نور الهدى الغوليبينما كان الفيلسوف نيتشه يسير ذات يوم ، صادفته في الطريق عجوز تطلب منه حديثا عن المرأة وهو المقلّ في هذا الجانب؛ فأفهمها عبر حديث قصير أنّ الرجل في الحياة يطلب شيئين هما المخاطرة واللعب، وهذا ما يدعو، بنظره، إلى طلب المرأة كونها "أخطر الألعاب.."؟ صمتت العجوز قليلا لتقول له،وهي المرأة، "الآن أصغ لي.. فإني سأعلن لك عن حقيقة صغيرة: 'إذا ما ذهبت للنساء، فلا تنس السوط'"أدرك تماما أنّ الكثيرين يحملون معهم هذا السوط دائما، رغم أنّهم لم يقرؤوا لنيتشه.. وما سمعوا به أصلا، لكن تجذر "فعل العنف" ضدّ المرأة، خاصة في تصرفاتهم، يعدّ حقيقة لا يمكن نكرانها، ويصعب في الأساس تفسيرها.. فعوامل هذه الظاهرة أكثر وأوسع من أن تحدّد في سبب أو سببين واضحين..لا يختلف حال المرأة في الدول العربية المنفتحة عنها في الدول المحافظة ، وقد يكون حال هذه "القوارير" افضل حالا من دول أخرى تمنع التحرك الحرّ الفرديّ للمرأة وتمنعها من ممارسة حقّها في الانتخاب، بل وحتى قيادة السيارة!حين نلتفت إلى الهامش "الجميل" المبطن الممنوح للمرأة العربية نشعر تلقائيا ببعض التفاؤل اذ نضع في قائمة الرصيد "التحرري" سيدات مرشحات لهذا المنصب او ذاك في مختلف هيئات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وبشعبية لا بأس بها عبر انتخابات حرة ، كما نجد في هذا البلد او ذاك الوزيرة ووكيلة الوزارة والمديرة والطبيبة والمهندسة التي يقول عنها البعض أنّها "حققت ما لم يستطع الرجال إليه سبيلا".. ونجد عدداً من المناصب تشغلها المرأة، ..
والمسف في هوامش الكلام عن المرأة ، وسيرة المرأة دائما ، هو تلك المزايدات التي ترتفع وتنخفض في بورصة الدفاع عن المرأة العربية، كأن تعلوا الأصوات المنددة بمثل هذه "الوصاية الشكلية" (الوليّ) فيما يغض الكثيرون الطرف على "أسوأ" مشكلة يمكن أن تواجهها المرأة في مجتمع محافظ "خجول" يفرض الصمت والإذعان في ردود فعل نسائه، تحت خانة الفضائح و" التابوهات ".. فاستشرت ظاهرة العنف اللفظي والجسدي ضد المرأة مع التكتّم عليها..حين يتم عقد ندوة او حلقة نقاش حول هكذا ظواهر متفشية ، فان الغائب الأكبر في مثل هذه الحلقة هو الإحصائيات الدقيقة عن مثل هذه التجاوزات بسبب الصمت الذي تختاره أو تجبر عليه النساء كشرنقة تختبئ فيها بحكم الخوف من التفاعلات، أو بسبب الخجل وأحيانا اللامبالاة. فقد تتعرض المرأة إلى الضرب والشتم والتعنيف من قبل الرجل زوجا أو أخا.. لكنّها تطوي صفحة الاعتداء وكأنّ شيئا لم يكن.. فهي طبعا لا تفكر في فضح "الجاني" ولا في تضخيم " قصة بسيطة " كالاعتداء.يمكن لأيّ عاقل راشد أن يتخيّل الأثر السلبي الذي يتركه العنف في النفس البشرية، وستتضاعف تلقائيا كارثية الوضع إذا ما تصورنا المدار الذي تحوم فيه العائلة وما سيحفظه الأطفال من صور ومشاهد "جارحة"؛ وأي نزعات عنيفة ستطبع لا إراديا في أنفسهم الناشئة، خاصة وأن منافذ هذا العنف صارت كثيرة جدا وأصعب من أن تعدّ أو تعدد في قائمة؛ فسمها ينفذ عبر: الاغتصاب، جرائم الشرف، الضرب، الشتم، العنف العائلي ، الاعتداء ، التحرش الجنسي ، الزواج الإجباري والختان وغيرها من المظالم التي تقترف ضد المرأة العربية .. أما باقي الحالات فالوضع لا يسكت عليه.كل هذه الاساليب البشعة ستؤدي إلى يافطة واحدة " العنف ضد المرأة " ونلحظها في المدن والأرياف على حد سواء ، حيث لايزال الرجل يمارس سلطة اكبر مما يحق له بسبب ذهنية ذكورية بائدة تمنحه الكثير من التصورات الوهمية بالعظمة والقوة بإستقوائه على المرأة.. ومع هذه التجاوزات المشينة يبرز بوضوح ما تعانيه النساء من ألآم جسدية وحالات نفسية فظيعة تطالها كالاكتئاب، القلق، التوتر، نوبات هستيرية تصل إلى الانتحار.. في سبيل وضع حدّ نهائي للمأساة، عوض حل آخر أسهل، لكنّه كارثيّ بالنسبة لها وللعائلةفي مرّات كثيرة وعبر دراسات مختلفة تم تقديم عدد من التفسيرات لهذا العنف الذي يمارسه الرجال ضد النساء، وقد صبّت معظم التفسيرات في خانة "تأكيد الرجولة". فغالبا ما يكون التصرف ناجماً عن الإذلال والإحساس بالفوقية من الجانب الآخر، وعليه فان هذا الخلل بين مفهوم (الذكورة والرجولة) سيخلق خلطا أفظع على مستوى معادلة " الأنوثة والذكورة " وستظل الذهنية "الديكتاتورية " سائدة ما لم يدرك "المعنِّّف" أنّه أضعف ما يكون حين يضرب امرأة ويلحق بها الأذى .يبقى القول ما كان حريا بي أن أبدأ بما قاله نيتشه فمقولة " فيلسوف القوة " للأسف قد تجعل البعض يؤكدّها همسا وعلنا كشعار فاضح " لا تذهب إلى المرأة إلا ومعك السوط " عوضا على أن تكون وردة مثلا أو قارورة عطر.. أو حتى دمية، قد يجاهرون بتلك المقولة مع أّنهم يحفظون عن ظهر قلب ما قاله الرسول الكريم "رفقا بالقوارير"..هناك الكثيرون من ينامون على غيظ زوجاتهم، بناتهم، شقيقاتهم، صديقاتهم وينهضون ليلقمونهنّ "علقات ساخنة".. هم لا يدركون مدى لؤمهم، ولن يصل أبدا إلى امتياز النبلاء بإكرام المرأة ما دام السوط في لسانهم وبين أيديهم.. فطبعا "ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلاّ لئيم.. ".