أضواء
أشعر بكثير من الإشفاق على المرأة بشكل عام، إنها بالنسبة للرجل - وحدها - مخلوق مستهدف في كل بلاد الدنيا، ضعيفة مهما بلغت شراستها في بعض الأحيان، لا تملك سلاحاً تدافع به عن نفسها بخلاف اللسان والبكاء دائماً، والمكيدة والنكد غالباً.. ومصدر إشفاقي على المرأة أن الرجل إذا لم يجد شيئاً يفعله أو يؤكد به وجوده بدأ يبحث عما يمكن أن يفعله للمرأة بحق أو بغير حق. ليس صحيحاً أن المرأة الغربية أصبحت تتمتع بقدر كبير من حريتها الإنسانية، يصل إلى هذا الادراك من يجلس قليلاً أمام قنوات الأقمار الأوروبية ليرى كيف أن الرجل قد اخترع ذلك الصندوق السحري (التليفزيون) وحبس بداخله المرأة وراح يتفرج عليها بكل الأشكال، يدفعها إلى الرقص والغناء والتعري والمجون ويجلس هو باسترخاء في سريره، لقد غدت دمية تملكها يداه ويحركها كيفما شاء، وقد أخذنا نحن في الشرق عن الرجل الغربي هذا الميل بعد تحويره قليلاً، فمعظم الفضائيات العربية قد أعطت فرص الخطاب إلى المشاهد لفتاة غالباً ما تكون غبية وجاهلة كي تمعن في تلوين الصوت بعد تلوين الوجه الذي يكشف حقيقته صدأ الرقبة والجزء المكشوف من الصدر، وكي تتلوى مع الكلام كأنما تؤدي رقصة ثعبان، وكي يسهل حشو دماغها الفارغ بفكرة أنها «نجمة عالمية ولا نجوم السينما زمان» فما حاجتها بعد ذلك في أن تقدم شيئاً مهماً يصدع الدماغ؟ وللأسف أن هؤلاء الفتيات تنتظرهن مواقع القيادة في العمل الإعلامي ليصبحن كالخميرة التي تفرخ نفسها بنسخ على غرارها تماماً. راعني وأفزعني حين كنت أجلس مع صديق على إحدى المقاهي أن سمعنا أحد المجاورين لنا يقول لأصدقائه «مش البنت دي بتاعت شارع الهرم؟» مشيراً إلى مذيعة في قناة خاصة من القنوات التجارية، ورد الجميع: «أيوه هي، بس البنت حلوة حتى وإن كانت لم تدخل المدارس أبداً». هذه إحدى الكوارث التي ابتليت بها المرأة حين تستغل أداة لجلب المشاهدين والإعلان. أعود إلى المرأة في حياتنا وما تعانيه من اضطهاد، فأسمع أنه حين دخل الهاتف إلى بيوتنا نصح أحدهم أن لا تجيب المرأة على الهاتف لأن صوتها عورة، فإن كانت وحدها بالمنزل لا بأس أن تجيب بعد أن تستر وجهها، وأسمع من نصح أن تغطي المرأة وجهها إذا أرادت أن تشاهد التليفزيون وكان المتحدث رجلاً، وأعرف كم واجهت فكرة تعليم البنات من مشكلات. الشريعة الإسلامية السمحة حفظت للمرأة المسلمة كرامتها ولكنها لم تجردها من إنسانيتها، لكن البعض استهدف تلك الإنسانية بالتحديد فجعلها ممنوعة من الكلام ممنوعة من الرؤية إلا بعين واحدة ومغطاة مع أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاها اثنتين كالرجل، وممنوعة من الخروج، وممنوعة من أن تختار شريك حياتها إذا شاءت وممنوعة من كل جديد لا نعرفه الآن. المناسبة أن الحاخام اليهودي شموئيل هاليفي فازنر أحد كبار حاخامات الطائفة الحريدية في إسرائيل وهي من أشد الطوائف اليهودية تطرفاً وتمسكاً بالتوراة، أصدر فتوى تحظر على النساء اليهوديات استخدام الهاتف المحمول بشكل علني، وإذن فلماذا هو «محمول»؟ وما علينا إلا أن ننتظر حتى تصدر فتوى تحرم على المرأة استنشاق الهواء..[c1]*عن / جريدة ( الرياض ) السعودية[/c]