محمد زكريا ملفات الصوفية المختلفة في اليمن مازال الكثير منها مفقود وأهم تلك القضايا المفقودة هي نشأة الصوفية في اليمن وما هي أهم تيارات الطرق الصوفية الكبرى والمشهورة في العالم الإسلامي التي هبت عليها ؟ أو بعبارة أخرى كيف دخلت الصوفية في اليمن ؟. [c1]مشاهد الصوفية المختلفة[/c]ولا نغلو في القول إذا قلنا أن الصوفية في اليمن تحتوي على كثير من المشاهد التاريخية المتنوعة فهناك الصراع السياسي بين الصوفية والحكام القائمين بالأمر. وهناك ـ أيضا ـ الصراع الفكري بين الصوفية والفقهاء ومن ثمرته أن خرجت العديد من المؤلفات الفكرية التي أخصبت التربة الثقافية في اليمن وهناك أيضا النزعة الفلسفية للتصوف ومن هم شيوخها وروادها . وهناك ـ كذلك ـ قوانينها ونظمها الخاصة بها . كل واحدة من تلك الجوانب التي ذكرناها تحتاج إلى دراسة مستقلة بذاتها حتى نستطيع أن نفيها حقها من البحث التاريخي.[c1]ما معنى كلمة صوفية ؟[/c]و سنروي قصة نشوء الصوفية في اليمن وذلك من خلال كتاب قيم للعلامة والمؤرخ عبد الله محمد الحبشي الذي حمل عنوان (( الصوفية والفقهاء في اليمن )) . وقبل فتح صفحاته. علينا أن نفسر معنى كلمة الصوفية ؟ . وفي الحقيقة لقد تباينت الآراء والأفكار والأقوال حول معنى كلمة الصوفية والتي ولم تحسم حتى يوم الناس هذا. فبعض الآراء تقول أن كلمة الصوفية مشتقة من الصوف لكونهم كانوا يلبسونه حتى يميزوا أنفسهم عن أصحاب الترف والنعيم الفاحشين . وهناك بعض الأقوال ترجح بأن كلمة الصوفية نبعت من أهل الصفة الذين وهبوا أنفسهم للعبادة في مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة المنورة وكانوا يطلق عليهم أهل الصفة . وهناك ـ كذلك ـ رأي آخر يقول أن الصوفية أصلها كلمة يونانية بمعنى الحكمة . ويرجح الدكتور شوقي ضيف الرأي الأول الذي عرف معنى كلمة الصوفية بأنها مشتقة من الصوف , وفي هذا الصدد ، يقول : " ويبدو أن أوجه الآراء الرأي القائل بأن الكلمة مشتقة من الصوف لأن كثيرين من الزهاد في القرن الثاني الهجري كانوا يلبسونه ، وشاع لبسه بين المتصوفة بعد ذلك " . [c1]التصوف الإسلامي[/c]ونعود مرة أخرى إلى قصة الصوفية في اليمن وكيف نشأت وتطورت حتى صار لها تنظيمها وقواعدها المتعلقة بها . يقول العلامة عبد الله الحبشي بأن الصوفية أو التصوف الإسلامي نبع من الزهد . وهو يشير إلى مسألة هامة مرتبطة بالصوفية بأن الصوفية كانت معروفة في الكثير من الأمم في الأزمنة البعيدة قبل ظهور الإسلام . ولكنه يتحدث بصورة محددة وعميقة عن التصوف بمعناه الإسلامي أو التي وصلت صورته الإسلامية بما له من أتباع وتقاليد وآداب ـ على حد تعبيره ـ . [c1]نشؤ الصوفية في اليمن[/c]وحول جذور تاريخ الصوفية في اليمن أو البذرة الصوفية الأولى التي غرست في اليمن ، فإن العلامة عبد الله الحبشي يرى أنها تعود إلى فجر الإسلام وعلى وجه التحديد عندما قدم أهل اليمن من زبيد على رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ ليدخلوا في دين الله , فقال مقولته المشهورة في اليمنيين : " أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا ، وأرق أفئدة الإيمان يمان ، والحكمة يمانية " . ومنذ ذلك اليوم المشهود دخل التصوف أو دخلت الصوفية في اليمن أي ويفهم من ذلك أن التصوف دخل اليمن منذ وقت بعيد. والحقيقة أن عبد الله الحبشي لم يفرق بين الزهاد والعباد والنساك الذين كانوا منتشرين ومتناثرين منذ بزغ فجر الإسلام في جزيرة العرب .[c1]الصوفية والخلافة العباسية[/c]وعندما أطل العصر الثاني على الخلافة العباسية, وطغت موجة الحياة المادية بصورة بشعة في بغداد وغيرها من الأمصار الإسلامية . شكل الزهاد والنساك ، والعباد حزب روحي ديني ـ وهو الصوفية أو التصوف ـ إن صح ذلك التعبير ـ أصبح له أدبياته ، وقوانينه , وقواعده , وتنظيمه الخاص بشئونه لكي ينقذوا الأمة الإسلامية من الوقوع في قيعان الانحلال والفساد في الأخلاق . وربما كان هنا مناسبا ، أن نقتبس فقرة من كلام الدكتور شوقي ضيف حول تاريخ نشوء الصوفية في العالم الإسلامية وعلى وجه التحديد في بغداد عاصمة الخلافة العباسية ، وحاضرة العالم الإسلامي ، إذ يقول : " وأخذت تتسع في هذا العصر موجة التصوف ، وكانت مقدماتها أخذت تظهر منذ أواخر القرن الثاني الهجري " .ويضيف قائلا : " ونشعر أن معالم التصوف ومبادئه أخذت في الوضوح منذ أوائل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري " . ونستخلص من ذلك أن الصوفية الإسلامية مرت على مرحلتين الأولى كانت عبارة عن إرهاصات أو طلائع لظهور الصوفية على مسرح العالم الإسلامي ، وأما المرحلة الثانية تشكلت ملامح هويتها وصارت لها قواعد , وتنظيم يحدد أهدافها , وصار هناك فرقا واضحا بين الزهاد ، والنساك ، والعباد, وأهل الصوفية أو بالأحرى شيوخ الصوفية . وقلنا : سابقا أن عبد الله الحبشي يشير بأن بذرة الصوفية الأولى التي بذرت في أرض اليمن تعود ـ كما مر بنا سابقا ـ إلى فجر الإسلام أي في عهد الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما وصف أهل اليمن بتلك العبارة الشهيرة والتي ذكرناها قبل قليل والتي مازال يعتز بها اليمنيون حتى يوم الناس هذا . [c1]المتصوفون اليمنيون الأوائل[/c]وكيفما كان الأمر ، فإن عبد الله الحبشي يمضي في حديثه عن المتصوفين اليمنيين الأوائل ، فيختار صحابيين جليلين من أصحاب الرسول الأعظم هما أبو موسى الأشعري المتوفى سنة ( 44هـ / 665م ) , وأبو هريرة المتوفى سنة ( 59هـ / 679 م ) . وبعد ذلك يتناول التابعين والذي عرفهم ، بقوله : " ويأتي بعد الصحابة جماعة من الأخيار اقتفوا آثار السلف حتى سموا بالتابعين لا تباعهم لهم " . ويقول عبد الله الحبشي أن هناك عددا كبيرا من التابعين التي تعود أصول أنسابهم إلى اليمن ويعين بعض منهم التابعي الجليل طاووس بن كيسان المتوفى سنة ( 106هـ / 725 م ) ، ووهب بن منبه المتوفى سنة ( 120 هـ / 738 م ) . ويشير عبد الله الحبشي نقلا عن صاحب تاريخ صنعاء بأنه كان يوجد العديد من الزهاد في صنعاء وذلك في خلال القرنين الثاني والثالث الهجريين ( القرنين الثامن والتاسع الميلاديين ) ولقد سبق أن تحدثنا أن عبد الله الحبشي لا يفرق بين الزهاد والنساك وشيوخ الصوفية فالأولين يعمل كل واحد منهم على حدا بخلاف شيوخ الصوفية الذين ينهجون طريقة صوفية معينة فيسيرون على قيمها ومبادئها , وتنظيمها ، وأدبياتها . والحقيقة نميل إلى الرأي القائل أن الصوفية ظهرت على مسرح الخلافة العباسية في أواخر القرن الثاني الهجري ثم أخذت تتضح شيئا فشيئا في أوائل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وبمعنى أدق أن الهوية الصوفية اتضحت بصورة صريحة في ذلك القرن الذي أشرنا إليه قبل قليل .[c1]في القرن السادس الهجري[/c]ويتطرق عبد الله الحبشي إلى عدد من شيوخ الصوفية المشهورين في اليمن , ويقول أن أكثرهم كانوا من المناطق المحاذية لناحية تهامة وتعز . وفي القرن السادس الهجري ( القرن الثاني عشر الميلادي ) تميز بأنه لم يكن هناك فارق بين الصوفية والفقهاء وذلك بسبب أن الصوفية كانت مندرجة تحت العلوم الشرعية . ولم تعرف هوية الصوفية المستقلة إلا عندما صارت لها قوانينها ، وآدابها ، وتنظيمها المتعلق بها . [c1]اليمنيون والعراقيون[/c]وفي القرن السابع الهجري ( القرن الثالث عشر الميلادي ) ، فيقول عنه أنه ظهرت ملامح صوفية اليمن على يد كبار الصوفيين اليمنيين . وفي تلك المسالة ، يقول عبد الله الحبشي : " في هذا القرن ( يقصد القرن السابع الهجري ) نبغ جماعة من صوفية اليمن كان لهم الأثر الجيد في إبراز التصوف وإظهار هويته بين سائر الطوائف الأخرى في المجتمع اليمني " . ومن أهم ما ظهر على مسرح الصوفية في اليمن هو الصوفي علي بن عمر بن محمد الأهدل من السادة الذي يرجع نسبه إلى آل البيت ولقد اشتهر بنوابغه . وتعود أصوله إلى العراق حيث جيء جده الأول من العراق إلى اليمن وأستقر بها . ويفهم من ذلك أن اليمن كانت تأتيها تيارات صوفية كبرى من البلدان التي اشتهرت بها على سبيل المثال العراق والتي نبعت منها الطريقة الجيلانية لصاحبها الشيخ عبد القادر الجيلاني المتوفى ( 561 هـ / 1166 م ) والذي سنتحدث في كيف جاءت إلى اليمن بالتفصيل بعد قليل . ونستخلص ـ كذلك ـ أنه كان هناك علاقة قوية بين اليمنيين والعراقيين . والجدير بالذكر أن اليمنيون رحلوا إلى العراق وكونوا لأنفسهم إمارة الحيرة فيها وذلك بعد سيل العرم الأول عام (450 م ) أي بعد تهدم سد مأرب المشهور والتي تفرقت بعده القبائل اليمنية إلى شتى بقاع الجزيرة العربية ومن بينها العراق . وعندما أعلنت الفتوحات الإسلامية الكبرى في عهد الخليفة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ كان اليمنيون السابقون إلى الجهاد في تلك الفتوحات الإسلامية فانضموا إلى المسلمين في فتحهم للعراق , وكان لهم اليد الطولى في معركة القادسية والتي كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية الفارسية . وكذلك نجد أن العديد من القبائل اليمنية ناصرة الأمام علي ـ كرم الله وجهه ـ مع صراعه ضد بني أمية وكل تلك الأسباب التي ذكرناها هي التي أدت إلى قيام العلاقة الوثيقة والشائقة بين اليمنيين والعراقيين . وكان حريا أن تأتي الطريقة أو الطرق الصوفية المشهورة من العراق إلى اليمن وأن تلقى أتباعا كثر فيها .[c1]من صوفية عدن[/c]ويذكر عبد الله الحبشي إلى بعض شيوخ الصوفية المشاهير الذين ظهروا على مسرح اليمن في القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي ) وهم الشيخ جوهر بن عبد الله بمدينة عدن المتوفى سنة ( 626 هـ / 1229م ) . ويقول المؤرخ بامخرمة المتوفى سنة ( 947 هـ / 1540 م ) في ترجمة سيرته هو : " أبو البهاء جوهر بن عبد الله العدني الصوفي الشيخ الكبير الصالح المشهور ، وأظن أنه من أهل الجند ، وقال الشيخ عبد الله بن اسعد اليافعي كان عبدا عتيقا أمينا متسببا في السوق بعدن ... وكان بزازا ( بائع للأقمشة ) في الخان . ـ ومن أهم الصوفية الذين ظهروا على مسرح صوفية اليمن هو أحمد بن علوان المتوفى سنة ( 655 هـ / 1257 م ) . وكان أحد أبناء رجال الدولة القائمة في ذلك الوقت . وهذا دليل بأن الصوفية أخذت تتسع دائرتها في اليمن في القرن السابع الهجري بين مختلف الفئات الاجتماعية ومن بينهم الفئات الحاكمة في البلاد . [c1]صوفية النزعة الفلسفية[/c]وفي القرن الثامن الهجري ( القرن الرابع عشر الميلادي ) تكتمل ملامح الصوفية في اليمن نظريا وعمليا . بعبارة أخرى أن الصوفية انسلخت من الفقهاء . وصار لها كيان مستقل بذاتها. ويصف عبد الله الحبشي وجه ملامح الصوفية في ذلك القرن ، قائلا : " ظهر في هذا القرن جمع غفير من صوفية اليمن حيث اكتملت فيه كل مقومات التصوف ولم يعد الصوفية في هذا القرن متأثرين بعادات زملائهم من الفقهاء " . وفي تلك المدة الزمنية صار لبعض صوفية اليمن نزعة فلسفية " . وفي هذا الصدد ، يقول عبد الله الحبشي : " بل منهم ( أي بعض صوفية اليمن ) من لم يكتف بمجرد الزهد والعبادة ، فدخل في مواجيد , والهامات صوفية تقربه إلى الحقل الفلسفي " . ويذكر عبد الله الحبشي أسماء بعض صوفية اليمن أصحاب النزعة الفلسفية وعلى رأسهم الشيخ أحمد بن عمر الزيلعي العقيلي المعروف بـ ( سلطان العارفين , ومن مصنفاته الصوفية الفلسفية كتاب بعنوان (( ثمرة الحقيقة ومرشد السالكين )) . ولقد توفى سنة ( 704 هـ / 1305 م ) . [c1]وبلغت شهرته الآفاق[/c]ومن مشاهير الصوفية التي ذاعت شهرته في العديد من البلدان العربية في القرن الثامن الهجري هو عبد الله بن اسعد اليافعي المتوفى سنة ( 768 هـ / 1367م ) . ويصفه عبد الله الحبشي قائلا : " ... هو الصوفي اليمني الوحيد الذي سارت شهرته خارج اليمن ، وانتشرت كتبه في مكة ومصر والشام ، عاش في عدن ، وانتقل إلى مكة مدة ثم ارتحل إلى مصر ووصفه ابن بطوطة في رحلته ". واللافت للنظر ، أن العالم العربي والإسلامي في ذلك المدة كان عبارة عن قطعة أرض واحدة تنقل فيها العلماء ، والفقهاء , والصوفية بسهولة ويسر دون حواجز تذكر ولذلك كانت العلوم والمعارف الإسلامية تنتقل بسهولة من بلد إلى آخر على الرغم من صعوبات وسائل المواصلات . وكانت الكثير من مؤلفات هؤلاء العلماء ، والفقهاء ، والصوفية تدرس في الكثير من المراكز العقلية الشهيرة على سبيل المثال في مصر ، بلاد الشام ، في القيروان في تونس وغيرها كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي ـ وذلك على حد قول أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام ـ . [c1]نفوذ الصوفية [/c]ويطالعنا القرن التاسع الهجري ( القرن الخامس عشر الميلادي ) بأخبار مثيرة عن صوفية اليمن وهو أنهم صاروا لديهم نفوذا قويا يضاهي نفوذ رجالات الحكم القائم . وصارت الصوفية مكتملة الأركان أو بمعنى آخر صارت الصوفية في أوج اكتمالها في اليمن وتناول عبد الله الحبشي بعضا من صوفية اليمن المشاهير في ذلك القرن . وكان من أبرزهم الشيخ إسماعيل بن أبي بكر الجبرتي المتوفى سنة ( 806 هـ / 1444 م ) . [c1]الصوفية في حضرموت[/c]ونصل إلى القرن العاشر الهجري ( القرن السادس عشر الميلادي ) . ويلفت نظرنا أن الصوفية في اليمن وعلى وجه التحديد في تهامة وتعز . قد توقف عجلة نشاطها وحيويتها وحركتها ازدهارها أو بمعنى أخر قد تشبعت بالصوفية ولم تأت بجديد في ميدان التصوف بل وصل الأمر أنها في تلك المناطق الساحلية والسهلية أخذت منحى الانحطاط بخلاف حضرموت التي نشطت الحركة الصوفية فيها بصورة كبيرة . وفي هذا ، يقول عبد الله الحبشي : " يمثل هذا القرن ( يقصد القرن العاشر الهجري ) آخر مرحلة بلغها التصوف اليمني في تطوره . وبعد ذلك أخذت تطغى عليه العوامل المتناقضة من ازدهار وسقوط . ولعل أبرز علامات ازدهاره تأتي في أشخاص رجاله الذين برزوا في هذه المرحلة ومنهم جماعة من صوفية حضرموت التي سنجد التصوف قد نشط فيها خلال هذه المرحلة وأخذت تواصل الحفاظ عليه حتى عصرنا الحالي " . ويتطرق عبد الله الحبشي عددا من أعلام صوفية حضرموت كان لهم دورا كبير في حركة الصوفية فيها , وكان من أبرزهم وأكابرهم الشيخ أبو بكر بن عبد الله العيدروس المتوفى سنة ( 914 هـ / 1508م ). ويضيف محمد بن عمر الطيب بافقيه صاحب كتاب ( تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر ) على ذلك , قائلا : " مولده بتريم سنة أحدى وخمسين وثمانمائة ، ومدة أقامته بعدن نحو خمس وعشرين سنة إلى أن توفى بها . وأما الدكتور سيد مصطفى سالم , فيقول عن أسرة العيدروس : " ... وأنجبت هذه الأسرة ( أي العيدروس ) الكثير من العلماء ، والفقهاء ، النابغين الذين تركوا وراءهم الكثير من المؤلفات في الفقه ، والحديث وغيرهما من العلوم الدينية . وأنجبت هذه الأسرة أيضا الكثير من الأولياء والمتصوفة " . [c1]أفول الصوفية[/c]ويلفت نظر عبد الله الحبشي أحوال الصوفية في القرون الأخيرة والذي يقصد بها القرون الحديثة أن صارت أبواب الصوفية مفتوحة على مصراعيها وصار يدخلها مختلف الفئات الاجتماعية وبمعنى آخر لم تعد للصوفية هيبتها المشهورة والمعروفة عنها بأن من يرغب بدخول طريقة من الطرق الصوفية لا بد أن يكون من أصحاب العزيمة والإرادة ليترسم خطاها بدقة متناهية . وفي تلك المسألة يقول الحبشي : " كثر الصوفية بعد القرن العاشر وأصبحنا نجدهم في شتى طوائف المجتمع . كما نجدهم في المدينة والريف " . ويعود أسباب دخول الكثرة من الناس إلى الصوفية بسبب الركود الثقافي الصوفي من ناحية وتفشي الجهل بين الناس في تلك القرون الأخيرة وخصوصا بعد القرن العاشر الهجري ( القرن السادس عشر الميلادي ) . يشير العلامة عبد الله الحبشي إلى علمان من أعلام الصوفية بعد القرن العاشر الهجري هما الصوفي حاتم بن أحمد المتوفى سنة ( 1013 هـ / 1604 م ) , والصوفي عبد الله بن علوي المتوفى سنة ( 1132هـ / 1720 م ) .[c1]ما أسبابها ؟ [/c]والحقيقة إذا أردنا أن نحلل ما قاله العلامة عبد الله الحبشي حول ما أصاب الصوفية من جمود وخصوصا في تهامة ( زبيد ) وتعز ، فإن ذلك يعني أن الصوفية في تاريخ اليمن الحديث لم تعد تملك القوة الروحية أو بمعنى أدق لم تعد لديها الكثير من المريدين من الطلبة والأتباع التي تستطيع من خلالهم أن يكونوا ورقة ضغط سياسية قوية على الحاكم أو الحكام القائمين بالأمر. ولم يعد الحاكم القائم بالأمر يخشاهم ويرهبهم ومن ثم لم يعد يقربهم إلى مجالسه ويفيض عليهم بالأموال الوفيرة ، والعطايا السخية لكبار شيوخ الصوفية . ويبدو أن ذلك يرجع إلى أن بعض مشايخ الصوفية في تاريخ اليمن الحديث لم يكونوا على مستوى صوفية اليمن الأوائل من العزيمة , والإرادة والشجاعة الصريحة ، والجرأة في مواجهة الملوك والسلاطين مثلما كان يحدث في عهد الدولة الرسولية . ويبدو أن الروح الدينية قد فترة نسبيا بين الخواص جلساء شيوخ الصوفية المقربين إليهم ، والمريدين من الفقراء والأتباع ولم يعد أحد يستطيع أن يضحي من أجل شيخه أو الطريقة الصوفية . ونتجرأ ونقول أنه صار هناك ميوعة في الأساليب التنظيمية في الهيكل الصوفي بخلاف ما كان سابقا كان هناك صرامة شديدة في دخول الطريقة الصوفية . فقد سبق وأن أشار عبد الله الحبشي بأن الصوفية على الرغم أن الكثرة الكثيرة من الناس دخولها , ولكن بصورة ارتجالية بعيدة كل البعد عن أدبيات الصوفية الحقيقة التي تطلب من يريد أن يدخل في زمرة الصوفية أن يكون ذا عزيمة صادقة ، وإرادة قوية ، وأن يمر بعدد من المراحل الاختبارية حتى يلتحق بالمريدين وهم الطلبة أو الفقراء والأتباع ـ كما مر بنا سابقا ـ .[c1]الصوفية بين الجبليين والسهليين [/c]ويوضح لنا المؤرخ والعلامة عبد الله الحبشي الأسباب التي جعلت الصوفية في المناطق الساحلية والسهلية مثل تهامة وتعز تنمو تزدهر بها ، بخلاف المناطق الجبلية التي وجدت الصوفية نفسها غير مرحب بها . فهو يقول أن أغلب صوفية اليمن كانوا من تهامة وذلك بسبب بعدها عن الكثير من القلاقل والفوضى التي كانت تحدث بين الحين والآخر في المناطق الجبلية من ناحية أن المناطق التهامية خرجت منها عددا من الدول السنية الذين كان حكامها لا يجدون غضاضة في انتشار الصوفية في مناطق نفوذهم بل وصل الأمر أن الكثير من الحكام من تلك الدول السنية على سبيل المثال الدولة الرسولية ( 626 ـ 858هـ / 1228 ـ 1454 م ) والدولة الطاهرية ( 858 ـ 923 هـ / 1454 ـ 1526 م ) , ودولة آل نجاح بزبيد ( 412 ـ 553 / 1021 ـ 1158 م ) عملوا على كسب شيوخ الصوفية إلى جانبهم وذلك من خلال الأموال الوفيرة ، والعطايا السخية للوقوف معهم ضد المناوئين لحكمهم . فهذا الملك المنصور مؤسس الدولة الرسولية والذي امتد حكمه من ( 629 ـ 647 هـ /1232ـ 1249م ) كان يعمل جاهدا على كسب ود كبار شيوخ الصوفية إلى جانبه ليدعم أركان دولته وعلى نهجه ترسم ملوك وسلاطين الدولة الرسولية سياسة الملك السلطان المنصور في تقدير شيوخ الصوفية في دولتهم . وفي عهد الدولة الطاهرية شهدت الصوفية ـ أيضاـ كل الحفاوة والتقدير الكبيرين من ملوكها وأمرائها . فعندما توفى الشيخ الصوفي الكبير أبو بكر بن عبد الله العيدروس سنة ( 914هـ / 1508م ) في عدن . فقد بنى على قبره الملك عامر بن عبد الوهاب المقتول ( 923 هـ / 1517 م ) قبة عظيمة , وبنى حاكم عدن الأمير مرجان الظافري المتوفى سنة( 926 هـ / 1520 م ) رباطا كبيرا ، ودارا كبيرة وسكنا واسعا لمريدي الشيخ الصوفي أبو بكر بجانب قبره . وبنى ـ أيضا ـ الملك بن محمد المتوفى سنة ( 933 هـ / 1527 م ) ثلاثة أروقة محيطة بقبة الشيخ أبو بكر العيدروس . وكل تلك الشواهد والبراهين تدل على مدى حفاوة سلاطين وأمراء الدول السنية التي حكمت اليمن بالصوفية وشيوخها بعضها لغرض سياسي والبعض الآخر لغرض ديني بحت . [c1]الصوفية والزيدية[/c]وأما ما يتعلق بالمناطق الجبلية مثل صنعاء ، وذمار ، وصعدة وغيرها ، فإن الصوفية كان لونها باهتا أو بعبارة أخرى كان نفوذها أو حركتها محدودة بسبب أن المذهب الزيدي في تلك المناطق الجبلية كان يرفض بشدة أساليب الصوفية ويعتبرها خارجة عن مربع الشريعة الإسلامية ومن ناحية أخرى أن الحكام القائمين بالأمر في المناطق الواقعة تحت نفوذهم كانوا يرون أية حركة صوفية خطرا على سلطانهم السياسي . وهذا ما دفع المقبلي أن يقول حول الأسباب الحقيقية وراء عدم انتشار الصوفية في المناطق الزيدية هو " الإمام القائم بها ". و الحقيقة أن عبد الله الحبشي أشار إلى بعض الزهاد والنساك الذين ظهروا في المناطق الجبلية وأعتبرهم من زمرة شيوخ الصوفية والواقع أنه جانب الصواب وذلك دليل أنه قال عن هؤلاء النساك والزهاد أو ما زعم أنهم من الصوفية كانوا من السنة أو يسيرون على مذهب السنة . ويقول بالحرف الواحد عن تلك المسألة : " ... فلا يجب أن نطمع بوجود أعداد وفيرة منهم وكل من برز فيها لا يتعدى سلوكه الطريقة السنية التي سار عليها زهاد المسلمين وعبادهم , ولم يعرف عنهم أدنى ميل إلى التصوف الفلسفي كما هو الحال عند بعض صوفية التهايم ، والمناطق اليمنية السفلى ، وحضرموت ". [c1]الطرق الصوفية الكبرى [/c]ويستعرض عبد الله الحبشي عددا من الطرق الصوفية الكبرى والمشهورة في العالم العربي والإسلامي التي هبت رياحها على اليمن وصار لها شيوخها الكبار، والخواص من جلساء شيوخ الصوفية الكبار ، ومريديها من الطلبة والأتباع ومن أهم تلك الفئات الصوفية التي جاءت إلى اليمن هي الطريقة القادرية وتنسب إلى القطب الصوفي الكبير عبد القادر بن موسى الجيلاني المتوفى سنة ( 561هـ / 1166 م ) وموطنها الأول العراق . ولقد انطلقت الطريقة القادرية منها إلى آفاق البلدان العربية والإسلامية وخصوصا في بلاد الهند ، و السند ( الباكستان ) . ولقد تأثر ونهل العديد من شيوخ كبار صوفية اليمن كالشيخ إبراهيم بن محمد باهرمز ، الشيخ أحمد بن يحيى المساوى المتوفى سنة ( 841 هـ / 1438م ) والشيخ إسماعيل الجبرتي وغيرهم كثير . ويقول عبد الله الحبشي أن الطريقة القادرية دخلت إلى اليمن عن طريق الشيخ علي بن عبد الرحمن الحداد والشيخ عبد الله الأسدي . [c1]الطريقة الشاذلية والرفاعية [/c]وأما الطريقة الشاذلية ـ والتي يعود نسبها إلى الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي المتوفى ( 656 هـ / 1258 م ) وموطنها الأصلي بلاد المغرب . فقد دخلت اليمن عبر الشيخ علي بن عمر بن دعسين الشاذلي المتوفى سنة ( 821 هـ / 1418 م ) ويقول عنه عبد الله الحبشي : " كان من أوائل المؤسسين لها في اليمن ، وكان قد رحل إلى بيت المقدس ، ومصر فاجتمع فيها بالشيخ ناصر الدين بن بنت الميلق سنة ( 797 هـ / 1395 م ) ... ثم رجع إلى اليمن ونشر بها الطريقة الشاذلية . ومن الطرق الصوفية المشهورة في اليمن وخصوصا في ثغر عدن الطريقة الرفاعية مؤسسها الشيخ أحمد بن علي الرفاعي المتوفى سنة ( 578هـ / 1183م ) . وحول انتقالها إلى اليمن ، يقول عبد الله الحبشي : " انتقلت الطريقة الرفاعية إلى اليمن بواسطة الشيخ عمر بن عبد الرحمن بن حسان القدسي المتوفى سنة ( 688 هـ / 1289م ) " ولكن لا نعلم على وجه اليقين كيف تعرف القدسي على شيوخ وأتباع الطريقة الرفاعية لينشرها بعد ذلك في اليمن . وهناك ـ أيضا ـ الطريقة الشاذلية التي جاءت إلى اليمن في وقت متأخر . ولقد نشرت على يد الشيخ تاج الدين بن زكريا الهندي النقشبندية المتوفى سنة ( 1050هـ / 1640م ) والذي يبدو أنه قدم من الهند إلى اليمن والتقى به الشيخ عبد الباقي بن الزين المزجاجي المتوفى سنة ( 1074هـ / 1664م ) . " يقول عنه المحبي ( أخذ طريق النقشبندية عن الشيخ تاج الدين الهندي حتى سار خليفته من بعده في هذه الطريقة ) " . [c1]الهوامـــش [/c]عبد الله محمد الحبشي ؛ الصوفية والفقهاء في اليمن ، الطبعة الأولى 1396هـ / 1976 م ، توزيع مكتبة الجيل الجديد ـ صنعاء ـ . دكتور شوقي ضيف ؛ العصر العباسي الثاني ، الطبعة الثانية ، دار المعارف ـ القاهرة ـ جمهورية مصر العربية .محمد بن عمر الطيب بافقيه ؛ تحقيق : عبد الله محمد الحبشي ، تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر ، الطبعة الأولى 1419هـ / 1999 م ، مكتبة الإرشاد صنعاء سيد مصطفى سالم ؛ المؤرخون اليمنيون في العصر العثماني الأول 1538 ـ 1638م ، سنة الطبعة 1971 م ، الناشر : الجمعية المصرية للدراسات التاريخية .
|
تاريخ
قصة الصوفية في اليمن
أخبار متعلقة