يبدو أنّ الحذاء ركن مهم في ثقافة الفوضى التي يعيش المجتمع المصري بعض جوانبها... المصريون - كما يتندر الأجانب - يبيعون رغيف العيش على الرصيف، غير عابئين بالتلوث الذي يصيبه حتماً، في حين أنّهم يضعون الأحذية في فاترينات عرض زجاجية خوفاً عليها.ملاحظة طريفة تخص نمط حياة المصريين، ولكنها تشير من ناحية أخرى إلى الأهمية المتصاعدة للحذاء في المجتمع.فقد أشهر - مؤخراً - نائب في مجلس الشعب الحذاء في مواجهة زميله، وتوعد مرشد الإخوان المسلمين - في حديث منشور - معارضيه بالحذاء إذا وصلت جماعته إلى الحكم، كما صفعت كاتبة إخوانية في اليمن رئيس تحرير إحدى الصحف اليمنية في مقر نقابة الصحفيين اليمنيين العام الماضي، لأنّه نشر في صحيفته موضوعاً لم يعجبها.منذ أيام شهدت مقصورة استاد القاهرة معركة حامية بالحذاء بين رئيس نادي الزمالك، وبعض أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي، تخللتها شتائم وسباب، ولكمات على الجانبين حدث ذلك في حضور مندوب رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للرياضة - وهو بدرجة وزير - فضلاً عن عددٍ من الشخصيات العامة، يعني هذا أنّ ثقافة الحذاء طالت مؤسسات الدولة السيادية، معركة في المؤسسة التشريعية، وأخرى في حضور مندوب لرئيس الدولة وزير، الأمر الذي يثبت تراجع هيبة الدولة، وتلاشي القدر الواجب من التوقير لرموزها.في السابق كانت الاشتباكات بالحذاء مقصورة على العوام والدهماء في الحواري والأزقة، أحد عناصر ثقافة الرصيف التي تسود بعض القطاعات الشعبية، ولكن هذه الثقافة امتدت إلى قمة المجتمع، نفذت إلى شرائحه العليا، وفرضت نفسها على الحوار والعَلاقات داخل مؤسسات صناعة القرار فيه، كذلك المناسبات العامة. وهو ما يثبت مقولة سبق أن أطلقها د . جلال أمين في كتابه المهم ماذا حدث للمصريين؟ إنّه في لحظات الصعود والهبوط تميل الطبقات الهابطة إلى تقليد ثقافة الطبقات الصاعدة، وبما أنّ الصاعدين في المجتمع المصري من الأكثر ثراء والأقل تعليماً وتحضراً، تصبح ثقافتهم - رغم افتقارها إلى التحضر - هي النموذج الذي يحتذى من الجميع.هذا يعني بوضوح أنّ غياب السياسة الحقيقية طيلة ما يزيد على نصف قرن لم يؤدِ فقط إلى غياب التيارات السياسية ذات الجذر الشعبي، وكذلك تفشي السلبية وغياب المشاركة بكافة صورها، ولكنها أدت أيضاً إلى تجريف واضح في الثقافة السياسية على نحوٍ جعل لغة الخطاب والحوار في المجتمع السياسي تتسم بدرجة عالية من الابتذال غير المسبوق، ولم يُعد أمام الطبقة السياسية سوى التلويح بالحذاء أو الاشتباك به.طيلة الفترة الماضية التي شهدت قدراً واضحاً من الحراك السياسي، من يتأمل المشهد يصل إلى نتيجة بسيطة أنّ السياسة تقتصر فقط على وسط القاهرة سواء فيما ينشر في الصحف أو ما تشهده الشوارع من مظاهرات واشتباكات، وجميعها لا تخلو من ابتذال في التعبير، ولغة هابطة، ومساجلات بذيئة لا تفرق بين العمل العام والحياة الخاصة.. وأتصور أنّ العمل السياسي لم يشهد مثل هذه الدرجة من التردي من قبل، وهو ما يحملنا إلى الاعتقاد بأنّ هذا المجتمع مرشح لحالة شاملة من الفوضى، وقد تطول أو تقصر حسب إدارة المشهد سياسياً، المجتمع المصري قديم، وجذور الاستبداد راسخة فيه، والتغيير قد يستغرق وقتاً طويلاً ولكن الخطورة أن يعتقد اللاعبون السياسيون أنّ الحذاء هو سلاحهم الوحيد.[c1]* كاتب مصري[/c]
ثقـافـة الحـذاء
أخبار متعلقة