الولاء والبراء في الاسلام
ليس فى الإسلام إكراه على فعل الطاعة . وليس فيه عقوبة يوقعها الحاكم المسلم فيما يخص حقوق الله تعالى من ايمان قلبى وعبادة . العقوبة لا تكون إلا فيما يخص حقوق الأفراد . وليس فى الإسلام إكراه على الجهاد أوالتجنيد. إن الجهاد بالمال واللسان والدعوة والنفس فريضة على كل مؤمن، وهو مسئول عن تأديتها أمام الله تعالى وحده يوم القيامة، وليس من سلطة الدولة المسلمة تجنيد الناس قسراأو سخرة كما تفعل بعض النظم فى عصرنا. وحين تثاقل المنافقون عن الدفاع عن المدينة واعتذروا بحجج واهية كان عقابهم الوحيد منعهم من الانضمام الى الجيش مستقبلا ( 9 / 83 ) . ولأنه ليس هناك تجنيد إجبارى للأفراد فإن مواجهة العدو المعتدى كان يحتاج إلى عقد أو عهد أو ميثاق أو بيعة بالإختيار الفردى . ولأن من بايع طوعا عليه أن يلتزم بما عاهد الله تعالى عليه إلا أن بعضهم كان فى وقت الشدائد يفر وينسى العهد والميثاق . فى غزوة الأحزاب حوصرت المدينة من كل الجهات بقيادة جيوش من عدة قبائل يقودها أبو سفيان الأموى ، فى مواجهة هذا الحشد والحصار كان لابد من المبايعة على الدفاع عن النفس والقوم والوطن والعقيدة ، وعندما اشتد الحصار ظهرت المواقف على حقيقتها ، منهم من ظهر نفاقه وجبنه فتخلى عن مواقعه الدفاعيه وبدأ ينشر التشكيك وهو يفر من مواقع المعركة ، وقد جعلهم الله تعالى مسئولين أمامه يوم القيامة على نكثهم للعهد،ولكن ليست عليهم مساءلة فى الدنيا وليست للدولة أن تعاقبهم ( 33 / 15 ). فى المقابل هناك من المؤمنين من وقف موقفا بطوليا رجوليا. وجزاؤهم الحسن ينتظرهم يوم القيامة. ( 33 / 23 : 24 ) .فى موقف أخر خرج النبى محمدا بأصحابه للحج فى البيت الحرام ، ليس معهم سلاح إلا سلاح المسافر، كأنهم يرفعون الراية البيضاء دليل المسالمة؛ خرج عليه السلام مسالما ، فمنعته قريش من الدخول ، وتأهبت لحربه وأرسل النبى بعض أصحابه للتفاوض فاحتجزوهم ، وأشيع أن قريش قتلتهم وأنها على أهبة الإستعداد على الهجوم علىالمسلمين واستئصالهم . كان موقفا دقيقا استدعى من النبى أن يطلب من المؤمنين معه أن يبايعوه على القتال والمواجهة والصمود ، فليس أمامهم طريق آخر. وتحت الشجرة جلس وجاء كل فرد يبايعه على الصمود والقتال ،وكالعادة تكون البيعة لله ورسوله . هذا الموقف البطولى أخاف قريش فأحجمت عن هجومها ولجأت للتفاوض السلمى . ونزلت آيات القرآن تعتبر ذلك نصرا ، وتؤكد أن أولئك الذين بايعوا النبى محمدا إنما كانوا يبايعون الله تعالى ، وكل منهم مسئول عن تنفيذ ما التزم به أمام الله تعالى ، ومن يوفى منهم ببيعته فسيكون جزاؤه عظيما عند الله تعالى ، وتؤكد آية أخرى أن الله قد رضى عن الذين بايعوا النبى تحت الشجرة ، وقد اطلع على الإخلاص الذى عم قلوبهم فى هذه اللحظة الحرجة فزادهم سكينة وثقة وكافأهم بنصر قادم آت ، وكان هذا النصر هو فتح مكة سلميا بعدها ( 48 / 10 ،18 ) .هذا هو مفهوم البيعة فى الاسلام، وذلك كان تطبيقه فى عهد النبى محمد عليه السلام. تغير هذا كله بالتدريج فى تاريخ المسلمين بعد وفاة النبى محمد عليه السلام .حوصر المسلمون بعد وفاة النبى بحركة الردة، حيث تجمع الأعراب ( أشد الناس كفرا ونفاقا )حول المدينة يريدون الهجوم عليها فى ذلك الوقت الحرج ، فكان لابد من القيام بالبيعة لقائد يقوم بالأمر فتم اختيار أبى بكر وما لبث أن مات أبو بكر وقد دخل المسلمون فى حرب جديدة ضد الفرس والروم . واستلزم الوضع الجديد البيعة لقائد جديد بعد ابى بكرفكان عمر . وبالفتوحات دخل المسلمون فى عهد جديد تناسوا فيه جوهر الإسلام ( العدل وحرية الرأى والفكر ) فكان لابد من نسيان البيعة بالمفهوم القرآنى فتتحول من بيعة لله تعالى تقوم على أساس طاعته وتنفيذ أوامره ويكون تطبيقها منوطا بضمير المسلم نفسه إلى بيعة خضوع لحاكم مستبد ليحكم مستبدا طيلة عمره دون رقيب أو حسيب ، وطبقا لتلك البيعة تجب طاعته طاعة مطلقة ، مهما استأثر بالحكم والسلطان والثروة . وهذا ما بدأ فى الدولة الأموية ولا يزال ساريا فى بعض دول المسلمين حتى الأن . [c1]وعلى هامش الموالاة فى سورة الممتحنة نفهم بعض المصطلحات التى وردت فى السياق القرآنى: الـكــفـر[/c]تحدد الآية الأولى معنى الكفر، وهو نوعان: الكفر العقيدى والكفر السلوكى . الكفر العقيدى يعنى الكفر بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الأخر. الكفر السلوكى والذىعبرت عنه نفس الآية الكريمة بأنه إخراج الرسول والمؤمنين من ديارهم بسبب إيمانهم بالله تعالى .وعليه فإن الأكراه فى الدين والإضطهاد هو كفر سلوكى خصوصا عندما يتدرج فى الإكراه والإضطهاد إلى حد الإخراج من الديار والأوطان ثم القتالالجهاد : وفى نفس الآية يأتى معنى الجهاد مرتبطا بالهجرة فى قوله تعالى ) إن كنتم خرجتم جهادا فى سبيلى وابتغاء مرضاتى) .كان يمكنهم البقاء فى مكة وتحمل الإضطهاد، وكان يمكنهم البقاء مع احتفاظهم بعقيدتهم سرا خشية العذاب، ولكنهم اختاروا الهجرة ابتغاء مرضاة الله تعالى .وهذا هو بعض معانى الجهاد.إن الجهاد يعنى بذل الجهد فى سبيل الله تعالى؛ قد يكون بذل الجهد هجرة كما فى الأية الكريمة ، وقد يكون بالدعوة السلمية بالقرآن الكريم وهو الجهاد الكبير، كما جاء فى القرآن الكريم ( 25 / 52 ) وقد يكون بذل الجهد ببذل المال وبذل النفس فى الدفاع ضد المعتدين ( 8 / 72 ) ، وفى حالة الهجرة والإضطرار للدفاع ضد عدو كافر فلابد من أن يوالى المؤمنون بعضهم بعضا ضد العدو المشترك الذى يهاجمهم ، أما أولئك المؤمنون الذين يقوا فى دار العدو فليس هناك فرصة لموالاتهم إلا إذا هربوا من ذلك البلد وهاجروا إلى دولة المؤمنين فبذلك يكون فى إستطاعة المؤمنين الدفاع عنهم بعد موالاتهم للمؤمنين بالهجرة إليهم.فإذا تعرضوا وهم فى دار العدو إلى إضطهاد كبير وطالبوا بنجدة المؤمنين فعلى المؤمنين نجدتهم إلا إذا كانت هناك معاهدة عدم إعتداء بين المؤمنين وأولئك المشركين ( 8 / 72 ) . [c1]التأسي والاقتداء[/c] تعرضت الآيتان (4 ، 6) من سورة الممتحنة لقضية التأسى أوالإقتداء. وواضح فيها أن التأسى ليس بشخص حتى لو كان هذا الشخص هو النبى إبراهيم عليه السلام، ولكنه التأسى بموقفه، والموقف هنا حين أعلن إبراهيم والذين معه تبرأهم من أقاربهم المشركين . ونفس الموضوع حين أمر الله تعالى المؤمنين بالتأسى بالنبى محمد وشجاعته فى غزوة الأحزاب ( 33 / 21 ) وهو أيضا نفس المعنى حين أمر الله تعالى محمدا بأن يتأسى بهدى الأنبياء السابقين ، فالهدى هنا هو الوحى الذى نزل عليهم ، وبنفس الوحى نزل القرآن ( 6 / 88:90 ) ، ( 4 / 163 ) ، ( 39 / 65 ) ، ( 41 / 43 ) ، ( 42 ، 13 ) . [c1]وعلى هامش الموالاة فى سورة الممتحنة نفهم بعض الملامح التشريعية: زواج المسلم بالكافرة المشركة وزواج المسلمة بالكافر المشرك[/c]فى القرآن الكريم نوعان من الخطاب :خطاب التشريع وخطاب العقائد. الخطاب العقيدى هو خطاب خاص بالله تعالى وحده الذى يعلم ما فى القلوب والذى يحكم بين الناس يوم القيامة. هذا الخطاب لا مجال له فى تطبيق التشريعات الاسلامية الدنيوية الخاصة بتعامل البشر فيما بينهم . على سبيل المثال فان الله تعالى يصف أكثرية البشر بأنها لا تؤمن مهما بلغ حرص النبى على هدايتها ، وحتى لو آمنوا فإن ايمانهم هو مختلط بالشرك (12 / 103 ، 106). هذه حقيقة نلمسها فى التدين العملى لأغلبية البشر خصوصا أكثرية المتدينين تدينا ظاهريا سطحيا، فهم لا يؤمنون بالله إلا ومعه تأليه غيره من البشر والحجر ، أى لا بد أن يجمعوا بين تقديس الله تعالى وتقديس غيره من الأنبياء والأئمة والأحبار والرهبان والأولياء.، وهذا ما كان قبل القرآن الكريم واستمر بعده حتى بين المسلمين الذين يقدسون فى أديانهم الأرضية آلاف البشر بدءا من النبى محمد وأصحابه والأئمة والأولياء ، بل ويحجون الى آلاف القبور المقدسة ويقدسون الألوف من الجثث التى تحولت الى تراب وعدم. هذه الحقيقة العقيدية لا يمكن عمليا تطبيقها فى الزواج وإلا تحولت مؤسسة الزواج الى محاكم تفتيش على العقائد والسرائر وما تخفيه القلوب. إن الله تعالى يؤكد أن أكثرية البشر مشركون فهل يعنى هذا أن نحرم الزواج بأكثرية البشر؟ ثم هذه الأقلية التى تعتبر نفسها هى المؤمنة وحدها لا بد أن تختلف فى عقائدها وآرائها وتنقسم وتتفرع وبالتالى تتكاثر التحريمات وتتضاءل امكانات الزواج (العقيدى ). إن تطبيق هذا الخطاب العقيدى فى الدنيا سينشر الظلم وسيدمرالزواج. هذا الخطاب الإلهي الخاص بالعقائد سيطبقه اللّه تعالى يوم القيامة بعد أن يتحدد مصير كل إنسان حسب عمله وإيمانه وعقيدته ومدى إخلاصه فى الطاعة أو مدى انغماسه فى المعصية . ليس لنا أن نتعامل فيما بيننا فى هذه الدنيا وفق ذلك المقياس الإلهي لأن تحديد المشرك لا يكون إلاّ بعد أن تنتهى حياة الإنسان بخيرها وشرها وتحولاتها العقيدية والسلوكية من طاعة ومعصية وتوبة. بعد الموت يقفل كتاب أعمال الانسان ويتحدد مصيره وفق عمله واعتقاده. هذا كله من تخصص الرحمن جل وعلا، ولن يكون الفصل فيه إلا يوم القيامة، حيث يحكم بيننا رب العزة فيما نحن فيه مختلفون. أما فى هذه الدنيا فإن كل إنسان يظن نفسه على حق ويتهم خصومه بالكفر. ولا يصح أيضا تطبيق هذا الخطاب فى تكفير الأشخاص الأحياء المختلفين معنا فى العقائد ، لأننا خصوم فى مجال العقيدة ، ولا يصح أن يكون أحدنا خصما للأخر وحكما عليه فى نفس الوقت ، ولأننا جميعا فى مجال العقائد مختصمون فمرجع الحكم علينا جميعا هو الله تعالى يوم القيامة ( 22 / 19 ) وإلى أن يأتى هذا اليوم ينبغى أن نعيش فى سلام وأمن وعدل ، وبالتالى يكون تعاملنا حسب الظاهر فالمؤمن هو المأمون الجانب والمسلم هو المسالم بغض النظر عن عقيدته ورأيه فى الله تعالى والألوهية ، والكافر هو المعتدى الظالم الذى يصل ظلمه إلى القتل والقتال للمسالمين الآمنين الذين لم يبدءوا بالقتال. وفى مجال التعامل البشرى يمكن لنا بامكاناتنا البشرية الحكم على سلوكيات الناس، فالمجرم واضح حين ثبوت الجرم عليه، والكافر المعتدى القاتل واضح وقوعه فى الكفر السلوكى بما ارتكبه من جرم .هذا الكافر المشرك بالسلوك الإجرامى هو الذى يحرم تزويجه أو الزواج منه. لذلك نزلت بعد الهجرة أية سورة الممتحنة لتضع التشريع المناسب ؛ فالزوجة المؤمنة التى تركت زوجها الكافر وهاجرت إلى دولة الإسلام لا يحل لها أن تستمر فى الزواج بعد ذلك مع هذا الكافر ، ولا يصح أن ترجع إلى عصمته لأنه لا يحل لها ولا تحل له . وفى المقابل فأن المؤمن الذى فارق زوجته الكافرة التى رفضت أن تصحبه ، عليه أن يفارقها ويطلقها ( 60 / 10 ). وبهذا التشريع أمكن رسميا تطبيق الانفصال القائم فعلا بين زوجين يستحيل تواجدهما تحت سقف واحد. وحتى لو كانا فى فراش واحد وكلاهما مخلص لعقيدته قد وهب نفسه لها ويتصرف دفاعا عنها بكل ما يستطيع فإن فراش الزوجية بهذا المعنى يتحول الى ساحة قتال، وليس الى بيت للسكن والراحة والألفة والوئام بين الزوجين، لذا فالأفضل لهما الانفصال ليتزوج كل منهما بمن يوافقه فى عقيدته وميوله السلمية أو الاجرامية. هذا ما نفهمه من سورة الممتحنة.وتأكد هذا التشريع بأية أخرى تمنع ان يتزوج مشرك بمؤمنة حتى يتوب عن اعتدائه ويرجع عنه ، وتمنع أن يتزوج مؤمن بمشركة حتى تمتنع عن الإعتداء ( 2 / 221 ) والملاحظ هنا هو قوله تعالى " حتى يؤمنوا " وبالطبع لا يمكن هنا الحكم على العقائد حيث أن محلها القلب إنما لنا الحكم على السلوك الظاهرى فإذا آمن أحدهم بمعنى عاد إلى الإستقامة الظاهرية مبتعدا عن الإجرام والإعتداء فقد صار مؤمنا حسب سلوكه ، وحينئذ يمكن له أن يتزوج مؤمنة مسالمه مثله ويمكن لها أن تتزوج من مؤمن مسالم مثلها.ونفس الحال مع أهل الكتاب ، فطعامهم حلال للمسلمين وطعام المسلمين حلال لهم ، وحلال لهم أن يتزوجوا من المؤمنات المسلمات وحلال للمؤمنين أن يتزوجوا من نسائهم طالموا كانوا مسالمين ومسالمات ، وطالما جرى الزواج شرعيا بمهر وعقد شرعى ( 5 / 5 ) .الفهم التراثى لهذه الآية يحاول تعطليها بادعاء انها تخص أهل الكتاب السابقين ولا تنطبق على أهل الكتاب اليوم. وهذا خطأ فاحش، فأحكام القرآن على أهل الكتاب والمؤمنين سارية فى كل زمان بعد نزول القرآن الكريم طالما لا يأتى فى النص القرآنى ما يؤكد قصر التطبيق على وقت معين. أكثر من هذا فيما يخص موضوع الزواج بالذات فإن التشريع القرآنى لا يدع حالة فرعية استثنائية محدودة إلا وقد وضع لها حكما خاصا بها حتى مع العلم بأنها حالات محدودة غير قابلة للتكرار طبقا لتشريع القرآن نفسه. نحن نتحدث هنا عن تحريم القرآن الكريم الزواج ممن تزوجها الأب ، وتحريمه الجمع فى الزواج بين أختين. كان هذا معروفا قبل نزول التشريع القرآنى فى الزواج . ونزل التشريع القرآنى يحرمه، ولكن لا يطبق الحكم بأثر رجعى ، اى لا ينطبق الحكم على من سبق له الزواج ممن تزوجها أبوه أو ممن جمع بين أختين، فقال ( إلا ما قد سلف ) ( 4 / 22: 23 ). هى حالات محدودة محصورة بوقتها ولكن ذكرها القرآن الكريم ، فإذا كان تشريع الزواج من أهل الكتاب يسرى على عصر نزول القرآن فقط حسبما يقول فقهاء الدين السنى فلماذا لم ينص القرآن على ذلك ؟ و( المعتدلون ) من فقهاء التدين السنى يقولون ان تشريع الزواج من أهل الكتاب يعنى أن نتزوج من نسائهم فقط دون أن يكون لهم الحق فى الزواج من نسائنا. وهذا التشريع السنى يحمل فى طياته الاستعلاء المعهود الذى كان يمارسه المسلمون ضد غير المسلمين فى العصر العباسى وما بعده. هذا الرأى السنى يخالف جوهر الآية الكريمة لأنها تتحدث عن أن طعام أهل الكتاب حلّ لنا وطعامنا حل لهم، وأردفت نفس الحكم على الزواج ، أى فكما يحل لهم الأكل من طعامنا يحل لهم الزواج من نسائنا، وكما يحل لنا الأكل من طعامهم يحل لنا الزواج من نسائهم. هذا الرأى السنى أيضا يخالف الجوهر الأخلاقى للتشريع الاسلامى وهو العدل ، إن الله تعالى يأمر بالعدل والاحسان ( 16 / 60 ) ، العدل الاسلامى يمنع هذا التعالى الذى يجعل من حق المسلم أن يتزوج كتابية وفى نفس الوقت لا يكون من حق الكتابى أن يتزوج مسلمة. وهناك ناحية أخرى فى سورة الممتحنة فى موضوع الزواج الذى يحدث فى ظروف طوارىء وتأزم علاقات بين معسكرين متحاربين أحدهما مسلم مسالم والآخر مشرك كافر معتد ظالم. فالمرأة المؤمنة المهاجرة لا بد من اجراء اختبار (أمنى ) لها ، ليس لاختبار عقيدتها ولكن لاختبار سلوكياتها السابقة وفق المتعارف عليه أمنيا حتى لا تكون جاسوسة للعدو. الآية تقول )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) أى فالاختبار ليس للايمان القلبى الذى لا يعلمه الا الله تعالى ولكن للايمان السلوكى الذى يمكن للبشر معرفته . نفس الحال تكرر فى موضوع الزواج حيث يشترط فى الزوجة أن تكون مؤمنة ، ليس الايمان العقيدى ولكن الايمان السلوكى أى الأمن والأمان والسلم والسلام، يقول تعالى : وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) (4 / 25 )، أى إن الله تعالى هو الأعلم بايماننا العقيدى، ولكن المطلوب منا هو اختبار الايمان السلوكى الذى فى استطاعتنا التأكد منه. ونفس الحال فى تحريم الزواج من المشرك والمشركة والزانية والزانى . المشرك يعنى الذى لا يتوب عن سلوكه الاجرامى فى قتل الآمنين ويعتبر ذلك فرضا دينيا وجهادا وفق عقيدته. الزانى والزانية اى المدمن على الزنى دون توبة، إما بأجر أو بدون أجر. كلاهما يحرم تزويجه والزواج منه (24 / 3 ) .[c1]الخـلاصة:[/c] إنه يصح للمسلمة أن تتزوج أى إنسان مسالم بغض النظر عن دينه الأرضى أو السماى طالما تمسك بالسلم والسلام والأمن والأمان. كما انه يحرم على المسلمة أن تتزوج الارهابى الباغى القاتل للأبرياء المسالمين. هذا يأتى وفقا لمعنى الاسلام والايمان والكفر والشرك.[c1]مـكـانـة المــرأة[/c] فى هذه السورة ملمح واضح يدل على مساواة المرأة بالرجل فى الحقوق والواجبات فى الإسلام حيث يحق لها المشاركة السياسية وحقوق المواطنة كالرجل إذ عليها أن تبايع الحاكم شأن كل رجل .مشاركة المرأة السياسية أكدها القرآن الكريم ليس فقط على المستوى التشريعى ولكن أيضا على المستويين التطبيقى والتاريخى .على المستوى التطبيقى كان للمرأة ان تجادل النبى وتشكوله ولا تقتنع باجاباته فتدعو الله تعالى ان ينزل لها وحيا يحل مشكلتها فينزل الوحى يقول : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ 58 /1) . وكان مجتمع المدينة فى عصر نزول القرآن خلية نحل تموج بالحركة والنشاط، حيث أباحت حرية الفكر والعقيدة والتعبير والحركة السلمية المعبرة عن العقائد أن تتألف جماعات من المنافقين والمنافقات يتحركون معا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف فتقابلهم جماعات أخرى من المؤمنين والمؤمنات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. (9 / 67 ، 71 ) هذا والدولة الاسلامية فى عصر النبى محمد لا تتدخل فى منع هذا او تاييد ذاك لأن مهمتها هى كفالة الحرية فى العقائد والتعبير عنها بالطرق السلمية دون أن يقوم طرف باكراه الآخرين أو اضطهادهم فى الدين.على المستوى التاريخى فقد جعل الله تعالى المثل الأعلى للمؤمنين فى كل زمان ومكان إثنتين من النساء هما السيدة مريم العذراء وزوجة فرعون ، كما جعل المثل الأسفل لكل الكافرين فى العقيدة والسلوك امرأتين أيضا هما زوجة نوح وزوجة لوط .( 66 / 10 ـ 12) . كما قص الله تعالى قصة ملكة سبأ ( 27 / 22 ـ 44)، وتكررت فى القرآن قصة فرعون موسى. والتدبر القرآنى ـ وهو فريضة منسية ـ يحمل المسلم على المقارنة بين إثنين من الحكام كلاهما تعامل مع نبى من الأنبياء بطريقة مختلفة، وفازت الحاكم الأنثى وخسر الحاكم الذكروأضاع عرشه وقومه. ليس المقصد هنا أن المرأة أفضل من الرجل فى مجال الحكم، ولكنها إشارة تاريخية الى أن إمرأة حكمت فكانت راشدة فى وقت يضل فيه أغلب الحكام الذكور. المقارنة هائلة هنا بين الاسلام والدين السنى . الدين السنى يجعل المرأة مخلوقا من ضلع أعوج يستحيل اصلاحه ، ويجعلها "ناقصة عقل ودين ".!! هل يصح أن يقال عن السيدة مريم عليها السلام أنها ناقصة عقل ودين بعد كل هذا المدح الذى قاله الله تعالى عنها فى القرآن الكريم؟فى الحضارة الغربية لم يتم إعطاء المرأة حقوقها السياسية إلا مؤخرا ، ولكن الإسلام سبق الجميع فى ذلك. الإسلام لم يحرم على المرأة أى عمل حلال يقوم به الرجل ، ويسرى ذلك على الجهاد ، والدليل أن الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد هى أعذار تحدث للمرأة والرجل على حد سواء، فليس هنا حرج على الأعمى أو الأعرج أو المريض فى موضوع القتال الدفاعى فى الإسلام (48 / 17 ). هذه الأعذار تسرى هذا على الجنسين فى الذكر والأنثى . وحتى فى الصيام والحج كانت الشروط عامة للذكر و الأنثى ، بل أن الأمر يأتى بلفظ "الذين آمنوا " ، " يا بنى آدم " ، " يا أيها الناس " ليخاطب المرأة والرجل معا، وكل أمراة يشملها الأمر والنهى كالرجل تماما ، أكثر من هذا فإن النسق القرآنى فى تشريع الأحوال الشخصية من زواج وطلاق لا يذكر مطلقا لفظ زوجة وإنما يقول " زوج " دلالة على الزوج والزوجة ويأتى السياق يحدد المقصود بها. والمقصود هنا هو المساواة الكاملة من حيث التكوين بين الزوج الرجل والزوج الأنثى فكلاهما واحد من حيث الأصل والنشأة ، وكلاهما لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات طبقا للعدل . وهناك تفصيلات أخرى تأتى فى موضعها، وقد فصلنا القول فيها فى كتاب لنا لم ينشر عن تشريعات المرأة بين القرآن والفقه السنى.هناك شيىء هام فى سياق آيات سورة الممتحنة يستلزم الإيضاح . هو حق المرأة فى السفر والهجرة وترك موطنها إلى حيث تريد طبقا لإختيارها العقيدى شأن الرجل تماما ، وهذا ما حققته المرأة فى عهد النبى محمد عليه السلام إذ هاجرت المؤمنات إلى الحبشة مرتين ثم مرة ثالثة إلى المدينة ، بعضهن كن عذاراى وبعضهن كن متزوجات هاجرن مع أزواجهن المؤمنين أو كن أزواج تركن أزواجهن المشركين . أى أن من حق المرأة فى الإسلام أن تهاجر إذا شاءت ، والهجرة أصعب أنواع السفر لأنه سفر يحتمل المطاردة والملاحقة . وبالتالى فان من حقها السفر العادى بمفردها ،وليس لزوجها الحق فى منعها إلا إذا كان هذا الحق للزوج منصوصا عليه فى عقد الزواج .هذا فى الإسلام .ولكن فى دين السنة تم حرمان المرأة من هذا الحق فمنعوها حتى من السفر إلا بإذن زوجها ، بل وجعلوا لها كفيلا - إذا لم تكن متزوجه ـ هو" المحرم " أى الذى يحرم عليها أن تتزوجه كالأب والابن والأخ والعم والخال ، أى اعتبروها شخصا غير كامل الأهلية، حتى لو كانت أما. وتخيل أن تربى الأم ابنها فاذا كبر أصبح آمرا ناهيا لها، يبلغ مبلغ الأهلية بينما تظل أمه مخلوقا ناقص الأهلية. الدين السنى بذلك لم يظلم المرأة فقط بل ظلم معها الرجل ، فهى له الأم والأخت والزوجة والبنت . واذا كانت المرأة ناقصة الأهلية اجتماعيا ودينيا فليس من حقها المشاركة السياسية وليس لها من حق فى المواطنة المساوية للرجل. وبالتالى يكون من العبث الحديث عن حقها فى تولى الرئاسة فى الدولة. هذا.. ولقد أثبتنا حق المرأة فى رئاسة الدولة الاسلامية فى بحث سالف. [c1]* مفكر اسلامي واكاديمي ازهري من مصر[/c]