أديب قاسم :إنّ التغييرات الخصبة التي حصلت في صحيفة ((14 أكتوبر)) وهي في طابعها شبه الرسمي لاسيما في حقل خاص كحقل النقد الاجتماعي والذي قد يصل إلى حد النقد السياسي للجانب التنفيذي في مستوى تطور آلية الدولة، هي تغييرات تعكس ولا شك السعي لإدراك الحقيقة واستنتاج الخلاصات وكأنّما هي دعوة للإجابة على هذا السؤال ((ما العمل؟)).وفي مسار البحث عن أرضية مشتركة بين المواطن والدولة.. وتلك هي النظرة الواقعية للأشياء والتي هي من المبادئ الأساسية للصحافة الحقيقية، مثلما لحياتنا الاجتماعية، وبفضلها تتخذ الصحيفة قوةً وتأثيراً.. وهو ما يحدث الآن.في المرحلة المعاصرة لصحيفة ((14 أكتوبر)) كمنبرٍ حقيقي للديمقراطيين، في الوقت الذي لم تكن لتذهب بعيداً عن الخطاب الرسمي الموجه، وفيه نقف على ((الصالح)) المثمر في مسار الحياة العامة من حيث صحة الحوادث أو التطورات.. وفي حالات نجد ما يسميه الإنجليز بزخرفة الواجهات window dressing وهو ما يعني تجميل واجهة الدولة على غير الحقيقة، وذلك لإعطاء الجماهير صورة جذابة غير واقعية عن واقع مؤسسة أو مشروع... وهذا هو الذي يجابه من جانب النقد الذي شرعت تعمل عليه صحيفة 14 أكتوبر في مساحةٍ تحتمل مختلف ((وجهات النظر)) ودونما حرية واسعة، ولكن لاعتبارات تمس طبيعة العمل الصحفي في التجاذب بين الصحيفة وقرائها.. وإلا فإنّها سوف تخسر القارئ .. غير أنّ هذا التطور الديمقراطي هو الشيء الأساسي الذي انتهجته الصحيفة في النظر لأفق الحياة المستقبلية والنظر إلى الحاضر في نطاق بناة المستقبل.على هذا الأساس (ويخصني منه الجزئية الأخيرة) كنت قد ساهمت بكتاباتي لهذه الصحيفة التي لم تكن يوماً على هذا القدر الذي نجده اليوم من مسؤولية ((تحرير)) ذهن القارئ بل تحرير المواطن ذاته لبلوغ هذا الهدف من خلال تمكينه من الحصول على حقه المشروع في الثقافة والفكر والفن والمعرفة وهو السبيل الأنجع لصحيفة يحاول رئيس تحريرها وإدارتها وهيئة تحريرها تطويرها باتجاه العصر.. وهذا خلاف للصحيفة التي لا يهمها أمر المواطن ملبية حاجاته الفعلية من خلال معاناته وتطلعاته بقدر ما يهمها أن تبرئ ذمتها تجاه الدولة والحكم.ويصبح من الطبيعي أن تحرر منذ الآن (في عُهدة النظام الديمقراطي بصيغه الحقيقية) وأن نعمل على تغيير هذه العقلية الصحفية وجميع الأطر التي تحتمي بداخلها في مرَّكبها البيروقراطي، لننطلق في أهدافنا التقدمية (الإنسانية) نحو خلق البنيات والمفاهيم الاجتماعية الجديدة التي تمليها طبيعة التحولات الديمقراطية، بل والتحررية ضمن مبادئ وأهداف الثورة وهي التي بوأت هذه الصحيفة أن تحمل هذا الرقم في عنوانها : ((14 أكتوبر)).. هذا إذا أردنا فعلاً أن نصل إلى مستوى الإنجازات التي نطمح إليها من خلال تثقيف الجماهير.وإنّي لأتمنى لهذه الصحيفة التي قطعت أكثر من نصف مسيرة الألف ميل :أن تخرج عن دائرة التوزيع المحدودة والتي لا تخرج عن نطاق المدن، بل عن النطاق الإقليمي.أن تكون عاكسة لأوجه النشاط الفكري على المستوى الإنساني من محاربته لأوكار وبؤر الفساد، والتركيبات الاجتماعية ـ القبلية الضيقة الرؤى والأهداف.أن تبرز مساحة واسعة من الحرية المحرزة بالفكر الديمقراطي لتفتح الطريق أمام النقد والبحث في طرائق جديدة للحياة، سواء من طريق الشعر والقصة والمقال. (الدراسة والنقد).أن تنفتح على الثقافات الإنسانية ـ وهي إسهامات معدودة بشكل أكثر قوة في الترجمة العربية لأبرز ما يُنشر في مجالات السياسة والعلوم والآداب ـ إلى جانب الموضوعات الفكرية والاقتصادية والثقافية من قضايا الواقع والمصير.أن تتزين بالألوان كغيرها من الصحف في عصر ثقافة الصورة.على أنّ الجذب التجاري لا يختلف عن الجذب السياحي (لطبيعة خلابة جذابة ساحرة).. فالألوان في الصحيفة تعني نجاحاً في صناعة الإعلان بجذب حصة كبيرة من أموال الدعاية ترفد ميزانية الصحيفة وتضاعف م قوة نشاطها واستعداد كادرها للعمل الصحفي المثمر (إنسانياً)، والجاذب (تجارياً).. لننظر ـ مثلاً ت أي صحيفة مالية كصحيفة (فايننشال تايمز ـ The Financial Times) البريطانية.. ظل رئيس تحريرها طوال ما يربو على خمسين عاماً ـ يحاول تطويرها باتجاه العصر... وهناك شبه إجماع في بريطانيا على أنّ الصفحة الفنية في (الفايننشال تايمز) تكاد تكون أحسن صفحة فنية في المجلات البريطانية.. وهناك أعمدة اجتماعية والصحيفة هي موضع حسد الصحف الأخرى.. موضوعات تمس القارئ .. وتقف ضد أخطاء الدولة.. طرحت إحدى الصحف هذا السؤال : كيف تعنى صحيفة مالية بهذه الأمور؟ فكان جواب رئيس التحرير (آنذاك) السير نيوتن أنّه يعنى بكل ما يمكن أن يسهل عمل رجال الأعمال بما فيه الفن والفكر.لنعلم من هنا : أنّ الصحيفة (الناجحة) ليست مجرد أداة لتوليد الفكر ونقل المعرفة، وإشاعة البهجة .. بل هي كل هذا ومن خلال كونها عملاً تجارياً كبيراً!
14 اكتوبر في مساراتـهـا الديمقراطية باتجاه العصر
أخبار متعلقة