عاش عمر الجاوي مناضلاً يحمل بندقيته بيد وقلمه بيد أخرى، بين أبناء الشعب اليمني، وخاض معاركه العديدة، بين لعلعة الرصاص خلال حصار السبعين يوماً لصنعاء، ولكنه تحول إلى خصمٍ عنيد لا يلين أمام الحكام الجمهوريين بعد فك الحصار، ذلك هو عمر الجاوي، لا يخضع لأي ضيم، مهما كان مصدره عاش فارساً وبطلاً وحدوياً ومات علماً قومياً من الأعلام الوطنية البارزة. فشبابنا وبالذات جيل السبعينات والثمانينات عرفوا الأستاذ عمر الجاوي، مثقفاً وطنياً، وعلماً وحدوياً من أعلام الفكر والثقافة من خلال تواجده في الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكُتـَّاب اليمنيين وكونه من أبرز مؤسسي لبنات اتحاد الأدباء والكُتـَّاب اليمنيين، أول منظمة جماهيرية يمنية، ضمَّت أبناء الوطن اليمني بشطريه ومتحدياً النظامين الشطريين، بقواتهما وحماتهما، مؤكداً لهم أنّ اليمن فوق كل اعتبار مهما علت أوهام القيادات الشطرية.[c1]الشاعر عبدالله البردوني:[/c]في العام 67م تخرج عمر الجاوي من موسكو، وكان أول ما زاوله المحاضرات النارية في المقاومة الشعبية التي كانت تحاصر محاصري صنعاء آخر الستينات .. حتى اصبحت المقاومة قوة كالجيش والأمن وكالجيوش القبلية .. حيث أدهشت هذه المقاومة جيوش الحروب فتساجلوا الشهادات لهذه المقاومة بالاستبسال واقتحام الغمار والالتحام مع الموت وجهاً لوجه.قال بعض الشيوخ: (كنا نطمع في البنادق التي تطول قامات أولئك الشبان الذين تجمعوا من المدارس والمطاعم إلى الخنادق، وانصبو إلى المعركة من جميع جهات اليمن، وإذا جاء سيل الله بطل سيل معقل، فكانوا يحصدوننا قبل أن نقتطف بندقية .. اقتحموا بيوتاً اطلقت النار في “شملان” ولاقوا براميل مليئة بالريالات الفضية، وما مد مقاوم إليها يداً).ولما استحال النصر على المحاصرين أندحروا إلى وراء الحدود لكي تقوم حرب الجمهورية، والجمهورية بحجة من أثور، ومن أقل ثورة، وتقاتلت القوى المجمهرة، فكانت أحداث اغسطس 68م، ومر الرفيق النضالي “عمر الجاوي” من صنعاء ..!! لأن أحداث اغسطس هذه وشت بما بعدها من التصالح مع الذين حاربناهم ثماني سنوات.وقال عمر الجاوي “لابد أن تلتم الفلول علينا، منتهزة انسحاب الجيش المصري بعد نكسة حزيران، فهل نستطيع أن نقول بأفواه النار: إن صنعاء 68م غير صنعاء 1948م”.وقالت الكلمة نفسها ـ كما صاغها الجاوي الذي كان يلتقط من كل حركة ومن كل “طلعة” رائحة مؤامرة.ترك الجاوي أعطر الذكريات واشمخ الأعمال الصامتة والصائتة.[c1]المناضل المثقف والشتاء الأخيرد. عبدالعزيز المقالح:[/c]كثيرة هي الشتاءات المريرة والمؤلمة التي عانى منها الوطن وعانى منها المناضل عمر الجاوي وخاض فيها معارك لا هواده فيها .. كانت تلك الشتاءات أقسى بما لايقاس من هذا الشتاء الأخير .. وهي شتاءات امتلأت بالدهاليز والممرات الضيقة والطرقات المليئة بالخناجر والرصاص والحفر، لكنه تخطاها بشجاعة نادرة المثال وتجاوز آثارها ضاحكاً حيناً وساخطاً حيناً آخر.واحد من تلك الشتاءات الكئيبة كان عمر في صنعاء، وصنعاء محاصرة بفلول المرتزقة وأعداء الثورة الذين جمعتهم الكراهية للوطن والتغيير نحو الأفضل والأجمل في حياة الناس، وفي حياة البلاد. كان ذلك في مثل هذه الأيام من عام 1967م. وفي ظروف ذلك الشتاء الكئيب صاع عمر شعاره العظيم “الجمهورية أو الموت” وهو الشعار الذي تحول إلى قصائد وأناشيد وإلى مواقف صمود دحرنا فلول المرتزقة وأذنابهم من انصار الظلام هكذا كان المناضل عمر الجاوي نموذجاً للوطني صاحب القضية الذي عاش لثلاث قضايا اساسية ورئيسية هي الجمهورية والوحدة والديمقراطية.مقتطف من بعض كتابات الأستاذ سعيد أحمد الجناحي[/c]عقب أحداث أكتوبر 63م عندما ظهرت مخاطر تهدد ثورة سبتمبر ونظامها الجمهوري دعا عمر الجاوي إلى تشكيل جبهة وطنية ورص الصفوف للقوى الجمهورية للدفاع عن صنعاء وثورتها وجمهوريتها ولما شعر بصعوبة تشكيل جبهة وطنية عريضة لمواجهة الاتجاه الجمهوري الذي يسير باتجاه التسوية بالقبول بقرارات مؤتمر الخرطوم ومهام اللجنة المشكلة بناء على “اتفاق الخرطوم” القاضي بإيجاد تسوية الأوضاع في اليمن خاصة بعد نجاح حركة 5 نوفمبر 67م بلور مع عدد من العناصر الوطنية تشكيل مقاومة شعبية كتنظيم يتيح للجماهير الدفاع عن الجمهورية.تواصلت مساعي الجاوي وفي 11 نوفمبر عقد مؤتمر شعبي في صنعاء خرج بقرار تشكيل المقاومة الشعبية وقيادة لها وانتخبه المؤتمر عضواً في قيادتها إلى جانب تسعة من العناصر ذات الاتجاهات المختلفة وعينت الحكومة عدداً من الضباط العسكريين بقيادة العميد غالب الشرعبي وشكلت مع القيادة العامة للمقاومة.صاغ الجاوي ورفع شعار “الجمهورية أو الموت” وحمل البندقية مثلما حمل العلم وكان يكتب في نشرة “المقاومة” التي حملت ذلك الشعار. وصاغ مع رفاقه أهداف المقاومة وتنظيم اطرها وعلاقاتها.الجاوي وقف بصلابة في الرفض لوصول اللجنة الثلاثية وفي ظل تصاعد الضغوط على المقاومة صمدت صموداً عزيزاً رغم وصول الأعداء إلى منطقة عصر، ورغم تواطؤ بعض عناصر الحكومة في قبول اللجنة، ووضع مع رفاقه شروطاً تعجيزية لوصولها عبرت عن اصرار المقاومة على موقفها وهو الصمود والقتال حتى دحر الأعداء عن صنعاء وحتى يحقق النصر.وعمل على تعزيز دور المقاومة بتنمية العناصر المتذبذبة واتسعت المقاومة الشعبية على نطاق صنعاء ووصلت إلى أغلب المدن وفي مناطق المواجهة وتم تجديد قيادة المقاومة بحنكة سياسية وقتالية وفي كل المنعطفات التي مرت بها المقاومة اثناء حصار السبعين كان عمر الجاوي عنواناً بارزاً في الصمود والتصدي ورص الصفوف وتنظيمها .. وخلال تلك الفترة اسندت إليه الأمانة العامة للمقاومة الشعبية رغم أنه ضمن الفريق الإعلامي الذي يومها كان أكثر أهمية من حمل السلاح ومجابهة العدو بصنعاء .. وذلك لتوافر إمكانات ذاتية وموضوعية لم تتوار لسواه.كان بفكره المتقد اليساري قد مكنه من كسب تعاطف الجماهير وتجاوبهم معه مع زملائه علي مهدي الشنواح وغالب الشرعبي وغيرهم.بعد ستة أشهر من فك الحصار تقريباً في فبراير 68م استمر مخاض الصراع الذي بدأ ينحدر من الطابع الراديكالي الثوري المقاوم، والطابع القومي البحثي، إلى طابع مناطقي وطائفي، وانفجرت ما عرفت بأحداث 8 أغسطس 68م داخل صنعاء بين المعسكرين، وترتب عليها هزيمة معسكر الراديكالية من قطاع عسكري ومدني، ونزحت قيادات اليسار وفي مقدمتهم الأستاذ عمر الجاوي إلى عدن، وهذه تفاصيل لامكان لها للسرد هنا.
عمر الجاوي أحد أبطال السبعين.. وشهادات تاريخية
أخبار متعلقة