الحرب على لبنان
إسرائيل لاتستجيب لأي نداء لوقف إطلاق النار. ومجلس الأمن يخفق في الوصول إلى قرار كهذا، وفي اتخاذ قرار يدين اسرائيل بقصف قواتها لمقرات قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان والتابعة للأمم المتحدة وقتل أربعة عسكريين بينهم ضابط. نعم، إسرائيل تقتل اللبنانيين فلا تدان في الأمم المتحدة رسمياً لكنها مدانة بالإجماع في لبنان. وفي كل دول العالم تقريباً. وإسرائيل تقتل الفلسطينيين فلا تدان في الأمم المتحدة، لكنها مدانة بالإجماع في فلسطين وفي كل دول العالم تقريباً. لكن، إسرائيل تقتل عناصر من قوات الأمم المتحدة، فتدان في كل دول العالم تقريباً أيضاً لكنها لا تدان في المنظمة الدولية التي وقع الاعتداء عليها! السبب في كل ذلك واحد: موقف الولايات المتحدة الأميركية الراعي والحامي والداعم بشكل مطلق لإسرائيل. وهذا الموقف الثابت هو أحد أبرز أسباب العنف والتوتر في المنطقة والعالم وأحد أبرز عناصر نمو "الإرهاب" إذا استخدمت المصطلح الأميركي، وتدمير الحريات والديمقراطية في كل مكان وهي العنوان الكلاسيكي للسياسة الأميركية في العالم وخصوصاً في منطقتنا. لماذا إذاً يوقف ايهود أولمرت حربه ضد لبنان ما دام يحظى بهذا الدعم الأميركي الذي فرض نفسه بطريقة أو بأخرى على العالم؟ ففي قمة الثماني في سان بطرسبرغ صدر موقف يعطي لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها ووضع رزنامة تلائم الموقف الاسرائيلي إنْ لجهة الأولويات أو لجهة المضمون. وذلك بعد أن كان عدد من الدول المشاركة في القمة قد أعلن قبل انعقادها أن الحرب غير متكافئة وغير متوازنة وأن على اسرائيل أن توقف اطلاق النار وتدمير البنى التحتية واستهداف المدنيين في لبنان. وفي الزيارات المكوكية التي قامت بها وفود رسمية من الأمم المتحدة أو لممثلي عدد من الدول الكبرى إلى المنطقة وخصوصاً زيارة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية كان الموقف الاسرائيلي واحداً: لا وقف لاطلاق النار. ووعد بعض الوفود المسؤولين اللبنانيين أثناء اللقاء بهم في بيروت بالعودة من تل أبيب إلى العاصمة اللبنانية لاستكمال المشاورات، لكن هؤلاء غادروا إسرائيل على وجه السرعة لأن كل الأبواب سدّت في وجوههم هناك. منذ بداية الحرب قلت: إنه امتحان "الصفر" أو "العشرين". ليس ثمة حل وسط. ولن يكون ثمة علامات استلحاق لأي طرف من الطرفين وفي الواقع بدأنا نعيش هذه الحالة التي تحكم كل المشاورات الجارية لتحقيق اختراق ما أو لوقف اطلاق نار شامل وفوري. فنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية شيمون بيريز قال: "هذه الحرب بالنسبة إلى إسرائيل هي حياة أو موت". وايهود أولمرت أبلغ معظم الموفدين الدوليين الذين التقاهم أنه:- ليس مستعجلاً لإطلاق سراح الأسيرين الإسرائيليين (ورايس لم تأت على ذكرهما في لبنان إلا في نهاية محادثاتها مع أحد المسؤولين). وإنه لن يوقف الحرب إلا بعد تكسير "حزب الله" ويستند في ذلك إلى: أ- أن كل استطلاعات الرأي الأخيرة أكدت أن 79% من الشعب الإسرائيلي تؤيد العدوان، مما يعني أن 97% من اليهود معه لأن الآخرين هم من العرب وقلة قليلة لا تؤثر في شيء داخل الصف اليهودي. ب- إن 15% من السكان في الملاجئ والمصانع في بعض المناطق المحتلة. وحالة القلق قائمة، وبالتالي، هؤلاء لا يقبلون أي حل يمكن من خلاله العودة إلى احتمال تجدد قصفهم، لذلك لا بد من استئصال هذه الحالة وإبعاد خطرها عنهم. ج- إن أميركا تغطي عملنا بشكل كامل. وليس ثمة ضغط علينا من المجتمع الدولي. ولو صدرت بعض المواقف فالجميع يقول إن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها والكل يشاهد كيف تتعرض بلادنا للاعتداءات الإرهابية! هذا الكلام أنقله بحرفيته تقريباً كما سمعه عدد من المسؤولين الدوليين من أولمرت نفسه. وهو يعني فعلاً أن العملية بالنسبة إليه وإلى شعبه امتحان "الصفر" أو "العشرين" وبالتالي سيذهب فيها إلى النهاية. وقد قيل هذا الكلام قبل مؤتمر روما. كان واضحاً فيه أن أميركا لا تريد وقفاً لاطلاق النار وقد أفشلت ذلك بوضوح. وبالنسبة إلى "حزب الله" فإنها معركة المصير. فإما أن يخرج منتصراً وهذا يعني الكثير من النتائج على الساحة اللبنانية، وإما أن يخرج منكسراً وهذا يعني نتائج معاكسة تماماً مع تداعيات وارتدادات خطيرة جداً في الداخل، وإما أن يستنزف العدو ويلحق به خسائر كبرى وتتوقف الأمور عند حدود معينة، وهو حتى الآن يمسك بزمام المبادرة والمقاومة شرسة بطولية، ورجالها يفاجئون الإسرائيليين بصمودهم وتضحياتهم وخبراتهم واستعداداتهم وكفاءاتهم القتالية العالية وروح التحدي وإيمانهم الكبير بقضيتهم. ولا شيء يمكن أن يوقف العدوان إلا هزيمة ساحقة للمقاومة. أو ضربات موجعة للجيش الإسرائيلي تفرض عليه تراجعات كثيرة سياسياً وميدانياً. ويجب ألا ننسى، أنه، سواء دُعيت سوريا وإيران إلى مؤتمر روما أم لا، وسواء كان حوار معهما أم لا، فهما دولتان تقفان وراء "حزب الله". وهزيمته هزيمة لهما وبالنسبة الى سوريا المسألة مصيرية أيضاً، وهي تحاول بكل الامكانات عدم السماح بذلك وإذا حصل ذلك ستحاول خلق وقائع جديدة في لبنان لأن وضعها سيكون مهدداً ومكشوفاً بالكامل. وكذلك، فإن إيران ستخسر ورقة مهمة ومتقدمة في مواجهة أميركا وإسرائيل. وفي غضون ذلك يستمر العدوان. ويدفع لبنان وشعبه الثمن، وليس ثمة آفاق لحلول قريبة. كل المؤشرات تقول: الحرب طويلة، تسندها الوقائع المذكورة سابقاً. وقد شعر كثيرون بالإحباط من عدم توصل مؤتمر روما الى قرار لوقف النار بسبب "الفيتو" الأميركي. وإن المشاركين فيه لم يكونوا يتوقعون هذا القرار. ولكن الناس الذين يريدون الخروج من هذه الدوامة ، لم يعرفوا ماذا يدور في كواليس السياسة. والكارثة التي يعيشونها لا توصف. بل أقول إن كل ما شاهده العالم على شاشات التلفزة هو جانب من الكارثة الحقيقية حتى الآن وليس كلها. نعم، الدمار والخراب على الأرض أكبر مما هو عليه في الشاشات. وإعادة الإعمار تحتاج إلى وقت طويل. والعام الدراسي مهدد لأن معظم المدارس مأهولة من قبل النازحين، وضياع كامل في صفوف اللبنانيين على هذا الصعيد. مع احتقانات خطيرة في نفوسهم ولا أمل. [c1] وزير الاعلام اللبناني[/c]