الظواهري..ابن الاثرياء الدي أصبح مهندس القاعدة
اعداد / مركز المعلومات : في كهف ما، داخل جبل ما، بمنطقة القبائل الواقعة على الحدود الوعرة بين باكستان وأفغانستان، تلقت ليلة أمس حمماً من أشدّ أنواع الأسلحة فتكاً، ربما كان يجلس بعدها ساخراً، أو ربما لقي مصرعه .. نعم نتحدث عن أيمن الظواهري الرجل الثاني في ما بات يعرف بتنظيم "القاعدة"، الذي تشن عليه أقوى دول العالم حرباً ضارية، ورصدت لرأس قادته الملايين، ولكن المؤكد أن أحداً لا يمكنه التكهن بما يفعله في هذه اللحظة، أو حتى يقطع بأنه مازال حياً أو مات ضمن من ماتوا نتيجة القصف الأخير، بعد أن شوهد آخر مرة على شاشات التلفزيون يخاطب الرئيس الأميركي أن يعترف بالهزيمة في العراق وأفغانستان .وإذا كان من المتعذر الخوض في حاله الراهن، فإن (إيلاف) سعت إلى النبش في جذوره واستكشاف منبته الأول ، وتحدثت مع رفاق صباه وزملاء دراسته ، وأسرته ، وجيرانه وحتى حلاقه الخاص ، وسجلت شهادات هي الأولى من نوعها حول الرجل الذي يسود اعتقاد أنه هو محرك وأحد أبرز صناع أسطورة أسامة بن لادن ، والبداية كانت من الحي الذي نشأ وتربى فيه ، وهو ضاحية المعادي في ذلك الزمان.. منتصف الستينات.. كانت المعادي وقتها أشبه بقرية إنجليزية ترقد وسط الوداعة والهدوء.. تبدو شوارعها أنيقة جميلة، وحدائقها تزخر بأنواع شتي من النباتات والزهور.. وكانت مبانيها عبارة عن فيلات لا تزيد ارتفاعاتها عن طابقين أو ثلاثة فقط، ولكل فيلا حديقة خاصة.. وفي واحدة من تلك الفيلات وتحمل رقم 10 بشارع 154 القريب من سوق المعادي القديم، ولد أيمن الظواهري وأشقاؤه الأربعة : حسين ومحمد وهبة وأمينة.. وقد درس حسن الهندسة وهو يعمل خارج مصر.. أما محمد فقد سلك نفس طريق أيمن وسار في ركابه وأصبح واحدا من المنخرطين معه في تنظيم القاعدة.. أما شقيقتاه فهما متزوجتان وتعيشان داخل مصر.. وبقيت والدته تقيم في هذه الفيلا حتى يومنا هذا .الأصولية والأثرياءونبقى في حي المعادي الراقي الذي يبدو أن تركيبته الفريدة أغرت كثيرا من الأدباء والمفكرين للسكن به .. كما أغرت على نشوء عدد من المنظمات الدينية السرية ، ولعل أبرزها جماعة "التكفير والهجرة" التي اغتالت الشيخ الذهبي وزير الأوقاف المصري الأسبقويؤكد زملاء وجيران قدامى للظواهري أن ارتباطه بالأصوليين بدأ من هنا، ومنذ وقت مبكر في حياته ، فيشير جاره الذي تحفظ على ذكر اسمه أنه عائلة "الظواهري" من الأسر المعروفة بتدينها ، لكن بعيدا عن التشدد أو التعصب ، وأنه سمع مرة من شقيقه محمد أن جذور تلك الأسرة سعودية من قبائل "الحربي" في بلدة تدعى "الظواهر" بالقرب من بدر التي دارت فيها الموقعة الشهيرة بين المسلمين والكفار في عهد الرسول( ص) عليه وسلم بالمدينة المنورة .ويضيف أن العائلة تؤكد أن نسبها ينتهي إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهم بيت علم منذ قرون خلت ، فقد اتجه جدهم الكبير الشيخ إبراهيم الظواهري إلي مصر لدراسة العلم في الأزهر الشريف علي عهد محمد علي باشا، وأقام في مدينة طنطا وله بها مسجد يحمل اسمه.. وكان جده الأحمدي الظواهري شيخا للأزهر الشريف .ومن الجيران إلى زملاء الدراسة ، وتحديداً في مدرسة المعادي التي كانت تضم أبناء الطبقة الوسطى من كبار الموظفين والمهنيين والتجار ، ويقول أحد رفاق أيمن وهو د. عبد الله حسين أن أيمن الظواهري وأشرف إسماعيل وصبري خطاب ومحمد فوزان شلتوت وهاني الصاوي وعادل رفلة كانوا من بين الطلبة الذين تخرجوا في مدارس اللغات بالمعادي (فيكتوريا والقنال والتجريبية .. التي أمضي فيها الظواهري تعليمه الابتدائي والإعدادي) ، وكنا نحن المجموعة الأخرى القادمة من مدارس الحكومة نحاول أن نرتفع إلي مستوى هؤلاء الطلبة الذين حباهم الله ذكاء وتفوقاً، ودراسة أرقى من تلك التي تلقيناها لا سيما في اللغة الإنجليزية التي يتحدثونها بطلاقة، وفي الرياضيات التي يفهمونها بسرعة غير عادية .ويواصل في شهادته الهامة أنه بمضي الأيام تركز اهتمام الجميع علي طالبين اثنين، كان كل منهما حالة خاصة ، ونسيجاً فريداً يستحق الاهتمام والمتابعة ، أولهما كان نبوغه العلمي واضحاً ، وكنا نطلق عليه لقب "العبقري" وهو محمد فوزان شلتوت ، الذي كان أول دفعته في الثانوية العامة على مستوى الجمهورية ، قبل أن يلتحق بكلية الطب ، ويتخرج فيها ويعين معيداً بها ثم أستاذاً حتى اليوم ، شأن بقية اخوته وأخواته : محمد فاضل شلتوت ، وفودان شلتوت ، وإيناس شلتوت وجميعهم حالياً أساتذة بكلية الطب في جامعة القاهرة .أما الثاني.. فكان: أيمن محمد ربيع الظواهري الذي صار بعد ذلك زعيما لتنظيم الجهاد في مصر، ثم شريكا لأسامة بن لادن في تنظيم القاعدة ..الغامض المتفوق وأيمن الظواهري المولود في حزيران (يونيو) من العام 1951 بالفيلا رقم10 شارع 154 بالمعادي حالة تستحق الاهتمام، فقد كان شابا قليل الكلام، وإذا تحدث لا تكاد تسمع صوته.. ولكن كان أبرز ما فيه هما عيناه اللامعتان بالذكاء تحت نظارته الطبية التي استخدمها منذ وقت مبكر من حياته .. فضلاً عن هذا الغموض الذي يكتنفه وكأنه كتاب مغلق يستعصي علي الفهم والبوح . ويتابع د. حسن قائلاً : أن الظواهري كان يجلس في الفصل محدقاً في سقف الغرفة تحسبه غير متابع للدرس، فإذا فاجأه المدرس بالسؤال ، أجاب بسرعة وبدقة وبأقل الكلمات .. إجابة نموذجية ، كان ذكاؤه واضحاً لا خلاف عليه ، وقدرته على التحصيل لا يباريه فيها أحد من أقرانه ، فقد كنا نقرأ بالكلمة فيقرأ بالسطر.. وإذا قرأنا بالسطر يقرأ بالصفحة ، كان كثير من مدرسينا خاصة أستاذي اللغة العربية سيد جلال وأبو العينين يستمتعان بتوجيه الأسئلة لأيمن الظواهري لدقته في انتقاء الألفاظ ، وبلاغته في التعبير ، كما كان أيمن من الطلبة الذين يحلو للأستاذ جورج ميشيل مدرس اللغة الإنجليزية وعلما من أعلام التدريس في المدارس الثانوية في تلك الفترة ، أن يتحدث معهم باللغة الإنجليزية طوال الدرس ونظرات الإعجاب بادية عليهويختتم زميل الظواهري القديم ذكرياته عن تلك الأيام قائلاً : إذا كان زميلنا عادل رفله هو أحسن من تحدث بالإنجليزية في دفعتنا خلال المرحلة الثانوية ، فإن أيمن الظواهري وشلتوت وأشرف إسماعيل صبري وهاني الصاوي كانوا هم من يأتون بعده مباشرة في إجادة وإتقان اللغة الإنجليزية بنفس الترتيب .زميل آخر لأيمن الظواهري ، هو المهندس صبري خطاب ، يمسك بجانب مختلف من شخصيته ، فيقول أن الصفة البارزة في أيمن أنه كان انطوائي ، يميل إلى العزلة ، ولم يعرف عنه أي نزوع إلى العنف ، ولم أصدق عيني حينما قرأت اسمه بين المتهمين في قضية تنظيم "الجهاد" الذي اغتال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، فقد كان أيمن لا يحب الصحبة ولا الشللية ، ولم يشارك في أي نشاط رياضي أو ثقافي أو اجتماعي ، علي الرغم من أن مدرسة المعادي الثانوية النموذجية كانت تضم أماكن مثالية لممارسة كل هذه الأنشطة ، فقد كانت تضم مسرحا كبيرا يضارع المسارح الكبيرة ، وكان بها صالة ألعاب رياضية تضم معظم اللعبات مثل تنس الطاولة ورفع الأثقال وكمال الأجسام وغيرها.. أيضا كانت المدرسة تضم ملعباً قانونياً لكرة القدم ، بالإضافة إلي مكتبة ضخمة كانت عامرة بآلاف الكتب القيمة.. ورغم ذلك لم نشاهد أيمن الظواهري يشارك في هذه الأنشطة حتى ولو لمرة واحدة .. لم يكن يحب الاختلاط بزملائه، بل كان يفضل الابتعاد.. ويميل إلي التأمل فهو دائما شارد النظرات .ويلتقط المحاسب ورجل الأعمال محمد فوزان هذا الخيط ، ويواصل السرد عن زميل دراسته القديم في مدرسة المعادي الثانوية ، التي يصفها بأنها كانت في ذلك الزمان أشبه بجامعة مصغرة للدول العربية فبين طلبتها تجد السوداني (عوض فقير) والجزائري (بشير بلعيد.. وكان أبوه واحدا من رجال السلطة في الجزائر) والفلسطيني (محمد اللباد)..والسنغالي (الحسن علي سيس.. وكان جده شيخا للإسلام في غرب أفريقيا)..كما توفرت لهذه المدرسة مجموعة من المدرسين الأفذاذ علي رأسهم جورج ميشيل مدرس أول اللغة الإنجليزية .. وسيد جلال وأبو العينين للغة العربية ، وفوزي إلياس للغة الفرنسية ومحمود الإسناوي للأحياء .. وحافظ ذكريا للرياضيات.. حتى في الألعاب الرياضية كانت المدرسة مزارا دائما لنجوم كرة القدم المشهورين مثل طه إسماعيل ابن المعادي .لا يتكلم في السياسةومن رفاق المدرسة إلى زملاء النادي الرياضي والاجتماعي الشهير في ضاحية "المعادي" الهادئة الراقية ، ولم يكن غريبا أن يكون أيمن الظواهري عضوا بنادي المعادي ، فقد حرص كل سكان الحي علي أن يلتحقوا بالنادي باعتباره متنفسا للترويح والترفيه ومظهرا من مظاهر الوجاهة الاجتماعية ، لكن أيمن الظواهري كما أكد لنا أحمد القرشي، عضو مجلس إدارة نادي المعادي لم يكن معروفا عنه ممارسته لأي نشاط رياضي أو ثقافي أو اجتماعي في النادي ، وربما الشيء الوحيد الذي كان يحرص عليه هو حلاقة شعره في الصالون الموجود بالناديوعندما سألت "شحته" حلاقه الخاص عنه قال : كل ما أذكره عنه أنه كان قليل الكلام لا يبتسم ولا يدخل في مناقشات من أي نوع .. وكانت له عيادة عليها لافتة تحمل اسمه، وأظن أنها مازالت موجودة، في نهاية شارع 77 بالقرب من شارع أحمد زكي ، وقال عنه المحاسب فاروق أحد أعضاء النادي : أعتقد أن فترة الاعتقال والسجن كانت لها تأثير كبير في حياته .لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : كيف اتجه أيمن الظواهري في هذا المسار.. وما هي المؤثرات والظروف التي دفعت به في هذا الطريق ؟والإجابة ليست سهلة ، بل قد تكون أصعب من فهم شخصية أيمن الظواهري الأشبه باللغز... لقد نشأ أيمن الظواهري وسط عائلة تتمتع بالاستقرار المادي والوضع الاجتماعي المرموق.. فوالده كان أستاذ علم الـ "فارماكولجي" أي علم الأدوية بكلية طب عين شمس، وظل يدرس بالجامعة حتى توفي قبل إنشاء كلية الصيدلة بجامعة عين شمس منذ ست سنوات.. وعم الأستاذ الدكتور محمد الظواهري طبيب شهير وأستاذ يشار إليه بالبنان في الأمراض الجلدية بل هو رائد هذا العلم وأستاذه بكلية طب جامعة القاهرة ، والمعروف والثابت والمؤكد أن عمه كان محط تقدير حكام مصر جميعا بداية من الملك فاروق قبل الثورة ومرورا بالرؤساء عبد الناصر والسادات وحسني مبارك، وتم تكريمه بالأوسمة والنياشين في كل تلك العصور. وخاله محفوظ عزام، القطب الإخواني الشهير وعضو الهيئة العليا لحزب العمل والمحامي المعروف مارس العمل السياسي من خلال القنوات الشرعية ، وهو شخصية تحظى باحترام وتقدير كل من عرفوه حتى خصومه السياسيين والفكريين .وفي محاولة لفك هذا اللغز حاولت أن أحاور أسرته لكنهم جميعا رفضوا الكلام في الموضوع . فمحمد عزام وهو محاسب وابن عمة أيمن قال: "أنت تسأل عن شخص في الخمسينات من عمره، وأنا في العشرينات ، لن أفيدك في الموضوع وأنصحك أطلب محفوظ عزام قد يجيبك".عزام وابن لادنوتعيدنا هذه الأبواب الموصدة إلى جذور انخراط أيمن الظواهري في النشاط الحركي ، وتشير كافة الروايات والشهادات التي سجلناها إلى محورين أساسين شكلا وجدانه ووضعاه على بداية الطريق : والمحور الأول تحدث عنه رفاق صباه المبكر الذين اتفقوا تقريباً على أن الظواهري بدأ القراءة مبكرا لكثير من المتشددين كسيد قطب وأبو الأعلى المودودي وأبو حسن الندوي وفعلت هذه القراءات في نفسه الكثير ودفعته دفعا للبحث عن رفاق وزملاء في نفس الاتجاه .أما المحور الثاني: فهو لقاؤه بالشيخ عبد الله عزام الفلسطيني والذي درس بالقاهرة بجامعة الأزهر وحصل منها علي الماجستير في أصول الفقه عام 1969، ثم سافر للعمل بجامعة عمان بالأردن، وعاد إلي القاهرة مرة أخري لمتابعة دراساته العليا للحصول علي الدكتوراه عام 1971، وهذه المرة كانت ترافقه أسرته ، ومكث في مصر حتى حصل علي الدكتوراه في عام 1973 في أصول الفقه بمرتبة الشرف ، وخلال تلك الفترة كون الشيخ عبد الله عزام صلات وصداقات وعلاقات واسعة زودته بتصور أوسع وتقدير أشمل لواقع الحركة الإسلامية وفي تلك الفترة من المرجح أن اللقاء تم بين الظواهري وعزام ، وما يعزز هذه القراءة أن كليهما اتجه بعد ذلك إلي أفغانستان للالتحاق بصفوف المجاهدين ضد الغزو السوفيتي ، حيث عمل أيمن في منظمة إغاثية كطبيب ، أما عبد الله عزام فقد أصبح "عّراب الجهاد" ، وفقيهه الأول ، ومن ثم الأب الروحي لأسامة بن لادن الشاب السعودي الثري الذي لعبت أمواله قبل أي شئ دوراً تاريخياً ليس في هذه المنطقة من العالم فحسب ، بل في العالم بأسره كما نرى الآن .. ويقول شهود تلك الحقبة أن ابن لادن والظواهري توطدت علاقتهما وارتبطا في مشروع واحد معاً خاصة في أعقاب اغتيال عبد الله عزام ونجليه في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1989 في حادث سيارة مفخخة على النحو الذي يعرفه الجميع .