زليخة أبو ريشة :قلنا في توصيف انثروبولوجيا التدين، إن التدين لم يتغلغل إلى أي عمق لا في التنظير ولا في التطبيق. فغياب ظواهر ايجابية في البناء والتعمير والإنتاج والتحقق الحضاري لا يوازيه في استفحاله سوى سطحية البعض في تناول الدين على انه مظهر وسلوك خارجيان.بل أن ذاك من هذا. فمجمل الخطاب الديني المعاصر قد وصل إلى طريق مسدودة حيث ينحشر فيها انعدام التواصل، والتمترس وراء شعارات يسهل التلاعب بتطبيقاتها، كما أفضى إلى العنف الذي هو في أعلى مظاهره (الإرهاب).إننا جميعا ندين الإرهاب، وحتى أجنحة المنظرين والخطاب الديني والسياسي الديني، تدين الإرهاب بل أنها لا تدينه فحسب بل تتنصل منه.فما الحل إذن؟.لوزارات الأوقاف دور معروف في المساجد، كدور وزارات التعليم في المدارس، حذوك العين بالعين، لا يجوز التهاون فيه، فكما يخضع اختيار المعلمين والمعلمات إلى شروط منها الدرجة العلمية، ومنها الأهلية التربوية والفكرية، فكذلك ينبغي وضع شروط للوعاظ والواعظات والدروس الدينية، ومدارس تعليم القرآن أو تحفيظه فان ''الحبل على الغارب'' ينبغي أن ينتهي والى الأبد. هذا يعني التخطيط لمواجهة المفكر الظلامي لتجفيف الإرهاب في العمق الثقافي، الذي هو العمق الحقيقي له، فنقدم خطابا دينيا عفيا حضاريا وبمستوى رسالتنا.لقد افسد الخطاب السابق وعلى مدى عقود، فطرة المسلمين والمسلمات، وحشا الأذهان بتفسيرات للنص، يبرأ منها النص. وحمل الإسلام صورا من التخلف على إن هذا هو الدين، من ذلك الغطرسة والعنصرية والشوفينية المتعالية على سائر البشر المختلفين في الجنس واللون واللغة والدين، ومن ذلك اختراع هوية مظهرية لا تنشد الاختلاف فحسب، بل الإيغال في التشدد.. ولم يلجأ هذا الخطاب مع الأسف إلى إيقاظ الهمة، وإنعاش الذاكرة الجمالية، واحترام قيم الحياة النبيلة.. لان هناك ممن تولى/وتولت الخطاب ما كانا من أهل العلم ولا أهل الفكر فالأهداف لهذا الخطاب كانت شكلية وسطحية ولا تمس السلوك الذي تربت عليه الإتباع.. والتغير الوحيد الذي حصل كان في إعلان الشعار سواء أكان ذلك في اللباس أو في قصد المساجد.هل هذا حقا دور المسجد؟ دور لمؤسسة الوعظ؟ دور لوزارة الأوقاف؟.لا يمكن ان يكون ذلك.. فالمسجد ليس فقط لإقامة الصلاة بل وأيضا لاجتماع على خير.. فان انتفى هذا الخير فلنا أن نبحث عن الأسباب، والأسباب كما رأينا - في بعض وجوهها - في الجهل الذي اعتلى المنابر طويلا، وآن له أن ينزل عن المنابر وعن رؤوس الناس.. وهذا دور لوزارة الأوقاف لا مفر.من جهة اخرى يحسن التوجيه الدائم للوعاظ والواعظات في دورات تدريبية وورشات عمل، يتم فيها الاعداد واستصلاح التربة الفكرية وتخصيبها بتقبل الاختلاف، ونشدان التيسير، ورعاية الاخلاق في بعدها الانساني، وترك التزمت والافكار الشخصية.. وتلمس الابعاد الجمالية والحضارية في الدين... فالاديان اتت للاصلاح: اصلاح الفرد واصلاح المجتمع.. وعلى الاصلاح الذي نحققه ان يكون اصلاحا في البنية لا في المظاهر.. ولا يكون الاصلاح قبحا قط.واول هذا الاصلاح: اصلاح الخطاب الديني وعصرنته، بمعنى تطويره لتلبية حاجات الفرد وحاجات المجتمع الراهنة، لا اعادة الماضي، فالماضي بغثه وسمينه مضى ولن يعود.. وكل ما نستطيع ان نفعله حياله هو اخذ الدرس المفيد منه.. لا اكثر .. ولا اقل..واني لاقترح على وزارة الاوقاف لدينا ان تأخذ المبادرة لدعوة الفضائيات العربية التي تبث برامج دينية الى مؤتمر حوار يتمخض عنه (عَقد شرف) تنصرف فيه البرامج الدينية لتعميق قيم الاخلاص في العمل، والاخاء الانساني، والمواطنة، والعمل التطوعي، والعلم ومحو الأميّة، وغير ذلك مما تحتاج اليه اجندتنا الوطنية مثل التركيز على الجهاد الأكبر (جهاد النفس) لا على الجهاد الأصغر (الحرب).. ونبذ العنف ابتداء من الكلام وانتهاء بحمل السلاح.ان التربية على العنف لها تاريخ في حياتنا المعاصرة وفي خطابنا.. وآن لنا ان نسد الباب الذي أتتنا منه الريح..[c1]* كاتبة اردنية[/c]
|
فكر
إصلاح الخطاب الديني
أخبار متعلقة