أضواء
هناك نكتة نيويوركية قديمة... محام يهودي وقف يدافع عن قاتل غير عادي، لقد قتل أباه وأمه، فطالب القاضي أن يرأف بموكله لأنه.... يتيم.هذه النكتة يقولها النيويوركيون للتعبير عما يسمونه “الوقاحة الفجة والذكية” لدى اليهود.أيمن الظواهري قادر على أن يفعل الأمر نفسه، لقد كفر المملكة، واستهدفها، وحرض عليها، وأباح إراقة دم جندها وجيشها، ثم يرسل لها من يجمع له التبرعات من أهلها.حتى في أفغانستان، سعى في خراب حكومتها المفضلة عنده، التي آوته ونصرته، الطالبان، ثم نكب أهله والشباب العرب الذين غرر بهم وجلبهم هو وأسامة بن لادن إلى أفغانستان ليعيشوا تلك “الحياة الإسلامية النقية الصافية” كما زعموا، فاتخذوها دار حرب وتآمر على العالم كله، وعندما رد العالم بقدرته الساحقة فشردهم، لم يقع البأس عليهم وحدهم وإنما شمل نساءهم وضعفاءهم، سقط أطفالهم الذين زج بهم في المعركة قتلى، وشردت ورملت نساء انقطعت بهن السبل، لا مجال لعودتهن إلى أوطانهن الحقيقية، لابد أن بعضهن يعشن اليوم حياة بائسة في كهوف أو في مناطق حدودية مختبئات تحت أودية وغبار بيوت من طين، ينجبن أطفالاً لا يجدون أمناً ولا علماً، وبالتالي فهم صدقا بحاجة إلى مال ومساعدة.فيرسل الظواهري رسالة يجمع لهؤلاء الضعيفات مالاً، مستخدماً عبارات حق أريد بها باطل “الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه” قد يذهب بعض المال للضعيفات والبعض الآخر يجتهد فيه الظواهري فيذهب في خدمة آلة التدمير والخراب، وقد فعل ذلك من قبل عندما خلط مال الأيتام بمال الجهاد.يا لقدرته العجيبة في تفكيك الصورة الكاملة، فيختار لك مقطعاً منعزلاً عن السياق الكامل ليحرك به المشاعر أو يدل به على ظلم واقع.إن هذه القدرة على تفكيك الصورة الكلية، فن برعت فيه القاعدة، واستخدمته للتغرير بالأحداث. لنأخذ صورة من غزة اليوم، فما تفعله إسرائيل من عدوان هو فعل نازي إرهابي صرف، أن يشمل عقابها الجماعي كل الشعب الفلسطيني في غزة، ولو كانت هذه الحرب في أوروبا ووفق ضوابط المواجهة هناك لما قبل العالم بالتجاوزات الإسرائيلية.سيقول المؤيد للقاعدة ومنطقها، إن الدليل على كفر الأنظمة العربية وخنوعها للعدو هو سكوتها على ما يجري في غزة، ثم يسترسل في شرح الجرائم الإسرائيلية ويقارنها بحال الصمت العربي إلا من بيانات، دون أن يشير إلى مسؤولية حكومة حماس المحلية ذات السلطة في غزة والقادرة على وقف هذا العبث الإسرائيلي بوقف عبث الفصائل التي تتسلى بإطلاق صواريخ، تستخدمها إسرائيل ذريعة لتنفث كراهيتها البغيضة تجاه الفلسطينيين.ولو أرادت حكومات المملكة والأردن ومصر مثلا أن تثبت للقاعدة وللشارع العربي الغاضب صدقها وإيمانها، فعليها أن توجه إنذاراً صريحاً للإسرائيليين أن أوقفوا عدوانكم وإلا.....، سيكون الرد الإسرائيلي سريعاً وبسيطاً اضمنوا لنا ألا يُطلق صاروخ واحد علينا ونضمن لكم أن نوقف كل عملياتنا الحربية.ستعود المسؤولية علينا، ومن منا يريد أن يدخل مستنقع غزة، ويفرض على الفلسطينيين وعلى حماس ضبط أحداثها وترتيب دارها وحماية أمنها في ظل ظروف الاحتلال الصعبة التي تعيشها غزة ومن ثم تتواصل مع إخوانها في فتح لترتيب البيت الفلسطيني بالكامل.من الواضح ولنكن صرحاء أن كافة الدول العربية ملت هذا الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني، وهو خلاف أبعد من حماس وفتح، إنه خلاف حول الحل الصعب أو لا شيء. وبالتالي ابتعد الجميع ريثما يتخذ الفلسطينيون شعبا أو قيادة قرارهم الشجاع، وتستمر صواريخ حماس، وترد إسرائيل بآليتها الحربية الهائلة ومحرقتها التي لا تخجل منها بعدما رفض العالم إدانتها.ثم تقتطع القاعدة من هذه الصورة الكلية المعقدة التي يتحمل الجميع فيها حصة من مسؤولية الدم الفلسطيني المهدر ومن بينهم حماس، فتجتزئ مقطعا صغيراً لطفل فلسطيني قتله صاروخ إسرائيلي أهوج وليس موجهاً كما يزعمون، تركز عليه، تركز عليه أكثر، تؤسس من صورته المؤلمة موضوعاً مثيراً للغضب والشجن واليأس والإحباط فتجند شاباً صغيراً سرعان ما ترسله إلى بغداد أو بشاور ليفجر نفسه وسط مسلمين لتزيد بذلك رقعة الخراب الذي تعيش وتنمو فيه، إنها تحب الخراب، فالقاعدة لا تنمو إلا هناك.[c1]* عن / صحيفة “الوطن” السعودية[/c]