د. عبدالخالق عبداللهللمرأة حضور قوي وخاص في اول انتخابات برلمانية تجرى في الإمارات لاختيار نصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي خلال هذا الشهر. فالحماس النسائي بارز كل البروز بعد ان بلغ عدد المرشحات 65 مرشحة على مستوى الدولة. والدعم الرسمي للمرأة لخوض الانتخابات لا حدود له ويتم تأكيده في كافة المناسبات ومن أعلى المستويات القيادية. كما أن مجتمع الإمارات هو من أكثر المجتمعات الخليجية تسامحا واعتدالا وتفهما لضرورات مشاركة المرأة في الحياة العامة والعمل الوطني والبرلماني. رغم كل هذه الأجواء الايجابية والمرحبة بحضور المرأة فإن حظ نساء الإمارات في الوصول إلى مقاعد المجلس الوطني عبر العملية الانتخابية ضعيف جدا ولا يختلف كثيرا عن حظ المرأة التي فشلت فشلا ذريعا في الفوز في الانتخابات التشريعية في كل من الكويت والبحرين مؤخرا.كانت هزيمة المرأة في الانتخابات البحرينية مدوية ومفاجئة. فرغم الجهود الكبيرة للمجلس الأعلى للمرأة في البحرين ورغم برنامج التمكين السياسي والتأهيل البرلماني للمرأة ورغم وجود أسماء نسائية قوية تمتلك الخبرة السياسية والمؤهلات العلمية كما الحضور الاجتماعي لم تتمكن أي من الـ 16 مرشحة من الوصول الى مجلس النواب البحريني بالانتخابات. المرشحة البحرينية الوحيدة التي انضمت الى مجلس النواب في البحرين فازت بالتزكية وليس بالتصويت. كذلك كان حظ المرأة خائبا ومخيبا للآمال في الكويت. فرغم حصول المرأة على حق التصويت والترشيح بعد نضال سياسي استمر لأكثر من 30 عاما، ورغم الاهتمام الرسمي والدفع المجتمعي القوي والحضور النسائي الأقوى لم تتمكن المرأة الكويتية التي تشكل 51 من القوة التصويتية من الفوز بأي مقعد في مجلس الأمة الكويتي الذي لايزال حكرا على الرجال من دون النساء.إذا كانت المرأة في الكويت والبحرين الأقدم تعليما والأكثر خبرة والأكثر مشاركة في الحياة السياسية والنقابية فشلت فشلا ذريعا في الوصول الى البرلمان عبر الانتخابات فهل ستكون نساء الإمارات حديثات العهد بالعمل الوطني والانتخابي افضل حالا من اخواتها البحرينيات والكويتيات؟ واذا كانت مجتمعات الكويت والبحرين الأكثر تطورا وانفتاحا والاسبق في العمل السياسي والنقابي رفضت المرأة رفضا انتخابيا ساحقا ماحقا فهل سيكون مجتمع الإمارات الأكثر محافظة وبداوة والأكثر انشغالا بالنمو الاقتصادي والتجاري والذي لا يملك تراثاً يعتد به في العمل السياسي والحزبي أكثر سخاء انتخابيا مع المرأة ويحقق المستحيل الذي عجزت المجتمعات الخليجية الأخرى من تحقيقه؟كافة الاحتمالات واردة. فمن الممكن أن يتغلب مجتمع الإمارات على نفسه وتفوز المرأة وتحقق ما لم تتمكن نساء البحرين والكويت من تحقيقه. لكن من المحتمل أيضاً ان يتكرر اخفاق المرأة الانتخابي وتفشل كافة مرشحات الإمارات اللاتي يشكلن 14 من إجمالي عدد المترشحين من الوصول الى المجلس الوطني الاتحادي. في هذه اللحظات وفي ظل المعطيات الانتخابية والمجتمعية احتمالات فشل المرأة اكبر إن لم يكن مؤكداً لعدة اسباب.ابرز عامل سيعيق نجاح المرأة هو ان عددها قليل نسبيا ونسبتها لا تتجاوز 18 من اجمالي عدد اعضاء الهيئة الانتخابية مقابل 82 للرجال. الاصوات النسائية قليلة وستدخل المرأة هذه الانتخابات وهي أسوأ حالا من الرجل. علاوة على انه يتوقع ان يكون اقبال المرأة على التصويت اضعف بكثير من اقبال الرجال. الاقبال الضعيف من المرأة على التصويت يعني حظاً ضعيفاً في الفوز. ومما يزيد من صعوبة فوز المرأة بأي مقعد هو العدد الكبير من المرشحات الذي بلغ 65 مرشحة على صعيد الدولة. هذا العدد المضخم من المرشحات المتحمسات والراغبات في إثبات الحضور النسائي وخوض المعركة الديمقراطية لن يخدم وصول المرأة الى المجلس الوطني. فالعدد الكبير من المرشحات سيعمل على تشتيت الصوت النسائي وسيصب بالضرورة لصالح الرجال. التركيبة العددية الراهنة متحيزة كل الانحياز ضد المرأة في الإمارات ويمنع وصولها إلى عضوية المجلس الوطني انتخابا.لكن الأهم من البعد العددي هو أن السياسة والعملية الانتخابية في كل دول العالم بما في ذلك الدول الديمقراطية المتقدمة والحديثة ظاهرة رجالية أكثر مما هي ظاهرة نسائية. الرجل متمرس أكثر من المرأة في دنيا السياسة وأكثر دراية بمداخلها ومخارجها. كما يتفوق الرجل على المرأة من حيث الخبرات والمؤهلات والمهارات التنظيمية والإمكانيات المالية علاوة على التواصل الشخصي والمباشر. الظروف الموضوعية والمعطيات المجتمعية تعمل ضد المرأة عندما يتعلق الأمر بالعمل السياسي والبرلماني.عند الذهاب إلى صناديق الاقتراع وعندما يحين وقت التصويت فإن المرشح العقلاني لن ينظر إلى الجنس ولن يميز بين الرجل والمرأة بل سيبحث عن المرشح الذي يثق به ويجده جديرا بأن يمثله ويدافع عن حقوقه ويتبنى قضاياه وهمومه ويتمتع بصفات محددة أبرزها الجدارة والكفاءة والخبرة والدراية بالعمل السياسي وممارسة دور التشريع والرقابة على عمل الحكومة. عند المفاضلة بين المرشحين فإن المتوقع ان الرجل، كما المرأة سيصوت للرجال أكثر من النساء خاصة وان الأسماء الرجالية أكثر قوة وخبرة وكفاءة وأفضل تنظيما وتمويلا من الأسماء النسائية.كل ذلك لا يعني الدعوة لليأس والانسحاب من الانتخابات. هذه التجربة الانتخابية الأولى في الإمارات مهمة للرجال والنساء لكنها أكثر أهمية للنساء. أن أكثر ما ينبغي أن تحرص عليه المرأة استغلال هذه الفرصة التاريخية من اجل اكتساب الخبرة والثقة بالنفس وفهم العملية الانتخابية والاقتراب من العمل السياسي وبذل المزيد من الجهد والاستعداد للانتخابات العامة القادمة قريبا. فما يجري حاليا في الإمارات مجرد بروفة انتخابية تؤسس لمرحلة ديمقراطية قادمة يكون فيها الجميع المرأة كما الرجل والمجتمع كما الحكومة أكثر ثقة وخبرة ونضجا واستعداداً للحياة البرلمانية والديمقراطية المتكاملة والتي تليق بالإمارات.إذا كانت الغاية وصول المرأة إلى المجلس الوطني عبر الانتخابات وليس بالتعيين فإن تحقيق هذه الغاية النبيلة تتطلب التضحية والابتعاد عن الأنانية والحنكة السياسية وفهم اللعبة الانتخابية. لا بد من عقد تفاهمات بين المرشحات من اجل ان تذهب كافة الأصوات النسائية من دون استثناء لمرشحة واحدة ووحيدة فقط في كل إمارة من إمارات الدولة. تحقيق هذا الهدف النسائي يتطلب الإبقاء على مرشحة واحدة جادة ومقنعة وتملك الحضور الاجتماعي والبرنامج الوطني والوعي السياسي وتحظى بثقة بقية المرشحات. بروز إجماع نسائي على مرشحة واحدة عبر الانسحاب الجماعي المنظم من قبل بقية المرشحات هو الطريق للفوز في الانتخابات. ويمكن لهذا الإجماع أن يتحقق من خلال انتخابات فرعية وداخلية بين المرشحات في كل إمارة لاختيار المرشحة الاكفأ والمدعومة نسائيا. بدون هذا التكتيك الانتخابي المسموح به وفق اللوائح الانتخابية الراهنة يصعب وصول المرأة إلى المجلس الوطني في العملية الانتخابية.من اجل المرأة والوطن ومن اجل التاريخ من المهم ان تصل المرأة في الإمارات إلى المجلس الوطني عبر الانتخابات وليس بالتعيين. الفوز في الانتخابات لا يأتي بالأماني الطيبة بل يتطلب التضحية كما يتطلب الذكاء الفطري والدهاء السياسي الكامن لدى المرأة اكثر من الرجل. لقد حان وقت ابراز الدهاء النسائي وممارسته بأفضل اشكاله. ففي عالم الرجال ودنيا السياسة ودهاليز السلطة على المرأة ان تدرك ان الغاية تبرر الوسيلة.[c1]نقلاً عن صحيفة (الخليج) الإماراتية [/c]
المرأة والانتخابات في الإمارات
أخبار متعلقة