إعداد/ المحرر السكاني :أخذت المداولات الدولية الأخيرة حول السياسة السكانية تقلل من شأن النمو السكاني العالمي على الرغم من أن السكان ما يزالون يتزايدون بسرعة في عدة أجزاء من العالم ولقد انبثقت السياسات السكانية المبكرة أساسا المخاوف القائلة أن النمو السكاني السر يع سيعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وكانت هذه المخاوف قد ظهرت خلال فترة من النمو السكاني غير المسبوق الذي بدأ في الخمسينيات في الدول الأقل نمواً وولد ما اصطلح عليه (الانفجار السكاني).ففي مثل هذه الدول أسهم توفر الرعاية الصحية الحديثة وتحسن التغذية وتوسع شبكات النقل وغيرها من العوامل الأخرى في حصول انخفاضات سريعة في الوفيات، بينما ظلت الخصوبة مرتفعة نسبياً وبما أن أعداد المواليد تفوقت على أعداد الوفيات بأرقام كبيرة ارتفع عدد سكان الدول الأقل نمواً من 1.7 مليار نسمة عام 1950م إلى 4.9 مليار نسمة عام 2000م بينما ازداد عدد سكان الدول المتقدمة من 0.8 ثمانمائة مليون نسمة ال 1.2 مليار نسمة خلال الفترة نفسه.وبينما يتوقع أن ينخفض قليلا مجموع سكان الدول المتقدمة بحلول العام 2050م فإن مجموع سكان الدولة الأقل نموا مازال في ارتفاع ويتوقع له أن يتجاوز 8 مليارات نسمة عام 2050م وسوف يرتفع عدد سكان العالم من 6مليارات عام 2000 إل 9 مليارات عام 2050م.لقد بلغ معدل النمو في سكان العالم ذروته في العقد السادس من القرن الماضي ثم بدأ بانخفاض بطيء بعد ذلك بسبب انخفاض الخصوبة في عدد من أقاليم العالم وفيما عقدي الستينيات والسبعينيات عزز التقدم الاجتماعي والاقتصادي الفكرة القائلة أن الأزواج يمكنهم تحديد حجم أسرهم وأن الأسر الأصغر أفضل كما شجع التوسع في التعليم وفرص العمل بين الإناث على تأخير الزواج وإنجاب الأطفال وبالتالي إبطاء سرعة النمو السكاني في حين أسهمت السياسات السكانية وبرامج تنظيم الأسرة بدور هام في انخفاض الخصوبة على نطاق واسع إذ غززت تلك البرامج فرصة الأزواج للحصول على موانع الحمل بشكل أكبر ومكنتهم من التحكم في توقيت إنجابهم بصورة أكثر فعالية من ذي قبل.وشهدت بعض دول شرق وجنوب شرق أسيا وأمريكا اللاتينية تنمية اقتصادية كبيرة خلال تلك الفترة وأطلقت حكومات بعض الدول الكبيرة بما فيها الصين واندونيسيا وتايلند والمكسيك – سياسات صريحة لخفض النمو السكاني عن طريق تشجيع الأسر الأصغر حجما ولذا انخفضت الخصوبة بسرعة في العديد من هذه الدول وأدي الانخفاض الملحوظ في الخصوبة في بعض دول آسيا وأمريكا اللاتينية وفي الدول المتقدمة أيضا بعض المراقبين إلى أن يعلنوا أن (الانفجار السكاني) قد انتهي ولكن يوجد هناك عالمان:- الأول يتميز بخصوبة متدنية ومتناقصة مع تقدم التنمية الاقتصادية والثاني مازالت الخصوبة فيه مرتفعة ومعظم سكانه يرزحون تحت طائلة الفقر.ففي الولايات المتحدة الأمريكية يكون للزوجين طفلين في المتوسط وهو العدد اللازم لتعويض الزوجين فقط ولتجنب النمو السكاني على المدى البعيد وفي معظم المجتمعات الصناعية حاليا يكون للزوجين أقل من طفلين وبعضها يسير نحو تناقص في عدد السكان وفي بعض الدول الاقل نموا والاكبر كالصين وكوريا الجنوبية وتايلند والبرازيل مثلا- أصبحت معدلات الخصوبة قريبة من طفلين في المتوسط أو أقل منه ولذا قامت الامم المتحدة خلال التسعينيات بمراجعة إسقاطات النمو السكان وفي ذلك بتخفيضها مرتين لتأخذ بالحسبان الانخفاض السريع غير المتوقع في الخصوبة في عدة أقاليم من العالم وأسهم هذا الانخفاض في النمو السكاني إلى ظهور مقالات تحمل عناوين مثل (أصبح عدد الأطفال القليل جدا مصدر قلق أكبر في العديد من الدول- ليست كلها دولاً غنية – من عدد الأطفال الكبير جداً.إن هذه النظرة تتجاهل العالم الثاني من السكان الذي يضم دول أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وغيرها حيث مازالت الخصوبة والوفيات مرتفعة نسبياً كما أنها تتغاضى عن تأثير القوة الدافعة للسكان فالعقود من النمو السكاني السريع تعني أن هناك اليوم أعدادا من الشباب والشابات في سن الإنجاب أكثر من ذي قبل ويقف وراء هم جيل كبير أخر من الأطفال الذين سيدخلون سن الإنجاب في العقد القادم ويولد هذا الجيل الضخم من صغار السن قوة دافعة لاستمرار النمو السكاني خلال القرن 21 على الرغم من ميل الأزواج لإنجاب عدد أقل من الأطفال أقل من الأجيال السابقة.لقد وصل عدد سكان العالم إلى 6 مليارات نسمة عام 1999م ويمكن أن يتجاوز 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050م بافتراض أن معدل حجم الأسرة سينخفض من 2.8 طفل للمرأة اليوم ال 2.1 طفل عام 2050م وعادة يتوقف السكان عن التزايد عندما تنخفض الخصوبة إلى طفلين في المتوسط على نطاق العالم (خصوبة مستوى الإحلال) حيث يتساوى عدد المواليد مع عدد الوفيات وتكون النتيجة استقرار في حجم السكان إلا أن بلوغ خصوبة عدد مستوى الإحلال سوف يتطلب الحصول على تنظيم الأسرة على نطاق واسع وحصول تحولات اجتماعية رئيسية في بعض الدول.وفي الأقاليم الأشد فقراً تنجب المرأة 5-6 أطفال في المتوسط ففي الهند ثاني أكثر دول العالم أنخفت الخصوبة كثيراً خلال العقود الماضية إلا أنها مازالت فوق مستوى الإحلال وعند مستوى 3.2 طفل للزوجين وحتى بعد بلوغ الدول خصوبة مستوى الإحلال فإن القوة الدافعة للسكان تتضمن استمرار النمو السكاني في المستقبل ففي الصين بلغ المتوسط طفلين أو أقل لمدة عقد من الزمن ورغم ذلك عملت القوة الدافعة للسكان المترتبة على التركيب العمري على بقاء عدد المواليد متفوقا على عدد الوفيات بمقدار 11 مليون في كل سنة من سنوات عقد التسعينيات ووفقا لمستويات الخصوبة الحالية سيستمر سكان الصين بالنمو حتى حوالي عام 2030م حسب إسقاطات الأمم المتحدة وعندما تتناوب التقارير الإعلامية بين مصطلحي (الانفجار السكاني) و(ندرة المواليد) يختلط الأمر على العامة ويتشكك واضعوا السياسات في الحاجة إلى سياسات وبرامج سكانية ولذا وضعت المؤتمرات الأخيرة للأمم المتحدة جانباً موضوع النمو السكاني السريع (القوة الدافعة للسكان) وعرضت الأمر عوضا عن ذلك في صورة تعزيز صحة الفرد ورفاهة. إن السؤال الذي مازال يراوح مكانة هو: هل سيقوم واضعي السياسات بتوظيف ما يلزم من موارد لتحسين صحة الفرد ورفاهته سواء أشعر بوجود أزمة سكانية أم لا؟.
هل لا يزال العالم يشهد انفجاراً سكانياً؟!
أخبار متعلقة