ما أصعب أن يكون المرء رئيساً لباكستان. عليه أن يتذكر يومياً حقائق قديمة ومستجدة. ضاعفت السنوات الماضية صعوبات المهمة، لذا يمشي الجنرال برويز مشرّف على حبل مشدود. حياته في خطر، وبلاده في خطر. ولا قدرة للعالم على احتمال باكستان طالبانية، ولا على احتمال رؤية ترسانة نووية في بلاد سائبة تفككت هيبة جيشها ونمت معاهد الانتحاريين في أرجائها. باكستان جزء مهم من التوازنات الآسيوية. انها جارة العملاقين الهندي والصيني. وجارة ايران الخمينية التي يراودها الحلم النووي. وجارة أفغانستان حيث تحاول القوات الأميركية والأطلسية احتواء العاصفة الانتحارية التي أطلقها أسامة بن لادن والملا عمر. على برويز مشرّف أن يتذكر أن باكستان كانت وبتكليف أميركي حاضنة «المجاهدين» الأفغان الذين أثخنوا الجيش السوفياتي، وان استخباراتها العسكرية كانت القابلة التي رعت ولادة حركة «طالبان». وان هجمات 11 أيلول (سبتمبر) شطرت العالم فسطاطين. وكان عليه أن يختار موقع بلاده في الحرب العالمية الجديدة. وفي تلك الأيام الصعبة اتخذ قرار المشاركة في «الحرب على الارهاب».وعلى برويز مشرّف أن يتذكر التداخل الباكستاني – الافغاني إتنياً وقبائلياً. وانه يحكم بلداً يحوي 13 ألف مدرسة دينية تضم أكثر من مليون تلميذ وطالب. وأن مناهج تلك المدارس غير قابلة للجراحات حتى التجميلية. وأن 70 مليون باكستاني يقيمون تحت خط الفقر. وأن نسبة الأمية تقترب من الـ 70 في المئة. وأن الشراكة مع الولايات المتحدة ليست جذابة للرأي العام. وأن الجيش الذي أضعف معتدلي الأحزاب التقليدية وفّر للقوى الاسلامية فرصة ملء الفراغ. وأن بعض الدوائر في الجيش لا تزال تحن الى شهر العسل مع «طالبان».ابتهجت ادارة جورج بوش بقرار مشرّف غداة غزوتي نيويورك وواشنطن. رأت في باكستان حليفاً لا يقدر بثمن. ولكن، بعد مرور سنوات تتزايد الخيبة في واشنطن. يكتفي مشرّف بتقديم الحد الأدنى الضروري من التعاون. سلطته آخذة في التآكل. مسلحو «القاعدة» و «طالبان» يتحصنون في المناطق الحدودية بحماية القبائل. يخططون لهجمات ويديرون أخرى. والجيش الباكستاني يطلق النار يوماً ويبرم تسويات يوماً آخر. لا بديل للتحالف مع باكستان. وفي الوقت نفسه لا يمكن اعتبار حكم العسكر الوصفة المثلى لكبح التيارات الأصولية وضمان قيام دولة القانون والمؤسسات.في باكستان تواجه الادارة الأميركية مأزقاً. الضغط من أجل تسريع قيام الديموقراطية ينذر بوصول الاسلاميين. تجربة «حماس» تستحق التوقف عندها. وانتخابات ما بعد صدام حسين أيضاً. وترك الجنرال مسترسلاً في المشي مع بلاده على الحبل المشدود يشكل بدوره مجازفة. وإقناع المؤسسة العسكرية بالتحالف مع بينظير بوتو ليس مهمة سهلة. فعلى مدى سنوات أدمن الجيش لعبة الامساك بالقرار وباتت لضباطه شبكة واسعة من المصالح. انه المأزق الأميركي. العلاج الحالي غير كافٍ. والساعة ليست ساعة الديموقراطية في العالم الاسلامي.واضح ان «القاعدة» تخطط لأزمة كبرى في باكستان. أزمة اقليمية ودولية. ولنا أن نتصور ما يمكن أن يعنيه تقلص سلطة الدولة في باكستان النووية أو تفكك جيشها. ماذا تفعل أميركا؟ وماذا تفعل الهند؟ وماذا عن كشمير؟ وماذا عن 160 مليون مسلم يقيمون مع الهندوس تحت خيمة الديموقراطية الهندية؟ من دون أن ننسى ان استقرار باكستان المعتدلة يشكل ورقة مساعدة في ضمان أمن الخليج في زمن الاضطراب. ويمكن القول ان الحقائق السكانية التي تمنع «القاعدة» من انتصار واسع في العراق تدفعها الى الرهان على الجبهة الباكستانية لإحداث انقلاب في باكستان وفي مصير الحرب في أفغانستان.تتجه باكستان الى انتخابات وسط احتمالات أزمة كبرى. لم يترك المعتصمون في «المسجد الأحمر» لمشرّف غير خيار الكي. لجأ اليه فتصاعدت العمليات الانتحارية وتحركت القوى الاسلامية لتوظيف غضب الشارع. وترنح اتفاق وزيرستان. لهذا يمكن القول إن الجبهة الباكستانية ستكون الأخطر في الشهور المقبلة. وإن مشرّف الذي تطارده محاولات الاغتيال مطالب بإنقاذ الاستقرار الباكستاني من الاغتيال ولو كان الثمن باهظاً.ذات يوم وقف برويز مشرّف أمام ضريح رفيق الحريري الذي أهداه سيارة مصفحة بعد محاولة لاغتياله. يصعب التكهن بما جال في رأس الرئيس الباكستاني. أغلب الظن أنه استنتج أن السيارات المصفحة لا تعني السلامة لركابها ولبلدانهم.[c1]* كاتب لبناني[/c]
|
فكر
باكستان... والأزمة الكبرى
أخبار متعلقة