(عدن للعدنيين)!(عدن لمواليد عدن) !! (يجب أن تكون الوظائف لأبناء البلاد)!هذه الشعارات والهتافات الرخيصة يجب أن تنقرض ، وأن تموت .. انها تصدر عن نزعة انفصالية ضيقة وعقلية فجة يعوزها الشمول والوعي الصحيح ، ويصور لها الوهم أن عدن – هذه الرقعة الصغيرة من أرض الجنوب – يمكن أن تكون ضيعة لفئة محدودة من الناس وان وظائفها وكل مقدراتها يجب أن تكون حكراً ووقفاً عليها .وكنت أحسب أن هذه الدعوة الشاذة قد أخذت تتقلص وتختفي تحت ضربات الأقلام المؤمنة بوحدة الجنوب بل يكفيها ذلا أنها لا تجد العون والتشجيع حتى من أعظم سند لها وأكبر منتفع بتحقيقها.. وكلكم تعرفونه !ولكن المؤسف أن تعود هذه الدعوة إلى الظهور في شكل جديد..وأشد أسفاً من ذلك أن يكون الدعاة الجدد أصدقاء أعزاء علينا ، قريبين إلى قلوبنا .. لا يكفون لحظة عن إعلان تمسكهم الشديد بمبادىء الاتحاد والوحدة .ومثلهم كمن يريد أن يوحد الجنوب عن طريق تجزئته ، وأن يقنع الناس بسلامة المبدأ الاتحادي بواسطة السعي إلى تثبيت الأوضاع الانفصالية القائمة .وما أعجب ما يقولون ويدعون ، يقولون أن الأسبقية في تمثيل عدن في المجالس المحلية . في تقلد الوظائف يجب أن يستحسن أن تكون للعدني . مع عجزي الشديد عن فهم مدلول كلمة (العدني) هنا!اليس هذا اعترافاً بالواقع الماثل واقع التجزئة والتفرقة ، الواقع الذي صنعته قوى دخيلة أو مفروضة علينا ودعو كلمة (يستحسن) و(يا حبذا) إلى اليوم الذي نملك فيه كلمتنا سادة مصائرنا .فنحن الآن مع الأسف لا نستطيع أن (نستحسن) شيئاً أو (نحبذ) شيئاً وإنما تفرض علينا الأمور فرضاً .وحتى في ذلك اليوم الذي نصبح فيه سادة أنفسنا ، وأحراراً في مشيئتنا لن نحتاج إلى تفضيل أبناء منطقة يمنية على أخرى فإن هذا يعني الانتكاس والرجعة إلى الأوضاع الفاسدة السابقة .ويقولون – وما أعجب ما يقولون !- أن هناك بعض العدنيين المخدوعين الذين تبلغ بهم (الحساسية) المرهفة إلى حد أن يشعروا أن اليمني الذي يرشح نفسه إلى جانبهم في انتخابات البلدية إنما هو مزاحم لهم ومنافس خطر عليهم .وحتى اذا افترضنا في هؤلاء المخدوعين حسن النية وسلامة الطوية ولم نشأ أن نسمي الاشياء بأسمائها ونعتبر نيتهم الحسنة جهلا وطويتهم السليمة سذاجة وقصوراً في التفكير فلا يصح أن نجاري هذه القلة المخدوعة في منطقها ونمعن في تدليلها فنبرر مخاوفها بالتسليم بما تريد ولو تخلينا لها عن مبادئنا !إن علينا أن نقف من هذه القلة المخدوعة موقفاً آخر ..يجب أن نفتح أعينها على الاوضاع القائمة ، وأن نبصرها بحقيقة العوامل التي خلقت التجزئة في الجنوب .ويجب أن نوجه أنظارها الى المنافسة الاجنبية الخطرة التي تواجهها بلا نصير ولا عون .. إلا عون اليمني والحضرمي واليافعي وغيرهم من أبناء اليمن والجنوب . فإن أبناء الجنوب هؤلاء يشكلون روافد بشرية تصب في بوتقة هذا البلد العدني لتنصهر وتنشأ عنها نواة شعب عربي يندغم في مجموعة الشعوب الجنوبية .ويا لضيعة عدن يوم تسن القوانين وتنتصب الحواجز لتسد الافق دون هذه الموارد البشرية الضخمة ، وتترك حفنة قليلة من الناس تسمي نفسها (مواليد عدن) لتواجه مصيرها المحتوم أمام أجناس غريبة مسلحة بالخبرة والمال وبما هو أخطر من كل خبرة ومال!وأحب أن اسأل هؤلاء العدنيين المخدوعين :كيف يعتبرون ابن اليمن مزاحماً لهم ؟ هم إذن يرونه قادماً من أرض غريبة وليس هو في جزء من وطنه الجنوبي الكبير . يشارك في سعادته وشقائه ويسهم في بناء كيانه ، وتشده اليه مصالح وعوامل مشتركة .ومعنى ذلك أن أي حق يكسبه أبن عدن هو في ذاته كسب لأبناء اليمن والجنوب جميعاً وحق لهم .واذا سقط أي حاجز في أي جزء من الوطن فالواجب أن نفيد من ذلك في دعم وحدتنا لا أن نسعى بأنفسنا إلى إعادته من جديد. بدعوى الأسبقية والأولوية وما لست أدري من هذه الكلمات العجيبة.وبكلمة أكثرها وضوحاً وجلاء:اذا استطاع يمني في عدن أن يرشح نفسه لانتخابات البلدية إلى جانب إخوانه العدنيين – وهو لا يستطيعه إلا بشروط – فذلك حق من حقوقه .وما دامت قد انتقت كل الفوارق فإن الشرط الوحيد الذي ينبغي أن يتوافر فيمن يمثل الشعب هو الإخلاص والكفاءة .ولا يغير من هذه الحقيقة أن العدني لا يستطيع أن يتمتع بهذا الحق في لحج أو اليمن أو غيرها من بلاد اليمن ولا يستطيع مثلاً أن يمتلك أرضا فيها .أن هذه الموانع والحواجز من صنع ظروف معينة وهي لاتخدم مصلحة شعوب الجنوب ولا تعبر عن ارادتها .والطريق الطبيعي لسحق هذه الموانع هي أن تتكتل هذه الشعوب وتتضافر لمحوها .أما أن نهتف في غباء: عدن أولاً !فإن هذا الهتاف لن يلبث أن يسري عبر الحدود إلى آذان إخوان لنا في جعار وأبين وحضرموت واليمن فينطلق كل منهم هاتفاً :نحن أولاً!وبعد ..هذه لمسة سريعة عابرة للموضوع لا أقصد بها الرد على أحد .. وقد قرأت أكثر من تعليق حول هذا الموضوع .. وكلها تحتاج إلى تنفيذ وتحليل ليس هنا مجاله.[c1]* النهضة ، العدد 255، 16 يونيو 1955م[/c]
عدن ... لمن ؟
أخبار متعلقة