رجال الدين يستعرضون عضلاتهم السياسية
جاكرتا/14 أكتوبر/اوليفيا روندونوو: ربما تتوقف الانتخابات البرلمانية والرئاسية في اندونيسيا هذا العام على كيفية رد فعل الجماهير على فتوى من أرفع مجلس إسلامي بالبلاد بأن على جميع المسلمين الإدلاء بأصواتهم وألا يجازفوا بأن يكون مصيرهم جهنم. ولا تحدد الفتوى المثيرة للجدل الصادرة عن مجلس العلماء الاندونيسي الذي يضم رجال دين وعلماء منتخبين أي الأحزاب أو المرشحين التي يجب أن يختارها الناخبون. لكنها قد تشجع المواطنين على الإدلاء بأصواتهم للمرشحين المتشددين وتبعد البلاد عن النزعة العلمانية لتتجه نحو حكم يتسم بدرجة اكبر من المحافظة على الصعيد الاجتماعي وهي ليست ميزة بالنسبة للمستثمرين الأجانب. وقال جريج فيلي الخبير في الشؤون السياسية والإسلامية لاندونيسيا بالجامعة الوطنية الاسترالية «هذا في مصلحة بعض أعضاء مجلس العلماء لزيادة عدد الأصوات للأحزاب الإسلامية المتنوعة إلى أقصى حد.» ويعني العدد الهائل من الأحزاب السياسية أن التغييرات الصغيرة نسبيا بين الناخبين يمكن أن تحدد أي الجماعات التي ستشكل تحالفات في الانتخابات العامة التي تجري في التاسع من ابريل وأيها التي ستقدم مرشحين في الانتخابات الرئاسية التي تجري في يوليو. وأظهر استطلاع للرأي أجري مؤخرا تقدم الحزب الديمقراطي الذي يقوده الرئيس سوسيلو بامبانج يودويونو صاحب العقلية الإصلاحية بنسبة تأييد بلغت 23 في المائة لكنه ربما لا يزال يحتاج إلى اللجوء لبعض الأحزاب الإسلامية الصغيرة أو حليفه الحالي حزب جولكار لتشكيل ائتلاف، وفي هذه المرحلة لم يحسم ما بين 20 و30 في المائة ممن استطلعت آراؤهم أمرهم بعد. اندونيسيا العلمانية رسميا بها اكبر عدد من السكان المسلمين في العالم حيث يمثلون 85 في المائة من سكانها البالغ عددهم 226 مليون نسمة. ومعظمهم معتدلون لكن بعض الجماعات الصغيرة المتشددة الممثلة في مجلس العلماء دفعت بجداول أعمال إسلامية مما يقوض التسامح الذي اشتهرت به اندونيسيا ويهدد بعض أقلياتها الدينية والعرقية. وقال ادهيتيا ويسينا وهو مسلم يعمل بمتجر للأسماك في جاكرتا «ماذا يكون مجلس العلماء هذه الأيام أهو هيئة دينية أم حزب؟» وتحت تأثير مجلس العلماء العام الماضي فرضت الحكومة قيودا على الطائفة الأحمدي ومضت قدما في قانون مثير للجدل مناهض للفن الإباحي اعتبرته بعض الأقليات بما في ذلك هندوس بالي ومسيحيو بابوا تهديدا لفنها وثقافتها. وفرضت عدة مناطق في اندونيسيا تطبيق بعض القواعد الإسلامية حيث طالبت النساء على سبيل المثال بارتداء الحجاب بغض النظر عن دياناتهن. ومن المرجح أيضا أن تكون آراء الإسلاميين الاقتصادية قومية ومؤيدة لحماية الإنتاج الوطني والتي على الرغم من ميولها الليبرالية المزعومة قاسى يودويونو وسابقته ميجاواتي سوكارنوبوتري الأمرين في مقاومتها. وكان جزء من دور مجلس العلماء الذي أنشأه الرئيس الأسبق سوهارتو عام 1975م في محاولة للسيطرة على الإسلام السياسي دعم سياسات الحكومة مثل تنظيم الأسرة. لكن بعد الإطاحة بسوهارتو عام 1998 والاتجاه نحو مزيد من الديمقراطية وحرية التعبير زادت الأهمية السياسية لمجلس العلماء وازداد تأثره بالمحافظين والمتشددين في صفوفه. وقال فيلي خبير الشؤون الاندونيسية بجامعة استراليا الوطنية «على الرغم من أن مجلس العلماء يقول إن به ممثلين من جميع المنظمات المسلمة الكبيرة هناك نفوذ غير متكافئ من قبل بعض الجماعات الصغيرة المحافظة.» وأضاف «هذا يفسر جزئيا بعض القرارات التي شهدناها بصدد (الطائفة) الأحمدية (و) مشروع القانون المناهض للفن.» وأشار فيلي إلى أنه من المرجح أن يزداد تأثير مجلس العلماء على السياسة العامة مع تزايد «التشدد» في اقتصاد اندونيسيا على سبيل المثال في ظل نمو أهمية التمويل الإسلامي ومسألة منح شهادات تفيد بأن الطعام حلال. وأضاف «جميع الشهادات التي تفيد بأن (الطعام) حلال يمنحها مجلس العلماء وهذا يدر عائدا كبيرا من الشركات التي تريد حصول منتجاتها على الشهادات.» وتابع أن «البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية ومتاجر الارتهان الإسلامية تحصل جميعا على المشورة من علماء دين ويكونون في الأغلب من مجلس العلماء. في الواقع هذا مربح جدا لهم.» والفتوى التي أصدرها المجلس التي تطالب جميع المسلمين بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات ليست المحاولة الأولى من قبل المجلس للتأثير على نتيجة الانتخابات. ففي عام 1999م أمر المجلس المسلمين بالتصويت للمرشحين المسلمين في ضربة متعمدة ضد ميجاواتي وحزبها الحزب الديمقراطي الاندونيسي وهو من بين أكثر الأحزاب الاندونيسية علمانية والذي كانت به آنذاك نسبة عالية من المسئولين من غير المسلمين. وقد مارس ضغطا على الحكومة لإتباع سياسات إسلامية وأصدر فتاوى ضد الليبرالية والتعددية وفيما يتعلق بنمط الحياة والقضايا الصحية والاجتماعية. وفي اجتماع لمجلس الفتوى الوطني التابع له في يناير حظر مجلس العلماء ممارسة المسلمين اليوجا إذا كانت تنطوي على ترانيم أو تأمل هندوسيين وقال إن التدخين في الأماكن العامة وتدخين الأطفال والنساء الحوامل مكروه. لكنه أحجم عن حظر الزواج في سن مبكرة على الرغم من احتجاج شعبي عنيف في الآونة الأخيرة حين تزوج رجل دين من طفلة في الثانية عشرة من عمرها. وأصبح ازدياد عدد الفتاوى المثيرة للجدل محل قلق متزايد للكثير من أعضاء النخبة الاندونيسية والأقليات الدينية. وكتب ام. سيافي انور المدير التنفيذي للمركز الدولي للإسلام والتعددية في مقال للرأي بصحيفة جاكرتا بوست «الفتاوى تجاوزها الزمن وبلا معنى وستأتي بنتائج عكسية على مصالح الأمة.»