أحمد داؤد :تتجلى ثقافة التسامح في ديننا الإسلامي من خلال المنهج الذي رسمه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان أنموذجا لا نظير له في تاريخ البشرية في التسامح والآخر.ولقد ضرب لنا عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى في التسامح عندما فتح مكة فدخلها متواضعاً ومطأطئ رأسه وقد خضع له صناديد قريش وجبابرتها منتظرين حكمه عليه الصلاة والسلام فيهم وهم الذين آذوه وأخرجوه من مكة وقاتلوه وصادروا أموال أصحابه حينها قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء.في هذه اللحظات الإنسانية يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم منهج التسامح والعفو عند المقدرة حتى مع أعدائنا الذين يفتكون ويتربصون بنا.إنه الإسلام الذي يربي أتباعه على مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة والتواضع والعفو والتسامح ويعلمهم أيضاً بأن لا يحتكروا علماً ولا يميزوا بين الأجناس لأن الجميع في هذه العقيدة سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي و أعجمي ولابين غني وفقير ولابين ذكر وأنثى إلا بالتقوى.لقد أضحى التسامح في المنهج الإسلامي ثقافة إسلامية خالصة سعى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده إلى تطبيقها في حياتهم فقد كانوا يتعاملون مع الآخر المختلف دينياً عنهم باحترام عقيدته واحترام كرامته وإنسانيته وكانت أخلاقهم الفاضلة وأمانتهم في البيع والشراء وحسن التعامل مع الآخرين سبباً في اعتناق الكثيرين للدين الإسلامي بعد أن كانوا يمارسون معتقدات وثنية ويهودية ومسيحية.والتاريخ يخبرنا أنه عندما كانت تجهز الجيوش ويستعد المسلمون لملاقاة العدو فإنهم يبدؤون بالحوار قبل الاقتتال وبالتفاوض قبل الاشتباك وكان إذا لزم الأمر والتقى الجيشان فإنهم لا يقتلون وليداً ولا كهلاً ولا امرأة وإذا من الله على عباده بالنصر المبين فإنهم لا يطمعون في إمارة ولا ولاية ولا يهتكون عرضاً وإنما كانوا يعمرون تلك المدن بتقوى الله ويجادلون بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة وكانوا لأهالي تلك البلاد حريتهم في المعتقد والعبادة ونظراً لتمسك المسلمين بهذه المبادئ العظيمة فقد كانوا أسياد العالم وخير أمة أخرجت للناس كما وصفها الله عز وجل في كتابه الكريم كما كانت أرقى حضارات الأمم وكان علماؤها ومفكروها وفلاسفتها هم وحيدو عصرهم ولقد رأينا كيف قصد الأوربيون المدارس الإسلامية وتتلمذوا على أيدي العلماء والمفكرين والفلاسفة المسلمين حيث درسوا طب (ابن سيناء) وفلسفة (ابن رشد) ووعوا كثيرا في علم الاجتماع ومن ثم عادوا إلى أوروبا وهم يحملون كنزا لا يفنى فحافظوا عليه وعلموا أحفادهم وأبناء جلدتهم تلك العلوم وكنزوها في رفوف مكاتبهم وفي خفايا منازلهم حتى أضحوا هم العلماء والمفكرون والفلاسفة بينما ظلت بعض أمتنا الطريق وسلكت مسلكاً آخراً قادها إلى دهاليز الجهل والضعف والتخلف ولقد مكثنا في نفق لا نستطيع الخروج منه في حاضرنا .عندما امتلك الغربيون من مقومات القوة والهيمنة ما يكفيهم لاحتلال الشعوب وقهر أبنائها،كانوا يعبثون بأهلها،ويسفكون دماءهم،ويغتصبون النساء،ويدمرون أي معلم إسلامي فيها.فعندما دخلت القوات الفرنسية دمشق بقيادة(غورو) عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية قال وهو يرفس برجله قبر صلاح الدين الأيوبي(ها قد عدنا يا صلاح الدين).وعقب دخول القوات البريطانية إلى مدينة القدس بعد الحرب العالمية الأولى قال(ألينبي) قائد القوات البريطانية(الآن انتهت الحروب الصليبية).وفي التسعينات من القرن المنصرم حدثت مأساة البوسنة والهرسك حيث قام الصرب حينها بحملات إبادة جماعية لكل من اتصف بأنه إسلامي،وارتكبوا مجازر فظيعة ما زالت آثارها شاهدة إلى يومنا هذا وهكذا ما حدث في العراق وفي لبنان وفي قطاع غزة..إلخختاماً أود القول أنه في تاريخ الإنسانية لا توجد سوى ثقافتين- ثقافة التسامح وثقافة اللاتسامح - وهما اللتان تزرعان الخير أو الشر في المجتمع أو الحياة،فالمنهج الإنساني الخيري هو الذي ينهج بمنهج الثقافة التسامحية لأنها لغة الأنبياء والسبيل لبقاء الخير في المجتمع،وبدونها لا يحل إلا الدمار والخراب الذي هو تكريس لثقافة اللاتسامح والتي لا يؤيدها إلا الشيطان!ونحن اليوم أحوج إلى ثقافة التسامح في مجتمعنا لأننا لا نريد الفرقة والشتات ولا نريد لهذا الوطن إلاّ وحدته ووحدة أبنائه ولا نريد تجزئته.إن من يحاولون زرع الفرقة والتجزئة هم دعاة ثقافة اللا تسامح التي لا يؤيدها إلا الشيطان.
التسامح في ديننا الإسلامي .. أنموذج يفتقده الآخرون
أخبار متعلقة