أضواء
عثمان الماجدفعلا من هو الطائفي بيننا إذا كنا جميعا متفقين على رفض الطائفية وتسقيط الطائفيين؟ يقيني بأن أحدا من الطائفيين الباحثين عن مجد مزيف لايملك من الشجاعة ما-يكفي ليقر بها ويعترف وإن كان ممن يمارسون»طقوسها« بكرة وأصيلا. سؤال مبني من صميم مادة الواقع الجغراسياسي الذي آل إليه الوضع وتشكل نتيجة للتفاعلات الإقليمية الكارثية الجارية بين ظهرانينا والتي تلقي إلينا بصهاريج معبأة كراهية وحقدا لتنفجر غضبا بركانيا لايبقي ولا يذر. سؤال ينبغي علينا البحث عن إجابة له دونما كلل أو ملل. نعم،إنه سؤال يقتضي منا جرأة لا تتأتى إلا بشيء من عزيمة جمعية للكشف عن الطائفيين أينما حلوا،وترميم الشروخ التي اعتلت مشهد الوحدة الوطنية،وتصحيح المسار باتجاه مستقبل ينام فيه أطفالنا ويصبحون على سلام. الطائفيون موجودون أينما وليت وجهك في المجتمع،هم موجودون بين ممثلي الشعب الذين ظننا بأنهم تجمعوا في تكتلات نيابية وطنية لتتسابق فيطرح البرامج التي تمس هموم المواطن وتشكل أولوياته داخل البرلمان فإذا بهم ينكمشون إلى تكتلين،يعملان على شق المجتمع وفق رؤيتهم لتفضي عراكاتهم إلى المزيد من التشوهات في المشهد الاجتماعي،كما أن الطائفيين موجودون حبرا مدرارا بأقلام وكلاء ممثلي الشعب في الصحافة المحلية يرتفع منسوب هذا الحبر وينخفض بناء على مؤشرات ترمومتر المسألة الوطنية التي يتناولونها والمتحولة بقدرة قادر إلى تراشقات طائفية تلهيهم عن الاضطلاع بالدور التشريعي الذي على أساسه انتخبوا . هم موجودون في صحبة أصحاب القرار، في مواقع التوظيف في القطاعين العام والخاص. هم موجودون في كل مكان في المسجد، في المأتم،في المسيرات والاعتصامات وفي مواقع العمل . وباختصارهم إفراز لحراك سياسي يسير في اتجاهات خاطئة، فكل التعصبات الطائفية هي نتاج عمل تيارات الإسلام السياسي الذي أضاع بوصلة الوطنية وتوسل بأوجاع المواطنين وهمومهم ليبسط هيمنته على خياراتهم عندما تحين ساعة الذهاب إلى صناديق الاقتراع. ولكن، للأسف، إرادة المجتمع في فضحهم ضعيفة أو مسلوبة حتى وإن كنا متفقين على رفض الطائفية وتسقيط الطائفيين، وأود، في هذا الصدد، أن أشير إلى أن الطائفي ذاته يتفق مع من يرفض الطائفية لكنه رفض يرجح كفة طائفته على الطوائف الأخرى.لا يكفي أن نغلق مواقع إلكترونية تنضح جحيماً طائفياً، فهذا إجراء تمتلك الدولة قدرة السيطرة عليه وقد فعلت، كما هو إجراء في غاية الأهمية لتجنيب المجتمع شرور ما يبطنون لهذا الشعب الذي عاش متحاباً وخبر الحياة فعلا جماعيا ينبغي تكثيف الصدق والشفافية فيه لأن الطائفية كذابة والطائفي هو رافعة الكذب فيها. إنما الضرورة الوطنية تقتضي منا كذلك أن نغلق، وبالشمع الأحمر، أفواهاً ما فتئت تصرخ بعدم أحقية الآخر برفع صوته تعبيراً عن مظلوميته،وأن نسكت أصواتا نشازاً مصحوبة بعويل على ذوبان المواطنين الأصليين فيبحر الهجرات الوافدة!من هو الطائفي؟ الإجابة عن هذا السؤال صعبة،ولكن من اليسير تحديد السلوك الطائفي ورسم دائرة في محيطه ذلك وتسليط الإضاءة على صاحب السلوك لنتعرف على من هو الطائفي، بل من هم الطائفيون في تلك الدائرة. الطائفي، من وجهة نظري،هو من لايرتضي خيرا لغير طائفته، والطائفي هو من يختزن رغبة دفينة، لايفصح عنها قولا ولكنها ماثلة في تضاعيف سلوكياته، وفي إقصاء مخالفيه من الطوائف أو المذاهب الأخرى، والطائفي، بالمناسبة، إمعة يأتمر بأمر الطائفي الآخر الذي يعلوه مرتبة إذا كان متحزبا أو عضوا في جمعية ما ترجمة لمبدأ تتعاطاه القبيلة في تطبيقها للفزعة، والطائفي هو من يجيّر خيرات الوطن من وظائف وخدمات لصالح أبناء طائفته أو مذهبه من دون أن يرف له جفن. والطائفي، ظهر عندنا أيضا بشكل فاقع وفاضح في مجلسنا النيابي الذي انتخبناه بمحض إرادة حرّة،أو هكذا يفترض لولا توظيفات مذهبية أحيانا ومالية في أحيان أخرى » لنطز أعيننا بأيادينا « عند أكثر من منعطف، في الاستجوابات، وفي كثير من المناقشات .. إذن الطائفي يمكننا تعيينه وتحديد هويته الحقيقية، إلا أننا لا نستطيع ذكره باعتبار الطائفية سبة ومذمة كل يتبرأ منها، ولكن الكثيرون يمارسونها. إن الطائفية سلوك ومن يسلك سلوكا طائفيا، على امتداد الوطن، فهو طائفي مع سبق الإصرار والترصد . ظاهرة الطائفية ستبقى تجوس في المجتمعات التعددية - وستقضي على عوامل الأمن والاستقرار المرهونين بسعة العيش وردم مسببات هوة الضنك التي تعيشها شرائح اجتماعية كثيرة، لتوقعها في قبضة التيه والمجهول، إذا ما بقي الطائفيون يتحركون بحرية مستثمرين الصعوبات الاقتصادية التي تمس مسا مباشرا الأمن الاجتماعي، صمام الأمان وشرط التنمية الاقتصادية، للحفاظ على النسيج الوطني ودرء أخطار الانشقاقات، إلى أن تهتدي الحكومات إلى سبل حل المعضلة المؤّرقة، وتعمل مخلصة على تفعيل مواد موجودة أصلا في دساتيرها تعنى بتطبيقات المواطنة باعتبارها من أهم أركان الديمقراطية التي تشعر المواطن بأهمية انتمائه وبالتالي حصد ولائه ! ذلك أن المواطنة هي المعيار الضامن للحقوق عبر تسيّد القانون وبسط مظلته على المواطنين جميعا وبدون استثناء. [c1]* صحيفة “الأيام” البحرينية[/c]