخلية والخارجية ثم تحول في مرحلة لاحقة إلى إنتاج وتسويق خطاب معتدل جعل أكثر طلابه ومريديه ينفضون من حوله.. بل سنبدأ بغيرهم ممن تأخروا بعدهم في إعلان تراجعهم وهو الشيخ ناصر الفهد الذي كان يعتبر واحدا من مشاهير شيوخ التكفير في السعودية قبل أن يتراجع عن أفكاره في عام 2004م بعد تفاقم الغضب الشعبي ضد الجرائم الإرهابية التي ارتكبها المتطرفون الضالون من أتباع تنظيم «القاعدة» وأسفرت عن قتل مئات الأبرياء والمدنيين من النساء والرجال والأطفال في مختلف المدن السعودية على نحو ما أوضحناه في الحلقة الأولى من هذا المقال.كان الشيخ ناصر الفهد غاضبًا على رسالة وقع عليها عدد كبير من المفكرين والأكاديميين والدعاة في السعودية ردا على رسالة وجهها عدد من المثقفين الأمريكيين إلى المجتمع السعودي بعد أحداث 11 سبتمبر2001م .. وكانت رسالة الرد السعودية التي صدرت في منتصف 2002م تحمل في مضمونها خطابا يتسم بالانفتاح والتسامح من خلال التأكيد على أن لدى الذين كتبوا الرد ووقعوا عليه (( قناعة راسخة بأنه يتوجب على أهل العلم والفكر أن يتمتعوا برؤية بعيدة وعميقة لا تسمح لهم بالجري وراء خيارات صنعها أفراد أو دوائر واقعة تحت ضغط أفكار متطرفة لا تراعي الأخلاق ولا الحقوق والقيم الانسانية المشتركة ، وقد تقود المجتمعات إلى دوامة القلق والحرمان والصراع اللا إنساني..)) .ثمّ تمضي رسالة الرد بالقول : ( إن لغة الحوار هي لغة القوة، ومن الخطأ أن نجعل القوة هي لغة الحوار لأن من شأن ذلك أن يسمح لقوى الصراع والاقصاء أن تمارس دورا معقدا في المستقبل.. فالإنسان من حيث هو في كينونته مخلوق مكرم لا يجوز أن يعتدى عليه مهما كان لونه أو عرقه أو دينه.. ونحن نؤمن بأن الإسلام هو الحق، ولكن من غير الممكن أن يكون العالم كله مسلما إذ ليس بمقدورنا جعله كذلك.. وليس من شريعتنا أن نلزم الآخرين به). وقد شاركت الحركة الصحوية الإخوانية في اليمن من خلال الشيخ عبدالله صعتر في حملة الردود على رسالة المثقفين السعوديين في شريط صوتي صدر في سبتمبر 2002م ، و نشرته صحيفة (العاصمة) التي يصدرها حزب التجمع اليمني للاصلاح في اكتوبر 2002 بمناسبة الذكرى الأولى لأحداث 11 سبتمبر بقوله : ( لا يصح أن يبقى انسان في الأرض لايدين بالاسلام ولا يجوز أن يبقى شبر في الارض لا يحكمه الاسلام .. فالمعركة قائمة لهذا الغرض والصراع مستمر على هذا الاساس ) .. ثم يضيف قائلا : ( والله ما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ليدعو ويبقى في مكانه ولكنه قال له ولاتباعه : وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله .. أي قاتلوهم ليكون الاسلام هو الحاكم لكل الارض وكل من عليها ) .من جانبه أصدر الشيخ ناصر الفهد كتابا في السعودية من جزءين بعنوان (طليعة التنكيل بما في بيان المثقفين من الأباطيل) ردا على بيان المثقفين السعوديين الذي كان الشيخ سلمان العودة أحد الموقعين عليه ، أشار في الجزء الأول منه إلى التغيير الواضح في مواقف الشيخ العودة بقوله: (( من الظاهر جدا أن هذا البيان مملوء بلغة الهزيمة والتخاذل والذل والاستجداء والتودد إلى الكفار. ولو قرنته ببعض كلام من تولاه ونشره في السابق لأخذك العجب.. فقد كان لسلمان العودة محاضرة قبل سجنه بعنوان « لماذا يخافون من الإسلام؟» ، قرر فيها بكلام جميل دور الجهاد في إخافة أعداء الله من الكفار، ثم رد وبالغ في الرد على من أسماهم بالسذج من المفكرين الإسلاميين ممن يظنون أن الإسلام سينتصر بالكلمة والدعوة والحوار ولن ينتصر بالسيف والجهاد .. فأنظر كيف بلغ به الحال ليس إلى مجرد ترك الدعوة إلى الجهاد أو تمجيده أو تعزيزه، بل إلى إنكار لغة القوة والصراع والصدام بين الإيمان والكفر.. وبين حضارة الإسلام وجاهلية الكفر والشرك ، وهذه كلها تعني ترك الجهاد والتبرؤ منه.. وزعم بأن هذه شريعة الإسلام.. وقد كانت له محاضرات عن الجهاد وقتال الكفار منها صناعة الموت وحتمية المواجهة، ولكنها انقلبت الآن إلى حتمية الحوار وصناعة التعايش)).من إشكاليات الحركة الصحوية أن طرفا تكفيريا متشددا يتهم طرفا آخر بالتراجع عن الثوابت الأصولية، وهو ما ينفيه الطرف الآخر ويخلق بالتالي مزيدا من الارتباك والبلبلة بين الناس الذين يكتشفون أن ما يظنونه تراجعا وتغيرا حقيقيا ليس إلا لعبة سياسية حتمتها الظروف والضغوط السياسية التي تزايدت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية .. فالشيخ سلمان العودة شأنه شأن الزنداني والحوالي والشعيبي والمدخلي والفهد والخضير وعمر عبدالرحمن هم فقهاء سياسيون بامتياز كما يقول الدكتور غازي القصيبي وزير الخدمة المدنية السعودية في كتابه «حتى لأتكون فتنة».. ولذلك فإن الشيخ سلمان العودة لا يرى بأسا في ممارسة التقية السياسية التي أشتهرت بها الشيعة الاثنا عشرية، بعكس بقية الشيوخ الذين تراجعوا في وقت لاحق بمن فيهم الشيخ ناصر الفهد نفسه أو الذين لم يتراجعوا ولا يزالون يمارسون الألاعيب السياسية بطريقة مفضوحة يبدون من خلالها كقادة سياسيين يتقدمون تحت عباءة الدين لقطف المكاسب السياسية للإرهاب المسلح من خلال الدعوة إلى الحوار مع تنظيم «القاعدة» ، بمعنى الاعتراف والجلوس معه على طاولات مفاوضات سياسية على نحو ما دعا اليه الشيخ سفر الحوالي بعد تفجيرات الرياض 2003م والمحيا 2004م ، ورفضته بحزم الحكومة السعودية!!كان سلمان العودة ـ شأنه في ذلك شأن الفهد والخضير اللذين تراجعا بعد تفجيرات المحيا عام 2004 ـ يرى في كتيب أصدره بعنوان ( لماذا يخافون من الإسلام .. ص 12)، إن العالم لن يدين بالإسلام إذا عرضناه بوضوح ونقاء.. فالتاريخ كله تاريخ الحرب مع الكفار، والواقع ــ اليوم وأمس ــ هو واقع الصراع و التوتر الدائم الذي يتوجس فيه كلا الطرفين من الآخر». وبحسب سلمان العودة (( فإن العزب حين يقول إن موقفه من الإسلام هو موقف التسامح فهو يقصد بذلك كسب الوقت .. وإذا قال بعض المسلمين أيضا أن الإسلام لا يبغض الغرب ولا يكرهه وإنما يسالمه ويقبل التعايش معه، فالواقع أن هؤلاء المسلمين يدركون في قرارة أنفسهم أن الإسلام له موقف آخر لو كان يملك القوة التي يواجه بها الغرب .. لأن الصراع بين الاسلام والكفر قائم على هذا الأساس وهو الحسم من خلال امتلاك القوة ).ما من شك في أن التيار السلفي الجهادي الذي ينتهج العنف المسلح في اليمن والسعودية هو الابن الشرعي للحركة الصحوية الإخوانية في البلدين.. وإذا كان الصحويون بعد تراجعهم ـــ أو التظاهر بالتراجع عن العنف الجهادي ـــ يبدون في صورة من يتعاطف مع الجهاديين ويحذر من بأسهم ويدعو إلى الانفتاح عليهم والحوار معهم مؤكدا على إخلاصهم لدينهم وصدق وسلامة تكوينهم الديني والعقدي كما هو الحال عند البتول والغفوري، فإن تأثير الصحويين على الجهاديين لا يمكن فهمه بدون مقاربة القواسم البنيوية المشتركة في العلاقة بين الطرفين، مع مراعاة حقيقة أن أغلب شباب التيار الجهادي كانوا في مرحلة الصبا والمراهقة جزءا لا يتجزأ من إستراتيجية الحركة الصحوية التي دأب شيوخها وناشطوها في بداية الثمانينات من القرن العشرين المنصرم على تجنيد صغار السن وإرسالهم إلى أفغانستان ، حيث تم تلقينهم أفكارا جهادية متطرفة.. بمعنى أن الجهاديين الشباب خرجوا من رحم الحركة الصحوية في اليمن والسعودية والبلدان العربية الأخرى ،ورضعوا من حليبها وتشربوا أفكارها ومبادئها لكنهم فطموا على يد جيل جديد من «القاعدة» يتميز بالصدام مع الصحويين بحسب الباحث سعود القحطاني في كتابه (الصحوة الجديدة للإسلام السياسي) الصادر عام 2005م في المملكة العربية السعودية، حيث يحاول التيار الصحوي الاسلامي المدني الإفادة من عنف التيار الجهادي بقطف مكاسبه السياسية عبر الدعوة إلى الحوار مع «القاعدة» والتظاهر بقدرته على التوسط بين الدولة والإرهابيين في كل من السعودية واليمن من خلال إرجاع جماعات العنف والإرهاب إلى طريق الاعتدال مقابل مطالب معينة لا تعدو أن تكون وسيلة للمزايدة على الدولة في مجرى تعاملها مع المتورطين بارتكاب جرائم إرهابية، والضغط عليها في سبيل الحصول على تنازلات سياسية جديدة لصالح التيار الصحوي الإخواني.. وهو ما يمكن الاستدلال عليه من المبادرات التي اعتاد الصحويون (المدنيون ) في السعودية واليمن على التقدم بها بعد كل جولة عنف بين الدولة وجماعات التطرف والإرهاب.ومما له دلالة أن كل تلك المبادرات كانت تصاب بالفشل حيث يتواصل مسلسل التطرف والإرهاب من خلال ارتكاب جرائم إرهابية مشينة ، الأمر الذي لا يشير فقط إلى أن هذه المبادرات كان محكوما عليها بالفشل منذ البداية، بل يكشف طابعها السياسي التكتيكي كورقة يتم اللعب بها من أجل تحقيق غاية استراتيجية مشتركة تجمع بين اعتدال التيار الصحوي المدني وتطرف التيار الجهادي التكفيري . وهما تياران يتقاطعان من حيث الشكل عند مسافة متباعدة ، بينما ينطلقان في المضمون من ايديولوجيا واحدة الى غاية مشتركة وهي الوصول إلى السلطة إن سلما أو حربا بغرض تحقيق هدف سياسي ملتبس بالدين تحت شعار الجهاد في سبيل الله وهو لايعني في الواقع سوى الجهاد في سبيل السلطة بماهو أسمى أمانيهم وأعطم غاياتهم واهدافهم السياسية الدنيوية على نحو ما سنوضحه لاحقا.[c1]*عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]