د. يحيى عبدالله علي الدويلة
تميز نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن بثورة حقيقية في مجال البيولوجيا الجزئية، تخطت كل الحواجز والعوائق حيث تمكن العلماء من التلاعب بالموروثات (الجينات الوراثية) وأصبح من الممكن إدخال موروثة أو عدة موروثات من كائن إلى كائن آخر بواسطة الهندسة الوراثية دون الحاجة إلى التزاوج بينهما، وكانت ثمرة هذه الجهود ميلاد نوع من المحاصيل أطلق عليه "المحاصيل المحورة وراثيا" والتي تتميز بصفات مرغوبة طالما حلم بتحقيقها الباحثون مثل الحصول على أصناف محاصيل مقاومة لمبيدات الحشائش والآفات، مقاومة للحشرات ومسببات الأمراض، وكذا صفات الإنتاجية والجودة العالية، وفي الأغراض الطبية مثل إنتاج الإنسولين واللقاحات، وأشياء أخرى قد لا يصدقها العقل. لكن هذه الثورة بالرغم من إنجازاتها العظيمة لم تقابل بالترحيب والقبول الكافي. وطرحت أسئلة كثيرة منها مالمقصود تحديدا بالمحاصيل المحورة وراثيا من الوجهة الغذائية والأقتصادية، وهل لهذه المحاصيل خطورة على السلامة الغذائية والأحيائية، هل تحتوي هذه المحاصيل على سموم أو تأثيرات ضارة على الصحة البشرية، أسئلة كثيرة دأئما ما تتكرر وربما لا تحضى بالإجابة الشافية والمناسبة، وتتجدد الأسئلة دوما مع كل تطور جديد في مجال تطوير تقنيات الهندسة الوراثية المستحدمة في تحوير هذه المحاصيل. أسئلة كثير يطرحها الموضوع ولكن لنتدرج في الإجابة ولنبدأ من البداية. [c1]هل تتقهقر طرق التحسين الوراثي التقليدية أمام الذهول من براعة الإنجازات الصعبة والضخمة التي تحققت من استخدام الهندسة الوراثية في تحوير المحاصيل الاقتصادية [/c]إن شرح بسيط للكيفية التي يتم فيها إدخال الموروثة (Gene) أو الموروثات (Genes) من كائن إلى المحصول المراد تحويرة يمكن أن يساعد على فهم الفرق بين طرق التحسين الوراثي التقليدية والهندسة الوراثية، فلنقترح مثالا سهل الفهم كأن يكون هدفنا هو تغيير اللون البنفسجي لأزهار أحد النباتات إلى اللون الأسود، فإذا كان هذا اللون عبارة عن خليط من مسارات تفاعل كيموحيوية يؤدي مسار التفاعل الأول إلى تكوين اللون الأبيض والثاني يؤدي إلى تكوين اللون الأسود وبالتالي الخليط بين الصبغتين مسئول عن تكوين اللون البنفسجي لأزهار النبات. بأستخدام الهندسة الوراثية يمكن الحصول على اللون الأسود وفي وقت قصير جدا من خلال إدخال موروثة تقوم بانتاج بروتين وظيفته إيقاف نشاط الأنزيم المحفز أو المنظم لمسار التفاعل الذي يعمل على إنتاج الصبغة البيضاء وذلك بالإتحاد مع هذا الأنزيم وإيقاف نشاطه وبالتالي إفساح المجال في إتجاه تكوين اللون الأسود وبالتالي الحصول على أزهار ذات لون أسود وهو لون قلما يمكن الحصول عليه.من المؤكد إن إنجاز مثل هذه المهمة بطرق التحسين الوراثي سيتطلب عدد ضخم من التهجينات للنباتات من العائلة نفسها وقد تكون مختلفة في الشكل الظاهري والتركيب الوراثي وكلما كانت المسافة الوراثية بين النباتات المهجنة بعيدة كلما كانت إمكانية الحصول على الأزهار السوداء أمر مستحيل المنال وسيحتاج الأمر إلى عمالة ووقت طويل قد يصل إلى عشرات السنيين وبالنتيجة قد تظهر بعض النباتات ذات أزهار سوداء، وقد ينقذ الموقف وجود طفرة لنباتات ذات أزهار سوداء يمكن عزلها وإنتخاب اللون الأسود من سلالاتها، وقد يستغرق الأمر وقت طويل دون التمكن من الحصول على الأزهار السوداء. أما في حالة أستخدام الهندسة الوراثية وكما رأينا قد لا توجد علاقة قرابة بين المحاصيل المحورة وراثيا والكائن المعطي للموروثة التي أدخلت عليه، غير أن الدقة التي يتم فيها إدخال الموروثة عالية جدا ويكون إدخال الموروزثة في الجينوم عشوائي مع الإحتفاظ به سليما.[c1]الحيرة بين السلامة الغذائية لاستهلاك الطماطم المحورة وراثيا المقاومة لفيروس التجعد الأصفر والطماطم المقاومة للنضج الطبيعي[/c]بالآلية نفسها إمتد الأمر ليشمل المحاصيل الغذائية حيث تمكن العلماء من إدخال موروثة تنتج بروتينات تعمل على إكساب نباتات الطماطم صفة المقاومة لفيروس التجعد الأصفر، وقد أثار هذا الإنجاز التساؤلات حول علاقة البروتينات التي تنتجها الموروثة بالسلامة الغذائية، وكان الرد السريع هو إن هذه البروتينات التي تنتجها الموروثة معروفة وتحدث طبيعيا في بعض النباتات ولا تشكل خطورة أو سمية على صحة الإنسان. وفي ظل عدم وجود تأريخ سلامة غذائية للمحاصيل الغذائية باستثناء فطر عش الغراب الذي تحتوي بعضها على سموم تسبب السرطان، لكن الأمر بالنسبة للمحاصيل الأخرى مختلف حيث لا يوجد لها سجلات تاريخ سلامة غذائية.لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فقد تم إنتاج طماطم محورة وراثيا بإدخال موروثة تنظم مسار إنتاج هرمون الإيثلين مسببة تأخير إنضاج الطماطم مما يساعد على عرضها في الأسواق مدة طويلة دون أن تتعرض للتلف، وتعمل هذه الموروثة المدخلة على إنتاج بروتينات جديدة وظيفتها إعاقة أو خفض تعبيير الموروثة المنظمة للتفاعلات والتحولات الطبيعية وبالتالي تغيير المسار الطبيعي وإدخال مسارات تفاعل جديدة. غير أن هذه البروتينات المنتجة هذه المرة غير معروفة ولا تحدث طبيعيا في نباتات أخرى كما هو في الحالة السابقة، مما وضع الباحثين في مأزق وصعوبة أكبر في تقييم السلامة الغذائية والمخاطر التي يمكن أن تحملة البروتينات الجديدية، وكان المخرج هذه المرة هو أنه من الممكن تقييم مخاطر هذه البروتيان من خلال مقارنة التماثل والإختلاف لهذه البروتينات مع تراكيب السموم المعروفة حيث أن بعض البروتينات السامة لها بناء أولي متشابه يتميز بوجود سلاسل أحماض أمينية قصيرة، لكن هذا الإقتراح لم يقنع الكثيرين حيث أن هذا الأمر لا يحتاج إلى إختبارات معملية كثيفة فحسب بل أن احتمالات غياب النظائر المماثلة وإمكانية ظهور سموم جديدة لا يمكن أخذه كدليل للسلامة الغذائية.[c1]تحوير تراكيب الدهون للمحاصيل المحورة وراثيا فتح المجال لتصنيع منتجات رخيصة الثمن مثل الشامبو، مستحضرات التجميل، الصابون والشكولاتة وغيرها[/c]على أن أهم ما توصلت إليه الهندسة الوراثية هو إحداث تغيير في المسارات الإيضية من خلال عملية تصميت المورثات وتوجيه التفاعل في إتجاه يخدم توفير مركبات مرغوبة كما حدث في حالة محاصيل فول الصويا ودوار الشمس، حيث أمكن رفع محتوى الحمض الدهني الأوليك، تعديل سلاسل أخرى من الأحماض الدهنية وإنتاج أحماض دهنية جديدة كما أصبح أيضا ممكنا تحوير تركيب دهون بذور هذه المحاصيل وتقليل مستويات الدهون المشبعة للإستخدام في تصنيع منتجات كثيرة مثل الشامبو، مستحضرات التجميل، الصلبون والشكولاتة وغيرها.لكن هذه المرة نجد أن الموروثة تنتج فقط المواد الوراثية الأساسية وهي الدنا (DNA) والرنا(RNA) والتي لا تعتبر سامة، لكن من المحتمل أن تترجم الموروثة إلى بروتينات، هذا الإحتمال لا يمكن دحضة أو إثباته إلا بإجراء تحاليل للأطر المقرؤة لمواقع إرتباط الريبوسوم للكشف عن البروتين المتوقع. إذن لا يمكنا هنا معرفة ما إذا كان لهذه المنتجات أو البروتينات التي تنتجها الموروثة المدخلة مخاطر صحية أو لا، وإستمر الجدل وما زاد الطين بلة أن في معظم إختبارات تقييم السلامة الغذائية لم تظهر إشارات لوجود سمية أو فروقات جوهرية بالمقارنة مع المحاصيل الغير محورة وراثيا، وبالتالي لا زالت الحاجة إلى البحث في مؤشرات وطرق مختلفة ودقيقة للتقييم.ومع كل هذه الاعتراضات ظهرت حالة تحسس من تناول محصول فول الصويا المحور وراثيا نقلت له موروثة من جوز الهند تعمل على رفع الحمض الأميني الميثيونين، سجلت هذه الحالة لأفراد لم يسبق لهم التحسس، وهنا برزت مشكلة في إمكانية أن تسبب البروتينات المنتجة من الموروثات المدخلة حساسية حيث يمكن لهذه البروتينات أن تتفاعل مع البروتينات الموجودة في الغذاء مع مكونات نظام المناعة مسببا الحساسية من تناول الأغذية المحورة وراثيا، كما يمكن أن تظهر أنواع حساسية غير معروفة. ومن وجهة النظر العلمية فأن أهم العوامل المؤثرة في أنواع التحسس هي بناء الشخص الكامل وظروف الإستخدام. وهنا ظهرت الحاجة إلى تقييم فاعلية الحساسية للبروتينات بنفس الإهتمام والعناية قبل السماح بتسويق الغذاء المحور وراثيا.[c1]أهم اشكاليات تقييم السلامة الغذائية المحاصيل المحورة وراثيا [/c]أحد الطرق التي ظهرت لتقييم السلامة الغذائية هي ما يسمى "بالمكافئ الحقيقي" وفي هذه الطريقة يتم مقارنة الغذاء المحور وراثيا مع الغذاء الغير المحور وراثيا وبالتالي معرفة الفروقات بينهما فإذا ما تطابقت المكونات النوعية بينهما عندها يكون المكافئ الحقيقي متماثل ولا توجد مخاطر على المستهلكين، وقد إعتمدت أوروبا على هذا المعيار في تسويق عدد من المنتجات المحورة وراثيا. غير أن المقارنة للعناصر الصغرى والكبرى أظهرت وجود فروقات في الطرق المختلفة لنفس أنواع النبات، كما أن بعض المحاصيل أظهرت تركيزات منخفضة لبعض المكونات مقارنة بالمنتجات غير المحورة وراثيا بل في بعض الأحيان كانت بعض المكونات ضمن التذبذب الطبيعي وقذ يكون ذلك بسبب الانتخاب وإجراءات التربية الرجعية، هذا التعادل أو التشابه قلل من أهمية هذا المعيار في تقدير حجم التأثيرات الضارة والغير مرغوبة.ومما زاد الأمر تعقيدا أن الموروثة (الموروثات) يمكن أن تنتج تغييرات أخرى في النبات أو تتفاعل مع مكونات أخرى أو أن تتداخل مسارات التفاعلات الكيموحيوية للموروثة مع المسارات الأخرى، أو تعطيل مسارات معينة، هذا بالإضافة إلى ظاهرة "تباين النسج الجسمي" حيث تعمل الموروثة على عدم الثبات الكروموزومي للنبات مما يتسبب عنه تغيير في الشكل الظاهري والسلوكي للنبات والمكونات النوعية وبالتالي يحدث تغيير في الجينوم وهو أمر غير مفهوم ولم تتكشف أسبابه. وبالتالي فأن المحاصيل المحورة وراثيا لا تتطابق مع المحاصيل الغير محورة وراثيا بسبب هذه التغييرات، مما أدى إلى إستبدال مفهوم المكافئ الحقيقي" بمفهوم "المكافئ الغير الحقيقي" والذي يشير بوضوح إلى تأكيد الفرق بين النوعين. وبذا نعود مرة أخرى إلى مأزق جديد، حيث إننا أمام مفهوم عائم فلا طرق التحليل محددة ولا المؤشرات التي يجب الإعتماد عليها في التقييم واضحة، وبسبب هذه الصعوبات تم إقتراح سياسة الخطوة المنطقية ويقصد بها البحث في المراجع ومصادر المعرفة وإيجاد بعض الحقائق لتحليل المسارات المرتبطة بمنتج الموروثة (الموروثات) المدخلة ولك أن تتصور مدى الجهد الذي يجب بذله لصعوبة تفسير التغييرات، وإلى حين الوصول إلى تحديد دقيق لمستوى الضرر الذي يمكن أن ينشاء من تناول الأغذية المحورة وراثيا، لا يعني بالقطع إثبات غياب التأثيرات الضارة.[c1]مخاوف من ظهور حشائش من الصعب مكافحتها بسبب هروب بعض موروثات المحاصيل المحورة وراثيا إلى أقاربها البرية [/c]مع أن أعظم إنجازات الهندسة الوراثية هو الحصول على محاصيل محورة وراثيا مقاومة لمبيدات الحشائش لما تمثله من أهمية إقتصادية كبيرة، إلا أنه بظهور أول حالة لإنتقال موروثة تم إدخالها للمحصول الزيتي "الخروع" المحور وراثيا إلى أقاربه البرية نتيجة تزاوج ناجح كانت ثمرته حشيشة خصبة محورة وراثيا أسنغرق ذلك تقريبا جيلين من التهجين الرجعي وبالتالي نقلت صفة جديدة إلى نبات الخروع البري، وحولته إلى حشيشة خطيرة، وقد أطلق عاى ظاهرة هروب الموروثات إلى الأقارب البرية "التدفق الرأسي للموروثة"، وبهذا الحدث علت صيحات معارضة للمحاصيل المحورة وراثيا ولكن هذه المرة لم يكن الإحتجاج دفاعا على السلامة الغذائية وإنما دفاعا على السلامة الإحيائية أو البيئية، وأثيرت من جديد أسئلة مثل هل هناك مخاطر وتأثيرات ضارة على التنوع الحيوي والبيئي نتيجة أستخدام أو إنتشار للمحاصيل المحورة وراثيا. الواقع إن خطورة الأمر مرده أن كثير من المحاصيل الإقتصادية والتي أجريت لها عملية التحوير مثل القمح ، الذرة الشامية والرفيعة ، الأرز، الشعير، فول الصويا، الفاصوليا، القطن، الخروع، الفول السوداني، التبغ، البطاطس ودوار الشمس لها أقارب برية يمكن أن تتزاوج معها بنجاح، فأضافة موروثة واحدة ستكون كافية لإطلاق التحوير إلى حشيشة لها قدرة تنافسية وعدوانية كبيرة يصعب مكافحتها وبالتالي تصبح خطر وتهديد على مستقبل الزراعة والتنوع الحيوي والبيئي.[c1] تهديد آخر للمحاصيل المحورة وراثيا على الكائنات غير المستهدفة في البيئة مثل الحشرات النافعة، المفترسات، النحل، الأسماك، الطيور، الثديات والأنسان[/c]وتتصاعد نجاحات الهندسة الوراثية لتعلن إمكانية تطوير محاصيل محورة وراثيا مقاومة للحشرات والمبيدات الحشرية، وأهم هذه المحاصيل الذرة الشامية المقاومة لحفار الساق، التبغ المقاوم لديدان القمة النامية، القطن المقاوم لديدان اللوز والبطاطس المقاوم للخنافس، وفي هذا السياق تم إكتشاف 50 تحت نوع من البكتريا (B.thuringiensis) تنتج سموم حشرية مختلفة الفاعلية والتخصص في قتل يرقات الحشرات، ويتوقع إكتشاف جينات أخرى تنتج بروتينات سامة على الحشرات لا تختلف عن المبيدات المتوفرة في الأسواق.غير أن الدراسات الخاصة بمقاومة الذرة الشامية لحفار الساق أشارت إلى أن الموروثة المدخلة تعمل على إنتاج بروتين سام يتركز في حبوب اللقاح، هذه السموم يمكن أن تقتل يرقات الحشرات الحرشفة الأخرى وهذا يعني أن هذه المحاصيل يمكن أن تشكل خطورة كبيرة على الكائنات غير المستهدفة مثل الحشرات النافعة، المفترسات، النحل، الأسماك، الطيور، الثديات والأنسان وهذا يضيف مخاطر جديدة على سلامة التوازن البيئي والتنوع الحيوي.[c1]خطورة استخدام موروثات واسمة مقاومة للمضادات الحيوية في النباتات المحورة الوراثية على السلامة الإحيائية والصحة البشرية[/c]نقطة مهمة جدا وهي أن من متطلبات الهندسة الوراثية لإدخال الموروثة إلى النبات هو إستخدام موروثات واسمة مقاومة للمضادات الحيوية لتحديد االخلايا التي أخذت المادة الوراثية المضافة، هذه الموروثات مسئولة عن الصفة المرغوبة، لذلك إذا وجدت الموروثة الواسمة فأن هذا يعني أن الموروثة المدخلة أيضا موجودة ويمكن إنتخابها بسهولة، لكن الكارثة الكبيرة هي إمكانية إنتقال هذه الموروثات الواسمة إلى بكتيريا القولون للإنسان فإذا ما أصيب الإنسان بأمراض ميكروبية فلن يجدي معها العلاج بالمضادات الحيوية نفعا، عملية إنتقال الموروثات الواسمة المقاومة للمضادات الحيوية إلى البكتيريا أطلق عليها "التدفق الأفقي للموروثة".وحتى لا تستطيع هذه الموروثات الواسمة أن تعبر عن نفسها داخل النبات يستخدم محفز بكتيري، ولضمان تعبير الموروثة المنقولة إلى النبات يستخدم محفز فيروسي (مثل فيرس تبرقش القرنبيط) يلصق مع دنا الموروثة المرغوب نقلها، وحاليا في إطار الحرب الجرثومية تجري أبحاث لإستخدام المحاصيل المحورة وراثيا كناقل لبعض الفيروسات الخطيرة مثل فيرس فقدان المناعة (الأيدز) وفيرس السالس وفيرس إنفلونزا الطيور ولا نرمي هنا إلى الترهيب أو التخويف ولكن أحببنا أن يلم القارئ بكل الموضوع، لكن دخول الكائنات الدقيقة في موضوع إنتاج المحاصيل المحورة وراثيا يزيد من حجم المخاطر ويتطلب محاذير أكبر.[c1]مأزق التسرع في تعميم ونشر المحاصيل المحورة وراثيا [/c]مما سبق يتضح أن هناك موقفين من المحاصيل المحورة وراثيا، الأول مؤيد ويمثل رأي الشركات الإحتكارية وعلى رأسها الشركات الإمريكية، وهي ترى أن جميع المآخذ التي طرحت والخاصة بالسلامة الغذائية ماهي إلا مجرد إحتمالات وتوقعات سلبية والحالات التي سجلت تأثيرات ضارة تعتبر ضئيلة وإستثنائية، فالحساسية الناتجة من البروتينات المنتجة من الموروثات المدخلة في المحاصيل المحورة وراثيا تعود إلى البناء الشخصي ونظام المناعة للجسم وظروف الإستخدام، كما أن هناك حوالي 1.5-5 من الناس لديهم حساسية من بعض الأطعمة تقريبا 8 أطعمة أو مجموعات غذائية هي الفول السوداني، اللبن، البيض، فول الصويا، جوز الهند، السمك والقمح. النقل الأفقي للموروثة المقاومة للمضادات الحيوية من النباتات إلى البكتيريا لم تلاحظ إطلاقا في الظروف الطبيعية وإحتمالات النقل هي أقل من 10-11 لأن عملية النقل تحتاج إلى عدد وإحتياطي ضخم من الموروثة يستمر في التربة لفترات طويلة من الزمن حتى تكون كافية لنقل الموروثات المقاومة إلى البكتيريا، وبالتالي فأن الإستناد إلى نتائج تمت تحت ظروف تجربيية معالجة والتي تم فيها تحفيز النقل لا يمكن أن تتوفر في الظروف الطبيعية. كما أن تطبقات التقنيات الزراعية الحديثة مثل إستخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية والعشبية لا تخلو من المخاطر على البيئية ومياه الشرب، ويرى هذا الفريق أن تقييم السلامة الغذائية يجب أن يتم على ضوء النتائج المترتبة بعد تناول هذه الأغذية وليس قبل تناولها، فإذا ما ظهرت حالات تسمم عندئذ يتم منع الصنف المتسبب في هذه الحالة. أما الفريق الثاني فهو معارض ويمثل رأي المعارضة الشعبية وفئة المستهلكين وقد قمنا بتوضيحة في السياق لكل حالة على حده، والذي يمكن إيجازه في أن ظهور بعض حالات التحسس نتيجة تناول بعض الأطعمة المحورة وراثيا، وظهور حالات هروب الموروثات من المحاصيل المحورة وراثيا إلى أقاربها البرية وتحويلها إلى حشائش صعبة المكافحة يستدعي توخي الحذر وتقييم السلامة الغذائية والأحيائية قبل أن تدخل قيد الاستخدام.[c1]الحاجة إلى تطوير طرق ومؤشرات معايير جديدة للمخاطر المترتبة من تناول وزراعة المحاصيل المحورة[/c]لكن رأيي الخاص أن الإنجاز النهائي للمحاصيل والأغذية المحورة وراثيا لا يزال في أطواره الأولى وينتظره الكثير من العمل والكثير من التقنيات تحتاج إلى تطوير سواء على صعيد السلامة الغذائية أو السلامة ألإحيائية والبيئية، قبل السماح بتسويق ونشر زراعة المحاصيل المحورة وراثيا. ويأتي في أولويات ما ينبغي عمله هو وضع معايير فعالة لتقييم سمية وحساسية البروتينات الناتجة من الموروثات المدخلة في المحاصيل المحورة وراثيا ولعل توصية اللقاء التشاوري لخبراء الفاو ومنظمة التجارة العالمية سيقود إلى تحسين قيم التوقع السلبي خصوصا الخاصة باستخدام النماذج الحيوانية للحصول على تقييم حاسم حول بروتينات الحساسية الفعالة واستخدام طرق مثل الطرق الكيميائية المناعية المختلفة في التجارب الحيوانية والتحاليل الكيموفيزيائية وكذا المقترحات الخاصة بانتخاب اللقاح بما في ذلك خطوات أخرى وإن كان ذلك سيعتمد على الأداء الفعلي للنماذج الحيوانية. أهم التطورات المستقبلية المتوقعة لتقييم السلامة الغذائية للأغذية المحورة وراثيا هي طريقة تحاليل البروتينات والتي تسمى "البروتيومكس" والتي تهدف إلى تحسين التقييم الغذائي الكامل بدلا من المكونات الفردية (السميات والمغذيات) والبحث في الغذاء الكامل وحتى اللحظة النتائج والقياسات لا تزال صعبة التفسير للخروج بتوصيات. التحوير الطبيعي للبكتيريا في معدة الثديات نادر تكرار التبادل بالدرجة نفسها في التربة، على أن المسألة المركزية ترتبط بايجاد حل لمخاطر الكائنات الدقيقة وأستخدام الواسمات المقاومة للمضادات الحيوية في إنجاح عملية إدخال الموروثات المرغوبة ,اهم هذه الحلول إيجاد وتطوير بدائيل للمورثات الواسمة للأغراض المعملية، وكذا البحث في نظم تعمل على إزالة الواسمات بعد نجاح عملية التحوير. وتقليل التأثيرات الضارة بإجراء التهجين الرجعي مع المحصول غير المحور. ومن النائج السلبية أن منتج الموروثة المدخلة قد يؤدي إلى خفض القيمة الغذائية لبعض المكونات مثل خفض محتويات الفيتامينات لكن هذا لا يعتبره بعضهم يدخل في التأثير السمي لكن يجب أخذه في الاعتبار عند التقييم الشامل للمخاطر الصحية بالنسبة للنباتات المحورة وراثيا. [c1]رفع كفاءة دور البحوث والجامعات اليمنية في استشعار مخاطر الأغذية والمحاصيل المحورة وراثيا على السلامة الغذائية الإحيائية[/c]إن لدينا من الأدلة ما يكفي في أن المنتجات المحورة وراثيا قد دخلت البلد فقد أعلنت اللجنة المكلفة بالتوعية ورصد وجود هذا النوع من الأغذية ضبط حوالي 200 صنف محورة وراثيا موزعة على مناطق مختلفة من الجمهورية ولكن من الجائز إن لا المستوردين ولا اجهزة الدولة المتمثلة بالحجر الزراعي والجمارك ولا المستهلكين أيضا على علم بمدى خطورة هذه الأغذية، من جهة أخرى، لا توجد شواهد أكيدة عن وجود محاصيل محورة وراثيا تم نشرها في أي أقليم من أقاليمنا الزراعية. والجهة الوحيدة القادرة والمؤهلة على إستشعار خطر الأغذية والمحاصيل المحورة وراثيا هي الهيئة العامة للبحوث الزراعية، غير أن هذه الجهة عاجزة تماما في القيام بالدور الفعال والريادي في هذا المجال وهذا يعود إلى فقدان روح المبادرة بحجة عدم إكتراث أجهزة الدولة بمثل هذه المواضيع فهناك أولويات لمسائل تعتبرها أكثر أهمية لذلك أتت استراتيجية البحوث والخطة متوسطة المدى 2006-2010م خالية من الإشارة لموقف واضح وصريح من مسألة الأغذية والمحاصيل المحورة وراثيا.غير أن سرعة التقدم لا يتيح لنا مجالا للتراخي والاستسلام لموجة الغزو الاقتصادي الحر الذي لا يعرف الرحمة بل يحتم علينا التحرك وبسرعة لاتخاذ إجراءآت وقائية للحفاظ على السلامة الغذائية للمواطنين والسلامة الإحيائية للتنوع الحيوي والبيئي وليس وكما عودونا بالتحرك في الوقت الضائع وبعد أن تقع وتتفاقم المشكلة. والواقع إن المسألة ذات شقين: الأول يخص السلامة الغذائية وما يتضمنه من وضع معايير لتقييم الأغذية المحورة وراثيا وقد يقول قائل إذا لم نلتزم بحماية المستهلك بتطبيق معايير الجودة للأغذية التقليدية فما بالك بالنسبة للأغذية المحورة وراثيا، لكننا هذه المرة ننبه أن هذه الأغذية أكثر تعقيدا وخطورة وبالتالي من الضروري تغيير الأساليب والمعايير التقليدية وهذا يتطلب تخطيطا ونظاما صارما يؤسس وفقا لقوانين وتشريعات وآليات تنفيذ، ولعل إتفاقية قرطاجنة التي وقعتها الدول العربية ستسعفنا في تحديد البدايات عند وضع آليات التنفيذ والامكانيات المطلوبة من معامل وكوادر مؤهلة والإحتياجات المطلوبة لضبط المنافذ الحدودية ولوائح تحدد مهام الجهات ذات العلاقة.أما الشق الآخر فهو مرتبط بادخال ونشر المحاصيل المحورة وراثيا والسلامة الإحيائية وهنا ينبغي أن تؤدي الهيئة العامة للبحوث الزراعية والجامعات دورا رائدا وموجها في عملية التعاطي مع هذه المحاصيل. لكن أولا لابد من توجيه سؤالين اثنين الأول: هل أحالت الهندسة الوراثية طرق التحسين الوراثي التقليدية إلى التقاعد فلم يعد هناك جدوى اقتصادية لهذه الطرق؟ الحقيقة عامل الزمن والتكلفة العالية يقلل من استخدامات طرق التحسين الوراثي التقليدية، لكن هذه الطرق تتدرج في كفاءتها وبالنسبة لحالتنا لايزال هناك الكثير من هذه الطرق لم تدرج ضمن الأنشطة البحثية، وأعتقد أن أهم طرق التحسين الوراثي التي ينبغي التفكير فيها هي دمج هذه الطرق مع الطرق المتقدمة والتي ستساعد في تسريع الانجاز وأهما طريقة الانتخاب باستخدام الواسمات المساعدة (Marker Assisted Selection) وهي طريقة تساعد على التأكد من وجود موروثات الصفات المرغوبة وبالتالي انتخاب النباتات التي تمتلك هذه الصفات وفي وقت وجهد أقل.أما السؤال الثاني فهو هل نحن بحاجة إلى المحاصيل المحورة وراثيا ؟ والجواب هو بكل تأكيد إن لهذه المحاصيل ميزة تنافسية وتسويقة لما تتمتع به من صفات حيوية وجودة وإنتاجية عالية ولولا العقبات التي أشرنا إليها لكانت في الصدارة والتوقعات المستقبلية وكما عودنا العلم إن جميع هذه العقبات سيتم تجاوزها، لكن لا ينبغي التسرع في تبني هذه النوعية من المحاصيل إلا بعد أن تأخذ حضها من البحث والتطوير، لذلك من الأهمية التمهيد وتأسيس قاعدة معلومات معرفية متكاملة خاصة وأن القوانين الدولية تتخطى كل الحواجز والقيود.وعليه فأن ما يفوق ذلك أهمية وبصورة عاجلة هو استكمال قاعدة المعلومات الخاصة بالتعامل مع المحاصيل المحورة وراثيا، وفي رايي إن ذلك يتطلب مشروعا وطنيا يشترك فيها جميع الكوادر المتخصصة من البحوث والجامعات تكون له ثلاثة أهداف رئيسة؛ الأول: تشخيص الوضع الراهن للتنوع الحيوي ويشمل ذلك التوزيع التكراري للأقارب البرية في الأقاليم المختلفة للمحاصيل الرئيسية والتي يتوقع لها أقارب برية وأهمها الذرة الشامية، الذرة الرفيعة، الفاصوليا، القطن، الفول السوداني، التبغ، البطاطس، البنجر، الجزر ودوار الشمس، وكذا توصيف الاختلافات والتنويعات الحيوية والبيئية لأقاليمنا المختلفة وتحديد المواقع المعزولة طبيعيا وتحديد مؤشرات تدفق الموروثات من المحاصيل المستهجنة والأصناف المستوردة إلى أقاربها البرية وأهمها حواجز العزل التزاوجي، المسافة الوراثية، التوافق الجنسي، طبيعة ونسبة التلقيح الخلطي، تزامن التزهير، مواعيد وجود المحصول أو أقاربه البرية على مسافات كافية لحدوث التلقيح ، وتقييم درجة العدوانية تشتت حبوب اللقاح والغزو والتنافس للعشائر البرية، وعلى ضوء هذه المعلومات ستقسم هذه المحاصيل إلى مجاميع مخاطر حسب تدفق الموروثات، وبالتالي ستكون المحاصيل الأكثر خطورة هي التي يجب العناية بها بدرجة أكبر وسيكون التحفظ عليها بدرجة أكبر. أما الهدف الثاني فيرتبط بتوفير قاعدة معلومات حول انتشار الآفات، الأمراض الحشائش، على المحاصيل في النظم البيئية المختلفة وكذا ظروف الزراعة والتطبيقات المختلفة للمكافحة وأهمها أستخدام المبيدات الحشرية والعشبية وبالتالي تحديد معاملات الرش بالمبيدات، مواعيد الرش وتركيزات المبيدات ومواعيد انتشار الحشرات، الأثر المتبقي، الأضرار على البيئة وتأثيراتها على الكائنات الأخرى غير المستهدفة مثل الحشرات النافعة، المفترسات، النحل، الأسماك، الطيور، الثديات والأنسان. والواقع أن هذه النوعية من المعلومات من المفترض أن تكون متوفرة بحكم تاريخ البحوث الطويل في العمل مع هذه الموضوعات وخصوصا إستخدام المبيدات الحشرية والعشبية غير إن النظرة غير المتكاملة لهذه الدراسات يقلل من فائدها، علما أنه لا ينبغي التعميم فلربما توجد دراسات متعمقة لكنها لم ترى النور. أما الهدف الثالث فيتوقف تحقيقه على تحقيق الهدفين السابقين بالإضافة إلى تجاوز العقبات السابقة وبالتالي يتحدد القرار فيما إذا كان البيئة مهيأة لاستقبال ونشر المحاصيل المحورة وراثيا وهي مرحلة دقيقة وخطيرة وتتطلب شروط وظروف سيطرة محكمة، وأهم هذه الظروف تنفيذ برامج بحثية أكثر صرامة قبل أن يسمح للمحصول الزراعة تجاريا ونشرة على نطاق واسع حيث ينبغي تنفيذ تجارب مكثفة للسلامة على الكائنات المستهدفة في المعامل، الصوب، والحقول وتحديد التأثيرات المباشرة للمقاومة للحشرات وغير المباشرة على الآفات الطبيعية والمقارنة مع أنظمة المكافحة الأخرى وتقدير التوازن بين أنواع الحشرات ومؤشرات التدفق الرأسي للموروثات المحورة إلى الأقارب البرية حيث أن المحاصيل المحورة وراثيا لديها القدرة على تغيير هذه الموشرات. وسيبقى أيضا مأزق أخير حيث أنه وحتى بعد تقييم المخاطر بعناية شديدة فأن الإطلاق الواسع سيجلب إلى السطح أيضا تأثيرات أخرى لذلك عند تنفيذ التجارب الحقلية يجب الأخذ في الأعتبار النظرة البعيدة المدى. كما ينبغي الترحيب بأي محاصيل محورة وراثيا تخدم اتجاه استصلاح وتحمل الضغوطات البيئية غير الحيوية مثل المقاومة للملوحة والجفاف. إن المعارضة الشعبية لا تميز بين مختلف مستويات المخاطر للمحاصيل والأغذية المحورة وراثيا، لكن الجهات العلمية هي وحدها القادرة على توضيح الصورة كاملة بواقعية دون عواطف حتى تتمكن الجهات المعنية صاحبة القرار سرعة وضع الترتيبات اللازمة والسريعة لحماية المواطن وبيئتنا الزراعية.