من سلسلة قصص خيالية عن الأشباح (2)
كنت دائماً مولعاً بالذهاب الى قرية بروشستر لقضاء إجازتي هناك فقد كانت قرية صغيرة وهادئة مليئة بالمباني القديمة والجميلة وكان زوارها قليلي العدد لذا لم يكن هناك أي زحام فيها واستمتعت بهوائها النقي . إنني اعمل في مدينة كبيرة لذلك فإن الحصول على اجازة في بروشستر كان بمثابة انقلاب كامل في حياتي الاعتيادية اضافة الى أنني كنت أدرس تاريخ تلك البلدة وكنت اريد معرفة ماضيها ناسها وكذلك مبانيها القديمة ووضعت ملاحظات حول كل تلك الاشياء خلال فترة اجازتي ومباشرة أدركت الكثير حول ماضي قرية بروشستر بل علمت اكثر مما كان يعلم معظم سكانها لست رجلاً غنياً لذا لم اتمكن من تحمل مصاريف الاقامة في الفنادق وعندما علم السيد جاك تومبسون بأنني أريد أن أقضي إجازتي في بروشستر دعاني للاقامة معه لقد كنا سوية في الجيش خلال الحرب وكنا صديقين حميمين لذا فقد اقمت معه وزوجته السيدة آني في منزلهم الصغير والجميل الذي يقع في فورستريت وكنت بالطبع اساهم معهم في بعض المصاريف فلم اكن من ذلك النوع من الضيوف الثقلاء ولكنهم يؤكدون لي دائماً بأنهم يتلهفون لزيارتي لهم كما كانوا يخبرونني بأن إجازتي بالنسبة لهم وإنني متأكد من شعورهم هذا وقد امضينا وقتاً ممتعاً مع بعضنا البعض حتى أتت السيدة ود الى منزلها . في تلك السنة وكالعادة ذهبت الى هناك لقضاء "عيد الفصح" وكان الربيع خلاباً في ظهر ذلك اليوم الذي وصلت فيه ، وكانت هناك غيوم صغيرة بيضاء وسماء زرقاء صافية وكانت الشمس مشرقة ودافئة لساعة او ساعتين تقريباً فذهبنا في نزهة مشياً على الاقدام والتقطت بعض الصور الفوتوغرافية للكنيسة فقالت السيدة آني لي " لابد أنك تملك مئات من الصور الفوتوغرافية ل بروشستر " فأجبت لدي الكثير ولكنني احتاجها إن طالب التاريخ يجب أن يستخدم عينيه فعندما أكون بعيداً عن بروشستر فإنني انظر الى هذه الصور فهي تساعدني على معرفة ماضي هذه القرية ". تناولنا مشروباً في روس اندكرون وهو منزل عام صغير ولطيف بعدها مشينا باتجاه المنزل الى فورستريت وبعد تناولنا العشاء جلسنا نتحدث بالقرب من المدفأة . سألت صديقي " اخبرني كل الاخبار فلم أكن في بروشستر منذ الصيف الماضي اريد معرفة كل شيء " ابتسم صديقي جاك " اتعتقد بأن بروشستر فعلاً تغيرت يابل ؟ إن الحياة هنا تسير ببطء شديد اتى طبيب جديد الى القرية إن كان هذا يهمك فالدكتور ميتشل العجوز قد رحل منذ اكتوبر الماضي ليعيش مع اخته ولقد اتى بدلاً عنه الطبيب الشاب الدكتور وارن ويبدو انه شخص لطيف فاجبته قائلاً " إن كل شيء عن بروشستر يهمني هيا اخبرني المزيد من الاخبار" ردت السيدة ود " لقد رحلت" فسألت مستفسراً " السيدة ود؟من هي هذه السيدة ؟ وأين تعيش ؟ لا أعتقد بأني اعرفها ." فردت السيدة آني " لا اعتقد بأنك تعرفها فهي لا تخرج كثيراً عندما تعيش هنا ". فسألت " اين قلت بأنها تعيش ؟" ابتسمت السيدة آني قائلة " لم أقل ، تمهل ياسيد بل ، وسأخبرك بكل ما اعلمه إن السيدة ود امرأة عجوز . كما أنها لا تخرج كثيراً من منزلها لانها لاتستطيع المشي وقبل الكريسماس بفترة وجيزة سافرت الى ولدها في اوستراليا لتعيش معه هناك . لقد عاشت في ذلك المنزل المقابل للشارع بل المقابل لتلك الشجرة الكبيرة والتي تغطي جزءاً من النوافذ " فقلت لها " أعرف ذلك المنزل فكثيراً ما اعتقد بأن هناك شخصاً ما يراقبني من خلال تلك النافذة العليا فلم أكن متأكداً من ذلك لأن الشجرة كانت تغطي جزءاً من النافذة ". لقد كان جاك من اطيب الناس لذا كنت مستغرباً فلم اره غاضباً هكذا من قبل ! ردت السيدة آني لزوجها قائلة " لا تكن قاسياً ياجاك لقد كانت وحيدة بالطبع احبت السيدة ود مراقبة الناس ولم تشعر بالوحدة عندما كانت تجلس بالقرب من النافذة وتراقب ما يحدث بالخارج "."إن كانت وحيدة فإنها غلطتها هي الا تتذكرين معاملتها الفظة معك ؟" فقالت آني " لقد اتفقنا على عدم الحديث حول هذا الموضوع ثانية ، كما أنك لا تستطيع أن تلوم تلك العجوز لأنها كانت تجلس بالقرب من نافذتها إن مراقبة الناس في الشارع يمنحها سعادة ، إنني آسفة بشأنها " رد جاك" إنني آسف لولدها ، فلا أحب أن تسكن مثل تلك المرأة في منزلي ولكني أتمنى بأن لا تخلق المشاكل لولدها كما أتمنى أن تعيش معه مدى الحياة فلن تكون وحيدة هناك بصراحة لا أريد عودتها ثانية الى فور ستريت ." جاك !! إنك ..." لم اعرف ماذا كانت آن لتقول ولكنني استطعت أن أرى الغضب في وجه كليهما فغيرت مجرى الحديث بالسؤال حول الطبيب الجديد . ولم نتحدث عن السيدة ود ثانية وبعدها عاد صديقاي مباشرة الى الابتسام مرة أخرى فكنت مستغرباً كيف لعجوز أن تعكر صفو حياتهما على ذلك النحو . ذهبت للفراش مبكراً ولكني لم استطع النوم نظرت الى ساعتي فكان الوقت متأخراً ، وحاولت قراءة كتاب ولكن لم يثر انتباهي كنت أفكر بخصوص جاك و آني لماذا تعكر صفو حياتهم بسبب السيدة ورد ؟ إن تلك المرأة العجوز في استراليا الآن أي أنها بعيدة جداً من هنا فلماذا إذن تعكر مزاج جاك وزوجته آني ؟ ولم تحاول السيدة آني أن تكون قاسية تجاه السيدة ود ، ولكنها في الوقت نفسه لم تستسغ تصرفها وكانت آسفة بشأنها فعلى الاقل قالت بأنها آسفة بخصوص السيدة ود ، ولكني أعتقد بأن آني كانت غاضبة مثلها مثل جاك تجاه السيدة ود الفرق الوحيد بينهما هو أن آني لم تدع مشاعر الغضب تفلت منها .نهضت من السرير وذهبت الى النافذة ونظرت الى الشارع باتجاه منزل السيدة ود وكان القمر يتلألأ في السماء فاستطعت رؤية الجزء الامامي من المنزل بوضوح وتحركت اوراق الشجرة الكبيرة بتمايل مع الرياح الهادئة ، فقلت لنفسي " يالها من ليلة خلابة إن الطقس سيكون رائعاً في اجازتي هذه " لاحظت بأن هناك بعض الستائر في نوافذ منزل السيدة ود فهي لم تترك المنزل خالياً تماماً إذ لا يبدو المنزل مهجوراً من اصحابه فقد جعلتني الستائر اعتقد بأن شخص ما بداخل المنزل فاعتقد بأن السيدة ود لا زالت في منزلها بعدها رأيت الستائر وقد بدأت بالتحرك لقد كان هناك شخصاً ما بالداخل ، لقد كانت السيدة ود تحاول أن تراني بوضوح .فشعرت بخوف شديد وابتعدت عن النافذة وقفزت الى سريري وبقيت هناك في الظلام لقد شعرت برهبة شديدة وكان لدي شعور قوي بأن السيدة ود كانت تراقبني في ذلك الظلام . وشيئاً فشيئاً بدأت استعيد شجاعتي وقلت لنفسي " لم تتحرك تلك الستائر الاً في مخيلتك ايها الغبي إن مارأيته لم يكن سوى تحرك اوراق تلك الشجرة بفعل هبوب الريح اضافة الى أن السيدة ود لا تستطيع أن تؤذيك لأنها امرأة عجوز وحيدة ، فلماذا أنت خائف ؟ على أي حال إنها ليست في منزلها إنها تعيش مع ابنها في استراليا بعدها شعرت بنوع من الاطمئنان ولكني لم اتمكن من النوم الاً بعد انقضاء وقت طويل . وعندما نمت رأيت كوابيس مزعجة ففي هذه الكوابيس كنت أرى بأنني احاول الهرب من منزل غريب ومظلم وكانت هناك امرأة عجوز غريبة تراقبني . وعندما استيقظت شعرت بارهاق وخوف شديدين لقد كانت بداية سيئة لاجازتي بعدها اغتسلت وارتديت ملابسي وفتحت نافذة غرفتي والتقطت صورة لمنزل السيدة ود وكانت اشعة الشمس مسلطة على الواجهة الامامية للمنزل كما كانت هناك ظلال للشجرة الامامية للمنزل ، وبدأ المنزل هادئاً فكنت حريصاً على وضوح الصورة عند التقاطها بعدها وضعت الكاميرا ونزلت الى الاسفل وكان جاك لوحده في المطبخ فسألته " ما الامر ؟ تبدو مرهقاً فرد علي " لم أنم جيداً البارحة وكذلك آني ،لذا تركتها تسترخي في السرير لانها متعبة جداً فلقد رأت بالامس احلام مزعجة جداً لقد كانت تحلم بتلك العجوز التي تعيش بجوارنا ". لم نتحدث اثناء تناولنا الفطور وبعد انتهائنا سألته " جاك اخبرني عن السيدة ود لماذا غضبت البارحة عندما تحدثت مع آني بخصوص تلك العجوز ؟" فرد علي " كان ذلك غباء مني . كان علي أن لا أغضب بذلك الشكل بخصوص تلك العجوز . إنها على أي حال بعيدة الآن . إنها في استراليا." فسألته ثانية بإلحاح " لم تجبني على سؤالي بعد إنها عجوز كما إنها بعيدة وتعيش الآن في استراليا كل هذا مفهوم ولكن لماذا تشاجرت مع زوجتك بشأنها أمس ؟" .فرد علي جاك " سأخبرك كانت آني تشعر بالشفقة تجاه تلك العجوز وقد حاولت مساعدتها كثيراً فقد كانت كثيراً ما تزورها ، وتشتري لها ما تحتاجه من حاجيات ، كما كانت تطبخ لها وتجلس للتكلم معها لتؤنسها في وحدتها وكانت كثيراً ما تجلس وتستمع اليها فقد كانت تلك العجوز تفضل الكلام اكثر من الاستماع ".فسألته " أكنت تذهب مع آني لزيارة تلك العجوز ؟" رد جاك " لا فأنا لم أكن اشعر بالود تجاه تلك المرأة العجوز كما لم أكن اريد آني أن تمضي معظم وقتها معها ، و كنت محقاً في النهاية فلقد تصرفت تلك العجوز بصورة سيئة تجاه آني ." توقف جاك عن الحديث فانتظرته ليكمل ولكنه كان يحملق باتجاه نافذة المطبخ ولم يكن ينظر اليً لقد نسي بأنني موجود فسألته " جاك إنني منتظر اخبرني بقية القصة " فنظر اليً مكملاً " وذات يوم ، أتت آني من منزل السيدة ود وبدت حزينة ومرهقة فسألتها : ما المشكلة؟ فلم تجبني ولكنني أصررت على أن تخبرني بالامر فاخبرتني بأن السيدة ود كانت قاسية معها وغاضبة منها بل لقد جعلت آني خائفة منها فلم تذهب آني لزيارتها ثانية لانها لم تستطع نسيان ما قالته تلك العجوز .." .إن قصة جاك لم تكن واضحة تماماً ولكنني استمعت إليه بامعان وادركت مغزى كلامه . لقد عرفت السيدة العجوز بأن جاك لا يشعر بالود تجاهها واخبرت آني بأنها تكرهه وحاولت آني أن تجد بعضها من المبررات لزوجها فاخبرتها بأنها لم تفهم زوجها تماماً فهو رجل خلوق وطيب القلب ولكن العجوزرفضت الاستماع اليها بل صرخت في وجهها واخبرتها بانها سيئة مثل زوجها واخبرتها بأنها ستعمل على طردها هي وزوجها من منزلهما انتظرت حتى أكمل جاك كلامه بعدها قلت " إنها قصة محزنة فعلاً تبدو لي السيدة ود بأنها عجوز غريبة ومريبة معاً ولكني لا أستطيع أن افهم كيف لعجوز أن تعكر صفو حياتكما !! لقد سافرت على أي حال ولا تستطيع إثارة المشاكل ثانية إنها فعلاً عجوز مريبة !! نظر جاك إليً وسألني " لماذا لم تنم البارحة ؟" ... لم استمتع باجازتي تماماً فكنت اتمشى لمسافات طويلة والتقطت صوراً ودرست تاريخ بروشستر لقد عملت كل شيء كنت احبه ولكن لم اكن استمتع بأي من هذه الاشياء . كان جاك وآني لطيفين معي وكنا اصدقاء ولكن كان هناك شيء ما غير طبيعي في علاقتهما مؤخراً لقد كانا في مزاج عكر تجاه بعضهما البعض وكانا يطلان من نافذتهما ويحملقان باتجاه منزل تلك العجوز الشمطاء وكل ليلة عندما كنت أذهب للنوم كان يخيل لي بأني ارى وجه تلك العجوز يطل من النافذة كنت متشوقاً للعودة الى منزلي فكنت سعيداً بانتهاء اجازتي لم استطع مساعدة جاك وآني فلقد حاولت كثيراً مساعدتهما ولكن لم يكونا يصغيان اليً لقد كانا دائمي الشجار بصورة غريبة ولأتفه الاسباب بعد عودتي للمنزل وبعد مدة قصيرة وصلتني من ساعي البريد تلك الصور التي التقطتها عندما كنت في بروشستر كثيراً ما كنت اسرع لأنظر إليها كنت دائم التلهف لرؤيتها ولكن هذه المرة كنت خائفاً فوقفت ونظرت الى مجموعة الصور فلم اجرؤ على فتحها لقد كنت خائفاً مما سوف اراه . واخيراً استجمعت شجاعتي وبدأت بفتح مجموعة الصور وببطء بحثت خلال جميع الصور عن الصورة التي كنت خائفاً _ لسبب ما _ منها ، بعدها وجدت تلك الصورة واخذتها بحذر شديد لقد كانت صورة منزل السيدة ود ، فشحب وجهي لقد كان كل شيء واضحاً في الصورة الحديقة والشجرة والباب الامامي وفي النافذة العلوية كانت الصورة المخيفة عندما انفتح باب غرفتي فجأة دخل صديقي جاك الى غرفتي وكان في حالة مزرية وغريبة حتى أنني عرفته بصعوبة فحاولت اخفاء الصورة عنه ولكن ذلك كان متأخراً فمزق الصورة بعد أن انتزعها من يدي انتزاعاً قائلاً " هاهي تلك العجوز التي تنظر من النافذة هي نفسها السيدة ود " فاستغربت قائلاً " ولكن يا جاك إن ذلك مستحيل .. إنها في استراليا إنها ..." قاطعني قائلاً _ ولم استطع نسيان ماقاله كما لم استطع نسيان تلك النظرة الرهيبة التي كانت تطل من وجهه _ فقال " بل إن السيدة ود ماتت في استراليا في نفس اليوم الذي وصلت فيه أنت الى بروشستر لتبدأ اجازتك لقد وصلتنا الاخبار بعد ذهابك مباشرة " فسألته " إذن كيف تفسر هذا ؟ " اشرت الى وجه تلك العجوز المطل من النافذة في الصورة فرد جاك " لا أعرف كل ما أعرفه بأنها أتت الى منزلي " فارتعبت فرائصي لسماع هذا !! فصرخت قائلاً " وآني ، جاك كيف هي آني الآن ؟ هل عرفت بأن السيدة ود أتت الى منزلكما ؟ فبدأ جاك بالشحوب والحزن الشديدين وكاد ان يقع على الارض مغشياًُ عليه لولا أني اسندته بذراعي واخذته الى أقرب كرسي واخيراً تكلم جاك وكان صوته ضعيفاً جداً بحيث أني كنت اسمعه بصعوبة فقال " كان هناك طرقاً شديداً على باب منزلي البارحة فذهبت آني لفتح الباب وكنت في المطبخ ولكني استطعت سماع صوتها فصرخت صرخة شديدة مليئة بالرعب لا أستطيع نسيانها الى الآن فقالت " السيدة ود !!! لقد عادت للمنزل !! فركضت مسرعاً نحوها فرأيتها ملقاة على الارض وقد فارقت الحياةو واخبرني الطبيب بأنها ماتت من شدة الرعب من شيء ما .هامش :عيدالفصح : عيد المسيحيين المقدس في مارس او ابريل وذلك في يوم الاحد ولايذهب الناس فيه الى العمل ففي هذا اليوم يحيون ذكرى مقتل المسيح عليه السلام مصلوباً واعادته الى الحياة ( المترجم)