تشير كافة المعطيات والدلائل المتوفرة عن مشكلة البطالة في الوطن العربي الى أن هذه المشكلة أخذة بالتفاقم عاماً بعد آخر ، وأن جميع المعالجات التي قامت بها الدول العربية لحل هذه المشكلة او الحد من اتساعها قد باءت بالاخفاق ، وذلك لاسباب متباينة من دولة لأخرى ، ولعل مما يزيد الامر خطورة هو تسارع ظاهرة العولمة التي ستترك آثاراً وانعكاسات كارثية على وضع العمل والعمال في الدول النامية والعربية منها بشكل خاص كما ستؤدي الى تفاقم ظاهرة الكفاءات والطاقات العربية المتميزة بحثاً عن فرص أفضل للعمل والاستقرار .وعلى الرغم من أن التأثيرات السلبية لظاهرة العولمة على الاقتصاديات العربية ومشكلاتها الكثيرة ومن ضمنها البطالة لم تظهر بشكل مباشر حتى الآن - إلاّ أن الحجم الحالي للبطالة يبعث على القلق ايضاً ويسبب خسائر اقتصادية كبيرة ناهيك عن الانعكاسات الاجتماعية ، مع الاشارة هنا الي عدم توفر بيانات دقيقة حول الحجم الحقيقي لعدد العاطلين عن العمل ، وبالتالي لأبعاد المشكلة وتأثيراتها السلبية المختلفة .فوفقاً للتقارير الرسمية العربية ، ومن بينها التقارير الصادرة عن منظمة العمل العربية التابعة لجامعة الدول العربية - هناك مؤشرات على إتساع هذه المشكلة وقصور العلاجات التي طرحت حتى الآن ، سواء على المستوى القطري او المستوى العربي ، فتقارير المنظمة لهذا العام التي عقدت الدورة الثالثة والخمسين لمجلس إدارتها في القاهرة ، وقبل ذلك المؤتمر الـ 27 للمنظمة في مطلع مارس - تقول : إن عدد الشبان العرب العاطلين عن العمل يبلغ نحو 12مليون شخص يشكلون ما نسبته 14من القوة العربية العاملة التي تبلغ في الوقت الحاضر نحو 98مليون شخص .وقد أكد إبراهيم قويدر - الامين العام لمنظمة العمل العربية - أن هناك 12مليون شاب عربي عاطل عن العمل ، في حين يعمل 6 ملايين أجنبي في الوطن العربي ، كما أشار الى وجود أكثر من 300 مليار دولار يستثمرها العرب خارج الاقطار العربية ، وقال : لو تم استثمار هذه الاموال في الوطن العربي لتمكنا من تشغيل نسبة كبيرة من اليد العاملة ، والحد من الخسائر السنوية التي تتكبدها الدول العربية .وتوقع القويدر أن يصل عدد الباحثين عن فرص عمل في المنطقة العربية سنة 2010 إلى أكثر من 32 مليون شخص ، وأضاف أن عدد السكان النشطين اقتصادياً سيرتفع من 98 مليون شخص حالياً الى نحو 123 مليوناً سنة 2010 .ومما يزيد في خطورة ظاهرة البطالة ارتفاع معدلاتها السنوية التي تقدرها الاحصاءات الرسمية بنحو 1.5 % من حجم قوة العمالة العربية في الوقت الحاضر ، حيث تشير هذه الاحصاءات الى أن معدل نمو العمل العربية كانت خلال الاعوام 1995-1996- 1997نحو 3.5% أرتفع هذا المعدل الى نحو 4% في الوقت الحاضر ، وإذا كانت الوظائف وفرص التشغيل تنمو بمعدل 2.5% سنوياً ، فإن العجز السنوي سيكون 1.5% وعليه فإن عدد العمال الذين سينضمون الى العاطلين عن العمل سنوياً سيبلغ نحو 1.5% مليون شخص .يذكر أن منظمة العمل العربية تقدر أن كل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1% سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الاجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5% أي نحو 115مليار دولار ، وهو مايعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة الى 1.5% ويرفع فاتورة الخسائر السنوية الى أكثر 170 مليار دولار . وهذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي الى ربع حجمها الحالي .ومما سيساهم في زيادة معدلات البطالة مستقبلاً ، وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية والمصدرة للعمالة - إنحسار فرص هذه العمالة في دول الخليج العربي وإحلال العمالة المحلية مكانها ، وفي هذا الاطار تشير دراسة حديثة أعدتها منظمة " الأسكوا" إلى أن عدد سكان الدول الخليجية الست سيصل بحلول العام 2010 الى نحو 40 مليون نسمة ما سيرفع القوة العاملة فيها الى حدود 21 مليون نسمة ومن ثم تناقص فرص العمل أمام العمال الوافدين بشكل عام والعرب بشكل خاص ، حيث يبلغ مجموع العمالة الوافدة في الوقت الحاضر نحو 8 ملايين عامل وافد يشكل العمال غير العرب منهم نسبة 58% .وتقول دراسة عن واقع العمالة في دول الخليج : إن نسبتها بلغت عام 1997م على التوالي ما يقارب 93 % في الامارات و 84 % في الكويت و 76 % في قطر و 68 % في عمان و65 % في البحرين و61 % في السعودية .أما بالنسبة لتوزع البطالة - التي تتركز في معظمها في صفوف الشباب - فيأتي العراق في المرتبة الثانية الاولى بين الدول العربية وبنسبة بطالة تزيد عن 60% من حجم قوة العمل ، فيما يأتي في المرتبة الثانية اليمن وبنسبة 25% ، ثم الجزائر 21% فالادرن 19% فالسودان 17% فلبنان والمغرب 15% فتونس 12% فمصر 9% وأخيراً سورية 8% .أسباب البطالة العربية :ومن أهم الاسباب التي كانت وراء تفاقم هذه الظاهرة - ولاتزال - ويمكن إختصارها بالنقاط الاتية:1- إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في الدول العربية علي مدار العقود الثلاثة الماضية ، وخاصة بعد الفورة النفطية مطلع السبعينات ، فقد جاء في دراسة لمركز دراسات الوحدة العربية أن من أبرز مظاهر إخفاق خطط التنمية الاقتصادية وقوع معظم الدول العربية تحت وطأة المديونية الخارجية التي وصلت عام 1995م الى نحو 220 مليار دولار ، وفي المقابل هروب رؤوس الاموال العربية الى الخارج التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 800 مليار دولار . وكذلك وجود أكثر من 60 مليون أمي عربي ، و9 ملايين طفل لايتلقون التعليم الابتدائي و 73 مليون تحت خط الفقر وأكثر من 10 ملايين لايحصلون علي طعام كاف .2- غياب التخطيط الاقتصادي المنهجي ، وعدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع الحاجات الفعلية لسوق العمل ، علاوة على أن التكوين المنهجي في معظم الدول العربية لم يواكب التطورات التكنولوجية السريعة الجارية في العالم .3- تطبيق برامج الخصخصة التي أدت الى تسريح أعداد كبيرة من العاملين في شركات ومؤسسات القطاع العام .4- إخفاق معظم برامج التصحيح الاقتصادي التي طبقتها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في إحداث أي نمو اقتصادي حقيقي ، وبنسب معقولة تساعد على التخفيف من مشكلة البطالة ، بل على العكس من ذلك تماماً فقد ساهمت هذه البرامج في زيادة عدد العاطلين عن العمل ، وكذلك إفقار قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة رفع الدعم عن السلع والخدمات الاساسية .5- استنزاف معظم الموارد العربية خلال حقبة ازدهار اسعار النفط في الانفاق على التسلح ، وتمويل الحروب التي اندلعت في المنطقة ، وبعد ذلك وقوعها في شراك المديونية وخدمتها الباهضة .يذكر أن تسارع ظاهرة العولمة ومسارعة الدول العربية للالتحاق بقطار منظمة التجارة العالمية والاستجابة لشروطها في فتح الاسواق العربية أمام السلع والمنتجات الاجنبية المنافسة - أدى الى إعلان الكثير من المصانع والشركات الافلاس كما يحدث الآن في مصر ، الأمر الذي يعني إتساع ظاهرة البطالة وبشكل أسرع من السابق .كما أن العولمة ستؤدي الى تفاقم ظاهرة الهجرة من الدول العربية الى الخارج ، وخاصة في صفوف الكفاءات والخبرات العلمية المتميزة ، الامر الذي يعني خسارة مزدوجة .* المصدر : لندن - قدس برس