كل يحتفل على طريقته الخاصة
القاهرة / 14اكتوبر / هشام نصر :تتميز الليالي الرمضانية في قاهرة المعز بطابع خاص ، يضفي علي قاطنيها نوعا من الإرتياح الروحي والنفسي ، وبخاصة في شهر الصيام فمع غروب شمس أيام رمضان تخلو شوارع تلك المدينة المزدحمة دائماً من المارة، إلا نفراً قليلاً ممن تأخروا في أعمالهم ليجدوا في طريقهم إلى منازلهم موائد الرحمن الممتدة والمكتظة بضيوفه، وينطلق مدفع الإفطار ليسمعه الجميع عن طريق المذياع أو التلفاز ، أما قاطنو مناطق القاهرة القديمة فيسمعونه بلا وسيط لقربهم من قلعة صلاح الدين حيث يوجد مدفع رمضان مواجهاً لمسجد محمد علي باشا.* مدفع رمضان هذا المظهر الرمضاني الذي اختلف كثيرون حول العهد الذي بدأ فيه وأن كان الكل أجمع علي أنه موروث ابتدعه المصريون وانتقل إلي بعض الدول العربية، فالأذان ينطلق فور سماع صوت هذا المدفع فيرتفع صوت أذان المغرب، ليتجمع الأهل والأصدقاء الذين قد لا يرون بعضهم البعض إلا في تلك الأيام المباركة فيصل شهر رمضان الأرحام ويوطد العلاقات الطيبة بين الأصدقاء والجيران.وحول موائد الإفطار التي تحوي أشهي المأكولات حيث يحرص المصريون علي إعداد كل ما يحبون من طعام في هذا لوجبة وعقب الفروغ من هذه الوجبة الدسمة المصحوبة بطبق الحلو، ينقسم المصريون إلي فئتين الأولي تعكف علي الجلوس أمام شاشات التليفزيون ليتابعوا خريطة الأعمال الدرامية الرمضانية، بينما يخرج الباقون إلي الشوارع لتبدأ ليلة من ليالي رمضان القاهرة الساحرة حيث تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يحرصون علي صلاة التراويح وقراءة القرآن والالتفاف في حلقات الذكر وملاذمة المسجد إلي موعد صلاة التهجد والتي تبدأ مع منصف الليل إلي موعد السحور.* يعد مسجد عمرو بن العاص وساحته من أكثر المساجد جذباً للمصلين من جميع الطبقات والجنسيات في ليالي رمضان، حتي أن المصلين بهذا المسجد يصل عددهم إلي نصف مليون مصل في العشر الأواخر من رمضان ليفترش المصلون الشوارع المجاورة للمسجد يتبارون لحجز مكان لهم من منتصف النهار ليصلوا خلف كبار المشايخ ومشاهيرهم والذين يتمنعون بحسن تلاوة وتجويد القرآن الكريم بأصوات جميلة تجعل القلب يبكي قبل العين علي ما أفترفه من ذنوب ويطلب الغفران من الله سبحانه وتعالي.[c1]دورات رمضانية[/c]وعلي الجانب الآخر يقوم الشباب في ليالي هذا الشهر المبارك بتنظيم دورات رمضانية لكرة القدم تكون خماسية العدد في الغالب بالأندية ومراكز الشباب والساحات الشعبية، ليس هذا فحسب بل يصر سكان الأحياء الشعبية علي تنظيم هذه الدورات لتلعب في الشوارع والحارات تحت أضواء اللمبات والفوانيس المعلقة خصصياً احتفاءاً ببهجة وفرحة شهر الصيام حيث تعلق هذه الفوانيس في حبال تصل بين شرفات ويندلي منه قصاقيص الأوراق الملونة والتي يحرص القاهريون علي تزيين الشوارع بها ويتم الاتفاق علي جائزة تعطي للفريق الفائز في هذه الدورات الرمضانية .أما المقاهي سمة الشارع القاهري ، حيث الزيارة المطردة في إعدادها في السنوات الأخيرة لدرجة أنك لا يمكن أن تجد شارعاً إلا وبه أكثر من مقهي أصبحت أكثرً جذباً للمصريين بجميع طوائفهم وطبقاتهم، فتجد الشباب يجلس في المقاهي يلعب الدمنو والطاولة والشطرنج، وتصطف بعض المقاعد أمام شاشة التليفزيون لمتابعة الجالسين عليها للقنوات الفضائية التي أصبحت إحدي سمات المقاهي، إلا أن مقاهي الحسين لا تزال تستحوذ علي جانب كبير من حب القاهريين للجلوس علي المقاهي في ليل هذا الشهر، حيث إنه لا تزال الأسرة القاهرية تحرص علي زيارة منطقة الحسين حيث المقاهي في أحضان المساجد التاريخية وتحيط بالجالسين القطع الأثرية المستنسخة فنجد العائلات المصرية ويشاركها في هذا العرس العرب والأجانب من السائحين يجلسون جبناً إلي جنب ولكن للأسف يلاحظ أن الشيشة هي السمة التي تجمعهم فالكل يدخنونها (عربي أوأوروبي أو أبناء البلد المصريين رجالاً نسائا شباب وبنات).أما الأطفال في القاهرة فتجدهم يلعبون ويفرحون أمام أهاليهم الجالسين في المقاهي في الساحة المواجهة لمسجد الحسين يحتفلون بشهر رمضان بطريقتهم الخاصة .[c1]الخيام الرمضانية[/c]وكذلك تحرص الأندية الكبري في القاهرة علي إقامة خياما رمضانية لتجذب أعضاءها باحتفاء مظاهر رمضانية في دروب النادي، وانتقلت تلك الظاهرة إلي الفنادق وهناك نوعان من الخيام الرمضانية، فالأولي وهي مخصصة لعلية القوم تكاليف السهر بها عالية للغاية نظراً لأن القائمين عليها يتفقون مع كبار النجوم للغناء بها والرقص وسط تدخين الشيشة وتناول المشروبات الرمضانية مثل الخشاف وقمر الدين مع أكل الحلويات بأنواعها شرفية وغربية، وهذا الخيام ترفيهية يحرص القائمون علي بعضها إلي جلب بعض فتيات الليل والراقصات وأندساسهن وسط روادها ومع بداية غناء المطربين يقمن بالتوجه إلي المسرح المقام والرقص بخلاعة وإثارة الموجودين حتي تكون هذه الخيام أكثر جذبآً للشباب، وهو ما دفع بعض البرلمانيين بالمطالبة بمنع هذه الخيام التي تنتهك حرمة الشهر الكريم تحت مظلة رمضانية.أما النوع الثاني فهي الخيام الدينية التي تقوم علي فعاليات دينية من إنشاد ديني ومدح للرسول إلي جانب تقديم الدروس الدينية التي تقوم علي نوعية رواد الخيمة بتعاليم الدين الحنيف.وتكثف وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع المراكز الثقافية الأجنبية نشاطاتها للاحتفال بالليالي الرمضانية بتقديم الفنون الشعبية، فنجد قصر ثقافة الغوري وبيت الهواري وزينب خاتون بحي الأزهر، يقوم بتقديم الفنون الصوفية والشعبية يتخللها بعض الإنشاد الديني من مشاهير المنشدين ويتنافس معها في ذلك المركز الثقافي الفرنسي والبريطاني والإيطالي والروسي والإسبان ونجد المنافسة علي أشدها للتعاقد مع الشيخ ياسين التهامي أشهر المنتدين الصوفيين لأحبار لياليها من أجل جذب أكبر عدد من الرواد ويحرص الشيخ ياسين علي التنقل بين المراكز وقصور الثقافية والخيام الرمضانية، ولا يتعاقد علي إحياء الشهر بأكمله في إحداها.وهروباً من ارتفاع درجات الحرارة هذا العام يتجه عدد كبير من محبي السهر في ليالي رمضان إلي كورنيش النيل بالأسر المصرية يستمتعون بالجو المعتدل حيث ضفاف النيل الخالد فنجد تجمعات كبيرة من الشباب والعائلات بتكدس بهم الكورنيش علي امتداده بقطعة زحام آخر بعد مبني الإذاعة والتليفزيون وبالتحديد عند منطقة بولاق أبوالعلا، حيث تقع منطقة وكالة البلح حيث تواجد مكثف للعائلات المصرية البسيطة الذين ينوون شراء ملابس جديدة استعداداً لعيد الفطر وهم في الغالب من فقراء المصريين حيث تشتهر وكالة البلح ببيع الملابس المستعملة.[c1]الدعاة الرمضانيون [/c]تكثر أيضاً في الليالي الرمضانية قوافل الدعاة الذين يجوبون الشوارع وسط الزحام والمقاهي يدعون إلي الله وطاعته واستثمار شهر رمضان في غفران الذنوب والتقرب إلي الله بكثرة الصلاة والصيام والزكاة والتصدبق علي الفقراء، وفي المقابل هناك قوافل من نوع آخر ولكنها أكثر السمات السلبية في المجتمع المصري وهي قوافل المتسولين الذين يكثر عددهم بشكل لافت للنظر في الشهر الكريم يستجدون المارة والمترددين علي المساجد والجالسين في المقاهي بستثمرون تقرب أهل القاهرة إلي الله في شهر رمضان، ويحصلون علي أموال طائلة بنهابة الشهر.وفي نهاية كل ليلة يسهرها أهالي القاهرة تأتي دقات الطبلة لتنبه الجميع إلي اقتراب موعد السحور أنه المسحراتي الذي يجوب شوارع القاهرة ينادي كل شخص بأسمه فكل حي له مسحراتي خاص به، وهو أحد أبنائه فيقوم بالطرق علي الطبلة بقطعة من الجلد ويرتفع صوته بأسماء أبناء الحي ويعقبها بجملة سحورك يا صايم ورمضان كريم، ليتجمع مرة أخري القاهريون علي مائدة السحور التي يحرص القاهريون بجميع طبقاتهم علي تناوله في الشارع، حيث تقوم مطاعم الفول بوضع ترابيزات في الشوارع يجتمع عليها الناس لتناول السحور الذي يتكون من طبق فول وبيض وجبنة مع السلطة الخضراء.