على الدوام فإن الشعراء ومنذ عهد الرومان والهنود والفرس من بعدهم, وكذلك العرب من بعد بعدهم, هم الذين كانوا يحتلون المرتبة الاولى في الانجاز الادبي ولايزالون.. من غير الشعر والشاعر جديران باعتلاء هذه المكانة العالية من بين سائر الفنون وسائر المبدعين؟!نهاية الاسبوع عقد لواء النصر للشاعر الكبير محمد حسين هيثم بتكريم اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين - فرع صنعاء- له في صباحية التأمت في بيت الثقافة بالعاصمة تميزت بحضور لافت من أدباء وشعراء وصحافيين وحضور من مختلف الاطياف الثقافية ومن المحبين للشاعر يتقدمهم الدكتور الشاعر عبدالعزيز المقالح, ووزير الثقافة خالد الرويشان.الرجل الكثير. كما هي عنوان احدى قصائده استحق هذا التكريم الذي يأتي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من العطاء الشعري المتدفق والمميز, وبعد سبعة دواوين منذ اكتمالات سين والحصان. إلى " رجل وحيد بقبعة" إلى صدور الجزء الأول من اعماله الكاملة. ينتمي محمد حسين هيثم إلى جيل السبعينات من القرن المنصرم, أو تلك البدايات الجنوبية التي ظهرت في عدن والتي ضمت إلى جانبه عبدالرحمن ابراهيم, شوقي شفيق, وعبدالرحمن السقاف ومحمد ناصر شرا وسواهم الذين سموا انفسهم يومها "الشعراء الشباب" تمييزاً لانفسهم عن الشعراء الكبار, أو التقليديين الذين كانوا يتبوأون المشهد الشعري اليمني في شطره الجنوبي واللذين كان يقف على رأسهم الشاعران الكبيران محمد سعيد جرادة وعبدالله فاضل فارع.وقد شهدت هذه الفترة سجالاً حاداً بين تيارين في الشعر على المستوى اليمني احدهما يمثل تيار التجديد ويتزعمه عبدالرحمن فخري وفريد بركات.. والآخر تقليدي بقيادة محمد سعيد جرادة, وهي معركة ليست جديدة لكنها لم تكن قد حسمت بعد في اليمن مثلما تم حسمها في اقطار عربية اخرى مثل مصر والعراق وبلاد الشام وهي المعركة التي دارت حول الشعر الحر والشعر التقليدي, وقد عقد لواء النصر فيها في النهاية للأول بفضل جيل محمد حسين هيثم الذين اقتحموا المشهد الشعري ليس بالنظريات والسجال بل بالشعر الجديد في اسلوبه ونكهته وصوره وتمرده على القافية وبحور الخليل, ولكن المحتفظ بايقاعه وعذوبته.ان هذا الجيل سرعان ماكسا جسمه الريش, فصار قادراً ليس على الطيران فحسب بل وعلى التحليق عالياً نسوراً تزاحم القمم .وقد شاركوا جميعاً في تلك الثورة الشعرية الحداثية التي عملت على تهشيم اوزان القصيدة العربية دون ان يتخلوا عن ايقاعها وموسيقاها, وكانوا - وهو في مقدمتهم- يجوبون أرض الشعر التي لاتعرف حدوداً وليست لها تخوم او نهاية ومايزالون.. وهل للشعر تخوم, وللقصيدة شواطئ؟!يلتقط محمد هيثم في قصائده توترات الحياة اليومية ولحظاتها الانسانية المستمرة, الاشياء الصغيرة التي لاتلفت نظر أحد, لكنه يشحنها بالدلالات والمعاني العميقة, فيكون منها وجدانا شديد الالتصاق بالواقع.. والعالم..ان كل قصيدة من قصائد هيثم تكشف اخلاصه للشعر, اخلاصه لطبعه الحقيقي كشاعر مجيد لايتكلف القصيدة ولا يتعسف الشعر.. انه شاعر ينتمي للحب.. للوطن وللانسان كرائي كبير منذ كان الحصان وحيداً..وبين البداية السبعينية إلى الخطوات الوئيدة في الثمانينات, إلى الوثبات الثائرة في التسعينات إلى التحليق العالي في الالفية الثالثة اجتاز هذا الجيل وعلى رأسهم المحتفى به محمد حسين هيثم دروباً في الزمان والمكان.وتبوأ مكانة معترفاً بها في مملكة الشعر ولم يكن التكريم الذي لقيه إلا تتويجاً لسنوات من العطاء الواثق المتنامي الذي نقله من قمة إلى قمة أعلى.وخلال هذه السنوات منذ البدايات الجنوبية كان الشعر هو البداية لانهاية له.والشاعر هو القلق الدائم والبحث عن الكمال واكتشاف طاقة الخلق.. والتطور باتساع تجربة لاتزال مستمرة ولم تكتمل.. فليس للقصيدة نهاية.. كما ليس للكلمة من آخر. ولا للقصيدة من تخوم أو شاطئ..وشاعراً مليء بالقلق, مهموم بالانسان, باللحظة, باللغة, وبالابداع,, وبالجديد في عالم الثقافة بكل مكوناتها من شعر ورواية وسينما وموسيقى ومسرح وفن تشكيلي لا يمكن إلا ان يكون شعره بملء الكون بكل تجلياته وتفاصيله وغموضه وعنفوانه وتفجره كما تتفجر القصيدة..التكريم للرجل الكثير.. للرجل الهائي, كان تكريماً منتظراً وان تأخر.. وشاعر بحجم محمد حسين هيثم وابداعه تكبر به الجائزة ولا يكبر بها, ولا تضيف اليه.. ولكنها- ولعل هذا ما أراده مكرموه - تعبير قليل عن الحب لرجل كثير.. واعتقد ان الانسان والشاعر بالذات وجد لكي يجد الحب الحقيقي.. فهو الجوهر الذي يبحث عنه والروح التي يحيا بها والهواء الذي يتنفسه.فيا ايها "الرجل الكثير" ايها الشيخ الجليل لقبيلة الهائيين نحن نحبك.. ونحبك بجنون.. وهذا الحب هو جائزتنا لك التي لانملك سواها والصدق الذي نملك والحب الذي نقدر على منحه لمن نعلن عليه الحب, وقد اعلناه فضمنا إلى الهائيين اولئك الذين ارتكبتهم قبل وبعد القصيدة وهم روحك وفكرك معاً, وشاعر مثلك يستحق هذا الحب لانه دائم, ومكانه القلب ولا تتسع له فترينة أو جدار دون ان ننتقص من نيل اولئك الذين منحوك تكريمهم بكل ما حمله من مقاصد التقدير لشاعر كثير اسمه محمد حسين هيثم .
|
ثقافة
إلى الهائي شيخ قبيلة "الهائيون"
أخبار متعلقة