استطلاع/ نصر باغريب :عندما كان يلجأ الإنسان القديم لصيد الحيوانات البرية بوسائله البدائية كالرمح والقوس فان هدفه الأساسي كان الحاجة إلى تأمين الغذاء لضمان بقاءه حياً على المعمورة، وكانت فطرته البسيطة تدفعه إلى عدم الإفراط في الصيد للحفاظ على مصدر صيده والتوازن البيئي في الطبيعة من حوله، إلا أن ذلك تغير مع التطور التقني لوسائل الصيد وأصبح الهدف من صيد الحيوانات هو التسلية والمتعة الممقوتة والإيغال في الإكثار من عمليات الصيد ما أدى إلى انقراض الكثير من الحيوانات من على ظهر البسيطة، وخلال السنوات الأخيرة أدرك الإنسان مخاطر المبالغة في صيد الحيوان ووضع القوانين والتشريعات التي تحد من ذلك للحفاظ على الحيوانات التي تواجه الانقراض، وهو واجبا أملته ضرورات الحياة للحضارة الإنسانية والقيم الأخلاقية، إلا ان وقوع حيوان الوعل البري في بلادنا وتحديداً في حضرموت بين خطر استمرار عادات الصيد القديمة (القنيص) وتناقص مساحات بيئة الرعي والحماية جعله مهدداً بالانقراض، وأضحت مشاهدته في هضاب وجبال حضرموت حيث يوجد أمراً نادراً خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفعل استمرار عادات الصيد (القنيص) حتى الآن وان كانت قد شهدت تراجعا كبيراً خلال العشر السنوات الفارطة بفعل تنامي وعي السكان لمخاطر هذه العادة على البيئة البرية، غير ان لعادة القنيص التي تمارس في حضرموت والتي تدل المؤشرات على قرب اضمحلالها في قادم السنوات، لها تاريخ طويل وطقوس مميزة من الأهمية بمكان ان يطلع عليها القارئ الكريم كتراث له جذور ومن المهم معرفته، وسنسلط الضوء في هذا الاستطلاع على خلفياته التاريخية والدينية وطقوسه التي اندثرت أو التي سادت من القدم وحتى وقتنا الحاضر.[c1]الوعل في الحضارة اليمنية القديمة :[/c] تميزت حضارة جنوب الجزيرة العربية القديمة بالكثير من الإنجازات والشواهد الأثرية التي لاتزال تكتشف تباعاً لتدل بتنوعها واختلاف أشكالها وموادها، على تمتعها بممالكها ودياناتها وأسلوب حياة أبنائها، بالقدرة على مجاراة الحضارات العريقة الأخرى المعروفة في بلاد الرافدين ومصر وغيرها من حضارات الشرق الأدنى القديم. وكان لإنسانها القديم الإسهام الواسع الذي يعكس مقدرته وحنكته في تلبية رغبات وهموم الناس ومتطلبات الحياة الخاصة والعامة وكان الوعل كحيوان بري ذا مكانة هامة ليس لصفته الحيوانية كأفضل قربان للآلهة في معابدها وحسب وإنما لما يمثله بصفته الطبيعية إلى جانب شكل قرونه الملتوية كتدوير الهلال والقمر لذلك كان اهتمام فنان جنوب الجزيرة العربية القديم بشكل الوعل (بالنحت المستقل أو ذي الثلاثة أبعاد والبارز ذي البعدين والرسم المسطح والتصوير) كرمز ديني وفني وتتفرد اليمن بامتلاك أقدم أنواع الإنتاجات الفنية لحيوان الوعل عن غيرها من الحضارات القديمة.[c1]الوعل في اللغة والطبيعة :[/c]الوعل جمع أوعال ووعول ويقال له: الأروي جمع أروية ،وأنثاه: أروية أيضاً (جمع القلة): أراوي، وجمع الكثرة: أروى اسم جمع على غير قياس ويعرف بـ (ibex) والوعل هو تيس الجبل، أو الحيوان البري المعروف والمشهور بتأبده في الجبال، وتسنمه لعوالي القمم بل الأكثر علواً وحدة، حيث سميت الأوعال بالعصم لاعتصامها في الشواهق. وللوعل في حياة سكان جنوب الجزرة العربية القدماء ودياناتهم مكانة، ولها في نفوسهم ذكر، وذلك لثلاثة أسباب: أولها: أنه منذ عصور الممالك القديمة المبكرة في اليمن، وفي العصر السبئي المبكر، تأسس طقس ديني هو الصيد المقدس، وخاصة (صيد عثتر) الذي كانت تقام له شعائر موسمية، يتصدرها المكرب أو الملك السبئي وكبار القوم، وكان الوعل هو قوام هذا الطقس، وثانيها: أن سكان جنوب الجزيرة العربية القدماء اتخذوا من الوعل وخاصة من الفحل - قائد القطيع- رمزاً يجسد الإله عثتر إله المطر والخصب والإخصاب، وكان عثتر إلهاً عاماً لجميع أبناء جنوب الجزيرة العربية وليس له خصوصية، ولهذا كان له معابد في كل مكان، وكانوا يتقربون إليه في هذه المعابد بأصنام كثيرة على شكل الوعل، كما تعتبر اللوحات المنحوتة بزخارف أشكال الوعل من ابرز ما عثر عليها في المعابد من عناصر زخرفية، وخير مثال على ذلك معبد برآن في مأرب،وفي آثار عمان وحضرموت، ثالثاً: الكثرة العظيمة التي كانت لقطعان الأوعال في جميع أنحاء جنوب الجزيرة العربية وخاصة في المشارق، والمرابع الأولى للحضارات اليمنية القديمة، وفي نقش من شبام يتحدث صاحبه عن صيد وذبح عدد مائة وعل ليقدمها إلى إلهة الشمس لمناسبة دينية كقربان، وتكثر النقوش المماثلة لصيد وذبح الوعل مما يدلل على أهمية وتفضيل لحمه عن غيره من الحيوانات. والوعل شديد الحذر والانتباه ويحس بصياده في الجوار ويرقد على ظهره ويضع قرناه على الأرض وينحدر من أعلى الجبل إلى أسفله بهذه الطريقة فوق الصفاء أو الصخر الأملس حتى ينجو من الصياد. وينتقل الوعل في قطعان وهذه القطعان تشكل مجموعات صغيرة أو أسرية أصغر، ويغلب اللون البني عليها، ومن طبيعة قرناها أنها جوفاء وليست مصمتة وتتسلح بها للدفاع عن نفسها أو الهجوم وقرونها تنمو باستمرار ولا تتساقط وفيها ما يشبه العقد كل عقدة تنمو كل سنة أما خلافها من قرون الأيائل.. فهي مصمتة وتسقط بعد مضي عام ثم تنمو من جديد خلال عام آخر. وقد اتخذت قرون الوعل المنحوتة بمفردها كنذور ولايزال الوعل يحتل مكانة خاصة لدى الكثيرين إذ لا تزال في حضرموت حتى يومنا هذا تقام مواسم لصيد الوعول كعادة ترفض الاندثار مع تقادم الزمن، وكمتعة وترفيه يسعى الجميع للانغماس فيه، وتقام الاحتفالات لصيد الوعل به سنويا مع رفع قرونها عالياً بأيدي أشخاص يقومون بالرقص والغناء، فيما لا تزال قرون الوعل تتخذ زينة على أركان المنازل حتى الآن. [c1]القناصة والصيد في حضرموت :[/c] تعرف القناصة للوعول في حضرموت بالصيد وكانت قديماً تهدف إلى الحصول على الغذاء من لحومها والاستفادة من جلودها وقرونها لاستخدامات مختلفة، ويعد القنيص من العادات والتقاليد التي توارثها الأبناء من الأجداد، فالقناصة هي الذهاب إلى أماكن تواجد الوعول وغالبا ماتكون في الجبال والسهول وأحيانا في الصحاري الواسعة البعيدة، فعند الذهاب إلى القناصة التي تعد رمزاً للشجاعة والرجولة والصبر وتحمل المشاق فلابد ان تتوفر الأدوات اللازمة لهذه الرحلة منها السلاح والشباك والملبس والزاد ، فـللملبس ألوانه الخاصة ودائما تكون ألوانه قريبه من لون التراب، أما الأحذية فتكون لاتصدر صوتا أثناء المشي بها ، هذه هي أدوات رحلة القناصة وقد تستغرق هذه الرحلة إلى الصيد من أسبوع إلى أسبوعين باحثين عن صيدهم في كل مكان يوجد فيه، ولايشترط عدد الذاهبين إلى هذه القناصة مهما كان عددهم فهم يوزعون أنفسهم على شكل مجموعات مقسمة صغيرة لخفة التنقل وانخفاض حركة مشيهم ، فيتبادلون الأخبار فيما بينهم بالشفرات المتعارف عليها بينهم والبسيطة كالصفير ورمي الحجر الصغير وتقليد بعض أصوات الحيوانات ولكل حركة أو شفرة معنى يعرفه الجميع، فعندما يصطادون صيدهم من الوعول يعودون إلى مناطقهم حاملين رؤوس ماصطادوه من صيد في هذه القناصة وهذه الرحلة مبتهجين ومسرورين ينشدون ويغنون بعض القصائد إضافة إلى استخدام السلاح الحي وطلق أعيرة نارية في الهوى ابتهاجا بهذا الصيد، فلرحلة القناصة والصيد جوا خاصا من الابتهاج والمتعة والفخر معروف في تراثنا العريق، بدءاً من المشي بين الجبال الخلابة والاستيقاظ فجراً لترتيب المجموعات وتحديد قائد لكل مجموعه والالتزام بتعليماته بشدة، وتحديد الأماكن والتعرف عليها والسمر في الليل ووجبات الطعام الجماعية والمميزة المطهوة بالحطب وشرب القهوة والشاي في الهواء الطلق. [c1]طريقة القنيص للوعول :[/c] تحاول كل منطقة في حضرموت الوادي ان تتميز بشيء من التفصيل أو الاختلاف عن جارتها في عادة صيد الوعول إلا أنها تتشابه في معظم العادات والوسائل في تلكم العملية، فثمة أربعة أصناف من المشاركين في عملية الصيد: مطاردو الطريدة، وحملة البنادق المختبئون، وكرجال المختبئون في كمين بالهراوات والخناجر، وحملة الشباك المنصوبة. ويقوم الرجال الآخرون بأخذ مواقعهم خلف الشبكة بسكاكينهم، حيث يقف واحد أو أكثر في كل ركن حسب عدد الأشخاص المشاركين في العملية، ويقوم عشرة رجال مثيرين من فريق الصيد المكون من ثلاثين شخصا بالبحث عن الوعل حيث يوجهونه هبوطا إلى الوادي، وما ان يصل الوعل إلى الوادي فإنه إما ان يطلق النار عليه حملة البنادق المختبئون خلف الصخور أو انه يقع في الشباك المنصوبة، وفي اللحظة التي تقع فيها الضحية في الشبكة فإن الرجال المسئولين عن الشبكة يرمون عليه بقية الشبكة حتى يصعب عليه الخروج منها، ثم يأتي المثيرون ويطوقون الوعل من كل جانب. وعلى الرغم من ان الصيادين يستخدمون ثلاث أو أربع شباك في الصيد لليوم الواحد إلا ان بعض حيوانات الوعل تستطيع ان تفلت منها إلى الجبال الآمنة، وقد جرت العادة ان تصنع الشباك من الحبال بعرض قامة الإنسان ويتراوح طولها بين ثمانية عشر إلى عشرين ذراعا. وفي قرية عينات القريبة من مدينة تريم يتم صنع الشباك من صوف الماعز الأسود. وحينما تجهز الشبكة للصيد تسندها أوتاد من أطراف النخيل مغروزة في الأرض كالسواري، ويبلغ طول الأوتاد حوالي قامتين. وتعد السواري في كل جانب من نهاية الشبكة فيما توجد اثنتان أو ثلاثة في الوسط. وجرت العادة ان تستخدم ثلاث أو أربع شباك في الصيد في اليوم الواحد، وما ان يقع الوعل في الشبكة، فإنه ما يلبث ان يلاقي حتفه جراء طعنات الخناجر على أيدي الصيادين.ومن طرق الصيد أيضاً أن قائد فريق القنيص يأمر كل فرد في الفريق ان يتناول عمودا (والذي يمثل شبكة) إلى طريق أو واد في موقع الصيد الجبلي. ويعد أصحاب الشباك شباكهم في الطرق عن طريق غرز خطافات حديدية في صدوع الصخور ويستخدمون خطافا حديديا لكل جانب من جوانب الشبكة ويضعون الأعمدة في فواصل محددة في الشبكة ويستخدم الشبكة الواحدة خمسة أو ستة أشخاص، ثم ينتشر حملة البنادق والمطاردون لكنهم لا يصعدون للجبال في الدروب التي يستخدمها رجال الشباك، وعادة ما يأخذ حملة البنادق مواقعهم في قمم جبال شبيهة بالنجود، حيث يكمن كل منهم خلف كوم من الحجارة أقيم خصيصا لإخفائه عن الوعل الجفول. أما المثيرون فيبلغ عددهم عادة خمسة عشر شخصا أو يزيد، وهم يمسحون المنطقة ويدفعون الطريدة باتجاه حملة البنادق المختبئين في قمة الوادي أو في الطريق والشباك في الأسفل، ويطلق حملة البنادق النار على الوعل حينما يقترب منهم. ويتم دفع الوعل الذي أخطأه رصاص البنادق في نهاية المطاف ناحية الشباك حتى يوقعوه داخلها. [c1]استخدام الكلاب في القنيص :[/c]كما تستخدم الكلاب في صيد الوعل إضافة للوسائل السابقة الذكر، وتشتهر قرية عينات القريبة من مدينة تريم بسلالة كلاب الصيد الجيدة التي تربى فيها، حيث تغذى الكلاب تغذية جيدة باللحم والتمر والخبز وغيره ويتم غسلها بطريقة دقيقة لتبقى نظيفة، وتتلقى هذه الكلاب عناية فائقة فهي كلاب صيد ممتازة، وتعين أصحابها في عمليات الصيد، ويدعي سكان عينات ان فصيلة الكلاب هذه تتميز عن الكلاب المتعددة الألوان التقليدية في البلاد وعن فصيلة الكلاب السلوقية الشهيرة، وحينما يصل الرجل وكلابه إلى منطقة الصيد فان الرجل يقول للكلب "إستكبر" (أي انتق أكبر الوعول) فتهب الكلاب هازة ذيولها، وتهاجم الطريدة، ثم تسيطر عليها من خصيتيها وهكذا تمسك بها إلى ان يصل الصياد.[c1]أسلحة صيد الوعول :[/c]قبل ظهور البنادق الآلية كان يتم صيد الوعل من خلال تصويب النبال والرماح عليه ونصب الكمائن له في أماكن يصعب فراره منها، كما تستخدم الخناجر عند الاقتراب من الوعل، وتطور الأمر بعد ظهور الأسلحة النارية التي أضحت السلاح الرئيسي في عملية القنيص لصيد الوعل ويتم اصطياده عند العثور عليه مصادفة في طريق أو غيره، ويتم ذلك بإطلاق النار عليه من كمين باستخدام البنادق فقط، أو باستخدام الشباك والبنادق معاً. والأسلحة النارية تستحق الذكر عند الحديث عن صيد الوعل في كل من مناطق حضرموت، فقد دخلت الأسلحة النارية إلى جنوب شبه الجزيرة العربية في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ، وحلت تدريجيا محل القوس والسهم في المعارك وفي الصيد، ومن المسلم به ان القوس والسهم كانا عنصرين حاسمين في الصيد التقليدي للوعل قبل ظهور الأسلحة النارية في جنوب الجزيرة العربية،وتطورت القناصة بالأسلحة النارية القديمة مثل: أبو فتيلة والميزر والبلابيك والعيلمان، وصولاً إلى الآلي الكلاشنكوف والكايد..الخ، ونجم عن استخدام الأسلحة النارية عوضا عن السهام والنبال التقليدية كما كان سائداً ابان الصيد القديم إلى ارتكاب مذابح كبيرة بحق الوعول وخاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مما أدى على تناقص أعدادها بشكل غير طبيعي، مما جعل تواجدها في بيئتها الطبيعية على هضاب وسهول حضرموت في السنوات الأخيرة نادراً، ورغم ذلك فان البعض مازال يتربص بتلك الوعول القليلة حتى الآن دون مراعاة لخطر انقراضها.[c1]الاحتفالات بعد العودة من رحلة القنيص :[/c]إذا ظفر القنيص بصيد وافر من الوعول فان رؤوس الوعول تسلم إلى "مقدم القنيص" أو "أبو القنيص" عهده لديه لايفرط فيها إطلاقاً ويقوم بالاحتفاظ بها مع متاعه الخاص ويحرص عليها كحرصه على عينه، ويتولى حراستها ليلاً ونهاراً خشية عليها من السرقة بهدف التنكيد والمزحة الثقيلة ولايتم إظهارها حتى تبدأ طقوس حفل الزف التقليدي، كما يقوم شخص صاحب خبرة كبيرة باستخراج المخ واللسان من رأس الوعل ويتم وضع مادة الشنان فيه حتى لايتعفن وتصبغ قرونه بمادة النيل الأسود لكي تظهر أكثر لامعاناً.وتتنافس عدة مناطق عند عودة فرق القنيص في مراسم الاستقبال والزف كمناطق دمون وعينات ومدوده، ففي مدوده تتواصل احتفالات الزف لمدة يومين متتالين إذ تتحول شوارعها وساحاتها إلى أسواق شعبيه للباعة المتجولين فيفترشون الأرض لغرض البيع لاستغلال تواجد الناس من كل القرى والمناطق المحيطة بقرية مدوده لحضور ومشاهدة الزف، وتتحول المنطقة إلى مهرجان ترفيهي تجاري كبير يستفيذ الجميع من فوائدة. والزف هو إقامة حفل لرؤوس الاوعال وتقام الاحتفالات لإعلان انتصارهم على هذا الحيوان والتمكن منه لذا يتم الاحتفال بالتلويح بهذه الرؤوس مصاحبة بمظاهر الفرح والبهجة التي تعم الجميع، وتأتي كلمة زف من الزفاف وزف العروس والعريس. وينظم رجال القنيص في صفوف متراصة لايزيد الصف الواحد عن 15 عشر شخصاً ولايقل عن 10 أشخاص ويتصدرهم منصب القنيص ومن حولهم أعضاء لجنة القنيض أيضاً، فيدخلون المنطقة في مدخل بهيج وعلى جوانب الطرقات يقف الرجال والأطفال والنساء اللاتي يطلقن الزغاريد فيدخل القنيص بالزوامل ويتوجهون إلى منزل مقدم القنيص حيث يتم وضع الزواد وماتبقى منه في بيته. وتعيش منطقة مدودة في هذه الليلة أجواء من مظاهر الفرحة التي تغمر نفوس الجميع ويبدأ الجميع بالتحضير لاحتفالات الزف التقليدي الذي يقام مساء اليوم نفسه، فبعد صلاة العشاء يجتمع رجال القنيص والأهالي أمام ساحة المقدم وينطلقون في صفوف بالعدة الشبواني، وتبدأ فقرات السمر بإلقاء القصائد والتي غالباً ماتكون القصائد فيها الكثير من المدح لمقدم القنيص ورجاله ومن صاد الوعول ومن اظهر براعته في التصويب للوعول كما يعرج الشعراء على بعض المواضيع السياسية والهامة التي تدور في تلك اللحظة ثم تقام رقصة بني مغراة ثم يدخل إلى الساحة بعض الرجال وهم يحملون رؤوس الوعول مغطاة وخلفهم المباخر تفوح منها رائحة اللبان والعود في منظر أشبه بزفة للعريس ويزف الموكب إلى وسط الساحة ويتم التلويح برؤوس الوعول كدلالة على المهارة في الصيد والشجاعة على إيقاعات الطبول وسط زغاريد النساء وبعض الطلقات النارية من مختلف الأسلحة النارية الشخصية القديمة والحديثة الطراز ويتم الكشف عن رؤوس الوعول المصطادة أمام أعين الناس وسط الساحة. ثم تتواصل فقرات الحفل وتقوم مجموعة من الشبان بأداء ادوار تمثيلية قصيرة من فصل واحد ويدور الحوار في المشهد عن القنيص وأخباره ويرتدي الممثلون لباساً خاصاً ذو الطابع العربي البدوي غالباً.[c1]سجال الشعراء ومدح القنيص والقناصة :[/c]تم تبدأ مراسم الطقوس التقليدية لليوم الثاني الذي يحدد بيوم الجمعة ويخرج المقدم ومعه مجموعه من الرجال وهم يحملون رأس الوعل أو عدد من رؤوس الوعول إلى الساحة الخاصة بالاحتفال ويقوم بعض الفتيان بوضع الحناء على رأس الوعل ويتم حمل رأس الوعل إلى الساحة العامة ويتبارى الشعراء في مساجلاتهم بمدح القنيص والقناصة وتقام الرقصات الشعبية والشرح. كما تقام وسط الساحة مشاهد أخرى تمثيلية تقوم مجموعة من الرجال بأداء ادوار عن كيفية قنص الوعل ويقوم شخص بحمل رأس الوعل ويقلد الوعل في حركته كما يقوم القناصة بأداء مشهد القنص والجري خلف الوعل حتى يتم الإمساك به وذالك أمام أعين الناس في مشهد تمثيلي يوضحون للناس كيف تم الإمساك بالوعل. [c1]الفقرة الأخيرة ومشهد تسلق الجبال :[/c] يتحرك الحفل في مرزحه إلى بيت المنصب في قرية طيوره شرق مدوده للسلام عليه وتقام أمام ساحة بيته رقصة بني مغراه ثم يعود الموكب إلى مدوده للساحة المعدة للاحتفال وتقام المساجلات الشعرية وتقام أيضا مشاهد تمثيلية عن كيفية تسلق الجبال وذالك بشرح كيفية تسلق الجبال للوصول إلى الاوعال وغالباً مايكون المشهد ان يقوم شخص يتسلق جدار احد البيوت القريبة من ساحة العرض ومشاهد أخرى عن مطاردات الوعل وكيفية صيده . بعد الانتهاء من المشاهد التمثيلية يقوم موكب الزف بالدوران على بيت الشيخ باحميد متجهاً إلى بيت المقدم قبل غروب شمس يوم الجمعة ويقوم مقدم القنيص بتسلم الرأس ( القشعه ) لمن كان له نصيب الحمالة في صيد الوعل أما إذا كان تم الإمساك بالوعل عن طريق الشباك فيتم تسليم رأس الوعل إلى لمقدم القبيلة أو الشخص العاقل فيهم فيتصرف فيه كما يشاء. وبهذا تنتهي طقوس القنيص والزف التقليدي في مدوده بهذا الشكل وهي لاتختلف كثيراً عن بقية مناطق حضرموت، وحالياً يذهب أهالي حضرموت الوادي إلى القناصة عادة بعد سقوط الأمطار التي تهطل على وديان وشعاب حضرموت حيث تكون المراعي خصبة وتكثر الاوعال في الجبال عقب هطول الأمطار ومما يجذر ذكره هنا ان حفلة الزف لاتقام لأولئك الذين لا يضفرون بأي صيد من الوعول ويعودون خائبين بل يصل الأمر بهم ان يتواروا عن الناس خجلاً لفترة من الزمن حتى يتجنبوا الشماتة منهم والتقليل من شأنهم ومن قدراتهم ومهاراتهم في القنيص، غير ان خذلان القناص يعود بفائدة للبيئة ولحياة البرية ونجاة وعل ما من الهلاك..
قنص الوعول في حضرموت.. عادة سادت فهل بادت ؟
أخبار متعلقة