فازت (حماس) بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية، وأصبحت فجأة، ودون سابق خبرة، صاحبة الحق بموجب القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية بتشكيل الحكومة الفلسطينية. حماس بهذا الفوز تواجه الاختبار الحقيقي، وتنتقل من مرحلة الشعارات إلى مرحلة التطبيق، أو من الصعود نحو القمة، إلى مرحلة (اختبار) مدى موضوعية وملاءمة (شعاراتها) للبقاء والاستمرار في القمة.قادة حماس على ما يبدو مازالوا في حالة ارتباك (شديدة) نتيجة أنهم فوجئوا قبل الآخرين بهذا الفوز، الأمر الذي جعلهم في حالة أشبه ما تكون بحالة ربانٍ تسلّمَ قيادة سفينة غاية في التعقيد، وبحرها غاية في الهيجان، وهو لم يتمكن بعد من معرفة كيف يُدير دفتها وكيف يُحرك آلياتها كما ينبغي، وفي الوقت نفسه لا يدري كيفَ يتعامل مع تقلبات الطقس وتغيرات المناخ، فأصبح (للفشل) أكثر قرباً وتأهلاً منه إلى (النجاح).السلطة الفلسطينية التي دخلت حماس إلى المنافسة على حكومتها عملياً، وفازت في المنافسة نظرياً، هي بكل المعايير والمقاييس منتج عالمي تم تصميمه ومن ثم إنتاجه بقرارات دولية. واستمرار الرعاية الدولية والدعم الدولي هو أول شروط بقاء هذه السلطة فضلاً عن استمرارها.وحماس (الثورة والمقاومة) بالأمس تختلف عن حماس (السلطة والدولة) اليوم؛ فالثائر لا يحتاج إلى أن يبني، بقدر ما يحتاج إلى تدمير الراهن. دَمّـرت حماس (الراهن) وأسقطت حركة فتح، غير أن نجاحها في إسقاط فتح لا يعني البتة أنها قادرة على القيام بمهامها والاضطلاع بمسؤولياتها؛ فالقدرة على إسقاط فتح، والأهلية لإدارة (السلطة)، أمران يختلفان تماماً؛ وهو في الوقت ذاته (المأزق) الذي وجدت حماس نفسها فيه دونما استعداد على ما يبدو. وهذا ما أشار إليه الكاتب الإسرائيلي غيدي غرينشتاين الذي وصف فوز حماس (بخبث) قائلاً أنها : (أشبه ما تكون بثعبان بلعَ فيلا ) .السلطة الفلسطينية هي في نهاية المطاف (دولة)، تحتاج إلى ما تحتاجه أية دولة للبقاء والاستمرار. التحدي الأول الذي يواجه (حماس السلطة) اليوم ينحصر أولاً - وليس أخيراً - في كيفية توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتسيير عجلة السلطة القائمة (116 مليون دولار لتغطية تكاليف الرواتب الشهرية فقط)، سيما وأن هذه الاعتمادات كان يتم توفيرها من خلال (الدعم) الخارجي، وتحديداً من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، إضافة إلى بعض الاستحقاقات الضريبية التي تجبيها إسرائيل لحساب السلطة. أمريكا وأوربا أعلنتا بشكل قاطع وحازم وصريح أنهما لن يدفعا لحماس أيّ دعم مالم تعلن (قبولها) بإسرائيل وتتخلى عن (العنف) وتذعن لمتطلبات اتفاقيات السلام التي أبرمتها فتح؛ وهذا ما تحاول حماس التهرب منه ولكن في الوقت الخطأ على ما يبدو؛ فقبول حماس دخول المنافسة على الانتخابات البرلمانية - من حيث المبدأ - يعني قبولها ضمناً (باتفاقيات أوسلو) التي أفرزت هذه السلطة كمنتج على أرض الواقع. والاعتراف بإسرائيل، وحقها في الوجود، يراه الحمساويون تغيّراً جذرياً في (أيديولوجيتهم)، يجب أن ينالوا فيما لو قبلوه (ثمناً) كافياً ومجزياً له من قبل إسرائيل و قوى المجتمع الدولي التي تدفع باتجاه التسوية السلمية؛ غير أن هذا الثمن الذي تطالب به حماس من أجل الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتخلي عن المقاومة المسلحة، والدخول في مباحثات السلام، يبدو بعيد المنال.وفي خضم محاولات (حماس) للخروج من هذه (الورطة)، لجأ خالد مشعل القيادي البارز في حماس، و(الإخواني) ومدرس (الفيزياء) السابق، ليطلب من قطر الدولة الصغيرة، التي ليس لها أي ثقل سياسي يُذكر في المنطقة، التوسط بينها وبين إسرائيل . غير أن إسرائيل رفضت الوساطة القطرية على لسان وزيرة خارجيتها تسيبي ليفني قائلة: ( إن إسرائيل لن يكون لها صلة بالحركة حتى تغير منهجها، وتعلن التزامها صراحة بالشروط الثلاثة التي حددها المجتمع الدولي، وتصبح تلك الالتزامات واقعاً على الأرض)؛ ليعود مندوب حماس من الدوحة بخفي حنين، مُثبتاً في الوقت ذاته قدراً من (الجهل) السياسي بمتطلبات العلاقات الدولية التي يجب توفرها في الوسيط، والتي لا تتوفر في قطر. ولم يعد من الخيارات أمام حماس سوى (روسيا) التي لديها هي الأخرى شروط في أجندتها قد لا تتناسب مع أيديولوجية حماس (الإسلامية)، وبالذات فيما يتعلق بحربها مع الانفصاليين الشيشانيين، والذين هم (إسلاميون) أيضاً، الأمر الذي سينتج عنه قدراً من الحرج السياسي على المستوى الأيديولوجي بالنسبة لحماس فيما لو ارتمت في أحضان الروس طلباً (للنجدة).هذا المشهد الفلسطيني جعل السلطة الفلسطينية الوليدة في النتيجة على فوهة بركان حقيقي . ويبدو أن (المصيدة) التي وقعت فيها حماس دون وعي، ولا تعرف حتى الآن كيف ستخرج منها، ستنعكس آثارها ليس على حماس فحسب، وإنما سيمتد فشلها ليشمل (كل) الحركات الإسلامية السياسية التي خرجت من تحت عباءة (الأخوان المسلمين) كحركة الجهاد أيضاً، وربما الحركة الأم نفسها في مصر. ولن تتحمس الأنظمة العربية في دعم هذه الحركة (الإخوانية) مالياً وإنقاذها من ورطتها، سيما وأن حركة الأخوان هي التحدي الماثل حالياً لأغلب الأنظمة العربية الحاكمة.الوضع في الداخل الفلسطيني بعد الانتخابات غاية في التعقيد، والأجواء ملبدة بالغيوم، والتجاذبات على أشدها منذرة بالانفجار في أية لحظة.* د. محمد بن عبداللطيف آل الشيخ أكاديمي سعودي
|
فكر
(حماس) في المصيدة
أخبار متعلقة