اليوم.. دولة قطر تحتفل بيومها الوطني
الدوحة /قنا:في الثامن عشر من ديسمبر كل عام نحتفل بيومنا الوطني تخليدا لذكرى ذاك اليوم التاريخي من سنة 1878م، الذي خلف فيه الشيخ جاسم مؤسس الدولة والده الشيخ محمد بن ثاني في قيادة البلاد الى التأسيس والوحدة. وتأتي هذه المناسبة القومية لتأكيد هويتنا وتاريخنا وتجسيد المثل والرؤى التي شيد عليها هذا الوطن وتقدير الرجال والنساء الذين ساهموا في بناء صرحه، فالثامن عشر من ديسمبر كل عام يوم نتذكر فيه كيف تحققت وحدتنا الوطنية وأصبحنا دولة متماسكة عزيزة الجانب بعد أن كنا قبائل ومجموعات تمزقها الولاءات المتعددة المتنافرة يجتاحها الغزاة وينعدم في مجتمعاتها الأمن والنظام. اليوم الوطني يوم مجيد مشرق نرفع فيه أسمى آيات المحبة والعرفان لأهلنا، أهل قطر، عندما تعاضدوا وتكاتفوا فيما بينهم وأخلصوا الولاء والطاعة للشيخ جاسم بن محمد آل ثاني محققين بذلك أمر الله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، مؤمنين بالشيخ المؤسس أبا وأخا وقائدا وإماما، كيف لا وقد وجدوا فيه زعيما متحليا منذ شبابه بالتقوى والشجاعة وروح الفداء وحكمة القيادة وبالحرص على توحيد شبه الجزيرة القطرية ورعاية مصالح أهلها في أحد أحلك الأزمنة التي مرت بها هذه المنطقة من العالم.فقد كان زمن وقوع حروب قبلية في البر وعمليات قرصنة ونهب في البحر وزمن تراجع السلطنة العثمانية وذبول قوتها مثلما كان زمن تعاظم قدرات الامبراطورية البريطانية في المنطقة وتبدل المصالح والولاءات وتجدد الصراعات والفوضى في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، لكن الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني واجه تلك العواصف الشديدة والتغيرات العالمية الكبيرة مستعينا بالله وبأهله، أهل قطر، فأعانه الله على تلك المخاطر والأزمات المتتالية وأهوالها وقيادة سفينة الوطن الى بر الأمان.وقد أثبت القطريون أنهم مخلصون متعاونون مضحون جاهدوا طوال أكثر من نصف قرن في سبيل الوحدة الى أن أقاموا لهم وطنا يعتزون به وترعاه قيادة تلتزم معهم العدل والشورى.خاض الشيخ جاسم بن محمد على رأس الفرسان القطريِين معارك فاصلة مع القوى الكبرى في تلك الأيام، محققين ما لا يمكن تخيل إنجازه بتلك الأعداد القليلة والإمكانات المحدودة.ففي معركة الوجبة الخالدة مع الدولة العثمانية، تجلت تضحياتهم وعزيمتهم المعقودة على رفع الظلم عن كواهلهم، وعلى إنقاذ إخوانهم وأبنائهم من الأسر؛ مثلما تجلت البراعة المذهلة لقيادة الشيخ جاسم في اتخاذ القرارات وادارة الصراع، ومن ثم في استثمار النصر لخير البلاد والعباد.كان للقيادة الحكيمة عمق البصيرة، وللشعب وقفته الصادقة، فانتصر القطريون في السياسة وفي الحرب؛ وصارت معركة الوجبة مثالا لحكمة القيادة، وعظمة الشجاعة والولاء، في مواجهة الأوضاع العصيبة. قبيل تلك المعركة، عمل الشيخ جاسم على إرسال المفاوضينَ بالنيابة عن القبائل والعلماء إلى الوالي العثماني في المنطقة، محاولا بمختلف الطرق تجنب المواجهة العسكرية وسفك الدماء بين المسلمين، لكنه كان يعرف طبائع التجبر وشخصية المتجبر الذي قد لا يستجيب إلى العقل أو المنطق؛ ربما لأن قوته توهمه بالقدرة على إيقاع أكبر ضرر ممكن بشعب هذا البلد الصغير.فكان الشيخ القائد يعد للمفاوضات عدتها، فيما يعد للحرب عدتها. ولما جار الوالي، وتجبر وتكبر، وجد نفسه في خضم حرب ضروس وهزيمة منكرة؛ ولله الفضل والمنة.وما يحمد عليه الشيخ جاسم أنه، بالرغم من ذلك كله، أبقى على علاقة وثيقة بالخلافة العثمانية في اسطنبول؛ معتبرا أنها رمز للوحدة الإسلامية، ومؤمنا بأن هذه الوحدة يجب أن تقوم على العدل والإنصاف، لا على الظلم والقهر؛ وأن تعني الاخوة والتعاضد بين المسلمين، لا الاستبداد واستغلال الأمة. وكما تشهد أحداث ذاك الزمان ووثائقه العديدة، كان الشيخ جاسم، رحمه الله، عميق الفهم للقيم الإنسانية النبيلة، راسخ الاقتناع بوجوب احقاق العدل ورفع الظلم؛ ليس عن أهله القطَريِين فحسب، وإنما أيضا عن المظلومين أيا كانوا وأينما كانوا؛ مؤمنا بأن الأَولى بالحماية هم المضطهدون في بلدانهم، وأعزاء قوم ذلوا أو حلت بهم نكبات الدهر. وأثبت الإمام القدوة، بالأفعال لا بالأقوال، أن اعتاق المستعبدين، وإطعام الجائعين، ومساعدة المحتاجين مبادئ تطبق ؛ وليست مجرد شعارات ترفَع. فقد أنفق مبالغ طائلة لإعتاق الكثير الكثير من العبيد؛ وأكرم أعدادا لا تحصى ممن ضاقت بهم سبل العيش؛ وخصص جزءا كبيرا من أوقافه لمساعدة المعوزين من قطر إلى البصرة، وفي مدن الخليج والقرى النجدية النائية.إلى جانب ذلك تعلق الشيخ جاسم بن محمد منذ صباه بالعلم والمعرفة، واعتبرهما من القيم الأساسية التي ينبغي له الاهتمام بها ورعايتها.فقد سجل له التاريخ العربي والإسلامي المجيد ما لم يسجله إلا للقلائل بعدما جعل من الدوحة في زمنه منارة لطلاب العلم والمعرفة، مزودة بجموع من كبار الفقهاء والقضاة في العالم الإسلامي، وبلغ من حفاوته بالعلم أنه كان يستقدم من الهند ومصر كميات هائلة من نسخ أمهات الكتب التي يشتريها بماله الخاص ، أو يطبعها على نفقته، ليوزعها على العلماء وطلابهم في قطر وجوارها. فقد آمن الشيخ جاسم بأن له ولبلده رسالة في استمرار الإشعاع الديني والعلمي لهذه المنطقة، وبأن تضافر الدين والعلم يجمع المنصفين والعقلاء وذوي الضمائر الحية، ويجنب المجتمعات شرور الظلم والتعصب. أمام ذلك كله، نشعر نحن القطريِين اليوم بوجوب الالتزام برسالة الأَولين الأبطال الذين لقوا عنتا شديدا ودفعوا ثمنا باهظا في سبيل الوحدة كما نشعر بأن وفاءنا لبناة وحدتنا يحتم علينا المضي قدما في جعل أنفسنا ومؤسساتنا وجامعاتنا وإعلامنا منارات للعلم والصلاح، وفي تعميم الخير على جميع بني البشر.فلدينا نماذج رائدة وملهمة كان لها دورها في كتابة تاريخ المنطقة بأبهى حلله، وفي إشاعة الحرية والعدل ؛ وهو ما ينبغي لنا الحفاظ عليه حيا في أذهاننا، وتطوير أثَره في أجيالنا الصاعدة. ختاما، لا بد من القول إن اعتزازنا باليوم الوطني يتطلب منا تجديد العلاقة بتراثنا، عبر تحديث أجود ما فيه وأنفعه لعالَمنا اليوم؛ عاملين على ضمان التطور والمعاصرة، من دون التفريط في هويتنا العربية والإسلامية. ويقتضي هذا الاعتزاز أيضا تجسيد المسئولية الفردية والجَماعية في ذروتها، لأن بلدا لا يعز إلا وأهله متمسكون بقيمه ، متعاونون في إنجاز أعماله وتحقيقِ آماله. فالمسؤولية والمشاركة هما رمز المواطَنة الصحيحة الصالحة؛ كما أن الوئام والتلاحم بيننا، وقيام كل منا بدوره البناء في المجتمع، فضائل تعود على الجميع بالخير والسعادة والمجد، حاضرا ومستقبلا. ويستلزم اعتزازنا باليوم الوطني تطوير علاقاتنا بدول العالم ومجتمعاته، وتحسينها؛ موفرين لهذا الوطن دورا فعالا في بناء عالم يسوده الخير والود والسلام بين الأمم، فالقيم التي ورثناها من الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني والأجداد الأوائل تستنهض هممنا للحفاظ على بلادنا؛ عزيزة قوية، داعية إلى الإصلاح، شفيعة للمظلومين، صاحبة مبادرات هادفة إلى رأب الصدع بين الدول والشعوب وإحلال الوفاق محل الشقاق. ولَسوف نتمكن بإذن الله من تحقيق هذه الأهداف السامية؛ لأننا، قيادة وشعبا، متحابون، متكاتفون، مدركون لرسالتنا المحلية والعربية والإسلامية والعالمية منذ أن حل مع الشيخ جاسم ذاك الفجر المجيد، فَجر دولة قطر.[c1]*عن / وكالة الأنباء القطرية (قنا)[/c]