يقول الرئيس باراك اوباما إنه يريد فتح قنوات حوار مع «معتدلين» داخل حركة «طالبان» على غرار ما فعله الجنرال ديفيد بترايوس بإنشاء مجالس الصحوة في العراق التي أثبتت قدرتها على مواجهة تنظيم «القاعدة» هناك ورفع هيمنته عن المناطق السنية في الانبار.وتقول الحكومة البريطانية إنها تريد فتح حوار مع من أطلقت عليهم «الجناح السياسي» في «حزب الله»، وليس مع «الجناح العسكري». ويجري الحديث بين وقت وآخر عن «حماس دمشق» و «حماس غزة» في محاولة للإشارة الى وجود خلافات بين الجهتين، أو الإيحاء بإمكان التفاهم مع إحداهما على حساب الأخرى.كل هذا يستدعي التساؤل عن مدى جدية الغرب أو عن مدى دقة فهمه لطريقة عمل هذه الفصائل والتزامها بأيديولوجية واحدة، قد تتعدد طرق السعي اليها، لكن لا يوجد خلاف حول الهدف من وراء النشاط السياسي والمسلح، لا فرق، الذي تمارسه هذه الجماعات.وبالعودة إلى اقتراح اوباما، فهناك فرق بالتأكيد بين المشروع العراقي الذي تجندت له العشائر السنية في وجه «القاعدة» التي كانت قياداتها ومعظم عناصرها من دول الجوار العراقي، وبين وضع حركة «طالبان» في افغانستان، حيث لا يزال الولاء كاملاً لقيادة الملا محمد عمر ولقبيلة البشتون المحيطة به، والتي تمثل الذخيرة الحقيقية التي تمد حركة «طالبان» هناك بالرجال وبالمال من خلال الخوات التي تفرضها أو ما يأتيها من دعم من متمولين في الخارج.وليس أدل على فشل محاولة استقطاب معتدلين من «طالبان» لمصلحة التسوية السياسية مما قامت به حكومة زرداري في باكستان أخيراً بإطلاق يد من اعتقدت أنها قادرة على التعاون معهم لاسترداد سلطتها في إقليم سوات. فماذا كانت النتيجة؟ ارتفعت أعمال القتل والتعذيب في تلك المنطقة لمناهضي الحركة وللسكان الذين عادوا بعد الهدنة معتقدين أن الأمور استقرت. وزادت أعداد الجثث المقطعة والملقاة على أرصفة الشوارع لمطربين أو لفنانين أو من تعتقد الحركة انهم يقومون بنشاطات «خلاعية»، كما زادت نسبة الاعتداءات على المدرّسات في مدارس البنات، سواء بإلقاء الأسيد على وجوههن وهن متجهات إلى عملهن، أو بتهديدهن بالقتل اذا اصررن على ممارسة مهنتهن. وكانت النتيجة إغلاق عدد كبير من هذه المدارس وعودة هذه المنطقة الباكستانية إلى أسوأ أيام حكم «طالبان» في أفغانستان قبل 11 سبتمبر والغزو الأميركي.أما كيف تنظر هذه التنظيمات إلى عملية الانفتاح عليها، فهذا يكشف أيضا عدم فهم الجهات الغربية، التي تقوم بتصنيف الحركات الإسلامية بين «معتدلة» و «راديكالية»، وأجنحة سياسية وأخرى عسكرية، للقاعدة الإيديولوجية الصلبة التي تقف عليها هذه الحركات، والتي تعتبر أن فكرها صحيح بالمطلق لا يجانبه الخطأ، وبالتالي فهي تنظر الى أي انفتاح عليها على انه «هزيمة» للقوى الغربية التي تسعى إلى الحوار معها.هكذا فسر قادة «حزب الله» الانفتاح البريطاني عليهم فاعتبروه «تصحيحاً» للسياسة البريطانية الماضية. كما ليس سراً أن قادة «حماس» يهزؤون من التصنيف بين «جناحي» دمشق وغزة، في الوقت الذي يدرك الجميع من أين يأتي قرار هذه الحركة وفي مصلحة من. والأمر ذاته حصل مع قادة «طالبان» الذين ردوا على انفتاح اوباما على «المعتدلين» بينهم بدعوته إلى إعلان هزيمة بلاده في أفغانستان ودعوه إلى الانسحاب.إذا كانت القرارات السياسية مبنية على التمنيات أكثر من الواقع وحقائق الأمور، فإنها تؤدي في اغلب الأحيان إلى نتائج معاكسة لما هو مرجو منها. والخوف أن تدخل اللغة الجديدة التي يستخدمها الغرب في حواراته مع الحركات الإسلامية في هذا الإطار. صحيح أن هناك رغبة لدى إدارة اوباما لحل المشكلة الأفغانية التي تضعها بين القضايا الأساسية التي تواجهها سياستها الخارجية. لكن هذا الحل قد ينقلب إلى عكسه، أي إلى تقوية «طالبان» وتمكينها أكثر من مقدرات أفغانستان، إذا لم يتبع الطريق السليم للوصول إليه.[c1]*عن/ صحيفة «الحياة» اللندنية[/c]
أخبار متعلقة