ما أروع رصد التأريخ للوقائع المهمة في حياة أفراده!! .. والأيام مدرسة الأحرار، تكشف معادن الرجال وتصقلها، وتفرز الخبيث من الطيب، ولا تعرف الخجل في إطلاق الحكم حتى على من عصروا شواربهم فيها وكل واحد منهم لُكع بن لُكع "!".ما أروع ما ردت به خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ عندما جاءها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرتعد خوفاً مما لقيه في حراء من غطّة الملك وإرساله بقوة أمره له بقوله: اقرأ !!قالت ـ رضي الله عنها ـ بكل بداهة: والله لا يخزيك الله أبدا .. إنك لتصل الرحم!! وتصدق الحديث!! وتحمل الكلّ!! وتكسب المعدوم!! وتعين على نوائب الدهر!! والله إني لأرجو من الله خيراً!!هكذا استحضرت هذه الزوجة الوفية مجامع الخير وخصال الرجولة ودلائل التوفيق في شخصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتنفي عنه خزي الله له أبد الدهر !! وكانت لحظة استكشاف موفقة كشفت حجم الرجال في موازين البر والصلة وإغاثة المنكوب!!دفعني إلى الكتابة عن هذا المرصد في حياة البشر ما أراه من امتحان الزمان هنا وهناك .. وكيف يبعث صناديد الرجال من مكامنهم ولسان الحال يقول: أخاك أخاك إن من لا أخاً له كساع إلى البيداء بغير سلاح!!بمثلهم يتشرف الإيمان بانتسابهم إليه!! وتتطهر الأحلام من سفه الظنون بالدنيا!! ويقوى الأمل بإنصاف الحق والإيمان يوم يقوم الناس في عرصات النشور "!!"وأما أشباه الرجال، الذين وصفهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن الواحد منهم هو لُكع بن لُكع!! هم طراطير الزمان الذين يشمتون بنوائب الدهر، وكأنهم يدفعون فواتير تأمين العافية في الدنيا والآخرة!! وكأنهم يجهلون أن الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك "!" فأما الذي لك فلا تبطر فيه "!" وأما الذي عليك فلا تضجر منه "!" كما قال ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ ويتصرّف هؤلاء الشامتون بالمنكوب ولسان حال الأخير يقول: وحيد من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب، قل المساعد !! بمثل هؤلاء تظلم الدنيا، وتنخر سوس اليأس في جذوع الآمال "!" وتتلاشى دلائل المعروف إذا كتب الزمان لهم قياماً "!" ولكن ذلك لن يكون، لأن الله تعالى كتب لحزب العون والغوث والمواساة البقاء، وما هؤلاء إلاَّ كما قال الله عز وجل: "... أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاَّ قليل".ويكفي أن سيد الخلق ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد منحهم شهادة حرمان من كل الفضائل وعظيم الأجر الذي جعله الله جزاءً على تفريج الكروب ، وإغاثة المنكوب ، لأنهم رضوا بالشماتة خلقاً لهم، ورفضوا رحمة الله تعالى عليهم!!كل الذين حواليك هم رجال أشداء "!" وهم أصحاب غوالي "!" يتوزعون بين القرابة والأخوة والمعرفة والجوار، ولكنهم إذا حصحص الحق ورجف القدر تبين من بكى ممن تباكى "!"، وانخرط الرجال من أشباههم كخرط القتاد!! ولسان الحال يقول:وما أكثر الأصحاب حين تعدهمولكنهم في النائبات قليل!!فاللهم نسألك الأجر في المصيبة، والخلق بالخير، واللطف فيما جرت به المقادير!!
والدهر يومان ... !!
أخبار متعلقة