أضواء
الديكتاتورية لا تعرف المنطق، والقوة الغبية تتصرف بين حين وآخر بطريقة هوجاء لا منطق ولا عقل فيها. والديكتاتوريات تأخذ أشكالاً عديدة، فمن الخاكي الذي يرتديه العسكر الذين يقفزون على الدبابات ويصدرون البيان رقم واحد، إلى ديكتاتورية الفرد، وديكتاتورية الأيديولوجيات العقيمة، والديكتاتورية التي ترفع شعارات دينية لتبرير سياساتها الهوجاء. ويغلب طابع الغطرسة على معظم السياسات الخرقاء التي تنتهجها الديكتاتوريات بشكل عام.تمثل السياسات الإسرائيلية العدوانية واحدة من أبشع الممارسات الهمجية، وتعيث فساداً وغطرسة بظلمها للإنسان الفلسطيني، فمن مصادرة الأراضي، إلى الطرد والسجن والإبعاد، فبناء جدار عنصري فاصل بينها وبين الفلسطينيين. كل هذا بسبب الغطرسة للفلسفة الدينية السياسية التي تعتمدها الصهيونية اليهودية، والتي ترى في اليهود شعباً مختاراً فوق باقي أعراق وأجناس البشر.بنفس منطق الغطرسة الدينية تصل «حماس» إلى السلطة بموجب اتفاقات فلسطينية- إسرائيلية تشكلت على أساسها تلك السلطة الفلسطينية، ثم تنكرت «حماس» بكل غطرسة -لتلك الاتفاقيات التي أتت بها للسلطة. بعض مظاهرات الأحزاب الدينية السياسية في لندن شكلت نماذج قمة في الغطرسة السياسية: مظاهرة لمئات من المسلمين الذين أتى أكثرهم الى بريطانيا كلاجئين اقتصاديين أو سياسيين، يخرجون في مظاهرة تنتهي بساحة الطرف الأغر ليلقي منظموها كلمات تدعو ملكة بريطانيا إلى الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية!الغطرسة في الفكر الديني السياسي هي في أوضح صورها بالإلغاء الطائفي والمذهبي الذي يمارسه دهاقنة الدين السياسي في المذهبين السُّني والشيعي. فكلا الفريقين يعتبر أنه على حق وغيره على باطل، وتلك مسألة يطول شرحها. لكن العامل المشترك بين أولئك وهؤلاء هو في الفوقية التي يشعر بها كل طرف تجاه الآخر لاعتقاده بأنه «الفرقة الناجية من النار»، وبأن الآخر هو وقودها وسعيرها.أميركا «المحافظين الجدد»، وبسبب الغطرسة المدفوعة بخزعبلات دينية، ارتكبت حماقات في العراق أحرقت ما لم يحرقه صدام في عهده. فبعد سقوط صدام، عربدت غطرسة بتصريحاتها وسياساتها، فمُنيت بفشل تلو آخر، وبدأت رؤوس التيار تتساقط واحداً تلو الآخر، حتى لم يبق منهم بواشنطن سوى قلة تتوارى عن وسائل الإعلام.تمثل سياسات إيران الدينية -أحياناً- غطرسة تندرج تحت نماذج الغطرسة التي ذكرناها أعلاه، فإجراءاتها الاستفزازية في الجزر الإماراتية لا تنسجم مع دعوات المنطق والعقل التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي بحل مسألة الجزر حلاً ودياً وسلمياً قبل تدويل هذه الأزمة، أو استخدامها ضمن ذرائع الاعتداء على إيران. كما أن سياسات الغطرسة الدينية التي تمارسها بلغة فوقية تجاه دول الخليج، لا تتواءم مع الدعوات لحل أزمتها النووية سلمياً، بل إنها لا تختلف كثيراً عن غطرسة صدام حسين حين كان في السلطة، فلقد ارتكب حماقات هي قمة الغطرسة السياسية، والتي قادت في النهاية إلى القضاء عليه واحتلال بلاده وإعدامه.التصريحات الإيرانية المتضاربة حول اختفاء صياد سمك كويتي قبل أسابيع، قيل إن إيران اختطفته لدخوله مياهها الإقليمية، وبعد ذلك تنكرت لوجوده في إيران أصلاً، يعكس هذا النوع من السياسات التي ستقود حتماً إلى الاحتقان في أحسن الأحوال، وإلى الانتحار السياسي الذي يجلب معه الخراب والدمار.أن تعتقد إيران أنها على حق في مسألة برنامجها النووي والعالم كله على خطأ، فهو نموذج من نماذج الغطرسة الدينية التي تنتهجها حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد، ولعل مثل هذه النتيجة استنتجتها أصوات إيرانية تتزايد داخل طهران لوقف هذه الغطرسة قبل أن يقع «الفاس في الراس».الغطرسة السياسية متلازمة كالسبابة والوسطى مع المشاكل والتوتر والحروب، وكلما زادت الغطرسة، زادت الحماقات، واشتعلت النزاعات.*[c1]عن / جريدة «الاتحاد» الإماراتية»[/c]