بتنا في وضع، في هذا العالم العربي «الموحد من الماء الى الماء»، نستبشر ونفرح بأي لقاء بين فريقين متخاصمين مهما كانت طبيعته او اهدافه. نفرح اذا التقى مسؤولون فلسطينيون برئيسهم في مقره في «المقاطعة» في رام الله، وتغمرنا السعادة اذا حصل لقاء بين زعيمين لبنانيين في العاصمة الفرنسية، ونسعى الى البحث عما وراء المصالحة بين رئيس حكومة العراق وزعماء العشائر السنّية في بلده، علها تعيد الى العراق شيئاً من مظاهر الوحدة الداخلية. لقد بلغت حالة التفكك الداخلي التي تعيشها دولنا درجة من التردي، بات معها أي لقاء مهما كان رمزياً كفيلاً بإحياء جرعة من الأمل في نفوس الناس المساكين المتلهفين الى أي خبر يبشر بعودة شيء من التعقل الى الحياة السياسية العربية.هذا هو الشعور الذي سيطر على اي مواطن فلسطيني وهو يتابع خبر قيام اربعة من قادة «حماس» بزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وهو شعور يعكس حال اليأس المسيطرة على الشارع الفلسطيني في ظل حالة الانقسام، الذي يكاد يتحول الى تقسيم، بين الضفة الغربية وقطاع غزة.قرابة خمسة اشهر مرت على قيام حركة «حماس» بعمليتها «التحريرية» في غزة، بهدف ضبط الوضع الأمني المنفلت، كما كانت تقول، وإبعاد عناصر الفاسدين و «العملاء» عن القطاع. لو شاءت الحركة أن تراجع الآن ما قامت به خلال الفترة التي انقضت منذ 14 حزيران (يونيو) الماضي، سواء في الميدان الامني الذي كان على رأس «برنامجها» أو في الميدان السياسي او في مجال المقاومة ضد الاحتلال، فماذا ستجد؟الصراعات الداخلية تهدد شوارع غزة بالانفجار كل يوم. لقد اصبح هذا القطاع معروفاً في الصحافة الغربية بلقب «حماستان» تيمناً بما يشبهه من مناطق اخرى يسيطر عليها التزمت والتعصب والانفلات الامني. فالاشتباكات بين عناصر «حماس» وعناصر «الجهاد الاسلامي» تهدد بالانفجار كل يوم، تحت ضغط الكبت السياسي والتفرد الامني اللذين فرضتهما حركة «حماس» بالقوة، وبات طبيعياً أن يؤدي ذلك الى حالات من النفور المتزايد من جانب القوى الاخرى.أما في المجال السياسي، فإن الحديث عما يشبه الانشقاق داخل صفوف الحركة لم يعد من الاسرار، بل ان رموزاً اساسيين فيها، ومن الذين يقيمون في غزة، باتوا مستعدين لتوجيه النقد العلني، ليس فقط لسلوك الحركة، بل ايضاً لعملية السيطرة على غزة، التي وصفها غازي حمد، الناطق السابق باسم حكومة اسماعيل هنية، بأنها كانت «خطأ استراتيجياً فادحاً حمّل الحركة ما لا تطيق». وبدل أن يجد قياديو الحركة «المتشددون» ضد رفاقهم هذه المرة، أن هذه فرصة لمراجعة الحسابات والتجاوب مع دعوات الرئيس الفلسطيني والعودة عما تم ارتكابه في غزة بحق المؤسسات الشرعية الفلسطينية، فضلاً عن الأعمال الاجرامية التي شهدتها شوارع القطاع في ذلك اليوم الاسود، بدلاً من ذلك يتم فرض منع التنقل والإقامة الجبرية ومنع شخصيات أساسية من قيادات «حماس» من الادلاء بتصريحات، لأنها تجرأت، وبعيداً عن الاعلام في معظم الاحيان، على إبداء موقفها الوطني مما جرى والدعوة الى العودة عنه. يضاف الى ذلك وقوف قادة «حماس» في غزة في وجه كل محاولات تسوية الازمة الداخلية، وآخرها وأهمها المبادرة التي قدمتها الجبهتان الشعبية والديموقراطية، والتي كان على رأس بنودها إعادة الأمور الى ما كانت عليه في غزة وتسليم المقرات الامنية في القطاع للرئيس محمود عباس.أما في ما يتعلق بالمقاومة ضد الاحتلال، فيكفي التذكير بالدعوات التي وجهها اسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة الى ايهود اولمرت من اجل العودة الى «مربع التهدئة» كما سماه، بهدف الحؤول دون قيام اسرائيل بأعمال عدوانية تزيد حياة الفلسطينيين في غزة بؤساً في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الخانق الذي يعيشون فيه. وليس هناك ما يضير في ذلك طالما أن هذه الدعوات تستند الى حس الواقعية والمسؤولية الوطنية، ولكن المستغرب أن يكون هذا الحس الواقعي قائماً حيال اسرائيل وممنوعاً عندما يتعلق الأمر بعودة الحوار مع حركة «فتح»!في هذه الأجواء تمت زيارة القادة الأربعة من حركة «حماس» في الضفة الغربية للرئيس الفلسطيني في مقره، وهي الزيارة العلنية الاولى منذ طلاق الحركتين. ومع أنه كان مؤملاً أن تكون هذه خطوة لاستعادة الحوار، اذا بها تُستخدم من قبل قادة «حماس» في غزة كوقود جديد للتصعيد وللتأكيد ان لا علاقة لها بالمساعي القائمة من أجل تسوية الأزمة الفلسطينية الداخلية. اذا لم يدخل لقاء من هذا النوع ضمن مساعي الحوار والتسوية، فمن أين يمكن أن تأتي هذه المساعي؟[c1]- كاتب فلسطيني[/c]
|
فكر
إلى أين وصل «تحرير» غزة؟
أخبار متعلقة