اذا كانت الاسرة ككيان انساني اساسي تربطه وظائف اهمها العلاقات العاطفية من جانب ورعاية الاطفال من جانب اخر ،فأن العامل الاقتصادي يشكل محور السعادة واستمرار بقاء الاسرة او تفتتها وانحلالها. والاسرة كما يعلم الجميع معنا هي البنيان الاساس بل هي مجتمع مصغر في حد ذاته مستقل وفعال ومؤثر على المجتمع بقدر ما يتأثر به وبين ان يكون مجرد افراز سلبي يزيد الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع ، لذا فالاسرة وما تعلمه لابناءها تعكس ما يدور بالمجتمع الاكبر ،وتؤكد الدراسات النفسية ان اساس الاسرة هو تفاهم الزوج مع الزوجة تفاهما عاطفيا وسلوكياً وجنسياً حتى اضفت العاطفة كغطاء لكل تلك الاشكال واعطت لروح العلاقة الزوجية الديمومة والاستمرارية وطول الفترة. وشمل ذلك الاستقرار ، النفسي والذهني لكلا الطرفين (الزوج والزوجة) وعلى ذلك فأن بداية تكوين الاسرة الجديدة تتفق اولا واخيرا في ايجاد روابط الآلفة،حيث يتخلى الفرد عن ذاته التي صارع وقاتل واختلف وتخاصم مع الاخرين من اجل اثباتها في مراحل حياته السابقة حتى اثبت هويته الخاصة به،هذه الالفة تزداد وتتوطد بين الزوجين كلما زادت الروابط من خلال الانجاب الذي يتوج حياتهم ليزداد بعد ذلك العطاء والمنح للوليد الجديد وللمجتمع الذي ينظر لهما على انهما بوساطة ابنائهما ينجح الابوان في اثراء المجتمع واستمراره نحو البناء والحياة الجديدة. ان الاسرة تمنح ابناءها الاشباع الكافي والدعم العاطفي ،تشبع حاجات الطفل بمظاهرها المختلفة حتى كادت الوالدية ان تكون الحصن المنيع الذي يحول دون الحرمان والاضطراب العاطفي ،لذا فالوالدين هما محك التوازن عند الابناء واذا ما اختل هذا المحك فأن انعكاسه سيضرب الابناء في صميمهم النفسي ويختل توازنهم ونموهم وتصبح البيئة النفسية بيئة ملوثة لا تطاق، ونحن من خلال مسيرة حياتنا نشاهد العديد من التصرفات التي تصدر من الابناء مثل الكذب و الانطواء والتهرب من المدرسة والسلوك العدواني وضعف قوة الضمير وغيرها من الانماط السلوكية السيئة التي تعكس تربية الاسرة للابناء ،لذا فان التربية التي تمنحها الاسرة هي القيم والموروثات المكتسبة والعادات السلوكية والتعبير عن ما يدور في النفس على شكل حركات او ايماءات او سلوك ، وعلى هذا الاساس فالتربية هي امتداد من الاسرة الى المدرسة وما يتخلل ذلك العديد من المتغيرات التي يكتسبها الطفل حتى تكون سلوكا يمارسه ويتعامل به وهو انعكاس لاسرته ، فالتربية الاسرية العائلية هي التي تمهد له العبور الصحيح لأزمة التكيف التي سيواجه بها المجتمع في اول مقابلة له مع اقرانه في الشارع.ترى الدراسات النفسية ان الطفل يكتسب خبرات جديدة تضاف الى الخبرات التي تعلمها من اسرته هذه الخبرات من عدة اتجاهات وتكون في عدة نشاطات نتيجة لرغبته الخاصة به ،فكثيرا ما نشاهد بعض الاطفال يتجهون نحو تصفح الكتب او طفل اخر يذهب يداعب مع نفسه الالعاب المختلفة ويكون منزويا بعيدا عن الاطفال ، ويعرف علماء النفس جيدا ما هو نمط شخصية الطفل من خلال العابه او توجهه نحو نوع الالعاب التي يختارها وينسجم معها ، فاحيانا نجد الطفل الذي يسقط جام غضبه على لعبته ويقلع عيونها ويمزقها بشكل عنيف ، هذه الانفعالات التي عبر عنها الطفل ما هي الا انفعالات وشحنات حبيسة لم تجد التصريف الملائم لها اجتماعيا من خلال اللعب ويعود السبب في عدم تفهم الابوين لما يدور في نفس طفلهما ، فضلا عن انشغالهما بامور الحياة الاخرى مثل العمل او الجانب الاقتصادي او كثرة المشاكل بينهما ولم يجدا الحلول المناسبة لكل تلك الاختلافات فانعكست سلبا على سلوك الابناء، وهناك العديد من المظاهر السلوكية التي يبرز بوضوح في سلوك الابناء ولم يلتفت لها الاباء لكثرة مشاكلهم ولكن لا يعرف الاباء ان تلك الشحنات التي ظلت حبيسة في النفوس ولم تجد المنصرف المناسب انها سترتد لاحقا عليهم في علاقاتهم مع الاخرين في المجتمع ومع زوجاتهم مستقبلا ، فربما سوء التوافق الزواجي احد نتائج هذه الاشكالية . ان السلوك الذي يبديه الاباء تجاه ابناءهم وهم اطفال سيجد الطريق الاكبر نحو الممارسة في الكبر ومنه الافراط في العقاب ، فبدلا من ان تبادر الاسرة بغرس الكمال في الاطفال وطلب ما يستطاع منهم فأن الاسرة تبالغ في هذا الطلب بشدة مثل الاجبار على الدراسة او الاستيقاظ المبكر بشكل عنيف او الالتزام بضوابط الاسرة بشكل مفرط ، حينئذ تمارس الاسرة قهرها للطفل بطريقة مباشرة مع الحدة في الدرجة والالتزام الشديد، وكذلك هو الحال بالنسبة لفرض القيم الدينية والشعائر على ابناء الاسرة بدون تفهم لتلك الشعائر او الفروض حتى يبدأ الطفل بتطبيقها خائفا مذعورا من الخالق ومن والديه ومن الدين بشكل عام ، لان الصورة لم تتوضح لديه بعد ، اين هو من كل تلك القيم والمعتقدات ، وما هو دوره الحالي والمستقبلي بهذه الشعائر ، كلها تشكل كيانه الغض الذي لم يتصلب بشكل كاف مع مواقف الحياة الجديدة والخبرات التي زجت له فجأة دون تطبيع سلوكي عليها ، فتعاقب الاسرة اطفالها عند كل مخالفة وتسمعهم انواع التقريع وانواع التهديد بل تحرمهم من الحب والعاطفة ثم تتدرج بأن تمارس تجاههم الحرمان من المزايا المختلفة التي يحصل عليها اقرانهم من الاطفال ابناء الجيران او اقرانهم في المدرسة حينما يلتقونهم ويتحدثون عن خبراتهم في البيت ، فيتفاجأ هؤلاء الذين تمارس اسرهم معهم القسوة في التربية والتنشئة والتوجيه بكل اشكاله، حتى كاد هؤلاء الاطفال ان ينسوا اللعب والهو والفسحة والبراءة ويتذكروا الاوامر والنواهي ويتوقعون فقط العقاب والشدة والتوبيخ في احسن الاحوال . احيانا تميل بعض الاسر الى التدرج بالعقاب من التهديد الى التطبيق مثل الكي بالنار او التلويح به او المنع من الطعام او عقوبة الحبس في البيت او عقوبة الضرب المقنن اي الضرب على الايادي واذا لم يلتزم الطفل في المرة القادمة فانه سوف يتلقى عقوبة الضرب العشوائي وهو الضرب على المؤخرة او على الخدين او على الرأس او الرفس العشوائي الذي يؤدي في معظم الاحيان الى كسر في الفكين او بعض اجزاء الجسم او يؤدي الى اذى قد يصل في بعض الاحيان الى درجة الوفاة. ان الاساليب التي ذكرناها تعبر اساسا عن التكوين النفسي للاباء الا ان هناك عوامل اخرى تساعد الاسرة السوية في توجيه ابناءها على التربية الصحيحة والتوجيه المناسب الذي لا يترك الاثار السلبية على نفوس الابناء وهم صغار ويساعدهم على تنشئتهم تنشئة متكاملة متوازنة وهم كبار مثل اعطاءهم التقدير اللائق الذي يشعر به الطفل داخل اسرته ، فضلا عن تفهم مشكلاته الخاصة مع امه او ابيه مباشرة سواء اباح بهاهو بنفسه او عرفتها الام او الاب وبدون اشعاره بالذنب او التهديد بالعقاب ، فالتسوية المتوازنة في التعامل تجنب المضاعفات السلوكية المحتملة ، ولدينا تجارب اخرى لا تقف بين التجربة الاولى المتمثلة في القسوة والتجربة الثانية المتمثلة في الاتزان ، وهي تجربة موجودة لدى بعض الاسر مثل الحماية المفرطة للاطفال او التساهل والدلال المفرط ، وهذا سوف يتوقف على سلوك الاباء والامهات ، فالاسرة التي تعاني من طول فترة انتظار الطفل سترى في الطفل شئ يجب منحه كل شئ حتى يغدو مدلالا مفرطا في الدلال هذا الافراط في العواطف وردود الفعل يترك اثارا سلبية على تكوين شخصيته مستقبلا فيكون في الكبر اتكاليا في شخصيتة او عدوانيا او يمتهن النصب والاحتيال ، لانه تعلم "اطلب تحصل على ما تريد"وهي الاعتمادية المرضية التي لا تخدم غرض التكيف انما تعبر عن احتياجات طفلية غير مشبعة . ما نريد التعبير عنه في هذا الموضوع هو ان الاسرة تتشابه مع الفرد في نموها وتطورها وفي سعيها للتكيف مع المجتمع الاوسع ، وهي الاساس في تكوين قيم ابناءها وسلوكهم وتعاملهم ، فأن وجد الاطفال التكافؤ والمساواة في واقعهم الاسري سوف يكتسبون هذه القيم بدون تحفظ وان وجدوا العكس سيكون سلوكهم اللاحق مقارب لما تعلموه من اسرهم ، وقولنا في ذلك ينطبق الى حد بعيد بقدرة الاسرة على المنح من خلال ان مالك الشئ هو القادر على اعطاءه ،فأن الاسرة هي التي تستطيع ان تمنح وتعطي لابناءها وتغرس قيم المحبة والقبول للاخرين او نقيضه وازاء ذلك ان نجحت الاسرة في غرس قيم الخير والمحبة والالفة وقبول الاخر فانها قد حققت هويتها الانسانية ازاء المجتمع ومارست درجة من النجاح في التوافق معه والمساهمة في تكوينه وانها مشبعة في محاولات وجودها المختلفة بحيث لا تعوض عن نقصها في الخارج بوساطة استخدام صغارها .
|
ومجتمع
الأسرة واحوال الطفولة
أخبار متعلقة