[c1] المواجهة بين السلطة الوطنية وحماس[/c]عقب توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات اوسلو مع الحكومة الإسرائيلية، هذه الاتفاقات التي رفضتها حماس، وعقب قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 داخل الأراضي الفلسطينية، قامت حماس بعمليات تفجيرية داخل إسرائيل ـ الخط الأخضر ـ وقد رأت السلطة الفلسطينية في ذلك تحديا لها وتخريبا على مساعيها التي كانت قد بدأت بالتفاوض مع حكومة رابين لترجمة البنود العامة لاتفاقات اوسلو، يحدوها طموح الوصول إلى دولة مستقلة في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب حزيران1967. وفي مرحلة معينة من تعاظم هذا النشاط لحماس، قامت السلطة الوطنية، وتحديدا جهاز الاستخبارات العسكرية برئاسة موسى عرفات ، وذلك في النصف الثاني من عام 1995 بحملة اعتقالات شملت عددا من قادة حماس، وأخضعتهم للتعذيب، وكان من بينهم الدكتور محمود الزهار وسعيد صيام. وجدير بالذكر، في هذا السياق، ما أعلنه الدكتور الزهار أمام الصحافيين لحظة إطلاق سراحه من سجون السلطة، من أن حركتي فتح وحماس تشكلان جناحي الطائر الفلسطيني. ومن مفارقات حماس ، هنا أيضا، أنها باشرت عقب نشوء السلطة الوطنية، وفي وقت كانت فيه الآمال بتحقيق إنجازات وطنية، أكثر مما هي عليه اليوم، عمليات تفجيرية، داخل إسرائيل لإرباك السلطة التي كانت تقودها فتح وإفشالها، بينما غدت بعد أن قدَرت أنها اقتربت من السلطة ملتزمة بهدنة مع إسرائيل، بل وازداد هذا الالتزام بعد وصولها إلى السلطة، بالرغم من تراجع الآمال في تحقيق تقدم من جهة ومواصلة إسرائيل لعمليات القتل والاغتيال والاجتياح من الجهة الأخرى، حتى وصل الاستفزاز الاسرائيلي حداً غدا مربكا لحماس.وحين اندلعت الانتفاضة الثانية أواخر عام 2000 ، والتي تميزت ومنذ البدء بعنف غير مسبوق بمداه ووحشيته من الجانب الإسرائيلي، عادت حماس إلى العمليات التفجيرية داخل إسرائيل التي كانت تستهدف المدنيين العزل، بدل التركيز على جنود الاحتلال والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وفيما يتعلق بالشارع الفلسطيني ، الذي كان في أوج معاناته من جرائم الاحتلال التي لم تكن تميز بين طفل وشيخ أو امرأة ورجل، فإن هذه العمليات لحماس، كانت تدغدغ العواطف المقهورة والمكبوتة. لكن حدث بعد قرابة العام على انفراد حماس بهذه العمليات، أن قامت فتح التي كانت تهيمن على السلطة، باللحاق بحماس في هذا المنحى الخطر والخاطئ، وذلك بدلا من التصدي ـ كسلطة ــ لمنع هذه العمليات التي ألحقت أضرارا فادحة بقضيتنا الوطنية على النطاق الدولي، وسهلت لإسرائيل وصم مقاومة شعبنا المشروعة للاحتلال، بما في ذلك العمليات الباسلة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين بالارهاب، مما أتاح للمحتلين الاسرائيليين فرصة التنكيل الدموي بشعبنا دون تدخل فاعل من المجتمع الدولي. لكن انضمام فتح إلى حماس في هذا النشاط الخاطىء و الضار، بدل التركيز على تعبئة الشعب وتعزيز عناصر صموده، وعلى العمليات النوعية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه في الأرض المحتلة، و تنشيط العمل السياسي و الدبلوماسي لتعبئة الرأي العام العالمي ضد جرائم الاحتلال، فقد جاء هذا الانضمام ليؤشر على : أولا - أن فتح رغم هيمنتها على السلطة تتخلى عن زمام المبادرة لحماس. ومعروف أن ضرر هذا المنحى قد تفاقم نوعيا بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وما أعقب ذلك من متغيرات خطيرة على المناخ الدولي، مما فاقم كثيرا من ضرر هذه العمليات ضد المدنيين الاسرائيلين داخل الخط الأخضر، حتى غدا أي عمل ضد الاحتلال يوصم بالإرهاب، وحتى أصبح المجتمع الدولي يطالبنا بنبذ العنف ونحن ضحاياه الحقيقيين تحت الاحتلال، الذي هو أبشع أشكال العنف. ويمكن الاعتقاد بأن فتح، في المراحل المتأخرة من الانتفاضة، غدت هي والسلطة التي تهيمن عليها، أعجز من السيطرة على الوضع ومنع هذه العمليات الضارة حتى ولو أرادت . ثانيا - أن قيادة فتح تكرر هنا أيضا خطأها الناجم عن التركيز على ما هو تكتيكي ومؤقت على حساب ما هو استراتيجي ودائم.[c1]بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة[/c]جاء الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في إطار مخطط اسرائيلي يستهدف التفرغ والتركيز على الاستيطان والضم في الضفة الغربية والقدس العربية، واستكمال بناء الجدار العنصري، وأخيرا رسم حدود إسرائيل التوسعية من طرف واحد . هذا المخطط الذي أرسى أسسه شارون ويواصله من بعده أولمرت. هذا ولم يكن الإسرائيليون يرغبون يوما في ضم هذا القطاع لكثافته السكانية العالية وضيق مساحته. وبعد وفاة عرفات الغامضة واندلاع الصراعات التي غدت مكشوفة وبالسلاح أحيانا بين مراكز القوى داخل فتح والمتصارعة على السلطة ومغانمها، وما رافق هذه الصراعات من فلتان أمني، مما فاقم من حالة الإحباط العامة التي راحت تسيطر على المواطن الفلسطيني نتيجة عدم تحقيق أي تقدم نحو الخلاص من المعاناة المتواصلة والمتفاقمة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي، تشكلت حالة نوعية رأت فيها قيادة حماس فرصتها السانحة للتقدم . وقد لخص الدكتور الزهار هذه الحالة بقوله: كنا أمام خيار القيام بانقلاب أو المشاركة في الانتخابات! ولعل كلمات الدكتور الزهار هذه تفسر الدور الذي لعبه الدكتور الزهار في الإنقلاب الأخير الذي نفذته حماس ضد مؤسسات السلطة الوطنية ن كما أنها تلقي الضوء على سبب المفارقات الواردة في بداية هذا البحث، فطالما كانت حماس ( ومن قبلها الحركة الأم) بعيدة عن الاستيلاء على السلطة، والسلطة ليست في متناول اليد، فقد كانت تتخذ الموقف السلبي من السلطة ومن منظمة التحرير ومن التحالف مع القوى الوطنية الموجودة على الساحة بحجة ِأو أخرى. أما وقد أصبحت وراء مقود القاطرة، فإن موقفها من الانتخابات ومن السلطة والأعذار السابقة قد سقطت، بينما موقفها من القوى الفلسطينية الأخرى والتعاون معها معلق على قبول هذه القوى بأفكار حماس وتصوراتها للتعاطي مع الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والمستندة إلى اعتبار هذا الصراع صراعا دينيا، وليس صراع تحرر وطني ، أو القبول بالانضواء تحت جناح حماس وبرنامجها. أما منظمة التحرير الفلسطينية فما تزال حماس ترفض الاعتراف بها بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وتشترط أن يسبق هذا الاعتراف “إعادة تشكيلها”، وليس “تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وفق أسس يتم التراضي عليها بحيث تضم جميع القوى والفصائل الفلسطينية بصفة المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، كما جاء في إعلان القاهرة في آذار 2005، وكانت حماس أحد التنظيمات ألاثني عشر التي وافقت على ذلك الإعلان. ويبدو أن حماس ترى في مطالبها بإعادة تشكيل المنظمة السبيل للسيطرة عليها. وإذا كانت المنظمة تحتاج إلى التفعيل والإصلاح، وهذا أمر لا يجادل فيه أحد، فإن أبوابها كانت دوما مفتوحة لحماس للانضمام إليها والسعي من الداخل لإصلاحها. لكن توقيت استعداد حماس للانضمام على أساس إعادة تشكيل المنظمة ، وبعد انتصارها في انتخابات المجلس التشريعي، واعتبار أعضائه تلقائيا أعضاء في المجلس الوطني ، وتقديراتها بأنها ستطالب في التمثيل الخارجي بنسبة مماثلة، يؤكد أن خطوة حماس هذه مرتبطة عضويا بتطلعها لبسط سيطرتها على المنظمة كذلك، وبالتالي توجيهها الوجهة التي تريد، “وإعلان اسلاميتها” كما ورد في ميثاق حماس.والحقيقة أن هذا الطموح للهيمنة على المنظمة طموح مبكر، فما بالك اليوم، بعد انتصارهم في انتخابات المجلس التشريعي، فعشية انعقاد الدورة العشرين للمجلس الوطني الفلسطيني وجهت حركة حماس، في 6 نيسان 1990، مذكرة الى الشيخ عبد الحميد السائح، رئيس المجلس، عرضت عليه فيها تصوراتها لاسس تشكيل المجلس الوطني وشروطها للمشاركة في عضويته، ومما جاء في هذه الشروط: “تمثيل حماس في المجلس بعدد يساوي ويكافئ ثقلها في الساحة، والذي يتراوح بين 40 – 50% من مجموع أعضاء المجلس”. (5)أما تصريحات الدكتور الزهار السالفة الذكر من أن حماس كانت عازمة على أخذ السلطة ولو بالقوة، ومن بعده تصريحات وزير المالية الذي يتوقع تحول الساحة الفلسطينية إلى صومال ثانية (أي حرب أهلية) في حال أكراه حماس على ترك السلطة، واقتراح مسئول حماسي آخر من بعده بإجراء انتخابات مبكرة للرئاسة الفلسطينية وبأن حماس لديها المرشح لهذا المنصب، وكل ذلك دون الاستعداد للتلاقي مع بقية القوى الأخرى في الساحة على برنامج اجماع وطني، يسهم في تعزيز وحدة شعبنا في النضال لإنجاز مهمة التحرير الوطني، إن كل ذلك يخلق القناعة بأن حماس ليست إلا تكرارا لسلطة الإسلام السياسي الشمولي، كما هو في إيران، وكما كان في السودان تحت قيادة الترابي و أفغانستان زمن حكم طالبان، وأن التغيرات التي طرأت على اللهجة السياسية لحماس في الآونة الأخيرة، وبخاصة منذ وصولها إلى السلطة، ما هي إلا لتخدير اليقظة حتى تتمكن من ترسيخ أقدامها في السلطة والسيطرة على أجهزتها ، بخاصة وقد واجهت مصاعب لم تتوقعها. ذلك أن تجارب الإسلام السياسي لم تشهد ولو حالة واحدة تم فيها احترام مبدأ تداول السلطة عبر صندوق الاقتراع . فالاصولية الإسلامية ، كما يؤكد ميثاق حماس، تعتبر أن السلطة تستمد شرعيتها من الكتاب والسنة ــ بمعنى من ولاية الفقيه أو ولاية الفقهاء الذين يشبهون الإكليروس ــ وليس من الناخب، وإذا كانت بعض أجنحة الإسلام السياسي ، كما في مصر والأردن واليمن مثلا ، تشارك في الانتخابات فذلك فقط بغرض الوصول للسلطة في ظروف انعدام الإمكانيات الأخرى لتحقيق ذلك ، لتلغي بعدئذ كل ما يمكن أن ينتزعها من يدها . [c1] مأزق حماس[/c]ما أن وصلت حماس الى السلطة ثم الإنقلاب العسكري على مؤسساتها والإستيلاء عليها في قطاع غزة حتى وجدت نفسها أمام مأزق مصيري، ليس من الممكن حتى الآن معرفة كيفية الخروج منه. فبقاء حماس في السلطة رهين بالدعم المالي من الدول المانحة، وهي في الأساس، في حالتنا الفلسطينية، المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة. وغني عن القول أن هذه الحاجة لمثل هذا الدعم هي أحد افرازات الاحتلال قرابة أربعة عقود. وهذا الدعم المالي ليس حاسما وحسب بل ومصيريا بالنسبة للسلطة الفلسطينية . واستئناف تدفقه رهين باعتراف حركة حماس، بشكل أساسي ، بقرارات الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية وبالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية السابقة، علما بان إسرائيل هي التي تتهرب من الالتزام بتلك القرارات وتحجم عن تطبيق تلك الاتفاقات منذ صدورها، وتسعى اليوم لقلب الصورة لنبدو في موقف المعارض بينما هي الحريص على تلك القرارات. هذا ولم يعد الأمر يحتمل لا أنصاف حلول ولا تنفع فيه اللغة المرنة وبعض التعابير البراغماتية. ومن المنطقي القول بأن الموقف المسئول تجاه القضية الفلسطينية يفترض من حماس إما أن تتخلى عن مواقفها السابقة وتلتقي مع بقية القوى في الساحة الفلسطينية التي ترى في قرارات الأمم المتحدة سلاحا في وجه الاحتلال تسعى إسرائيل بكل جهدها للتهرب من الالتزام بها، أو أن تتخلى عن الاستئثار بالسلطة وحدها لصالح حكومة وحدة وطنية، على برنامج إجماع وطني. أما أن ترفض حركة حماس الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة، وتصر في الوقت ذاته، على الانفراد بالسلطة ، فهذا لن تكون له إلا نتيجة واحدة في هذه المرحلة بالذات ، فعدا تجويع الشعب الفلسطيني ، سيخدم هذا الموقف وعلى نحو مثالي تنفيذ المخطط المعلن لحكومة اولمرت حول تخطيط حدود دولة إسرائيل من طرف واحد ، واقتطاع ما تشاء من أراضي الضفة الغربية والقدس العربية، دون وجود ما يمنعها من الطرف الفلسطيني، وبسكوت ــ أو على الأقل عدم اعتراض ـــ المجتمع الدولي ومباركة الولايات المتحدة . وبهذا المعنى ، فحكام إسرائيل يجدون في وجود الهيمنة العسكرية المنفردة لحركة حماس، على هذا النحو، في قطاع غزة ، مع امتناعها عن الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة ذات الشأن والاتفاقات الموقعة، غطاءا ً مثاليا لم يحلموا به ، وهم يستعدون لانتهاك تلك القرارات بشكل صارخ والتنصل من تلك الاتفاقات، وذلك بحسم قضايا مصيرية من طرف واحد، مع التهرب من التفاوض مع الطرف الفلسطيني الذي تعتبر موافقته على أية تسوية شرطا لاعتراف المجتمع الدولي في حال اعترافه، أي الطرف الفلسطيني، بقرارات الأمم المتحدة ذات الشأن. وينبغي الافتراض ، في هذا الصدد، بأن إسرائيل لن تكون معنية بإسقاط سيطرة حماس على قطاع غزة في الوقت الحالي، طالما هي على مواقفها المعلنة ، بل بتمديد عمرها وإطالة أمد إنفرادها بهذا القطاع ، مع إبقائها ضعيفة ومعزولة ، حتى تستفيد من وجودها خلال مراحل تمرير مخططها المبيّت. والسؤال: كيف ستتصرف حماس للخروج من هذا المأزق؟ وهل سترضى لنفسها أن يسجل تاريخ القضية الفلسطينية أنها شكلت ــ بغض النظر عن النوايا ـ غطاء للتآمر الإسرائيلي ــ الأمريكي على القضية الفلسطينية وهي في أدق وأخطر مراحلها؟. وعلى جميع الأحوال، فإن حماس بعد أن وصلت السلطة لن تعود كما كانت، حتى ولو خرجت منها. مأخوذ في الحسبان مجموعة عوامل ضاغطة ستحدد توجهها اللاحق، باعتبارها جزءاً من تنظيم دولي، كاختلاف المواقف والرؤية بين الداخل والخارج، وبين التيار السلفي المتزمت، والأقل تزمتا، وبين الايديولوجيا السلفية التي تشربوا بها وبين متطلبات الواقع الذي يرونه بوضوح أكبر من موقع السلطة. وهذا ما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة، بما في ذلك الانشقاقات، عموديا وافقيا، لكن سيكون ضمن ذلك محاولات الانحناء للعاصفة حتى تمر. من جانب آخر ينبغي أن يثير الانتباه وبقوة، في هذا المضمار، حقيقة أن حكام إسرائيل المتعاقبين كانوا يتهربون ويرفضون، وعلى مدى السنوات الثمانية والخمسين، منذ قيام دولتهم، تحديد حدودها، تطلعا إلى مزيد من التوسع على حساب الأرض الفلسطينية والعربية، لكنهم اليوم في عجلة من أمرهم لتقرير هذه الحدود حتى خلال أشهر معدودة، ولا يمكن تفسير ذلك إلا إلى سببين رئيسيين قائمين حاليا، ويراد استثمارهما فورا وقبل فوات الأوان، فعلاوة على العامل الديموغرافي الذي يعلنه حكام إسرائيل باعتباره العامل الوحيد وراء هذا الاندفاع لرسم الحدود وبأسرع ما يكون، هناك محاولة اهتبال الظروف غير الطبيعية القائمة في الجانب الفلسطيني منذ وصول حماس إلى السلطة، والتي يطمح ويعمل الجانب الإسرائيلي بكل ما في وسعه لتحويلها إلى حرب أهلية فلسطينية، تقضي على قدرات الشعب الفلسطيني في مقاومة أية تسوية مفروضة من طرف واحد، ومن الجانب الآخر، الاستفادة من وجود الرئيس الأمريكي بوش في البيت الأبيض، قبل رحيله عنه، في تأمين الدعم الأمريكي لعملية الضم لأقسام أساسية من الضفة الغربية في إطار ما يسمى تحديد الحدود الدائمة لدولة إسرائيل، حيث لم يدخل البيت الأبيض رئيس متحمس لدعم إسرائيل وطموحاتها التوسعية على حساب الحقوق الفلسطينية مثله. أما فيما يتعلق باستعداد واشنطن للتعاون مستقبلا، مع حركة الإخوان المسلمين في المنطقة (وحماس جزء من هذه الحركة) ، فقد جاء في تقرير مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية الرئيس كلينتون ، التي زارت مصر أوائل عام 2005 في مهمة رسمية ، بتكليف من ديك تشيني ، نائب الرئيس الأمريكي، جاء في هذا التقرير عن حالة الديموقراطية في مصر، أنها سُئلت عن إمكانية التعاون الأمريكي مع تيار الإخوان المسلمين حاليا ، فقالت :” فكان ردي ايجابيا وقلت: إن الإخوان براجماتيون وعلى استعداد للتعاون مع ألأمريكان إذا رأوا أن مصلحتهم الحقيقية تكمن في ذلك ، وأن الإخوان المسلمين لديهم أفكار سياسية منظمة “ . كما جاء في هذا التقرير قول أولبرايت: “ نحن لسنا ضد تكرار التجربة التركية الإسلامية في مصر ، إلا أننا نفضل أن يأتي البديل من داخل النظام الحالي في الوقت الراهن ، فهذا هو الأفضل والأقدر على الاستمرار في معادلة الشرق الأوسط المستقر”. (6)بينما، لم يعد سراً أن دوائر استخبارات اميركية وبريطانية تواصل، منذ مدة اتصالاتها مع تنظيمات مختلفة للاسلام السياسي في المنطقة، ومنها الاخوان المسلمين (ومن ضمنهم حماس). ويبدو أن هدف هذه الاتصالات هو التفتيش عن نقاط تلاقي وتقارب بين الطرفين.في خاتمة هذا المقال ثمة سؤال يطرح نفسه: هل يعتبر صعود حماس إلى السلطة ثم الإنقلاب على مؤسساتها في قطاع غزة ظاهرة غير متوقعة ومغايرة للأجواء التي راحت تنتشر في المنطقة ، في السنوات الأخيرة، أم أنه أحد تجليات هذه الأجواء ؟.إن الشعوب العربية عامة والشعب الفلسطيني خاصة ، تعيش منذ نصف قرن أو أكثر في دوامة من الأزمات الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، وأنه لا يوجد، حتى الآن، في الأفق المرئي للعين ما يوحي بقرب الخروج من هذه الدوامة، وان المحاولات والجهود والاجتهادات التي بذلت، على مدى هذه العقود، لمعالجة هذه الأزمات وأسبابها أخفقت حتى الآن، إما لأسباب خارجية، وأهمها التدخل والعدوان الخارجي، وأخطره على الإطلاق، العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا في حزيران 1967، والذي دمر عمليا المشروع القومي التحرري العربي ، الذي كانت تقوده مصر بزعامة عبد الناصر، وإما لأسباب داخلية وذاتية، كالخلاف الذي نشأ أواخر خمسينات القرن الماضي بين الحركة القومية والحركة اليسارية وبخاصة الشيوعية، باعتبارهما القوتين الرئيستين في المنطقة العربية آنذاك، ولا سيما حول طريق تحقيق الوحدة العربية، بخاصة عقب ثورة تموز العراقية عام 1958، وفشل الطرفين في حل هذا الخلاف بالحوار، وتحول هذا الخلاف بالتالي من تناقض ثانوي بين هاتين القوتين إلى مستوى تناقض أساسي ، بحيث طغى ، في فترة زمنية معينة، حتى على التناقض مع الإمبريالية، في وقت كانت الأخيرة تنشط بشكل محموم لتسعير هذا التناقض إلى حد الصراع الدموي بين هاتين القوتين، لاستنزافهما ومعهما كل القوى المعادية للإمبريالية والصهيونية في المنطقة، أو جنوح الأنظمة ، التي جاءت إلى السلطة عبر انقلابات أو تحركات عسكرية ، نحو الحكم الشمولي ، ومصادرة الحريات الديموقراطية، مما شل من قدرة الشعوب العربية على التصدي لمؤامرات الإمبريالية وعدوانية حليفتها في المنطقة ــ إسرائيل ـــ أو فشل اليسار في تشخيص مشاكل مجتمعات المنطقة العربية وطرح الحلول الواقعية لها . إن وقوع حصيلة هذه التطورات السلبية على خلفية الشعور الديني العميق والموروث لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية أولا، والإحساس العارم والمتعاظم برفض ما هو قائم ثانيا، وما توفره أجواء الهزائم من فرص لانتشار التفسير الغيبي ثالثا، يضاف الى ذلك، في الجانب الفلسطيني، التحدي الذي تطرحه الأصولية الدينية اليهودية التي تشكل الغطاء الايديولوجي لعمليات الاستيلاء على الارض الفلسطينية، علاوة على عاملين اضافيين أحدهما سياسي خارجي ويتمثل في اصداء وتأثيرات الثورة الايرانية في المنطقة، التي رفعت الى سدة الحكم سلطة الملالي، بينما العامل الثاني هو اجتماعي – اقتصادي يتصل بالتطورات في المنطقة تحت تأثير العولمة الرأسمالية في العقود الأخيرة التي فرضت فتح أسواق المنطقة أمام “حرية” التجارة، مما أدى الى اغراقها ليس فقط بالسلع الصناعية التي تعرقل وتقتل فرص تطور الصناعات المحلية المماثلة، وإنما أيضا السلع الزراعية، مأخوذ في الحسبان أن هذه السلع الأخيرة تتمتع في الدول الرأسمالية المتطورة بتفوق كاسح على مثيلاتها في البلدان النامية، ليس فقط من حيث التكنولوجيا المتقدمة في الانتاج وإنما كذلك بالدعم المالي الحكومي الغزير مما أسفر عن ازدياد الخطر في اعتماد العالم العربي على استيراد رغيف الخبز، وقد رافق هذه العملية بالضرورة تفاقم فقر وافلاس أقسام متزايدة من سكان الريف في البلدان العربية، من الذين يمثلون أغلبية جمهور هذه البلدان. وقد دفعت هذه العملية القيسرية اعداد متزايدة من سكان الريف المفلسين الى النزوح وبشكل مصطنع من الريف الى المدينة، حيث تتشكل وتتضخم أحزمة الفقر حول العواصم والمدن الكبيرة، أملا في العثور على فرص حياة أفضل. لكن هؤلاء الريفيين المقتلعين من الأرض، وسيلة انتاجهم منذ قرون، والذين لا يتقنون في الغالب، أية مهنة محددة يمارسونها في المدينة، ويعيشون على الأمل في الحصول على أي عمل عضلي، هم أكثر فئات الشعب التي تجهل غدها وما يحمله لها، وبالتالي يتعمق لديها الاستعداد لتقبل التفسير الغيبي للأحداث، علما بأن الريف الذي نزحوا منه، وبخاصة الذي تعتمد مواسمه الزراعية على الأمطار، هو في الأصل مرتع خصب للتفسير الغيبي، يتوارثه عبر القرون. كل هذا يؤدي اليوم لأن تطفو على السطح التيارات الدينية المختلفة وتفسيراتها، والتي يستثمرها الإسلام السياسي لصالح مشروعه المستهدف السلطة. لكن هل سيكتب للإسلام السياسي النجاح حيث أخفق الآخرون، طالما سيحمل معه نفس أسباب وعوامل الإخفاقات والهزائم السابقة، بل وبتأزيم أكبر، في غلاف ديني، وفي مقدمة هذه الأسباب قضية الحريات الديموقراطية، بما فيها حرية المعتقد الديني وحقوق المرأة وتداول السلطة حسب صندوق الاقتراع وغيرها من الحريات العامة ؟ !. هذا إلى جانب قضايا أساسية كفهم طبيعة المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي، وما تفرضه هذه المعركة من تحالفات إقليمية ودولية. وبمعنى آخر: فالإسلام السياسي الذي تحكمه في علاقته الجدلية بحركة التحرر العربية علاقة التناسب العكسي، أي ينتعش حين تضعف ، والعكس بالعكس، سيصل إن آجلا أو عاجلا إلى الطريق المسدود ، وحينها، سيضطر القائمون عليه إلى التخلي عن فهمهم للسلطة وآليات الوصول إليها، ويتوصلون إلى النتيجة المنطقية، وهي أن الإصلاح الديني، الذي تأخرنا عنه قرونا، وكان عنصرا حاسما لنهضة أوروبا، يشكل مدخلا رئيسيا لنهوض شعوبنا العربية من كبوتها والانطلاق للحاق بركب الحضارة الذي تجاوزنا بعيدا، وسيكون الملمح الرئيسي لهذا الإصلاح هو إنقاذ الدين من تحويله إلى وسيلة لفئات اجتماعية معينة تتطلع للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها باسم الدين، والارتفاع به ــ أي الدين ــ إلى المكان اللائق به باعتباره قضية ضمير شخصي ، يجب عدم النزول به إلى سوق السياسة . فالإيمان الديني شيء، والإسلام السياسي شيء آخر، وفي وضعنا الفلسطيني الملموس ينبغي أن يمتزج الأول مع الوطنية الفلسطينية ويغدو أحد مضامينها الفاعلة لطرد الاحتلال، بينما الثاني هو مشروع للوصول إلى السلطة من فئةاجتماعية تتخذ من الدين غطاء لذلك[c1](5) د. ماهر الشريف، كتابه “البحث عن كيان”، دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908 ــ 1993”، ص379، نقلا عن “مذكرة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني”، وثائق حركة المقاومة الاسلامية، سلسلة بيانات الحركة، السنة الثالثة للانتفاضة، المكتب الاعلامي، ص126-129.(6) “دنيا الوطن” نشرة الكترونية، بتاريخ 8/2/2005[/c]
|
فكر
الأزمة الفلسطينية في ضوء ميثاق حركة ( حماس ) 2 - 2
أخبار متعلقة