ظاهرة إطلاق النار في محافظة ذمار
إعداد/ عبدالكريم الصغيرهي بلاشك ظاهرة غير حضارية ومصدر قلق وإزعاج للأمن العام والسكينة العامة وسلامتهم..تلك ظاهرة إطلاق النار في الأعراس والمناسبات السعيدة التي تشهدها محافظة ذمار بين الحين والأخر وأصبحت تمثل بأضرارها ومخاطرها شبحاً يهدد أمن وسكينة المواطن في هذه المحافظة وخاصة في بعض المناطق الريفية التي شهدت منذ عشرات السنين تفاقم إنتشار وتنامي عواقبها وأضرارها وحصد خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة ، فأي خطر ياترى تمثله هذه الظاهرة ؟ وأي أضرار وخسائر تنجم عنها؟ وما يلحقها من تبعات واختلالات في جوانب مهمة من حياة الفرد اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً؟فظاهرة إطلاق النار في الأعراس والمناسبات المختلفة بذمارتعد ظاهرة سيئة بكل ماتحمله الكلمة من معنى ومادامت كذلك فإن غالبية النتائج المترتبة عليها ستكون دون شك وخيمة وخطيرة الأمر الذي سيتوجب على قيادة محافظة ذمار والأجهزة الأمنية مضاعفة الجهود للحد منها وبما تقتضيه مصلحة الفرد والمجتمع.. والعمل على عدم انتشارها على ذلك النحو المخيف والمقلق.وبالمناسبة أدعو القارىء الكريم والمهتمين ليكونوا معنا لكي نبحر سوياً في هذه السطور فقل ما أمامنا ليس إلا مجموعة من القصص الغريبة والأحداث العجيبة ووقفات مثيرة للغاية وأحداث مروعة جداً تستدعي الوقوف أمامها للتأمل والاتعاظ من نتائجها وعواقبها الوخيمة لعل وعسى بذلك أن نكون قد أدينا واجبنا وبلغنا ماعلينا،اللهم فاشهد.[c1]مناسبات سعيدة أم معارك عسكرية ؟[/c]قالها أحد الأصدقاء الأعزاء ذات يوم وقد كنا حاضرين في أحد الأعراس المقامة بقرية صغيرة من قرى مديريات ضوران أنس في محافظة ذمار ،أهذا عرس..أم معركة عسكرية؟ حيث كان الجميع من أهل العريس في حالة مضنية من الجهد والعناء وقوفاً في العراء أثناء قيامهم باستقبال بعض الضيوف القادمين من القرى المجاورة لحضور ذلك العرس..كان المكان مشحوناً بالمئات من الأشخاص المدججين بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والرشاشات الصغيرة،وماهي إلالحظات حتى دوت طلقات النار المكثفة والمخيفة والتي كانوا يطلقونها بشكل مخيف جداً تعبيراً عن ترحيبهم بأولئك القادمين..كان الدخان المنبعث من أفواه تلك الأعداد الهائلة من البنادق والرشاشات وراء الطلقات المتقاذفة منها يعكر جو ذلك المكان وهواءه النقي والخراطيس الفارغة لطلقات الرصاص تتساقط على أقدام الموجودين متناثرة هنا وهناك حتى خيل لي أن تلك المساحة الواسعة قد أصبحت مغطاة بتلك والخراطيس الفارغة وظل الجميع في ذلك المكان في هيجائهم وحركاتهم والإطلاق المكثف للرصاص مازال يستمر في الهواء يثيرون الرعب والاستغراب معاً فقد بدا كل شيء أمامنا كما لو كنا في معركة عسكرية شرسة .. وتكرر المشهد مرة تلو الأخرى وهكذا حتى وصلنا إلى خيمة العريس فبدأ صديقي الذي أثارني أولاً بسؤاله يعبر عن إنزعاجه واستنكاره من ذلك الوضع المزري بطرح اسئلته المحيره على نحو : ترى كم تكلف هذه الطلقات؟ وما الفائدة من هذا التصرف؟ ومتى نستمتع بمناسباتنا السعيدة؟ ومن المسؤول عن هذا العبث ؟و.و.الخ،وأمام أسئلته الكثيرة والمحيرة كنت أقف حائراً عاجزاً عن الإجابة مكتفياً ببعض الكلمات التي همستها في أذنيه : هكذا هي العادات والتقاليد ياصديقي وهذا هو الأسلوب الإجتماعي الذي لابد منه حينها أطلق تنهيدة ورد علي بالقول ياأخي هذه معركة وليس عرسا فما معنى أن نجهد أنفسنا ونهدر طاقاتنا وأموالنا بهذا الشكل،لقد كرهت العرس وكرهت منظر السلاح بتلك الأعداد الهائلة وشاهدت مثل هذه المناظر والخوف على أرواحنا وأرواح الأخرين ومن نعولهم نتيجة لهذا.[c1]يقتل الأطفال وتروع النساء[/c]هكذا نحن في محافظة ذمار منذ عشرات السنين لايأتي أي عرس أو مناسبة سعيدة ألا ويصبح أغلبنا يكره الأعراس وحضور المناسبات الجميلة خوفاً من هذه الفوضى والترويع المخيف الذي ينتج عن إطلاق النار فأصبحت جميع أعراسنا وأفراحنا سبباً لحصد الكثير من الأرواح البريئة والإطاحة بأغلى واعز من نحب وهنا أحب أن أورد للقارئ الكريم مثال حي في قصة ترتعد من سماعها الأبدان وتدمى القلوب من جراء أحداثها المؤلمة والمخيفة فما هي الحكاية بالضبط ؟ كان ذلك في منتصف العام الماضي 2005م عندما كنت ذات يوم موجوداً في مستشفى ذمار العام لزيارة أحد أصدقائي الرياضيين الذي تعرض لإصابة في قدمه اليسرى في إحدى المباريات التي خاضها مع فريقه وتم إسعافه للمستشفى لتلقي العلاج اللازم وبينما شرعت في السؤال عن هذا الصديق والغرفة التي يرقد فيها ، فجأة تصل سيارة الاسعاف تتبعها مجموعة أخرى من السيارات ويتسارع الجميع من أطباء ومساعدين ومواطنين في نقل من كانوا على متن سيارة الإسعاف وحملهم الى الداخل بدا الأول محمولاً على النقال ثم الثاني فالثالث والرابع والخامس وهكذا ، إلى أن وصل العدد إلى سبعة أشخاص أما الثامن فقد كان طفلاً صغيراً في عمر الزهور يبلغ من العمر ست سنوات ووراءه أشخاص آخرون وكانت الدماء تملأ ملابسهم يأخذونهم إلى غرفة الطوارئ ومن خلفهم ثلة من النساء بدا عليهن الذعر والهلع .. جموع كثيرة وجثث تنتشر هنا وهناك والكل في حالة شديدة من الخوف والهلع وصراخ النساء وعويلهن جنباً الى جنب مع صراخ الاطفال المحيطين بالمكان ..وما هي إلاّ لحظات حتى اتضح لنا ما حدث ، فقد كان الأول الذي توفي فور وصوله إلى المستشفى شاباً في مقتبل العمر لم يمهله القدر حتى يضع صبغة الحناء على يد أخيه العريس فقد خطفه الموت في يوم عرس أخيه المنتظر على يد أحد أعز أقربائه ألا وهو خاله ( شقيق والدته) وذلك أثناء حفلة الحناء للعريس حيث كان الخال واحداً من الذين كانوا يبتهجون بهذه المناسبة بطريقة (الموت) إن جاز لنا التعبير وهو إطلاق النار في الهواء لحظة ماكان العريس جالساً واصدقاؤه يقومون بصبغة الحناء كما جرت عليه العادة في ريف محافظة ذمار إلا أن الخال اختل توازنه فجأة بينما كان يطلق النار بسلاحه ( الآلي) والذي كان يمسكه بيد واحدة مما أدى إلى انحراف فوهة الآلي إلى الأسفل لتصيب بعياراتها النارية أبن أخته شقيق العريس والذي خر على الأرض مضرجاً بدمه ضف إلى إصابة عدد آخر من الأشخاص الذين كانوا إلى جواره ساعتها من بينهم الطفل الصغير ذو السادسة من العمر الذي لقي حتفه هو أيضاً،فهل انتهت هذه المأساة عند هذا الحد فقط أم بقي شيء آخر؟الجواب لا لم تنته بعد فمأساة هذه الأسرة لم تقتصر على حد خسارة أحد أبنائها يوم زفاف شقيقه العريس ولكنها تجاوزت لتصبح قصة أقرب إلى الأسطورة تردد على كل لسان.فالذي حدث بعد ذلك ياسادة يا كرام أن الخال توفي بعد فترة من العناء والحسرة على فعلته التي أودت بحياة ابن أخته القتيل وبعدها بفترة وجيزة توفيت الأم حسرة وألماً على أانها ومن ثم أخيها ، فبالله عليكم من المسؤول عن هذا؟ وماذنب القتلى والضحايا ؟قد يقول قائل أن الذنب الكبير هو ذنب الخال الذي أراد التفاخر والتباهي بحسبه ونسبه وعضلاته بإمساكه السلاح بيد واحدة ، وهو خائر القوى ، أو غير ذلك من الكلام وذلك لايجوز بتاتاً لأن ما حدث كان قضاء وقدراً محتوماً ولكن هل نكتفي بتبرير حدث مأساوي كهذا بمثل هذا القول دون إكثار من التوضيح للأسباب والمسببات والخطر الذي أضر بنا ويهدد أمننا وسلامتنا ويعكر هدوءنا وأفراحنا وأعراسنا ألا وهو السلاح نعم أنه السلاح الذي صرنا نتباهى باقتنائه والتفاخر بحمله واستخدامه وغير ذلك ..وإنه الجهل والبلادة في التفكير والغباء المفرط حينما تعودنا على أتباع هذه العادة الخطرة والسيئة في كل مناسبة أو فرح تتحول في كثير من الأحيان أعراسنا وأفراحنا إلى حزن ومأتم..[c1]تعددت الأسباب والقتل واحد[/c]في محافظة ذمار وفي (12) مديرية من مديرياتها يتواصل قتل الأبرياء شباباً وأطفالاً ومسنين وحتى النساء دون ذنب أو جرم اقترفوه.. وكل ذنبهم أنهم كانوا يحتفلون بعرس سعيد أو مناسبة سعيدة وأحبوا مشاركة من يحبون لهم السعادة ولكن وبدلاً من ذلك أي بدلاً من أن يقضوا أوقات جميلة والابتهاج بروعة هذا العرس أو تلك المناسبة التي يعيشونها ويحتفلون بها يتحولون دون سابق إنذار إلى أهداف مباشرة للمستهدفين والمتباهين بأنفسهم وبعضلاتهم المفتولة فلا يعودون إلى أسرهم إلا جثثا هامدة أو أشلاء ممزقة أو يتم نقلهم إلى المستشفيات والمراكز الصحية جراء إصابـاتهم بطلقـات ناريـة طائشـة قد ينـتج عنهـا إعـاقات وعـاهات مستديمة..[c1]ظاهرة الثأر .. هم آخر[/c]كما أن من المشاكل العويصة والمؤلمة التي تؤرق كاهل المواطن في محافظة ذمار وتنغص عيشته هي ظاهرة الثأر وذلك في ظل غياب الوعي والتوعية المطلوبة..بالإضافة إلى عدم وجود قانون يردع انتشار مثل هذه الظاهرة غير الحضارية قديمة الأزل فظاهرة الثأر في محافظة ذمار تعتبر مشكلة اجتماعية لها مساوئها وانعكاساتها الخطيرة على الفرد والمجتمع وتؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار.ولاشك أن عدم إيجاد حلول ومعالجات لهذه الظاهرة قد ساهم إلى حد بعيد في استفحالها وانتشارها خاصة في العزل والقرى البعيدة عن مركز المحافظة فالإنسان الذي يُقتل أحد أفراد أسرته وأقاربه يبحث عن القاتل أو أبيه أو أخيه أو أي شخص ينتمي لأسرة القاتل لا لتسليمه للجهات الأمنية إنما للقيام بالثأر والانتقام للمقتول تماماً كما في حالات كثيرة حدثت في الغالبية العظمى من قرى ومديريات المحافظة حتى أن مدينة ذمار وشوارعها وأسواقها لم تسلم من وقوع مثل هذه الأحداث الأليمة والمؤسفة والتي ذهب ضحيتها عدد من الأرواح البريئة من رجال وأطفال ونساء ليس لهم أي علاقة من قريب إو من بعيد بذلك القاتل الأمر الذي أدى إلى تشريد أطفال وترميل نساء وضياع أسرة بأكملها.وفي اعتقادي الشخصي أرى أن من أهم العوامل التي ساهمت في تفاقم هذه المشكلة أو الظاهرة هو غياب دور القضاء ، فالقضاء يعد المسؤول الأول في زيادة ضحايا الثأر .. بسبب الإطالة والتطويل والتمادي خلال فترات الفصل في القضاء وعدم البت فيها أولاً بأول ما أدى إلى ترسيخ فكرة الثأر والانتقام لدى المجني عليهم ورفض فكرة اللجوء للقضاء ، فكثير ممن التقيت بهم في أروقة المحاكم هنا في ذمار يشكون من تقاعس القضاء وعدم تفعيل دوره بالشكل المطلوب ليس فقط في قضايا الثأر بل في معظم القضايا والمشاكل المتطورة منذ عدة سنوات.فالمطلوب من الحكومة والجهات الأمنية والقضائية ويأتي بعدها وسائل الإعلام وكل فرد من أفراد مجتمعنا اليمني القيام بدورهم الفاعل كل في مجال اختصاصه في الوقوف صفاً واحداً للحد من تفاقم ظاهرة الثأر غير الحضارية وبما يسهم في تجذير الأمن والاستقرار والطمأنينة في أوساط المجتمع.