الضالع / صقر المريسي :(أسماء، وسهام، وإرادة، ومقادير)، أخوات لم تبصر أعينهن نور الشمس رغم أن أكبرهن تجاوزت السبع سنوات.. ولم تدخل بطونهن كسرة خبز، أو قطعة حلوى، أو حتى حبة أرز منذ يوم ولادتهن.. كما أنهن لم يقفن يوماً على أرجلهن، أو حتى يحركن عضواً من أجسادهن.. وأعظم مصابهن أنهن بنات رجل كادح «شاقي» من أبناء دمت، نصف أيام أسبوعه لا يجد عملاً، ولايجني حتى ثمن رغيف الخبز.. عندما طرقت باب منزل عبده عبدالله حجر تفاجأ بأننا جئنا نسأل عن بناته الأربع، فنحن على باب واحد ممن وصفوا بقوله تعالى: (تحسبهم أغنياء من التعفف)..!فتحنا صدورنا لـ «عبده حجر» ففتح لنا قلبه المثخن بالأوجاع، وصار يخبرنا، وحمد الله لا يفارق لسانه، كيف أنه عاش طفولة محرومة، وكيف أنه يوم تزوج لم يكن يملك مالاً أو بيتاً، غير أن العروس قريبته وممن أكرمها الله بالصبر والقناعة.. فلم تزهق أن زوجها «شاقي» يبكر صباحاً بحثاً عن فرصة عمل في هذا البلد الفقير.. يوم يعود بلقمة عيش، ويوم آخر يعود مكسور الفؤاد..!يقول عبده: إن الله رزقه أربع بنات وثلاثة أولاد، غير انه لم يكتشف عوق ابنته الكبرى إلاّ وقد أنجبت أمها الثانية.. فقد لفت انتباهم أن ابنتهم الأولى (أسماء)- 7 سنوات- لا تتحرك كما الأطفال، ولا يبدو أنها تكبر، فأخبره الأطباء أنها معاقة ولن تنمو..سلم عبده حجر أمره إلى الله محتسباً، ليكتشف لاحقاً أن ابنته الثانية (سهام)- 5 سنوات- مصابة أيضاً بنفس الإعاقة.. وعندما رزقه الله بالبنت الثالثة قرر تسميتها (إرادة) انطلاقاً من إيمانه وزوجته بإرادة الله تعالى وما سيكتبه لهم، لكنها لم تكن مختلفة عن أختيها فهي معاقة أيضا.. يقول عبده: إنه لم يقطع الرجاء بالله تعالى لأن يكرمه بذرية صالحة، فكان أن رزقه الله ثلاثة أولاد جميعهم أصحاء والحمد لله.. ثم رزقه الله ببنت رابعة اسماها (مقادير)- وعمرها الآن عشرة أشهر- وهي الأخرى معاقة بنفس المرض..سألنا الأم إن كانت بناتها تصاب بالإعاقة في سن محددة، فقالت: أنهن يصبن بالمرض بعد الشهر الخامس من أعمارهن.. وأخبرتنا أنهم أخذوا البنت الكبيرة إلى مستشفى الثورة بصنعاء، ولكن الأطباء لم يفعلوا لها شيئاً.. وعندما وصلت البعثة الطبية الألمانية إلى تعز أواخر العام الماضي استغلوا الفرصة وعرضوا البنت الكبيرة، فأخبرهم الأطباء أنها مصابة بـ»ضمور بالدماغ»، واقنعوا الأب والأم بألا جدوى من متابعة علاجهن، وفي نفس الوقت أعطوهن علاجات ولكن هذه العلاجات لم تحدث أي تغيير بحالتهن إطلاقاً.وتقول الأم: إن الفتيات الأربع متوقفات عن النمو، حيث أن نسبة النمو لا تتعدى 10 %، وأن بناتها عاجزات تماماً عن الوقوف أو الحركة، ولا يستطعن تناول أي طعام أو شراب باستثناء الحليب «المجفف»، فلكل واحدة منهن رضاعة خاصة بها ولا تفارقها على الإطلاق..سألنا الأب كيف يتدبر تكاليف الحليب في ظل الغلاء الفاحش، فأفادنا بأن بعض الجيران يعطفون على حال أسرته فيمدون لهم يد العون.. كما أن بعض الأقرباء عطفوا على حالهم فبنوا لأسرته غرفتين «بلوك»، في منطقة تمر من أمامها المجاري، ومخلفات أحد المنتجعات السياحية، والحارات المرتفعة.. إلاّ أنه يعتبر هاتين الغرفتين هما أكبر ما تحقق له في حياته..وقد علمنا من بعض الجيران أنهم عرضوا على عبده حجر تبني طفلة أو طفلتين من بناته لتخفيف العبء عنه إلاّ أنه رفض ذلك، لأنه وزوجته لا يريدون أن يروا الناس معذبين، ويعانون مثلما هم يعانون..!!ورغم أن عبده وزوجته حاولا جاهدين استجماع شجاعتهم وهم يروون مأساة بناتهم الأربع، إلاّ أننا كنا نرى الدموع وهي تطوف الحدقات، بحثاً عن لحظة غفلة منا لتصب على الوجنات حرّى... كنا ننظر إلى الفتيات وكل منا يسأل: يا ترى ماذا لو كانت هؤلاء الفتيات بناتي!؟ربما آن الأوان لإعلامنا مغادرة مقرات السياسة، وطرق أبواب هؤلاء المتعبين من أخواننا وأهلنا.. فأي اللعنات ستطاردنا، وثمة آباء لا يجدون الرغيف لأسرهم.. وثمة أطفال شبه موتى يترقبون من يمد لهم يده ليهبهم حياة.. وثمة أخوات كريمات عفيفات يفضلن الموت جوعاً أو مرضاً خلف جدران البيوت على أن يتسولن على أبواب المتخمين..!!
يمنيات لا يكبرن ولا يأكلن ولا يعلم بحالهن غير الله
أخبار متعلقة