منذ مجئ حماس إلى السلطة في يناير 2006 وحتى سقوط غزة بين أيديهم في 14 يونيه 2007، خاضت الحركة سبعة جولات من القتال ضد حركة فتح سقط فيها أكثر من ستمائة قتيل فلسطيني علاوة على آلاف الجرحى. الواقع يقول إن ما قتلته حماس من الفلسطينيين في شهور أكثر مما قتلته من أعدائها الإسرائيليين في سنوات طويلة ،رغم إدعاء حماس إنها حركة تحرير وطني فقط، وشعاراتهم الدائمة المزيفة بأن الدم الفلسطيني خط احمر لا يجوز الاقتراب منه، ولكنى لم استغرب ما حدث وقلت ذلك في قناة الجزيرة بعد فوز حماس أن وله الإسلاميين بالسلطة يفوق أية قيم أو إدعاءات وطنية أو دينية، فقط يغرقونك بشعارات دينية خادعة وكاذبة مثل تشبيههم سقوط غزة بفتح مكة ، والتحرير الثاني، والحرب بين المرتدين والمسلمين ، وقتال الفئة الضالة الباغية، ووصف خالد مشعل لسقوط غزة بأنه انتصار للإسلام وتوصيف هنية لحكومة الطوارئ المؤقتة بأنها بدعة!!، ونعت حماس لمحمد دحلان بالشيطان الأكبر، وأداء صلاة الشكر لانتصارهم على الخونة والكفرة من الفتحويين الأنجاس، وتحطيم تمثال الجندي المجهول في غزة لأن التماثيل مخالفة للشريعة.ما شهدته غزة هو مشهد مألوف ومتكرر في التاريخ الإسلامي، بالذات من هؤلاء الذين يتحدثون باسم الدين، قتل ونهب وسلب وتمثيل بالجثث وسحل الناس في الشوارع واقتحام البيوت الآمنة ونهبها وحتى المستشفيات، ببساطة هو انتهاك لكل القواعد الإنسانية في التعامل مع العدو فما بالك بشريك الوطن، وقد نقل مراسل الفيجارو في عدد 14 يونيه مشاهد إطلاق مقاتلي حماس النار في غزة على مظاهرة سلمية كانت تطالب بوقف الاقتتال.ما فعلته حماس في غزة لا يوجد له مبرر وطني إطلاقا ولكن يوجد له مبرر واضح وقوى وهو الرغبة في الانفراد بالسلطة وهو الذي جعلهم يستبيحون الدماء اعتباطا، ولهذا لم تجرؤ حماس على الاقتراب من الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط ولكنها نكلت بأسرى فتح وقتلت جرحى وألقت بآخرين من فوق أسطح البنايات مثل الشاب محمد السويركى الذي القي به من الطابق ال 18 من أحد الأبراج السكنية حسب ما ذكرت فلسطين برس وألقت بالجثث في الشوارع حتى أن محمد توفيق رئيس فرع الأمن الوقائى في نابلس وصف ما حدث للنيويورك تايمز عدد 16 يونيه بقوله " إن حماس عاملت الفلسطينيين بنفس الطريقة التي كان يعامل بها هتلر اليهود".ولم تنكل حماس بالفلسطينيين فحسب ولكنها كانت سببا فى تعطيل مسار السلام عبر عملياتها الانتحارية العبثية كلما لاحت في الأفق بوادر خطوات جادة نحو مفاوضات سلام، وتسببت حماقة حماس ومزايداتها فى الانتفاضة الثانية فى مقتل 5093 فلسطينيا وجرح 49997 منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر 2000 وحتى 31 مارس 2007 حسب تقديرات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني.فى إحدى مقالات توماس فريدمان قال ان أحد قيادات حماس قال له نحن نشكر بوش على موضوع الديموقراطية فقط،أو بمعنى أوضح الديموقراطية لمرة واحدة التي يعشقها هؤلاء الإسلاميون وبعد ذلك الانقضاض على كل قيمها. وهذا ما فعلته حماس حيث رفضت الاستفتاء على وثيقة الأسرى ورفضت الانتخابات المبكرة ورفضت قرار أبو مازن الذي من حقه حل الحكومة وفرض حالة الطوارئ وتشكيل حكومة طوارئ لمواجهة هذه الفوضى وهذه كلها سلطات تمنحها له الديموقراطية الدستورية، ولكن الحركات الإسلامية لا تشكل لها الديموقراطية في الواقع سوى قنطرة للعبور إلى السلطة ولا يؤمنون إطلاقا بقيم الديموقراطية الحقيقية سوى كنوع من المناورة والتقية وأساليب الخداع المعروفة.ورفضت حماس الاعتراف بالاتفاقيات الدولية بعد فوزها ومع هذا تصرخ في المجتمع الدولي مطالبة بالاعتراف بشرعيتها، وحسب وصف نيويورك تايمز فى افتتاحيتها بعد سقوط غزة: أن حماس لا ترى تناقضا بين الأعمال الإرهابية ومطالبتها بأن يعامل مسئولوها مثل مسئولي أى دولة، وها هي ستضطر للتعامل اليومي مع إسرائيل بفعل المتطلبات الملحة ل مليون ونصف في غزة بل وستدخل في هدنة مفتوحة وهو ما صرح به محمود الزهار لصحيفة الشرق الأوسط بقوله " لا هجمات بالصواريخ على إسرائيل إلا إذا اعتدت على غزة" ، وكما يقول اللواء عادل سليمان مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية في مصر " حماس تريد دولة إسلامية فى غزة تمتد مستقبلا إلى الضفة الغربية... وهى تسعى لشراكة وفقا لرؤيتها هذه ، وحديثها السابق فى السياسة كان نوعا من المناورة كإحدى سمات الحركات الإسلامية" (المصري اليوم 17 يونيه 2007).صدعنا الإسلاميون وغيرهم بأن الولايات المتحدة تسعى لنشر الفوضى الخلاقة فى العالم العربي ورغم أن المصطلح الأمريكي عدم الاستقرار البناءConstructive Instability كان يعنى عدم استقرار مؤقت نتيجة للعصيان المدني الذي يسبق التغيير الديموقراطي كما حدث فى روسيا والفلبين واوكرانيا فإن الفوضى الهدامة الحقيقية هي ما فعلوه الإسلاميون في العراق والصومال ولبنان وغزة والبقية تأتى.من ناحية أخرى يتحمل أبو مازن قسطا وافرا من اللوم على ما وصل إليه الحال في غزة، فمنذ البداية كانت نوايا حماس واضحة بتكوينها للقوة التنفيذية وخلق أجهزة امن موازية ولكن أبو مازن لم يتدخل، فرغم إنه رجل عاقل ووطني ومحترم إلا أنه ضعيف ومتردد ومرتبك ومكتئب ويعانى من زهد في السلطة حيث قال لجريدة يديعوت احرونوت في ابريل 2007 بأنه يعد كل يوم يمر وينتظر بفارغ الصبر انتهاء مدة رئاسته، فكيف لشخص مثل هذا يستطيع التغلب على تنظيم ايدولوجى يبرر كل شئ للوصول للسلطة ويرتبط بمحور تخريبي فى المنطقة.أما القسط الأكبر من اللوم فتتحمله باقي الأطراف المنخرطة في هذا الصراع المزمن وتأتى في مقدمتها إدارة بوش التي حسمت موقفها منذ بداية فترته الأولى بتخطيطها بإدارة الصراع وليس حله، وكما قالت كوندليزا رايس في بداية حكم بوش عندما كانت مستشارة للأمن القومي إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يحتاج إلى معجزة وبوش لا يستطيع تحويل الحجارة إلى خبز. وهكذا كان موقف إدارة بوش من البداية واضحا بتجاهل هذا الصراع، وما حدث لم يفاجئ أحد ممن يتابعون سلوك هذه الإدارة ،وحل الدولتين الذي أعلنه بوش أحد أدوات التهدئة وليس الحل .ثاني الأطراف الملامة هي إسرائيل والتي لم تتعاط مع شخص معتدل مثل ابو مازن بأي قدر من الإيجابية وأضعفت موقفه كداعية حوار وكمهندس سابق لاتفاق أوسلو ولم تعطه شيئا يستطيع به أن ينتزع شرعية حماس من على أرض الواقع الفلسطيني المحبط.أما ثالث الإطراف الملامة فهي مصر والتي لا تقوم بدور حقيقي كوسيط سلام ولكن كسمسار تهدئة يهمه استمرار النزاع من آجل استمرار الدور المصري والمنافع المصرية من الغرب، ولهذا مارست الحياد السلبي تجاه تنظيم على بعد خطوات من شرم الشيخ وهى الأدرى بنوايا حماس باعتبارها فرعا لتنظيم الإخوان المسلمين وأيدلوجيتهم.والسعودية أيضا خذلت محمود عباس حيث وعده الأمير بندر بن سلطان بدعم مالي كبير لحسم مواجهته مع حماس ، ولكن فجأة دعا الملك عبد الله الطرفين لتوقيع اتفاق مكة ظنا منه أن هذا سيبعد حماس عن إيران وهذا لم يحدث بل حنثوا بالقسم الذي أعلنوه أمام الكعبة بوقف الاقتتال.والإتحاد الاوروبى والجامعة العربية .... الجميع لم يقدم شيئا يذكر لدعم أبو مازن بل ساعدوا في انتخاب حماس وفى سقوط غزة. وحصد ابو مازن نتيجة ضعفه وتردده، وحصلت الولايات المتحدة على مكافأة بوجود قاعدة جديدة للإرهاب العالمي فى غزة وتقوية لمحور إيران-سوريا-حزب الله- جيش المهدي-حماس.أما مصر فهي أحد اكبر الخاسرين فكما قال شيمون بيريز من قبل بأن تمدد غزة سيتجه نحو مصر ، كما أن خطابها الإسلامي سيغزو شوارع القاهرة والإسكندرية ونسى شيمون بيريز أن يقول وتخريب شرم الشيخ.مبروك لحماس حكمها لدويلة فاشلة مارقة ،جائعة ،متطرفة،ظلامية، مكتظة بالسكان ، معزولة ومنبوذة ومحاصرة.ومبروك للجامعة العربية انضمام عضو جديد إليها،" إمارة طالبان العربية"أو إمارة غزستان وحماستان.الخاسر الأكبر فى هذه المهزلة هم الفلسطينيون والقضية الفلسطينية وكما قال الأمير سعود الفيصل: الفلسطينيون اقتربوا كثيرا من دق المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية.[c1]* كاتب مصري[/c]
|
آراء حرة
الدم الفلسطيني خط أخضر
أخبار متعلقة