أضواء
في هذا الجو المحترق لا تستطيع أن تعلق أسباب مجزرة غزة في عنق حركة حماس، فالمشاعر الملتهبة لن تسمع أو تستذكر الدرس الذي نفذ بمهارة فائقة.فمخططو السياسة يضعون الأهداف ويسعون لتنفيذها خطوة خطوة، وكانت أولى الخطوات دفع وتشجيع الانتخابات في فلسطين لاختيار حركة حماس والتي كانت تقف في حكومة الظل كمعارضة، لا تمتلك أجندة سياسية يمكن للمجتمع الدولي قبولها أو التفاوض عليها، ومع اعتلاء حركة حماس للحكم وتسيير الدولة (ناقصة الحقوق) بدأت تتكشف أوراقها الرافضة لأي تقارب مع الدولة المحتلة، هذا الموقف حرك الخطة للأمام لتنفيذ الخطوة التالية،وهي تجفيف مصادر الحياة من أموال وغذاء ودواء، والتضييق على الفرد الفلسطيني كي يؤمن إيمانا قاطعا أن حماس لا تصلح لإدارة البلاد، وهذه الخطوة نزعت لإيقادها حركة فتح التي غدت في الظل، لتتشعب الخلافات وتوصل الرئيس محمود عباس لإقالة إسماعيل هنية مما اعتبر انقلابا على الشرعية جعلت حركة حماس تقتطع لها وصلة من الدولة المقطعة أصلا وهي غزة.هذا مزق الموقف الوحدوي بين أبناء البلد المحتل، لتطفو على السطح مصطلحات مثل فتحاوي وحمساوي، وغزاوي، هذه المصطلحات التي تظهر الانشقاق من خلال الانتماءات الضيقة، حولت الفلسطينيين إلى جمهور انقسم لتشجيع فريقين لكرة القدم، وليس مهما هزيمتهم بقدر أهمية أن يتواجد الفريقان على الخارطة .وأخذوا في تبادل الاتهامات كدولتين عدوتين، كل فريق منهما يريد إحراج الآخر وتسجيل نقاط عليه.هنا تحركت الخطوة للأمام، وهي اعتبار حكومة حماس حكومة مقالة ليس لها الحق دوليا في عقد الاتفاقيات أو التفاوض أو التحدث باسم الفلسطينيين، واستغلال إدراج حركة حماس في خانة الحركات الإرهابية مما أدى إلى عزلتها تماما .ولأن حركة حماس كانت راغبة في الاحتفاظ أو البقاء في السلطة، تحركت للأمام أيضا كإيفاء بالتزامها الانتخابي ومعاداة الدولة المحتلة ورفع شعار التحرر بإمكانيات متواضعة جدا، تجعل المتابع في حالة دهشة لهذا الإقدام المتهور،فكيف لحركة لا تمتلك أي نوع من أنواع القوى تتحرش بعدو شرس يمتلك كل مقومات التفوق الجوي والبري والتقني ووفرة السلاح، وكان التحرش بواسطة صواريخ لو تم إطلاقها كل دقيقة لما أحدثت أثرا يذكر سوى خلق مبرر دولي لدولة محتلة أن تصب جام غضبها على سكان عزل من كل شيء .ومع اقتراب زمنية انتهاء فترة حكومة حماس المنتخبة والتي تعطي رئيس الدولة الحق في إسقاط حركة حماس تماما من اخلال إجراء انتخابات جديدة لاختيار الحكومة، تحركت حماس للأمام للإبقاء على شرعيتها حتى لو أدى الأمر إلى تحفيز إسرائيل في شن غارة على غزة ..إذا لعبة البقاء على الكرسي الرئاسي هو الذي خلق مذبحة غزة، وهو المخطط الذي انقادت إليه حركة حماس بوعي أو بغير وعي.وفي مواجهات المسلمين مجتمعة وفي بقاع مختلفة من العالم (أفغانستان، الشيشان، العراق، الصومال) تكون المواجهة مع العدو ليست كما نسمع أنها تنطلق من أجل نصرة دين الله، انطلقت كل المواجهات وأريقت فيها دماء الأبرياء الغزيرة من أجل الحكم والسلطة، ولو كان الأمر لنصرة الله لما حدث الانشقاق والضرب من أسفل الحزام في كل الحروب التي حدثت تحت مسمى الجهاد، فالله ينصر من ينصره وهو وعد لا تكذيب له، وإنما التكذيب لمن لا يحقق نصر الشعار الذي يرفعه . وما لم يتحقق النصر فهناك غاية دنيوية لن يتحقق فيها النصر إلا بتوازي القوة وحتى دينيا لم يتم إعداد القوة التي يمكن لها ردع جيش غاشم .فليرحم الله تلك الأعداد التي ذهبت في مجزرة من أجل الكرسي الرئاسي .كما أنه ليس غريبا أن يفعل عدو شرس تلك المجزرة فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فالحرب طويلة جدا، لن تنتهي قريبا. والنصر سيأتي مع الجيش الذي لا يريد علوا في الأرض .[c1]* صحيفة (عكاظ)[/c]