منبر التراث
[c1]في المدينة الساحرة الأصيلة[/c]عقدت ندوة فكرية علمية في جامعة مراكش المغربية تلك المدينة الأصيلة الساحرة المطرزة بالآثار الإسلامية الباهرة والتي كانت في يوم من الأيام من أعظم المدن الإسلامية في المغرب بل وفي البلدان الإسلامية والتي كان لها دور هام على مسرح المغرب السياسي وخصوصًا في عهد ظهور نجم المرابطين الذين حكموا المغرب والأندلس فترة من الزمن . وروى التاريخ أن الذي بنا مدينة مراكش هو أمير المرابطين يوسف بن تشفين سنة ( 454هـ / 1062م ) .[c1]ندوة فكرية جريئة[/c]وعلى أية حال ، عقدت في مدينة مراكش المغربية الإسلامية - كما أشرنا في السابق ندوة فكرية حملت عنوان مثير وجريء في نفس الوقت وهو (( المؤرخون والسلطة )) . ولقد طرحت في تلك الندوة العديد من الأبحاث والدراسات والمداخلات التي أبرزت المشاكل والصعاب الذي يواجهها المؤرخ أو المؤرخون المختصون في التاريخ الحديث والمعاصر من السلطة في العالم المتخلف أو الثالث - كما يقال عنه تهذبًا .[c1]التلويح بالعصا الغليظة[/c]وأشارت أحدى الأبحاث في الندوة إلى تقرير خطير نقلاً عن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بما معناه : “ مثلما يتعرض بعض الصحفيين في الدول المتخلفة المعروفة بنظمها الدكتاتورية إلى الاضطهاد , والترهيب ، والتعذيب النفسي الرهيب ، وإلقائهم في غياهب السجون الانفرادية بل وصل الأمر إلى اغتيال البعض منهم فقد تعرض أيضًا بعض المؤرخين في تلك الدول الدكتاتورية التي تكبت وتكبل الحريات كالصحفيين الذين يتعرضون للاضطهاد من السلطة أو السلطات - كما قلنا سابقاً -ـ إلى أساليب الترويع والترهيب من خلال التلويح بالعصا الغليظة , ومصادرة مؤلفاتهم التاريخية في حال صدورها قبل أن تصافحها عيون القراء ». ويضيف التقرير : “ بأن بعض المؤرخين الذين رفضوا الانصياع إلى السلطة أو السلطات الحاكمة في تلك البلاد في مدح حكامها ، فقد زجت بهم السلطة أو السلطات في السجون المظلمة دون محاكمة ويقول التقرير : وحتى هذه اللحظة لم يعرف أين مصير بعض هؤلاء المؤرخين الذين رفضوا تزييف وتشويه الحقيقة » .[c1]المؤرخ موظفاً[/c]أشارت الندوة الفكرية بأن المؤرخ الحقيقي المجرد من الأهواء السياسية والمذهبية الذي وضع نصب عينيه البحث عن الحقيقة يجد تعنتاً من السلطة الدكتاتورية فتعمل على مراقب كل شاردة وواردة يكتبها في مؤلفاته ودراساته ، فالسلطة أو السلطات المكممة للأفواه شغلها الشاغل وهمها الأول أن يرسم صورة بديعة عنها وأنها رائدة الحرية والعدالة, والرفاهية في العالم أي أن تكون سلطة فاضلة شبيه بالمدينة الفاضلة كل شيء فيها يبرق ويتلألأ ويلمع . فالمؤرخ في تلك السلطات الحاكمة الدكتاتورية عبارة عن موظف يعمل لديها أو قل إن شئت أداة من أدواتها أو ترس من تروس سياستها . فينبغي على المؤرخ في تلك السلطات البوليسية القمعية أن يكتب في مؤلفاته التاريخية ما تراه صالحًا وصائبًا أو بعبارة أخرى أن يقلب الحقائق رأسًا على عقب وأن ويضع الرتوش على وجهها ليخفي ملامحها البشعة المليئة بالقمع والاستبداد , والظلم وترهيب الناس .[c1]المتعطش للحقيقة [/c]وختمت الندوة الفكرية تحيتها الحارة إلى كل مؤرخ صادق وشجاع يرفض الخضوع والاستسلام للسلطة أو السلطات الجائرة التي تكره نور الحقيقة ، وضياء الديمقراطية الرائع ، فالمؤرخ الأمين هو المتعطش لإظهار الحقيقة والحرية مهما تعرض لشتى أنواع القهر من أعداء الحياة , فعلى كاهله تقع أمانة كبرى وهي الحفاظ على ذاكرة الأمة ، فالقاضي النزيه ينطق بالحكم الفيصل على قضية تاريخية ( ما ) وذلك بعد أن يكون قد بحث في أوراقها بحثاً دقيقاً وقلب فيها الأمور وحللها تحليلاً عميقاً , ونظر إلى مختلف جوانبها وبذلك تظهر شمس الحقيقة للأمة.