أضواء
قد يكون من حسن الحظ أن يتزامن وقت إجازتك الصيفية في بريطانيا مع افتتاح أكبر معرض إسلامي في أوروبا، والذي استضافته العاصمة لندن في مجمع معارض «أولمبيا» غربي لندن من 11 إلى 14 يوليو الجاري. رايات الجهاد «الأصفر» و»الأخضر» كانت حاضرة في المشهد العام، في تمجيد لحركات تمارس الإرهاب السياسي وعندما يكون مثل هذا المعرض في دولة أوروبيه، فإن الآمال تكون كبيرة من ورائه في تحسين صورة المسلمين في الغرب، ذلك أن المجتمعات الأوروبية ـ مؤخرا ـ لم تعرف من الإسلام إلا ما سودته أنشطة بعض المنظمات المتأسلمة التي انتسبت للإسلام وعانى المسلمون منها الأمرين.الهدف «المعلن» للمعرض هو بيان حقيقة الإسلام ومد جسور التواصل مع المجتمعات الغربية، ويواكب وقت المعرض الذكرى الثالثة لتفجيرات لندن الإرهابية 07/07/2005م، واعترافات خلية «الإرهاب السائل» التي كانت تسعى لخطف طائرات بريطانية فوق الأطلسي وتفجيرها في الولايات المتحدة في صيف عام 2006. ولا يكاد الزائر يلج المعرض حتى يبصر في ثناياه جانبا من التراث والفن الإسلامي، فضلا عن قنوات إسلامية «على النموذج الغربي» تحاول جذب أكبر عدد ممكن من الزائرين. حزمة غير متجانسة من الأدبيات والحركات المتأسلمة، وأطياف مختلفة من المتصوفة والإخوان والقادرية وغيرهم، فرقاء جمعتهم القاعدة الإخوانية الذهبية «نتعاون في ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه». الحركات الجهادية بدورها لم تكن غائبة تماما عن المعرض، فرايات الجهاد «الأصفر» و»الأخضر» كانت حاضرة في المشهد العام، في تمجيد لحركات تمارس الإرهاب السياسي. الأجندة السياسية كانت الأهم من كل ما مضى، رغم تنوع الفعاليات والندوات، فالخطاب السياسي كان الأعلى صوتا والأكثر اهتماما واستقطابا دون غيره من الندوات الأخرى. عناوين لندوات تشد القارئ مثل: الخطر الإسلامي بين الحقيقة والخرافة، مستقبل الديمقراطية في العالم الإسلامي، من يقود المسلمين في الغرب، المسلمون والمناخ الأخضر والجهاد الأخضر...الخ. السؤال الذي كان بحاجة للإجابة هو: كيف سيمد هؤلاء جسور التواصل مع الغرب؟ وبأية وسيلة ومقابل ماذا؟ لا سيما بعد أن بدا المعرض «مختلطا» من الجنسين، بشكل يذهب الكلفة ويزيد الألفة!! منذ البداية كان التشاؤم السمة الغالبة على العديد من تلك الندوات، والتنافس لتسويق بعض الحركات كقيادات واعية لمسلمي أوروبا كان واضحا في بعض جوانب الخطاب، فمن عساه الأكثر اعتدالا والأرجح عقلا بين جماعات العمل الإسلامي في أوروبا؟ هل هم الإخوان المسلمون أم حزب التحرير أم من؟ صراخ وسباب وشتائم! هي محصلة بعض الندوات التي احتضنها المعرض وانسابت من أفواه «مفكرين إسلاميين»! لم يمض يوم على انطلاق فعاليات المعرض حتى برزت ملامح الخطاب السياسي الخشن لعناصر إخوانية معروفة «مردوا على النفاق» وتعلموا الكثير من خدع الغرب! صراخ وسباب وشتائم! هي محصلة بعض الندوات التي احتضنها المعرض وانسابت من أفواه «مفكرين إسلاميين»! كل هذه الأموال التي أنفقها منظمو المعرض وجل هذه الجهود المبذولة ومختلف الندوات السياسية، أرادت إيصال رسالة للغرب ـ بمواطنيه وسياسييه ـ مضمونها أن «الحركة الإسلامية في بريطانيا ـ وعلى رأسها الإخوان المسلمون ـ بريئة من الإرهاب براءة الذئب من دم يوسف»! مثل بعض جوانب الخطاب السياسي انفتاحا تجاه الغرب و»تحجرا تجاه الشرق!»، تجلى باختصار في محاولة «شيطنة» النظم السياسية العربية والإسلامية، واتهامها بالمسؤولية عن أحداث سبتمبر وتفجيرات لندن! لأنها لم تسمح لشعوبها أن تمارس الديمقراطية. كما قللت ندوات أخرى من خطر تنظيم القاعدة! فالقاعدة «خطر أمني» وليس استراتيجيا! ولكن ما هو الخطر الاستراتيجي يا ترى؟ هل هي النظم السياسية في الدول العربية والإسلامية؟ أم بعض حركات العمل «الإسلامي» التي تولدت منها حزمة من الجماعات المتطرفة قبل أن تتبرأ منها؟! مفكر «إسلامي» آخر يقسم أيمانا مغلظة أنه «لو قدر لجماعات العمل الإسلامي أن تحكم في دولها لما حدثت تفجيرات واشنطن ولا لندن»! فهذا باختصار سبب الإرهاب في العالم! شعارات براقة تستهوي كثيرا من السذج، وما أكثرهم! ولم يفقه هؤلاء أن السلوك العملي هو الفاصل بين الشعارات الزائفة والمعتقدات الثابتة. إن الخطاب السياسي الخشن الذي ظهر به عرابو حركة «الإخوان المسلمين»، والذي خرج أحيانا كثيرة عن حدود الأدب والأخلاق، يكرس حقيقة واقعية وهي: إن هذه الحركة النشاز في التاريخ الإسلامي لن يعلو قدرها، وستظل تراوح محلها، رغم مرور أكثر من 70 سنه على تأسيسها لتجمع بين دفتيها أسباب الفشل وتحجر الفكر وإقصاء الآخر. [c1]*عن / صحيفة «البيان» الإماراتية[/c]