تهل على شعبنا اليمني الذكرى السادسة والأربعون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م بإشراقتها الجديدة وقد حقق شعبنا إنجازات كبيرة في شتى مجالات الحياة المختلفة وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل في الاساس على عظمة هذه الثورة وأهمية مبادئها التي قامت من أجلها وأستوحتها من هموم الشعب وألأمة ولعل من سر نجاح الثورة على الصعيد المحلي أنها جاءت خلاصة لسلسلة من التجارب والدروس والعبر المستفادة للأجيال الجديدة من العسكريين والمدنيين الوطنيين والذين كان الكثير منهم قد تدربوا على ايدي البعثة العسكرية المصرية والبعثة الروسية وبعضهم كان قد درس في القاهرة وفي بغداد إضافة إلى أنهم كانوا على قدر من الفهم والوعي بالاحداث المحلية والعربية والعالمية وأدركوا من التجارب السابقة أن عامل الفشل في الحركات السابقة ضد الأئمة يعود في الأساس إلى عدم إرتباطها بالجماهير وأيضاً لعدم وضوح إهدافها ثم إلى عدم القضاء النهائي على بيت حميد الدين ولهذا كانت ثورة 26 سبتمبر 1962م أخر السهام للقضاء على هذا النظام الكهنوتي المتخلف.وكان ذلك بعد أن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى كما أن من عوامل نجاح هذه الثورة المباركة وصمودها في وجه الأعاصير والتحديات هو أنها قامت في منطقة محكومة بأنظمة مختلفة ولذلك أعتبر وجودها في هذه المنطقة مثار خوف على مستقبلها أي ( المنطقة ) كما كان على الثورة بالمقابل التصدي بقوة للمؤامرات التي ظلت تحاك ضدها بهدف إجهاضها وإفراغها من محتواها وذلك بالمال والسلاح والمرتزقة ولذلك فقد جاءت إستجابة قوية ليمن الحضارات العريقة ورداً على الإنعزال الذي فرضه الأئمة على الشعب اليمني مما أدى إلى إصابته بالجمود فكراً وحركة.. تجري الأحداث من حوله فلا يحس بها ولا يقيم لها وزناً إضافة إلى ما كان يعانية شطرنا الجنوبي من الوطن في ظل الأحتلال الاستعماري البريطاني منذ 1939م وبدلاً من أن يكون الإمام يحيى حميد الدين أول المنادين بتحرير هذا الجزء الغالي من الوطن الغالي إذ به يعلن مشروعية الأحتلال مقابل تأمين سلطانه على شمال الوطن ولذلك فقد تشكلت قناعات أكيدة لدى الأحرار من أبناء اليمن بأنه لا أمل في تحرير الأرض اليمنية إلا بعد القضاء على الحكم الإمامي ومخلفاته وإعلان النظام الجمهوري بمبادئه الستة. كذلك فإن من عوامل نجاح الثورة تلك المتغيرات الدولية الجديدة التي طرأت على العالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وما ترتب عليهما من مستجدات خاصة في عالمنا العربي بقيام الثورات الوطنية التحررية ضد المستعمين من إنجليز وفرنسيين وإيطاليين وأتراك وغيرهم وكان لابد لرياح هذه الثورات أن تهب على اليمن المعزول وتدك أسوار عزلته التي فرضها عليه الأئمة وتسمع الأجيال الجديدة المتعطشة للحرية والإنعتاق والتضحية والفداء فحدثت عدة محاولات للقضاء على بيت حميد الدين. الأولى في عام 1948م غير أنها باءت بالفشل وذلك بسبب إغفال قادتها تأمينها من حيث التوعية الجماهيري وأيضاً لحصرها في مدينة صنعاء مما سهل للأمير أحمد القضاء عليها بعد أن نجح في إقناع رجال القبائل في حجة بالوقوف إلى جانبه فجمعوا له جيشاً وتمكنوا من محاصرة صنعاء وإسقاطها بعد 25 يوماً من الحكم الجديد وبذلك نصب الأمير أحمد نفسه إماماً ونكل بالأحرار شرتنكيل. وأما الحركة الثانية فقد قامت في عام 1955م وكما حصرت حركة 1948م نفسها في صنعاء حصرت حركة 1955م نفسها في تعز وفعل الأمير البدر الذي كان قائداً للجيش في الحديدة مثل والده في أحداث 1948م حيث جمع جيشاً كبيراً لإنقاذ والده المحاصر في تعز لكن أباه استطاع بدهائه فك الحصار والعودة إلى الحكم وذبح قادة الحركة وذلك على مرأى من الجماهير كما ذبح أخاه عبدالله وهكذا دعمت هذه الأحداث الفاشلة موقف الإمام أحمد وحيكت الأساطير حوله على أنه مؤيد من عند الله وأن السماء تتصل به عن طريق (جبريل) واستعان بأجهزة تسجيل حديثة لتأكيد إدعاءاته الكاذبة إضافة إلى دور المنافقين والعملاء الذين عادة ما يسخرون أبواقهم في مثل هذه المواقف لصالح الغالب والتنديد بالمغلوب. كما لاننسى العامل الأهم لنجاح الثورة وذلك مند اللخطة الأولى لقيامها والمتمثل بالموقف القومي الشجاع المساند من قبل الشقيقة الكبرى مصر بقيادة الخالد جمال عبدالناصر طيب الله ثراه وذلك من خلال مسارعة الجيش المصري لنصره الشعب اليمني الذي هب عن بكرة أبيه شمالاً وجنوباً للدفاع عن ثورته الخالدة والانتصار لها في اشد الظروف وأحلكها وفي هذه المناسبة العظيمة لايسعني إلا أن أدلل على الموقف المبدئي الشجاع لمصر عبد الناصر تجاه الثورة اليمنية وذلك من خلال إحدى الشهادات التي أدلى بها السيد حسين الشافعي نائب الرئيس جمال عبدالناصر وذلك في برنامج (شاهد على العصر) والذي بت من قناة الجزيرة الإخبارية وكان رداً على سؤال استفزازي من قبل مقدم البرنامج (أحمد منصور) وصيغ على النحو التالي: ألم تر يا سيادة النائب أن هزيمة الجيش المصري في عام 1967م كان سببها وجود الجيش المصري في اليمن؟ فما كان من المناضل الشافعي إلا أن رد عليه بكل ثقة وإيمان (صحيح أننا خسرنا الحرب حينها ولكن الشعب اليمني لم يخسر ثورته نحن خلقنا شعباً من تحت الأرض والآن أنظر كيف أصبحت مكانة اليمن في المنطقة) انتهى رد الشافعي .وهكذا لما كانت قضية حرية الوطن اليمني لاتتجزأ فقد أدى نجاح الثورة في شمال الوطن 1962م وقيام النظام الجمهوري إلى حمل السلاح في جنوب الوطن وانطلاق الثورة المسلحة في الرابع عشر من أكتوبر 1963م من جبال ردفان الشماء ثم أخذت طريقها إلى بقية الأجزاء حتى اضطر الاستعمار البريطاني إلى إعلان رحيله في الثلاثين من نوفمبر 1967م.
ثورة (26) سبتمبر خلاصة لتجارب حركتي 1948م و1955م
أخبار متعلقة