استطلاع / صقر أبو حسن صنعاء القديمة, لا تختلف تفاصيل الإيقاع الحياتية فيها كثيراً عن بقية المدن العربية، ولكن لهذه المدينة خصائص خاصة بها وتمتاز بتفردها الجميل، صنعاء (المدينة) رائحة الماضي بكافة مفرداته تحمل الشيء الكثير، في أسواقها مروراً بأناسها وصولاً إلى منازلها العتيقة. إن أبرز ما يمكن الحديث عنه هو التغير الهائل في حياة الإنسان العادي في تلك المدينة البسيطة..عند المرور بأهم أسواق المدينة (الزمر) تشدك كلمات دارجة صبغت بنكهة صنعانية ذات مفهوم محدد، وينتابك الشعور بالألفة إذا كنت زائراً أما إذا كنت ساكناً فينتابك ذات الشعور بفرق زيادته عند الأول ومحدوديته عند الثاني ، رائحة البخور تتصاعد باستمرار في أزقتها وتصل إيقاعات الحياة في (أسواق صنعاء القديمة) ذروتها في بداية الساعات الأولى للصباح, ففي هذه الأسواق يمكن أن تبتاع كل شيء ابتداء من (البهارات) وانتهاء بالملابس.في سوق الزمر والذي يحتضن محلات كثيرة لبيع المشغولات الفضية والذهب والأقمشة بجانب الملابس والأحذية .. الحاج-عبد الله الروسي, جاء من قريته في مديرية “بلاد الروس”القريبة من العاصمة إلى هنا لكي يشترى حاجيات العروس ,قال انه يأتي إلى السوق كلما حان موعد عرس احد أبنائه لأن المتسوق يجد فيه كل ما يرغب به فهو يضم اغلب المحال التي تبيع مستلزمات العرس. مشيراً إلى أن”مطالب النساء كثيرة خاصة في العرس، قال ذلك مع ضحكة أنهى بها حديثه. غير سوق”الزمر”هناك ما يقارب 15 سوقاً متخصصة لبيع متطلبات المواطنين منها”البهارات والفضيات والمشغولات اليدوية والنحاس والتمر”وغيرها الكثير. المحلات الصغيرة تحتل أجزاء كبيرة من سوق المدينة وتشهد إقبالاً هائلاً من سكان المدينة بالإضافة إلى زوار السوق الدائمين من القرى المجاورة والسياح, لتمتد جزاء من الرصيف كنوع من الترويج كما يقول (عبد الرحمن المصنف) وهو شاب افترش جزءاً من الرصيف وعرض بضاعته”فخاريات”في سوق “الفخار”.مضيفاً:المحلات صغيرة ولكنها تحتوي أشياء كثيرة لذا نضطر لعرض جزء منها في باب المحل.لم يمض “عبد الرحمن”كثيرا في هذه السوق فهو ينتظر انتهاء إجراءات سفره للعمل في المملكة العربية السعودية .ويقول: في ما مضى كان إقبال الزبائن على الفخار كبيراً بينما اليوم بات الطلب محدوداً.وسط صرخات الباعة تدعوك للشراء، ابتعدنا عن هذه السوق ومازالت الصرخات تجد لها وقعاً في الآذان .. ابتعدت لأدخل سوق البهارات، ولهذه السوق رائحة عطرة مزيج بين البخور والبهارات تنبعث من المحلات المتراصة والمتعددة, وفي هذه السوق تباع “البهارات والبخور وأدوات التجميل والزينة وكل ما تحتاجه المرأة”. بدأ السوق اقل ازدحاما عن سابقه (النحاس), كان (محمد الاشموري) يقرأ صحيفة يمنية يومية, عندما توقف عن القراءة ليجيب عن أسئلتي,”هذه السوق قديمة جداً وأغلب الدكاكين - المحلات - الموجودة فيها ملك للأوقاف” , وأضاف بائع البهارات بالقول:لم يعد التقسيم للأسواق الموجودة في صنعاء القديمة كما كانت قبل بضع سنوات فقد تغيرت ملامحها وتداخلات فيما بينها. الأمر ذاته تحدث عنه جاره في سوق”السلب-الحبال” معيداً سبب ذلك إلى:توسع التجارة وعدم اهتمام الناس بالذهاب إلى الأسواق المتخصصة فقد يحتوي المحل الواحد أنواعاً متعددة من البضاعة. في أسواق مدينة صنعاء القديمة لا تزداد مساحة المحل عن عدة أمتار وقد نجد بعض المحلات لا يتعدى 2×2 متر ، ومع هذا يجد الزبائن كل ما يطلبون ، وكذلك الممر الذي يفصل المحلات لا يزيد على مترين في أجزاء من تلك الأسواق.“الفضيات لها رواج كبير وتجد لها طلباً كبيراً خاصة أثناء الأعراس والمناسبات” قال أحد بائعي الفضة.مشيراً إلى زبائنه من السياح الأجانب الذين يفضلون اقتناء مشغولات فضية للزينة على أنهم”أكثر تقديراً للعمل اليدوي من اليمنيين”. التجول هناك يشعرك بالكثير من المتعة والألفة ونسيك الزمن فالوقت يمر بسرعة وتتالى الساعات بدون شعور منك، كان الوقت يقارب العاشرة صباحاً عندما هممت بالخروج من السوق قاصداً ( سمسرة النحاس) عبر أزقة سوق العسوب”الخناجر اليمنية” دلفت إلى باحة السمسرة وهي تجمع لمحلات بيع “الفضة والذهب والازياء الشعبية”. بعد أن تجولت في “السمسرة” حملتني قدماي إلى سوق الأقمشة (البز) وهو السوق الذي يزدحم دائماً وفي كل الأوقات وسبب ذلك يعود إلى إقبال سكان القرى المحيطة على الشراء. “كل أنواع الأقمشة تجدها في هذا السوق وبكل إحجامها”يعلق صديقي”يحيى الضيقي”وهو صحفي يعمل محرراً في موقع “أخبار السعيدة الإخباري”ويسكن في احد أحياء صنعاء القديمة . المحلات هنا أكثر اتساعاً من محلات الأسواق الأخرى وأغلبها إن لم يكن كلها تعود ملكيتها إلى الأوقاف، كما أفادنا “علي البصير” ، أقدم بائع قماش في السوق إن لم يكن في المدينة، وقال:تتميز هذه السوق بأن فيها أقمشة قديمة وحديثة, وبأسعار تناسب الجميع, مبيناً ان تجار السوق يستوردونها من بلدان مختلفة منها”الصين والهند ودبي وتركيا وغيرها”. وأضاف الشيخ الستيني لـ(14اكتوبر): الإقبال الكبير على الشراء في موسم الحصاد حيث تزداد الأعراس والمناسبات. و(القبائل) - سكان القرى -يأتون للشراء من هذه السوق لعلاقة التجار الحسنة معهم وأسعار السوق المنافسة والمناسبة.واصلت سيري بعد أن شغل أحد الزبائن “الحاج علي” عن الحديث إلي .. كانت الأصوات متداخلة توحي بتسارع نبض الحياة .. وتدافع جموع الوافدين من زوار عرب وأجانب إلى هذا المكان يشعرك بقوة وصلابة أرادة البائعين ، فعلى الرغم من أنه نهار يوم حار إلا أنهم - واقفين - يلبون طلبات زبائنهم بصبر ، قل ما نجد له نظيراً في سوق حديثة .(طلب الرزق يشتي - يريد - العمل بجد) هذا ما علق به أحدهم عندما شاهدني مشدوداً إلى مشهد السوق وهو يزداد احتشاداً ...صنعاء مدينة جميلة وهادئة تطوقك بأجواء الرومانسية المعتدلة, لذلك يجدها الزائر على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها أبناؤها، مدينة تصنع الابتسامة على شفاه الناس، مدينة أثقلها تاريخها، مدينة ذات مزيج من العمل الجاد والإرث الحضاري الهائل وكذلك الطيبة والبساطة في حياة قاطنيها.
باب اليمن
بائعو البهارات
من منازل صنعاء القديمة