كان الشعور بالعار والخجل هو سيد الموقف في أزمة الفتاوى الأخيرة، والتي أثارتها فتاوى صادرة عن كبار المتخصصين في الشأن الإسلامي. فإحداهما صدرت عن رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر وأفتى بها بناء على تخصصه العلمي الشرعي ومعرفته الفقهية بالحديث ولأنها قامت على حديث صحيح. والأخرى صدرت عن مفتي الجمهورية، وليس بعد ذلك منصباً دينياً سوى السماء.كشفت الأزمة عن مدى معرفة المسلمين بدينهم الذي له يتعصبون ومن أجله يبذلون الغالي والنفيس، فإذ بهم أشد الناس جهلاً به، لأنهم تحولوا عن المعرفة المباشرة به ودرسه أو الإطلاع عليه، إلى معرفته معرفة شفاهية إذاعية تليفزيونية. فإذا بهم يكتشفون في أيام معدودات مدى فقرهم المعرفي المدقع بدينهم، فيثورون ثورة جهول غشوم على فتاوى تقوم على أصول إسلامية لا شك فيها.المفزع أيضاً كان من حملة الأقلام من مثقفينا ومذيعينا الأشاوس. فإذ بهم مشدوهون مندهشون دهشون يطالبون بالويل والثبور وعظائم الأمور ضد الذين يفتون فيسيئون للإسلام وللرسول ، فيكشفون المستور، فيجب أن يظل المستور مستوراً، ويكون التجريم من نصيب المتخصص العارف المتبحر في علمه الذي أصدر الفتوى، لأن عامة المثقفين رأت في فتواه تجريحاً للإسلام وللرسول ، ولأن العامة المثقفة فقط لم تكن تعلم. وعندما علمت رفضت واحتجت وأنكرت الحديثين والحدثين اللذين قامت عليهما الفتوى، وهما من صلب سيرة النبي ولهما رجع وصدى في قرآننا وتقوم عليهما أحكام في علوم الفقه، وأجمعت عليهما كتب السير والأخبار والتاريخ والتفاسير والفقه، ولا يخلو منهما فرع من تلك الفروع الإسلامية العريقة العتيدة.أثبت الحدثان أن مثقفينا المسلمين لا يقرأون. بل إنهم لا يقرأون أخص ما يخصهم، تراثهم العزيز عليهم الذي ينافحون عنه، آناء الليل وأطراف النهار، فإذ بهم يعاركون من أجل شيء لا يعلمون عنه شيئا. وكعادة مثقفينا مع المشاكل المتفجرة، هو العمل على دفنها بسرعة لإهالة النسيان عليها، ومع السرعة وعلى عادة إكرام الميت بسرعة دفنه لا يفكرون حتى في نزع فتيل المشكلة المتفجرة، بل يتم دفنها كلغم موقوت يمكن أن يتفجر في أي لحظة. فتتم الضغوط الهائلة على الدكتور عزت عطية ليعلن خطأه وأسفه واعتذاره وتراجعه عن فتواه، مما انتهى به إلى مجلس تأديب مع إيقافه عن العمل، بينما سحب المفتي الدكتور علي جمعه كتابه من الأسواق، لكن دون أن يطاله هذا العزل لفارق المنصبين.وبعد الدفن والتأبين وإنزال العقوبة بالأبرياء من علماء الإسلام، عاد المسلمون سعداء كراماً بعد أن تخلصوا من العار، بينما يعلمون يقيناً أنها مدونات مقدسة تدرس حتى الآن في معاهد الأزهر والمعاهد الدينية في العالم العربي والاسلامي ، وستظل موجودة لأنها ضمن تراث يرتبط ببعضه البعض وتنبني عليها أحكام وله أسباب موضوعية زمن الدعوة، وكل ما تمكنوا من فعله هو إيقاف اللغط، إسكات القول والسؤال، وترك كل شيء كما كان عليه قبل زوبعة الفتاوي.تعالوا معي نعمل شيئاً آخر، نعمل شيئاً لا يدفن التراث ولا ينفيه، وأيضاً لا يخجل أو يستشعر العار منه، تعالوا نقرأ الحقائق مجردة لنعمل فيها العقل فربما عثرنا على حل أكثر عائدية علينا بالطمأنينة وليس بالعار، وباحترام التراث وليس بدفنه، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، والطمأنينة للمسلمين.ان الدكتور عزت عطية عندما أفتى برضاع الموظفة لزميل العمل ، مستنداً إلى السيدة عائشة التي أمرنا نبينا أن نأخذ نصف ديننا عنها، كان مشغولاً بحل مشكلة لأهله وأحبابه من المسلمين ومهموماً بهم، فهو رجل قد سلم بعدم إمكان عودة المرأة إلى البيت مرة أخرى، وأن خروجها إلى العمل الوظيفي أصبح جزءاً من تركيب نظامنا الاجتماعي الحديث وهو موقف يحمد له مبدئياً.كان مشغولاً بمسألة الحجاب الذي استحدث المتأسلمون فرضه على المسلمات رغم الثبوت الديني أنه كان شأناً خاصاً بنساء النبي ولا يطلب من المسلمة العادية سوى تغطية الجيب أي الثديين، ورغم الثبوت الطبي القطعي العلمي بضرر الحجاب على الدماغ وتأثيره على عمل هذا الدماغ، وأذاه لفروة الرأس وضرره الشديد والبالغ لشعر المرأة التي زينها الله به، وأن هذا الشعر والدماغ بحاجة إلى ضوء الله وهواءه وأشعته، فقام يقدم للمسلمات حلاً من شريعتهم لتتمكن الموظفة من خلع الحجاب أمام زميل العمل دون حرج، وأن يتبادلا الحديث لمصلحة العمل دون تحرج، وليتمكنا من الخلوة لضرورات قد يفرضها العمل دون حرج ديني أو ضرر بالسمعة.الرجل صادق اليقين بإيمانه ودينه فيما فعل، فقال ما قال، وما أراد إلا خيراً، فلجأ إلى حديث رضاع الكبير، الذي لم يكن حديثاً فقط، بل حديث مصحوب بالتطبيق الفوري الناجح، فقد لجأت سهلة بنت سهيل زوجة الصحابي الجليل أبي حذيفة إلى رسول الله (ص)، تشكو له ما تجده في وجه زوجها أبي حذيفة من عدم الرضا وهو يرى ربيبه سالم قد كبر وأصبح رجلاً بالغاً ناضجاً يدخل على زوجته ويخرج، فقال لها الرسول : “إذهبي فارضعيه، قالت: كيف أرضعه وهو رجل كبير، قال (ص) : ألا أعلم أنه رجل كبير؟ إذهبي فارضعيه”.المهم أن سهلة صدعت بالأمر النبوي فأرضعت ربيبها سالم بعد بلوغه مبلغ الرجال خمس رضعات، فما عادت ترى في وجه زوجها شيئاً يكدره من بعدها.الأهم من ذلك أن السيدة عائشة أم المؤمنين تمسكت بهذا الحديث بعد وفاة النبي بل وطبقته وعملت به. فقد كانت بحكم موقعها من الدعوة مرجعاً لسؤال المسلمين الدائم، وحتى يكون السائل محرماً عليها فإنها كانت تأمر بنات أخيها وبنات أخوتها بإرضاع السائل أولاً، ثم يلقاها ويطرح استفساراته وحواره معها من بعد أن يكون قد أصبح محرماً عليها بهذه الرضاعة.الدكتور عطية يؤمن عن يقين بهذا الحديث ويصدق ذلك الحدث، وأن هذا الإرضاع قد حول مشاعر الجميع (أبو حذيفة وسهيلة وسالم وزوار السيدة عائشة ومعظمهم بطبيعة الحال من الصحابة رضوان الله عليهم بحسب ما ترويه كتب الفقه والتاريخ) إلى مشاعر راقية بعد الصدوع بالأمر النبوي، انتفت منها جميع النوازع الغريزية، بدليل ذلك الحديث، وبدليل نتائج تطبيق الحديث. ومن ثم قرر الرجل مساهمة منه في حل مشاكل مجتمعه المعاصر التي يسببها رجال الدين كفرض الحجاب وتحريم الخلوة، بفتوى دينية يمكن بها التخفيف عن الناس، وتحرير الرأس من الحجاب فترات مناسبة أمام زملاء العمل، وذلك بأن على كل موظف تفرض الظروف عليه الخلوة بموظفة أن يرضع منها خمس رضعات، فتتحول الغرائز إلى لطائف سماوية وقطوف ربانية فلا يعود يفكر فيها كإمرأة إنما كشقيقة أو أم، باختصار كأخت في الإسلام.يقول الدكتور عطية مبرراً فتواه بعدة وجوه كلها سليمة شرعاً: “إن رسول الله هو الذي رخص في ذلك،.. وفي الأعمال الدينية يستشعر المؤمن عبوديته وخشوعه لله فتنمحي النواحي الشيطانية، وإن أحداً من دارسي الحديث وأئمته لا يمكنه أن يشكك في أن حديث إرضاع الكبير حديث ثابت وصحيح.. ولو كان رضاع الكبير فيه أدنى شك لعاتب الله نبيه في تشريعه، ولثار الصحابة جميعاً على عائشة”. وفي توضيحه لطريقة رضاع الكبير والغرض منه، قال فضيلته: “أن المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته، وهذه هي الحكمة من إرضاع الكبير، وأن الإرضاع يكون بالتقام الثدي مباشرة”.ويرد من رأى في فتواه مجافاه لزماننا وتقاليده وأعرافه بقوله: “إن أحكام الإسلام ترتبط بذات الإنسان عبر الأزمان والأماكن، وذات الإنسان لم تتغير.. ومن أرذل الرذائل استقباح أو النفور من أمر الرسول.. فالله أدرى بمصالح عباده”.كانت تلك أقوال د. عزت عطية للعربية نت والوطني اليوم. وقد استمر مصراً على فتواه مدافعاً عنها فقال في النيل الثقافية: “لو رضع كل الناس من بعضهم فهذا فائدة للإسلام، لأن كل رجل سيحترم المرأة ولن يؤذيها. وبشأن من يقول أن هذا الحديث ينطبق على حادثة أبي حذيفة فقط، فلماذا إذن استخدمته السيدة عائشة ولم يكن ذلك اجتهاداً منها، لأن من يطبق النص لا يكون مجتهداً، أما من يعارضه فليأت بالدليل”. ويشير إلى أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر أخذت بذات الحديث “عندما بعثت ابن أخيها سالم بن عبد الله بن عمر ليرضع من أخت السيدة عائشة حتى يدخل عليها، فرضع ثلاث مرات وتعبت ولم يتم خمس رضعات فلم تدخله السيدة عائشة”.وفي حوار أخير له مع “الوطني اليوم” قبل ارتداده على عقبيه، قال ملخصا الموقف: “إن ما قلته وأقوله هنا فتوى أسأل عنها أمام الله، وكنت أعني كل كلمة نطقت بها. فأنا استاذ ورئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين، أى أنني عالم من علماء الدين وكلامي هو فتوى شرعية، ومن حقي كعالم دين أن أعلن رأيي في أي قضية بدون موافقة مجمع البحوث الإسلامية، فأنا أرفض أي قيد على حرية الرأي، وعدم الإقتناع عقلاً بحديث الرضاع لا يمنع ثبوته فهو حديث صحيح، والاعتراض عليه هو اعتراض على الرسول (ص) وتشكيك في السنة النبوية، فرأت عائشة رضي الله عنها أن الخلوة ضرورة لتحصيل العلم والفتوى، ورأت أمهات المؤمنين أن الفتوى ليست ضرورية، وأنا أرى رأي عائشة.. والحكمة من طرح هذه القضايا في وسائل الإعلام هو فتح شهية الناس للبحث والدراسة بحيث يرجع الناس إلى العلماء لفهم التفاصيل”.كما تابعت الدكتور عزت عطية، فقد تابعت أيضاً الردود الفقهية التي سيقت ضد فتواه، والتي استندت بدورها إلى شواهد من الحديث الشريف، فقد حشدوا في مواجهته مجموعة أحاديث منها على سبيل المثال: * عن أم سلمة قالت : قال رسول الله (ص) : لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء من الثدي وكان قبل الفطام / رواه الترمذي حديث صحيح حسن ؛ أي لابد من وجود اللبن في الثدي المرضع كي تكون رضاعة محرمة وبشرط تمامها في الحولين.* عن ابن مسعود : “لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم”.* وقول النبي : “إنما الرضاعة من المجاعة”، أي أن الرضاعة التي تحرم هي ما كانت في فترة الطفولة حتى يكون اللبن سبباً في بناء لحم الطفل، فتكون المرضعة قد أنبتت من لبنها لحم الطفل كالأم عندما نبت من رحمها، فتكون المرضعة أماً بهذا المعنى.* عن ابن عباس مرفوعاً : لا رضاع إلا في الحولين أى في السنتين الأولين/ رواه الدار قطني 4 / 1774، ونصب الراية 3 / 218 وكنز العمال 15678. * ورأت مجموع الردود أن هذا هو ما نص عليه القرآن وأوضحته السنة وعمل بها كل الصحابة ماعدا عائشة وحدها وما ورد عنها. وتأكيداً لعدم ترتب التحريم على رضاع الكبير، أن رجلاً جاء إلى عبد الله بن عمر يسأله عن رضاع الكبير فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني كانت لي وليدة (أمة / جارية) وكنت أطؤها، فعمدت إمرأتي إليها فأرضعتها، فدخلت عليها فقالت: دونك، فقد والله أرضعتها، فقال عمر: أوجعها وأت جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغير.ويردون فتوى عطية بالقول إنه لو جاز شرعاً رضاع الكبير لضاعت مصالح الناس، ولفسدت العلاقات. فهذه امرأة ترضع ضرتها لتحرمها على زوجها وتلك ترضع خطيبة ابنتها لكي لا يتزوجها، ولم يقل بثبوت حرمة النكاح لرضاع الكبير إلا الظاهرية فقط. وكان الدكتور عطية قد استبق هذا الرد بتأكيده للوطني اليوم “أن إرضاع الكبير لا يحرم النكاح أو الزواج، أما إرضاع الصغير فهو الذي يحرم النكاح” أي أن الرضاع المحرم حسبما أخبر النبي هو ما فتق الأمعاء وأشبع الجوع، وليس مجرد مص الثدي، لأن إرضاع الكبير يعني مص الثدي سواء كانت المرأة ذات ولد ترضعه أو لم تكن ذات ولد ولا لبن.وفي حادثة سالم مولى أبي حذيفة قال القاضي عياض : “ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما”. ومن بين الرواه الذين لم يستسيغوا التقام الثدي، ابن سعد الذي لم يبدأ روايته بافتراض (لعل) مثل القاضي عياض بل قال مباشرة: “كانت سهلة تحلب له في مسعط / إناء / قدر رضعه فيشربه سالم كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر، رخصة من رسول الله / انظر شرح الزرقاني على الموطأ ج 3 ص 306، وهو ما استند إليه الذين ردوا فتوى الدكتور عطية بضرورة التقام الثدي بالشفتين. وقد احتاط الدكتور عطية لمثل هذا الرد سلفاً، فقال بالوطني اليوم: “إن الوسائل الموصلة كالحلب في إناء، فهو لأن بعض الناس تتحرج من أمر الرسول، والشرع ليس بذوق الناس، والدين ليس خاضعاً لرغبات الناس، وإجازة العلماء الحلب في إناء نوع من الترفع والادعاء احتياط في تفسير الحديث، ولم يرد في الروايات”.ومن ردوا عليه تعميمه للحالة على كل المسلمات بحسبانهم أن حالة سهلة بنت سهيل كانت حالة خاصة ورخصة خاصة بسالم وحده وسيدته سهلة بنت سهيل؛ فقد رد عليها الدكتور عطية بفعل السيدة عائشة وقريباتها التي عممت الرخصة بما فعلت.[c1]الأصل الذي أكله داجن !![/c]اللافت للنظر في هذه المعركة الفقهية بطولها ، ان الدكتور عزت عطية وأياً ممن ردوا عليه، لم يشيروا إلى الأصل القرآني للموضوع كله ، والتي قام عليها عدد الرضعات للكبير، وهو ما يرويه الإمام السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن). قالت عائشة: “كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات، فنسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله (ص) وهي مما يقرأ في القرآن”. ويؤكد القول ذاته ابن الجوزي في كتابه (نواسخ القرآن) مضيفاً قول عائشة: “فلما اشتكى رسول الله تشاغلنا بأمره، فأكلتها داجن ، أى الشاة”. وقد أورده صحيح مسلم 2 / 1075 / 1452 والترمذي في سننه 3 / 456 والصنعاني في مصنفه 7 / 467 و470، ويعقب النووي على قولها : “ فتوفى رسول الله (ص) وهي فيما يقرأ بالقرآن، معناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه توفى (ص) وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى، وعلى هذا فلا يشكل أن يكون الداجن (أى الشاة) - لو ثبت – قد أكل تلك الصحيفة، لأنها من القرآن المنسوخ تلاوته”.ويرويها مسند أحمد 6 / 296 وابن حزم في المحلى 11 / 235 وابن ماجه في سننه 1 / 625 والجامع لأحكام القرآن 14 / 113 كالآتي : “عن عائشة: نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشر، وكانت في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله (ص) تشاغلنا بموته، فدخل داجن (شاه أو عنز) وأكلها”.وقد حمل بعض الفقهاء ذلك النسخ على انه مما نسخت تلاوته وحكمه معاً فأبطلوه. لكن بعض الشافعية والحنابلة حملوه على ما نسخت تلاوته دون حكمه مثل الرجم، فآية الرجم التي أكلتها الشاة مع آية رضاع الكبير غير موجودة بالقرآن فتم احتسابها مما نسخت تلاوته مع بقاء العمل بحكمها، ولترافقها في الفقد من المصحف بأكل الشاة لها مع آية رضاع الكبير، فإن العمل بحكم الرجم رغم عدم وجود الآية، يلزم عنه العمل بحكم آية رضاع الكبير التي فقدت معها بدورها بعد ان اكلها الداجن!؟.والظاهر من حديث عائشة أن النسخ كان بعد وفاة النبي ولكنه أمر غير مقبول بإجماع، لنص القرآن على أن الله لا ينسخ آية من آياته إلا ويأتي بأحسن منها أو مثلها: “ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها”. لذلك ترك العمل بهذا الحديث مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وأبو ثور وغيرهم (للمزيد انظر مشعل الآثار 3 / 6 : 8 وأصول السرخسي 2 / 78 وفتح المنان 223 : 230 والفقه على المذاهب الأربعة 4 / 258 : 260).ربما لو كان مسموحاً للدكتور عطية بالكلام الآن وهو خاضع لمجلس تأديب، لربما رد عن نفسه الكثير، لرد على قولهم بكون حديث رضاع الكبير حالة خاصة ورخصه لسالم وسهلة تحديداً دون غيرهم، بكيف تكون حالة خاصة وفيها نص قرآني، وليس نصاً واحداً بل نص أول تم نسخه بنص تالي يجعل رضاع الكبير خمس مشبعات بدلاً من عشر، وهو يشير إلى مدى اهتمام القرآن بالأمر، وأن مجرد وروده عاماً مجرداً “ورضاع الكبير عشراً” يعني عموميته لا خصوصيته. وإلا لخصص كما خصص لزيد بن حارثة “ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها “. وحتى مع تخصيص الآيات فإن الحكم كان عاما وتم إلغاء التبنى من الإسلام.ربما لو كان مسموحاً له بالقول لقال إنه فيما أفتى ليس مجتهداً بل متبعاً، واتباعه هو لخير متبوع. فهو إنما قال بما قالت وفعلت علناً السيدة عائشة التي هي مصدر نصف دين المسلمين. ربما قال أيضاً: إن الإسلام ونبيه وقرآنه وحديثه لم يأتوا ليحلوا لصحابي مشكلة خاصة على انفراد. أو لسألهم الدكتور عطية: فماذا عن قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ لماذا تصبح هذه الحالة خاصة بسالم وسهلة بنت سهيل دون بقية المسلمين مادامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ فإذا خرجتم على القاعدة فلتعلنوا ذلك واضحاً لأنها قاعدة دونها الكفر عند الفقهاء، وحتى يتمكن غيركم من الخروج عليها في شئون أخرى تحكمون بها رقابنا، دون أن تعرضونا للتكفير؟ أم أنكم تنكرون معلوماً من الدين بالضرورة؟ وهل من بين المعلوم بالضرورة من هو أقوى سنداً وشرعية من أمنا عائشة وهى من قال، وهى من فهم، وهى من وعى، وهي من عاش الحادثة، وهى من نأخذ عنها نصف إسلامنا، وهي من طبق الحديث والآيات المفقودة، وهى من عمل بها في تفاصيل عديدة رصدتها لنا كتب الفقه والسير والأخبار الإسلامية.ربما لو كان مسموحاً لعطية بالقول لسألهم: لماذا أخذت السيدة حفصة بنت عمر بذات الحديث، وأرسلت ابن أخيها سالم بن عبد الله بن عمر ليرضع من أخت السيدة عائشة حتى يدخل عليها، فرضع ثلاث مرات، لكنها تعبت ولم تتمكن من المواصلة فرفضت السيدة عائشة دخوله عليها؟ربما رد عطية على من يقولون (بربما) حلبت سهيلة لبنها لسالم في مسعط، أن يثبتوا أن سهلة آنذاك كانت منجبة حديثاً لطفل في حال رضاعة حتى يتوفر لبن يصب في مسعط، وهو ما لم يرد بالرواية ولا بالإشارة.كما لم ترد أي إشارة لأي حادثة رضاع كبير توضح ما إذا كانت المرضع ترضع طفلاً من الأصل وأن لديها وفرة من اللبن، فالهدف إذن كان هو تماس الشفتين والحلمة للمص فقط. لكن المسألة هنا ستكون ما هى المدة اللازمة للإشباع ومن سيشبع بالضبط؟ وطبيعة هذا الشبع، ربما تفيدنا حادثة سالم الآخر بن أخي السيدة حفصة الذي ذهب يرضع من أخت السيدة عائشة، فرضع منها ثلاث مرات وتعبت فلم يتمكن من استكمال الشرط الشرعي بخمس رضعات، فيكون التعب هنا هو علامة الشبع المقصود، فقد تعبت من إشباع مرات ثلاث ولم تستكمل الإشباع خمساً، لذلك رفضت السيدة عائشة أن تلقاه.لذلك فرق الحديث بين الرضاعة التي تحرم وهي من المجاعة أي بشرب اللبن الذي يفتق الأمعاء وقبل الفطام في الحولين الأولين، وبين رضاعة الكبير التي ليس فيها شرب حليب حقيقي لذلك لا تؤدي إلى التحريم ولا تمنع الزواج لأنه لا يشرب حليباً يبني جسده فيصبح ولداً للمرضعه. ولو أراد النبي بالرضاع حلب اللبن في مسعط لقاله لسهلة بنت سهيلة بوضوح، ولما استغربت هي وسألته: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟!!، وهو استدراك كان كفيلاً باستدراك نبوي مماثل يشير إلى الصب في مسعط لأن سالم رجل كبير، لكنه قال لها بتكرار آمر إذهبي فارضعيه، وفي رواية (فرَضّعيه) بفتح الراء وبتشديد الضاد. لتأكيد مقصده.إذن وبوضوح كان الغرض هو تماس الرجل والمرأة تماساً شديداً يصل إلى حد مص الثدي، لإزالة غربة البعاد والتخفي. وقد لوحظ أنه في المصايف في بلادنا لا تلفت المرأة بالمايوه نظر الرجال لأنها أصبحت شيئاً اعتيادياً، ناهيك عن وضعها في دول العالم الأخرى، ومن ثم تصبح المرأة بعد رضاع الكبير هي والرجل كالشقيقين خاصة أنه أمر يتم عن معرفة من المحيط به وفي العلن. أعتقد أن هذا ما راود خاطر الدكتور عطية وهو يلقي بفتواه كحجر ثقيل في مياهنا العفنة الآسنة، عن إيمان ويقين أن الله سيلقي بألطافه السماوية عند طاعة النبي برضاع الكبير، مما يحول الموظفين في بلادنا إلى أشقاء وشقيقات يعيشون حياة طبيعية في مجتمع متآلف متراحم يأمنون بعضهم بعضا دون خجل من الأخوة في العرفان بالله. رغم أنهن جميعاً كن سافرات قبل صحوتنا الإسلامية المباركة، وكن يحظين باحترام وتقدير المجتمع كله دونما انتشار للرذيلة المستترة في نخاع المجتمع الحالي.ولم يحتجن أيامها فتوى لخلع الحجاب، بل كان خلع الحجاب إحدى علامات العزة الوطنية بالحرية وقرار اجتماعي عام بإعادة الاعتبار إلى نصف الأمة المشلول، فكان علماً من معالم ومكاسب ثورة 1919 بل كان أهم هذه المكاسب.إن ما أكتبه هنا لن يعجب الدكتور عزت عطية نفسه، لكنى أطالبه فقط بأن يسمح لغيره بحرية الرأي والقول. وهي الحرية التي أصر هو عليها وأعلنها، ورفض بموجبها الرجوع بفتواه إلى مجمع البحوث الأزهري. وعندما أقدم دفوعي هنا أقدمها لوجه الحق وليس لوجه شخص، أقدمها لأني سأبني عليها الآن قولاً آخر هو الهدف والغرض والمرتجى النهائي لما أكتب هنا.الدكتور عزت عطية لا شك عميق الإيمان، وأيضاً هو رجل مخلص لبني ملته يريد لهم الخير والتخفيف عنهم بعض أثقال وضعها على الناس زملاء له عمموا الحجاب ورفضوا تعميم رضاع الكبير، فهم كل يوم في شأن!! يرخصون ويمنعون ويحللون بالمزاج، لذلك لجأ الرجل إلى رضاع الكبير واعتبره حالة عامة لا خاصة، كما اعتبروا الحجاب حالة عامة رغم كونه كان مخصوصاً بأمهات المؤمنين وحدهم.الرجل أعلن ما يعلم في مقدسه بغض النظر عمن سيرضى أو عمن سيغضب، وبغض النظر عن ذائقتنا الأخلاقية اليوم لشئون الجنس، لأنه على يقين من سلامة النتائج ما دامت تنبني على مقدمات من حديث وقرآن وتجارب سابقة. ورغم ذلك تعرض الرجل لهبة من زملائه تندد به، خاصة أن آية رضاع الكبير وآية رجم الزاني التي أكلتهما الشاه غير موجودتين بالقرآن العثماني، وأن مصدر الروايتين السيدة عائشة، وهى من أصر على عدم نسخ آية رضاع الكبير خمساً، وعملت بها وبالحديث التي هي أيضاً من رواه. ويعلم جميع المهتمين بهذه المسألة أن غلاة الشيعة قد استثمروا ذلك للطعن في السيدة عائشة، بكونها اخترعت الأمر اختراعاً، بعد أن مات النبي وعمرها ثمان عشر عاماً مع منعها من الزواج بغيره بعد موته ، وهو قول مرذول مردود لأنه لم يثبت أنها أرضعت بنفسها أحداً في أي خبر في مكتبتنا الفقهية التراثية الكبيرة. وسبق أن برأها القرآن الكريم فيما عرف بحديث الإفك، واتهامها بهذه الرواية المنسوبة اليها هو تزيد وإفك جديد.وعلى الجانب السني لخص صاحب المنار الموقف من أحاديث السيدة عائشة بهذا الشأن في قوله: “لو صح أن ذلك قرآناً لما بقى علمه خاصاً بعائشة، بل كانت الروايات تكثر فيه، ويعمل به جماهير الناس، ويحكم به الخلفاء الراشدون، وكل ذلك لم يكن،.. وإن رد هذه الرواية عن عائشة لأهون من قبولها، مع عدم عمل جمهور السلف والخلف بها / تفسير المنار 4 / 472”.خطأ الدكتورعزت هو التباس الشأن لديه في التحريم من عدمه لرضاع الكبير، فلم يعد للإرضاع حكمه إذا كان لا يحرم الزواج، وبينما هو يستند إلى السيدة عائشة، فإن السيدة عائشة كانت تلجأ لإباحة الخلوة برضاع الكبير، باعتبار أن هذا الأرضاع يحرم ويجعل من يلقاها ذا محرم.أما الخطأ الأكبر فهو ذلك النوع من الإيمان الذي يمنع أى ضوء آخر من الوصول للإنسان. فيرى المعجزات قابلة للتحقيق، وان ما كان يحدث في مجتمع وزمان ومكان منذ ألف وأربعمائة سنة يمكن أن يحدث اليوم. فهو رجل نصي شديد النصية، لذلك وصفه المشايخ المخالفون له بالظاهرية. فهو يرى أن حفل مص عالمي للمسلمين كفيل بحل المشكلة الجنسية المستفحلة في بلادنا. الرجل نصي إلى حد أنه في الحوار مع “الوطني اليوم” اعتبر تسجيل حالة الزنا بالفيديو لا تثبت الزنى، فلابد من أربعة شهود من البنى آدمين يرون رؤى العين عضو الرجل كالميل وهو يدخل ويخرج في مكحلة المرأة. نصية الرجل وتصوره أن النص الديني يملك قدرات سحرية ويمكنه أن يكون فاعلاً في حياتنا اليوم هو تصور سحري يكفي بموجبه تغيير الواقع كما نريد ببعض الطقوس والتلاوات والأفعال. وهو في ذلك ليس فريداً فالمسلمون ومشايخهم يعتقدون حتى اليوم بأن صلاة الغيث تنزل المطر، حتى اليوم لا يعترفون بكل التقدم الفلكي الهائل ويصومون على تفرق بين بلدانهم لإصرارهم على رؤية الهلال بالعين المجردة، حتى اليوم يصرون على أن الطلاق يقع لفظاً.[c1]زمانهم يختلف عن زماننا :[/c]ان الدكتور يتحدث عن رضاع الكبير في مجتمع كان ينكح الصغيرة إذا جاءها الطمث دون حرج . بل كانوا يخطبون البنت في بطن أمها. مجتمع كان يتحدث عن النكاح (وهي كلمة تعني الفعل الجنسي الصريح بإطلاقه) دون جزع. مجتمع يسمح بمفاخذة الطفلة الصغيرة إذا تم تزويجها بولي وشاهدين طالما وإن نكاحها لن يتم قبل أن تكون صالحة للوطء. مجتمع يتحدث فيه النساء والرجال عن النكاح بألوانه وأشكاله دون ملامة. مجتمع يحوز للرجل فيه نكاح أربع زوجات وما لا عدد له من الإماء . مجتمع سادة وعبيد، حتى سادته درجات وبيوته أصناف. باختصار كان مجتمعاً مختلفاً بنمط حياته وعاداته وتقاليده وقيمه عن مجتمعنا اليوم.إن خطأ الدكتور الحقيقي إذن هو اعتقاده في صلاحية أي شئ إسلامي لكل زمان ومكان. وأن ما كان يؤتى بحلول زمن الصحابة يمكن بتكراره أن يؤدي لذات النتيجة اعتماداً على مبدأ السحر التشاكلي حيث ينتج الفعل الشبيه شبيهه المراد والمطلوب، غير ملتفت بالمرة إلى ما حدث في الدنيا منذ كانت عائشة تأخذ برضاع الكبير. الرجل يتصور أيضاً أن كل الحلول لابد أن تكون من نصوص الاحاديث والروايات الفقهية ولا يتصور حلولاً مدنية أبداً، لذلك يتطوع مشكوراً للبحث عن هذه الحلول في خفايا ديننا ليقدمها لنا في شكل فتاوى.لو كان صالحاً لكل زمان ومكان فأين هم عبيدنا؟ وأين هن جوارينا وإمائنا؟ وأين هن السبايا؟ أين هي حقوق العرب الفاتحين من جزية وفيء وخراج وأنتم تعلمون أننا وبلادنا معنا، وقف على العرب الفاتحين بالقرار العمري الأشهر، أم أن ذلك ليس من شرعنا؟ لقد ظل الرق مشروعاً منذ زمن النبي والصحابة الذين ماتوا جميعاً وعندهم عبيدهم وملك يمينهم حتى عام 4 196ميلادية عندما اضطرت السعودية لإعلان إلغائه تحت ضغط القانون الدولي الوضعي !!إذا كان صالحاً لكل زمان ومكان فإن فتوى الدكتور عطية تكون أوفق لو طلبت حل مشاكلنا الجنسية بإعادة أسواق العبيد والجواري الحسان مرة أخرى. وما أقوله هنا هو إسلام في إسلام وإيمان 100 %، لا يستطيع أن يعترض عليه لا عطية ولا المفتي ولا شيخ الأزهر، وليردونا بالبرهان إن استطاعوا.على المسلمين أن يعلموا وهم يتمسكون بقاعدة الصلاحية التامة لكل زمان ومكان أنها تخلق إشكالاً عصي الحل بالمرة في تعاملهم مع زماننا وعصرنا، في كل المجالات، سياسة، اقتصاد، علوم، قيم، أسلوب حياة، قانون، علاقات اجتماعية ودولية.. إلخ. وأن الكثير مما نعتقده صالحاً لكل مكان وزمان يجب تركه لمكانه وزمانه.إن في كل دين ما هو صالح لزمنه فقط، وفيه ربما ما يصلح لأزمنة أخرى، وفيه ما يصلح لمكانه فقط ومجتمعه وحده، وفيه ربما ما يصلح لمجتمعات وأمكنة أخرى. إن الشعور بالعار سيتولد عندما نصر على أن بول الجمل أو الناقة فيه شفاء للناس، في زمن أصبح يعلم فيه الطفل في مرحلة الإبتدائية أن هذا البول هو شكمان / أو كزست/ الإنسان، هو مخرج السموم التي يطرحها الجسم خارجه، الشعور بالعار سيتولد عندما يفتي مفتي الجمهورية بأن بول الرسول علاج للأسقام، وأن نخامته وبصاقه وعرقه يتداوى به، وقد تتولد الحيرة لدى المسلم وهو لا يجد اليوم بول الرسول، فيلجأ إلى المقاربة في العلاج بين بول الإبل وبول الرسول فكلاهما مقدس بموجب تراثنا الفقهي!!![c1]المفتي جمعة قال خبراً وليس فتوى :[/c]إن ما صدر من المفتي كان خبراً وليس فتوى حتى يتراجع بدوره عنها ويسحب كتابه من الأسواق. فليس بالإمكان الحصول على هذا البول لتنفيذ الفتوى لو كانت فتوى حقاً . لكن حادثة البول كانت حادثة واحدة حدثت كطرفة تاريخية. فقد قام الرسول ليلاً لحاجته فبال في إناء بجواره، فقامت أم أيمن (حاضنته) عطشى فشربت البول وقد حسبته ماء، فلما أصبح الرسول وعلم قال لها : “صحة يا أم أيمن، لا يجفر بطنك بعدها أبداً”. ربما نصدق الحدث وربما نصدق أن الرسول قال لها على سبيل المزاح وإذهاباً لروعها “صحة يا أم أيمن”. لكنا أبداً لا نستطيع أن نقبل استطراد الحديث “لا يجفر بطنك أبداً” لأنه لو كان ذلك حقاً، لظل بول الرسول محفوظاً حتى اليوم نزيده كلما نقص لتتداوى به الأمة أبد الآبدين، ولا شك أن تلك كانت إضافة تقديسية من كاتب الحديث أو راوية مبالغة في تكريم الرسول إلى حد إهانته، إنها مديح البداوة. ألم يقل البدوي في شعره مادحاً: أنت كالتيس في قراع الخطوب، وكالكلب في الوفاء.أن مثل هذا الحديث اليوم، لهو حديث الأمم عندما تشيخ ويصيبها الخرف، هو براز ونخام وبصاق وبول التخلف العقلي والكساح الفكري والعته في الفهم والضلال في الرأي والخراب في الديار والفساد في الضمائر.إن ما صدر عن الدكتور عزت عطية وعن الدكتور على جمعة قد انبنى جميعه على أحداث حدثت زمن الدعوة وثقها تراثنا أيما توثيق. فقط كان الخطأ في النظارة التي يلبسها أهل الدين في بلادنا. لكن المفزع حقاً لكل مسلم هو ما ترتب على ذلك من أحداث انتهت بتراجع كليهما عما قال وإخضاع الدكتور عزت عطية لمحاكمة تأديبية بعد إيقافه عن أداء عمله.هنا الجريمة الحقيقية، جريمة ارتكبها المجتمع علناً وهو راض قرير العين، جريمة كذب وجريمة محاكمة باطلة خوف العار دون أن يخافوا ربهم وهم يظلمون،وجريمة إنكار معلوم من الدين بالضرورة علناً بموافقة كل المسلمين.أقرأوا معي بيان المجلس الأعلى للأزهر وهو أعلى جهة إدارية تابعة لمشيخة الأزهر في مصر، بخصوص فتوى الدكتور عطية، إذ يقول البيان : “إن ما جاء على لسان الدكتور عزت عطية يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ويخالف مبادئ التربية والأخلاق، ويسئ إلى الأزهر كمؤسسة إسلامية مرموقة”. أيها الناس: إن الأزهر ينكر معلوماً من الدين بالضرورة علناً ودون أن يستحي أو يخجل!!كان على البيان أن يميز بين مرجعية الفتوى من أحداث زمن الدعوة وبين الفتوى نفسها ليصفها بما يشاء من سخائم. لكن البيان شمل كل قول عطية، وهو إنكار علني لمعلوم من ديننا بالضرورة، ضرورة اتفقت عليها صحاح المصادر جميعاً.لذلك تجد فرقاً واضحاً بين هذا البيان، وبين البيان الذي كتبه عطية يعلن تراجعه عن فتواه، دون أن يتراجع لحظة عن إعلان مصادره، فيقول: “إن ما أثير من كلام حول موضوع إرضاع الكبير، وما صرحت به إنما كان نقلاً عن بعض الأئمة مثل ابن حزم وابن تيمية وابن القيم والشوكانى وأمين خطاب وما استخلصته من كلام بن حجر، ومع هذا فالرأي عندي أن الرضاعة في الصغر التي يثبت بها التحريم كما قال الأئمة الأربعة ، وأن موضوع إرضاع الكبير كان واقعة خاصة لضرورة، وما أفتيت به كان مجرد اجتهاد.. وبناء على ما تدارسته مع إخواني العلماء، فأنا أعتذر عما بدر مني قبل ذلك، وأرجع عن هذا الرأي الذي يخالف الجمهور”.وكيف لا يتراجع الرجل وهو يرى خمسين عضواً إخوانياً معظمهم أزاهرة بمجلس الشعب المصري وهم يعربون عن قلقهم من انتشار فتوى الدكتور عطية إعلامياً؟ كيف لا يتراجع وهو يرى زميله الأزهري رئيس مجمع البحوث الأسبق والعضو الإخواني (السيد عسكر) يعلن باسمهم ، إخواناً وأزاهرة ، أن فتوى الدكتور عطية خروج على إجماع علماء الأمة بل أنها تسهم في نشر الرذيلة بالمجتمع، لسبب مبهر “ لأنه ليس من المعقول أن نتحدث عن رضاع الكبير في مجتمعنا الحديث”؟ كيف لا يتراجع وزميله عضو مجلس الشعب الشيخ ماهر عقل يعلن ان كشف المرأة ثديها لغير زوجها يعتبر كشفاً لعورة ؟ كيف لا يتراجع وهو يرى كل الخطائين يرمونه بأحجار آثامهم ؟ كيف لا يتراجع وهو يرى سكاكين الفتاوى الأخرى تطارد فتواه، وهم الزملاء الذين حبذوا تراجعه وحمدوه له ؟ فهذا الدكتور عبد المعطي البيومي يرى رجوعه كافياً (لا تعلم هل كان مطلوباً قص رقبته مثلاً!؟) وان الرجوع للحق فضيلة، وواجبنا أن نتعامل بالرحمة والرفق معه، والدكتوره سعاد صالح قالت: “إن الخطأ في الفتوى شئ وارد، وقد أخطأت في بعض الفتاوي وتراجعت عنها وليس في هذا عيب، لأن الخطأ الحقيقي هو الإصرار على الخطأ، أما الرجوع والإعتذار كما فعل الدكتور عزت فهذا أمر محمود”.هل ينكر هؤلاء السادة الحديث الذي استند إليه عطية؟ إذن ليعلنوا هذا بوضوح، فإن كانوا لا ينكرون الحديث فلماذا يعاقبون عطية؟ ولماذا يمتدحون رجوعه للحق، وما هو هذا الحق بالضبط؟ نريد أن نفهم الحق المقصود هنا. إن العقوبة تتضح دوافعها من تعقيب وزير الأوقاف الدكتور حمدي زقزوق على مفتي الجمهورية وبول الرسول إذ يقول: “إن مثل هذه الفتوى وإن صحت لا يجوز ذكرها أو ترديدها”؟ إنه مجرد الذكر والترديد إذن؟ إنها الطرمخة على المسلمين عن قصد مبيت من حماة الدين الرسميين وغير الرسميين حتى لا يعلموا من دينهم إلا المسموح به فقط.ويتابع زقزوق قائلاً: “ليس كل ما هو موجود في الكتب التراثية القديمة صحيح ومسلم به، وإنما لابد أن نعمل عقولنا فيما نقرأ. فقد نجد في هذه الكتب أشياء تخالف العقل الإنساني، فلا يجب أن نقولها أو يذكرها أى داعية، لأنها تسئ للرسول (ص)..”. وهو ما يعني أن كثير من أحاديث الرسول أخفاها الفقهاء عن غالبية المسلمين وعامتهم عن قصد مبيت، بل وينصح زقزوق مشايخنا بذلك الخداع للمسلمين علناً، ويستطرد يقول في بيان له بهذا الخصوص: “إن فوضى الفتاوي وعدم انسجامها مع العقل و الفطرة الإنسانية أكثر خطراً على الإسلام من خصومه”. ووصف تلك الفتاوى بالإنحدار عن الفكر الديني، وطلب بفكر يسمو بالمسلمين ولا يجرهم إلى التخلف والجهل ومنافاة قواعد الذوق العام. وكان زقزوق قد خص المفتي بهجومه معتبراً فتواه إساءة واضحة للنبي صاحب الدعوة الذي كان نقياً في كل شئ ولا يقبل مطلقاً بهذه التخاريف. وتساءل: هل انتهت كل المشاكل في العالم الإسلامي ولم يعد لدينا غير فتاوى التبرك بشرب بول الرسول وإرضاع الكبير؟إن قسوة الدكتور زقزوق قد جاءت في حينها وهي مطلوبة بلا شك. وحملته على المفتى على جمعة بالذات لها مبررها الواضح الفصيح، فربما من كان يستحق العقوبة هو فضيلة المفتي بشكل خاص، أولاً لإصراره على أن قوله فتوى، وأنه لم يتراجع عن هذه الفتوى بل تمسك بها ودافع عنها وظهر على التليفزيون باكياً منتحباً في مشهد درامي زاد موقفه سوءاً، وهو يؤكد ما جاء في كتابه: “أن نساء النبي وصحابته الكرام كانوا يتبركون ببوله وفضلاته، يروون من خلالها عطشهم ويداوون أوجاعهم وأسقامهم”. فهذا قول لم تقل به كتبنا التراثية، فحادثة البول كانت حادثة واحدة مع حاضنة النبي أم أيمن، ولم نجد غير ذلك مما يقول عن تبرك الصحابة ببوله وفضلاته يروون من خلالها عطشهم، كما لو كان النبي يقف سبيلاً والصحابة أمامه طابور يروون عطشهم. إنها صورة غير جميلة بالمرة رسمها لنا خيال فضيلة المفتي وحده. وما يجعل هذا الخيال الجامح وزراً كبيراً أنه ليس رجل دين عادي بل هو مفتي الديار المصرية بجلال قدرها عند المسلمين.أما ابتدار الصحابة لبصاقه ونخامته فقد جاء في رواية سهيل بن عمر ومندوب قريش بعد ما رأى مكانة النبي وسط أصحابه في صلح الحديبية. وهو ما لا يتطلب فتوى لأننا لن نستطيع الحصول مثلهم على النخامة والبصاق، ولا تشغلنا طريقتهم في التعبير عن حبهم لنبيهم وقائدهم، فلكل زمن ذوقه، ولكل شعب طريقته في التعبير عن عواطفه، وتتعدد الطرق بين مختلف شعوب العالم حتى تأخذ أشكالاً غرائبية أحياناً ومضحكة أحياناً أخرى، في عين غير أهلها. هذه كانت طريقتهم في بلادهم في زمانهم. لا هي فاسدة الذوق ولا هي جميلة المعنى ولا هى مقدسة المشهد، هي طريقة تعبير تليق ببداوة العربي الذي كان بالأمس أدنى في درجة العيش والتحضر من إنسان الشجر الأول.هنا نكون قد وصلنا إلى مناقشة مناط الموضوع الذي هو أجدى وأكثر احتراماً لدين المسلمين ولحياة المسلمين ومعاشهم اليوم، وندخل إليه عبر الصوت الديني المعارض لفتاوى الشيخين جمعة وعطية.يلفت النظر بشدة في الاعتراضات التي سيقت ضد تلك الفتاوي تأكيدها على اختلاف مجتمعنا المعاصر عن مجتمع زمن النبوة بالجزيرة، وعن اللجوء إلى العقل إذا ما تعارض معه النص. السيد عسكر نيابة عن الإخوان بالمجلس قال: “ليس من المعقول أن نتحدث عن رضاع الكبير في مجتمعنا الحديث”، بل واللجوء إلى ذائقة الناس وقبولهم أو رفضهم استناداً إلى هذه الذائقة التي تختلف عن زمن النبوة. فوزير الأوقاف زقزوق يركز على “منافاة تلك الفتاوي للذوق العام” وأنه “لا بد أن نعمل عقولنا فيما نقرأ، فقد نجد في هذه الكتب ما يخالف العقل الإنساني فلا يجب أن يقولها أو يذكرها أى داعية”. بل أن “مثل هذه الفتوى إن صحت لا يجوز ذكرها أو ترديدها” احتراماً للذوق العام المعاصر وعقل الإنسان وطرائفه المعاصرة في التفكير. وهو اعتراف واضح بأن في تراثنا الفقهي ما لم يعد متفقاً مع طرائقنا في التفكير والعيش والذوق والأخلاق ومعنى الفضيلة والرذيلة. لكن أن نسمع مثل هذه الردود كردود فقط على موقف بعينه، بدون تفعيل الموقف من بقية شؤون الدين، حتى نترك ما كان مناسباً لزمانه، ونعلن إيقاف العمل بأحكامه، وبدون إعلان التخلي الواضح عن أحكام فقهية كثيرة لم تعد توافق زماننا ودون إعلان أن في الدين ما هو غير صالح لزماننا، فسيكون الجرم هنا جرماً في حق المجتمع والحياة والمسلمين والدين والمستقبل جميعاً، لأن ما حدث يظهر للمسلمين كم يخدعهم رجال دينهم وكم يخفون عنهم من شؤون دينهم فيظهرون لهم شيئاً ويبطنون شيئاً أخر، مما يمثل خديعة لا تليق برجال دين، ويؤدي بالمسلمين إلى الشك في دينهم.ثم عليهم أن يحددوا معنى الفساد الأخلاقي عندهم، وأن يجيبوا عن أسئلة إزاء فكرة صلاحية النص لكل زمان ومكان. وذلك من قبيل: هل إلغاء تجارة الرقيق وركوب الجواري فساد أخلاقي؟ هل إلغاء العقوبات البدنية كالجلد والقطع والرجم فساد أخلاقي؟ هل احترام قوانين جنيف وأبسطها وأولها إلغاء سبي النساء في الحروب فساد أخلاقي؟ هل إلغاء الجزية عن أهل الكتب فساد أخلاقي؟ هل كفالة حرية الاعتقاد للناس فساد أخلاقي؟ [c1]رطانة الاخوان المسلمين غير مفهومة :[/c]إن الإخوان المسلمين والأزاهرة يحدثوننا برطانة غير مفهومة وشعارات لا يؤمنون بها، فهم يتحدثون عن الشرف ولا يرون في هتك عرض غير المسلمين أي رذيلة، ويتحدثون عن الحريات ولا يتنازلون عن فقه العبودية والسبي والجواري، ويتحدثون عن حقوق الإنسان ولا يعترفون لغيرهم بأي حقوق فغيرهم بلاد كفر وديار حرب، ويتحدثون عن المساواة ولا ينتقدون الفقه الذي لايقنن قتل مسلم بذمي ولا سيد بعبد ولا رجل بإمرأة.. فهم يصرون على أن شرع فقهائهم الأسلاف صالح لكل زمان ومكان . فالحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى. ويتحدثون عن الوسطية والاعتدال بينما فضائل الدنيا كلها عندهم رذائل من السينما للمسرح للموسيقى لبقية الفنون والسياحة أم الرذائل رغم ما تملك من حلول تامة المعاني لمشاكلنا الاقتصادية.مطلوب من سادتنا الذين انتقدوا فتاوي المفتي وعطية أن يحددوا لنا أولاً بدقة ما يفهمونه من معاني الأخلاق والعقل والقيم كالعدل والمساواة وحقوق الإنسان والحريات.إن النصوص الفقهية وعلوم الحديث التي يدرسها أبناؤنا في المدارس تؤكد إن الآبق من العبودية كافر، وبمعايير وقيم عصرنا الراهن نراه رجلاً عظيماً وثائراً له كل الحقوق في حريته، ويجب أن تقام له التماثيل في الميادين، بينما فقهنا يعلم أولادنا وبناتنا أن “الإباق يحرم شرعاً بالاتفاق، وهو عيب في العبد، وقد عده بن حجر الهيتمي والذهبي من الكبائر، وردت في النهي عنه أحاديث عدة نسبها الرواة الى الرسول منها ما رواه بن جرير البجلي عن النبي قال: “ أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم “ ، واتفق الفقهاء على أن الآبق لا يزال مملوكاً لسيده، فإذا قتل على وجه يستوجب الدية أو أتلف من بدنه ما يستوجب الأرش، فديته وأرش الجناية عليه لسيده”. فقهنا يجعل منا طبقات أسوأ من نظام الطبقات الهندوكية، فلدينا الأحرار والعبيد والرجال والنساء والعرب والموالى والذميين والعرب وغير العرب والهاشميين من العرب وغير الهاشميين والقرشيين وغير القرشيين، والمصيبة أن فقهنا يحدد لكل طبقة من هذه الطبقات حقوقاً وواجبات مقننة تختلف عن بقية الطبقات، فما هي الحرية والمساواة بالضبط التي يحدثوننا عنها، وهل ثمة تعريف واضح لها؟اللافت للنظر بشدة هو الثناء الذي تلقاه عطية على تراجعه عن فتواه، وتأكيد الدكتورة سعاد صالح أن الخطأ في الفتوى شئ وارد وأنها هي شخصياً كم أفتت فتاوي خاطئة ثم تراجعت عنها. ومثل الدكتورة سعاد، كان المفتى جمعة قد شك في موت جذع المخ لإباحة نقل الأعضاء ثم عاد عن فتواه وقال أنها قضية طبية وليست قضية دينية. وأفتى بأن الرشوة حلال في الضرورات ثم تراجع عنها وحرمها. وحرم تحنيط الميت ثم أحله لغير المسلمين كما لو كان غير المسلمين ينتظرون فتواه كبقية رعيته المطيعين الطيبين. ويسمون هذا بالرسوخ في العلم وأنهم هم أهل العلم الراسخون فيه. وبهذا الرسوخ في العلم سبق لجبهة علماء الأزهر أن أفتت بارتداد فرج فودة فقتلته الجماعات الإسلامية، وهي الجماعات التي اكتشفت بالرسوخ في العلم أنها كانت على خطأ فعادت عن فتاواها القاتلة، عبر سلسلة مراجعات تصحيحية دينية فقهية منشورة تؤكد بالرسوخ في العلم خطأ الرسوخ الأول، لكن دون أن يعيدوا لنا فرج فودة برسوخهم الجديد وفتاواهم الجديدة، ودون أن يعيدوا لمصر شهداءها الأبرار الذين قتلوا على يد هذه الجماعات الإرهابية. ولا أن يعيدوا لمصر اقتصادها الذي دمره الرسوخ في العلم ضد السياحة ، ولا أن يعيدوا الوطن للناس ، ولا أن يعيدوا له وللناس كرامتهم المهدورة بفتاوي الدم.وإذا كانت الفتوى تشريع، وإذا كانت دار الفتوى تحمل عنوان دار الفتوى والتشريع،وإذا كان هذا التشريع يأخذ الصفة الدينية أى الأكثر ثباتاً وقدسية من تشريع المجلس النيابي، فإن مبدأ الخطأ في الفتوى والعودة عنه لا يعود مميزاً للفتوى الدينية عن قرارات مجلس الشعب البشري، ومادام الخطأ البشري موجوداً في كليهما، أفلا يكون احترام الدين بإبعاده عن هذا الخطأ وإيقاف العمل بنظام الفتوى هو الأكثر جدوىوسلامة، وترك التشريع للبشر يخطئون به أو يصيبون بمجلسهم التشريعي الموقر بعيداً عن الدين واحتراماً له؟في هذه الحال سيتوقف الأزدواج التشريعي الذي تعاني منه كثير من المحاكمات القانونية، خاصة ما تعلق منها بالأحوال الشخصية. هذا ناهيك عن كون الفتوى تبدو كما لو كانت نقصاً في الإسلام جاء المفتون ليكملوه لربنا، ونحن نعتقد أن ديننا اكتمل بختام الوحي وأن نبينا لم يقصر في تبليغ كامل دعوته، وأن ما تركه الوحي دون أن يقول فيه كلمته هو إرادة ربانية، وما كان ربك نسياً حتى يأتي الفقهاء ليحلوا في المساحة المتروكة لنا حرة ويصادرونها، لصالح توجهات إنسانية بشرية قابلة للخطأ كما هي قابلة للغواية والطمع والشر البشري.كان ربنا يعلم بكل ما حدث ويحدث منذ الدعوة وحتى اليوم وحتى قيام الساعة، لكنه لم يحدثنا لإتخاذ موقف ديني من كل جديد ولا أشار إليه، ولا عين أحداً من قبله ينوب عنه ليتخذ القرارت مع كل جديد، لقد سكت الوحي عن هذه الشئون ليترك لنا حرية اختيار حياتنا وشرائعنا وسياسات حكمنا وطرائفنا في الحياة بما يناسب زمننا وأخلاق زمننا وقيم زماننا وذوق زماننا، عن رغبة من هذا الوحي وقصد، وإن وجود نظام الفتوى برمته هو افتئات على هذه السنن الربانية وتعدي على ذلك القصد السماوي، خاصة إذا تذكرنا أن الإسلام ليس فيه هيئة أكليروس ولا رجل دين ولا واسطة بين العبد والرب، وكانت تلك فرادة الإسلام بين الأديان في بكارته الأولى المميزة له، لذلك أسمى نفسه دين الفطرة، ودين الفطرة ليس بحاجة لمفتين وديار فتوى، بقدر ما هو بحاجة لمؤمن عزيز كريم يحب ربه بكرامة ودون وصاية من الأزهر أو دار الإفتاء.تبقى كلمة أخيرة، وهى من المعلوم من السياسة بالضرورة، أنه لا توجد دولة أو حكومة بحاجة لهيئة فتوى دينية، سوى تلك التي تريد تمرير قرارات ضد مصالح شعبها، مما يجعلها بحاجة لفرمانات سماوية حتى يطيع الجميع دون مناقشة، طاعة للدين!![c1]* مفكر مصري[/c]
|
فكر
الدفوع الشرعية عن ( الشيخين جمعة وعطية)
أخبار متعلقة