إذا أردنا أن نتذكر أكثر الصور التي تعبر عن رؤيتنا عن العائلة فإن المشاهد التي نجتمع فيها على مائدة واحدة عندما كنا صغاراً تبدو أكثرها وضوحا. أيضا الشجار المستمر مع الأخوات والاضطهاد المستمر الذي يمارسه الأخ الأكبر وعندما كبرنا فإن فكرة العائلة تبدو واضحة في تجمعات الاستراحات وعلى الرغم من أن علاقة الأخوة أصبحت أكثر فتورا إلا أنك يمكن أن تشعر بها من خلال أولادهم.فكرة العائلة هي أكثر مايميز مجتمعنا ولكننا للأسف نتعامل معها وكأنها لقاء للتسلية فقط ولتذكر الأوقات الحلوة وليس فقط لدعامة فكرية وأخلاقية. إن الحياة الفكرية التي مثلتها العائلة لنا كانت بسيطة جدا وهي التي تتمثل بإرغامنا على دخول المدرسة والذهاب إلى المسجد والابتعاد عن الرفقة السيئة. على الرغم من أن هذه تبدو أشياء جيدة إلا أنها لايعني أنها كذلك فعلا.المدرسة لم تقدم لنا أي خدمات فكرية كبيرة وأغلبنا لايتذكر أي شيء منها (لا أتحدث عن المعلومات ولكن القيم) وفي المسجد كنا نصلي ونسمع فيه الكلام نفسه الذي نسمعه في المدرسة أما الرفقة السيئة (التي كانت تشمل حتى المدخنين) فقد كان هو النجاح الوحيد الذي حققه الأهالي عندما استطاعوا أن يشيطنوا هذا الفئة وكرهها كثير منا (على الرغم من بعض السلوك السيئ الذي اتبعناه) بدافع اقتناع أو خوف من الشرطة. هذه الطريقة التربوية القديمة فرغت العائلة من القيم الفكرية الصلبة وبغض النظر عن المشاعر المتقلبة بين الأخوة فإن البيت ظل فارغا تماما من الأفكار التي تجمعهم باستثناء بعض الأحاديث الوعظية البسيطة التي قالها لهم والدهم بعد أن أمهم في إحدى الصلوات. رغم ذلك فإن هذا الأمر يبدو مفهوما تماما في مرحلة الآباء التقليدين الذين يقومون بأكثر المهمات الإنسانية صعوبة وهي التربية بالتقليد والتجربة الشخصية. ولكن هذه الطريقة استمرت مستخدمة أيضا آلياتها التبسيطية التي لو كانت مناسبة في مرحلة قديمة فإنها ستؤدي إلى كارثة في مرحلة أخرى وهذا ماحدث بالفعل. المدرسة التي كانت مصدراً للعلم والمعرفة لم تعد كذلك وباتت تتحول في أحيان كثيرة إلى مصدر للجهل والجمود الفكري والمسجد الذي كان للصلاة تم استغلاله من جماعات كثيرة بحقن الأفكار المتشددة والرفقة السيئة لم تعد فقط المجموعة التي تجتمع في الزوايا المظلمة وتتنمر على المارين بل باتوا مجموعة من الشباب الطيبين والذين لايعلمون ابنك كيف يدخن سيجارة ولكن كيف يفجر نفسه ويقتل الآخرين.بل الأوضاع الآن باتت أسوأ. تم قراءة الخطر الذي تمثله وسائل الإعلام بطريقة خاطئة عندما تم تضخيم فقط مشكلة الانحلال الأخلاقي الذين رأوه في كليبات الأغاني وتجاهلوا البرامج التي تساهم في تجهيل أطفالهم وتسطيحهم (على أي حال قد يوجد أطفال يشاهدون أغاني هيفاء وهبي ولكنهم لايعتبرونها قدوة بعكس الشخصيات التي جعلتهم الثقافة نموذجاً للإنسان الحقيقي الذين يقدمون لهم النصائح والمبادئ الخاطئة والمضرة) وكذلك مايحدث في الإنترنت. الأجيال الجديدة من الآباء لايعتمدون أي طريقة جديدة بالتربية ومازالوا غير قادرين على تغيير المفاهيم القديمة البريئة بشأن المدرسة والمسجد والرفقة السيئة. نسمع كثيراً من القصص عن آباء يشعرون بأسى عميق وهم يعتقدون أنهم سبب رئيس في موت أولادهم أو سجنهم عندما قاموا بتربيتهم على الطريقة القديمة.وما يؤسف فعلا أن الكثير من الآباء ما زال يدفع أولاده بسبب عدم إجرائه تغييرات على طريقته التربوية إلى الهلاك. إن الإرهاب كشف الطبيعة الفكرية الهشة داخل العائلة السعودية وهي التي جعلته قادرا على سحب عدد من أبنائها في صفه ورغم أن الناس الآن باتوا أكثر حذرا وتخوفا إلا أن هذا لايكفي لمواجهة أفكار التطرف. الشيء الوحيد القادر على ردعه الآن بنية فكرية عقلانية ومتسامحة يتم تكوينها بجهود شخصية داخل العائلة وتصبح هي صمام الأمان للأجيال الجديدة في العائلة. اعتمادكم على شيء آخر هي مقامرة بأرواح أبنائكم. [c1]* كاتب سعودي [/c]
|
فكر
العائلة في مواجهة الإرهاب
أخبار متعلقة