مشهدٌ في صحن الحرم الشريف
حصة بنت محمد آل الشيخ يؤدي- حقيقة لا مبالغة- بعض موظفي الحرم دورهم بشراسة الأسود في صحن الحرم المكي، تسخيراً لطاقتهم ورقابتهم وحب البحث والفوز بالغنيمة، حيث دأب أبطال المطاردة النسائية العنيفة، بل- بعضهم- قد تفوته التكبيرة الأولى-لا بأس- مادام أمامه صيد يتولى طرده من الصحن،ربما هو نوع من الجهاد يتقربون به زلفى إلى الله، فأي محاولة للتفاهم أو ثنيهم عن شراستهم أشبه بصرخة في واد أو ضرب لعرض حائط في صحن الحرم تجري التجاوزات الفوقية حاملة لواء الأمر والنهي.كغيري أذهب آخر الليل للطواف وصلاة الفجر في الصحن ما وجدت لها سبيلاً، ولكن في نظر موظفي الحرم أن تصلي امرأة دون الجدر الغليظة البيضاء فإنها تعتبر مارقة ومرتكبة أبشع الذنوب، أقلها ذنب النية السيئة التي يقذفكِ بها موظفو الحرم كسهم مسبّة يصيبك على عجل كـ”أنت لم تأت للعبادة” أنتِ لئلا يلتبس الأمر بالمأمور والسيد المطاع بالجارية التابعة! ماذا يوجد في الحرم سوى العبادة لتستقرأ عبقريتهم النية لسواها؟! يجري اقتلاع العنصر النسائي من الصحن قبل أذان الفجر بساعة، تحسباً لمجيء رجل أو اثنين لتتجاوز الصفوف العشرة بلا مصلٍ، لتنظر المرأة إليها من طرفٍ خفي متسائلة لماذا لا أصلي هناك؟قبالة الكعبة كان بجانبي امرأة على كرسي من الإمارات العربية الحبيبة، فإذا بالموظف - طارد النساء حسب تطابق المسمى والتسمية- يبدأ بترديد “ورا ياحرمة هذا ليس مكانك، مكانك ورا”، تناقشه بأسلوب طيب ويرد بجلافة وفوقية، “يا ولدي أنا كبر أمك جاية من بلدي بجلس أمام الكعبة”، وهو يردد “هذا مكان الرجال”، قالت “ما شوف (رياييل) قدامي،اتركني أصلي وأتعبد”، وكان نقاشا عقيما لا يلين معه ولا يتراجع أمام المقام، فقلت لإيقاف سرد أوامره “لن نغير مكاننا ما استمر خالياً من الرجال”، وكأنه أصيب في مقتل، وأخذ يهدد ويتوعد بأسلوب يفارق اللباقة والأدب، اعتذرتُ لحيرة الخالة وغضبها، سألتني بعفوية “يا بنتي لماذا يكرهون المرأة عندكم؟” هدأت من انزعاجها وتناسيت سؤالها، فاستمرت شاكية “إنهم يطردوننا من الصحن، وكل مكان يقولون للرجال، الدنيا ما فيها إلا (رياييل)، ما عندهم أم، أخت، زوجة”. سألته “هل ترى أمامنا الآن رجال؟” رد “لا تناقشين” -طبعاً- هذا منطق وعيه؛ ثقافة ترفض الحوار وتُلزم إزاء الأمر واجب التنفيذ الأعمى، طمأنتها بأننا سنصلي في هذا المكان! ردت “وهذا الذي يدور على رؤوسنا؟” أجبتها “لا يستطيع حملنا رغماً عنا”، سألتني باهتمام أخجلني “ليه يعاملون المرة عندكم (شذي)؟” احتارت الإجابة؟ ونطقت الكرامة “يفترض أن لا تخضع المرأة لكل مايملى عليها ولكل من يأمرها مادامت على الحق” (مقياس الحقوق صعب في مجتمع لا يرى المرأة سوى تابلوه خلفي). التفت حيث يأمرنا بالرجوع، فإذ الدرج ممتلئ بالنساء والمكان خلفهم عبارة عن ممر ضيق يصطدم بالمسعى، قلت “ألا ترى المكان ضاق بأهله؟” رد “ولو (و”لو” يستخدمها الرجل لإعلان تجاوزاته اللامسؤولة ومنعدمة السبب) أحسن من مضايقة الرجال”، سألته “أين هم؟ أم تراهم أنت وقبيلك من حيث لا نراهم؟”، وأردفت “عندما يأتي رجال نرجع للخلف”، فاسترسل “المكان خاص للرجال حتى لو لم يحضروا لا تصلي به، لأنه ليس مكانك”، حينها أدركت انقياده لعاطفته الميزوجينية وحقده وكراهيته للنساء وتعصبه الذكوري. جلست مع السيدة ورفيقاتها وهن يسبّحن ويحاولن إخفاء انزعاجهن، أذن الفجر ومازال على حاله يهدد ويتوعد.للتوضيح: المكان الذي منعنا منه خلف الصفوف الرجالية بعشرة صفوف فارغة ينتهي بمكان لشرب ماء زمزم.*[c1]عن / صحيفة “الوطن” السعودية[/c]