الولاء والبراء في الاسلام
[c1]سورة الممتحنة - سورة 60 - عدد آياتها 13[/c]1- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ 2- إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ 3- لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 4- قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ 5- رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6- لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ 7- عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 8- لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9- مَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 01- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 11- وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ 21- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 31- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [c1]أولا : موجز معاني الآيات فى السورةالآية 1 :[/c]يوجه الله تعالى خطابا مباشرا للمؤمنين فى عهد النبى محمد (ص) ينهاهم عن مناصرة وموالاة أقاربهم الكافرين ، واصفا أولئك الكافرين بأنهم أعداء الله وأعداء المؤمنين، وإذن لا يصح أن يعاملوهم بالمودة، فأولئك الكافرون جمعوا بين الكفر العقيدى ـ وهو الكفر بالقرآن الكريم ـ والكفر السلوكى وهو الاعتداء على المؤمنين والنبى محمد واخراجهم من بيوتهم بسبب أنهم آمنوا بالله تعالى وحده. وعليه فاذا كان المؤمنون قد فارقوا أوطانهم جهادا فى سبيل الله وابتغاء مرضاة الله تعالى فلا يصح أن يحتفظوا سرا بعلاقات المودة مع أولئك الظالمين. والله تعالى يعلم السرائر ويعلم الظواهر، ومن يوالى أؤلئك الظالمين فقد أصبح من الضالين عن الطريق المستقيم.[c1]الآية 2 :[/c]واقع الأمرأن أولئك الظالمين الكافرين سيظهرون أكثر على حقيقتهم العدوانية اذا اشتبكوا مع المؤمنين فى قتال، ولن يقتصروا على المواجهة الحربية بل ستنطلق أيديهم وألسنتهم بالسوء للمؤمنين. هذا فى الدنيا.[c1]الآية 3 :[/c] أما فى الآخرة فإن قرابتكم لأولئك المشركين الكافرين ـ سواء كانوا لكم أرحاما أو أبناء ـ لن تنفعكم يوم القيامة، حيث يفصل الله تعالى بينكم بحكمه ، وهو الذى يعلم ويبصر كل أعمالكم.[c1]الآية 4 :[/c]أن عليكم الإقتداء والتأسى بالنبى ابراهيم والمؤمنين معه ،وقد واجهوا نفس الاختبار، وقد تبرءوا من أهلهم ومن الآلهة التى يعبدها قومهم ، وأعلنوا كفرهم وعداءهم لتلك الآلهة ومن يعبدها،وسيستمر تبرؤهم من قومهم حتى يؤمنوا بالله وحده دون شريك. وقد قال ايراهيم وقتها لأبيه المشرك أنه سيستغفر الله له ولكنه لا يملك له نفعا ولا ضرا . وقال ابراهيم ومن معه انهم يتوكلون على الله تعالى وحده ، ويؤمنون به وحده ، واليه وحده يتوبون ، واليه وحده مصيرهم يوم القيامة.[c1]الآية 5 :[/c]وقالوا داعين الله تعالى : ألا يجعلهم عرضة لاضطهاد الكافرين المعتدين ، وان يغفر لهم ربهم ، فهو جل وعلا العزيز بقوته الحكيم بأفعاله.ومصطلح الفتنة فى السياق القرآنى يعنى الاضطهاد الدينى فيما يخص العلاقة بين المؤمنين والكافرين المعتدين، ويعنى الاختبار والامتحان فيما يخص علاقة الله تعالى بالانسان.[c1]الآية 6 :[/c]هذا الموقف الذى اتخذه ابراهيم والمؤمنون معه هو ما يجب على المؤمنين مع محمد التأسى به. بل على كل من يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر أن يتأسى به ، وإن لم يفعل فان الله تعالى ليس محتاجا له ، فهو تعالى وحده المستغنى عن عباده المستحق للحمد.[c1]الآية 7:[/c]وفى هذه الآية يبشر الله تعالى المؤمنين مقدما بأنه عسى أن يأتى اليوم الذى تنتهى فيه العداوة ويحل فيه الوئام ، وليس هذا مستبعدا ، فالله عليه قدير، واذا تاب الكافرون ورجعواعن عدوانهم فالله تعالى سيغفر لهم وسيرحمهم يوم القيامة.بعد المقدمات السابقة والتى تعتبر حيثيات لتشريع سيأتى ، يأتى تشريع الموالاة فى الآيتين الثامنة والتاسعة مترتبا على موقف المخالفين للمؤمنين فى العقيدة ، إذا كانوا مسالمين او معتدين:[c1]الآية 8:[/c]لا بد من التعامل بالبر والمودة والعدل والقسط مع المخالفين للمؤمنين فى العقيدة والدين طالما لم يعتدوا على المؤمنين ولم يقاتلوهم بسبب اختيارهم الدينى ولم يقوموا باخراجهم من بيوتهم وأوطانهم. هذا لأن الله تعالى يحب المقسطين القائمين على تحقيق العدل . ويلاحظ هنا أن الله تعالى أتى بوصف الاسلام الظاهرى بمعنى عدم الاعتداء، فكل من لم يقم بالاعتداء عليك فهو مؤمن مسلم ، وعليك أن تعامله بالبر والقسط والعدل. يسرى ذلك على الأفراد كما يسرى على الدول.[c1]الآية 9:[/c]أما الذين اعتدوا على المؤمنين بالقتال بسبب خيارهم الدينى ، وأخرجوهم من ديارهم أو ساعدوا الظالمين فى طرد المؤمنين من ديارهم ـ فانهم الكافرون الذين ينهى الله تعالى ينهى عن التحالف معهم وينهى عن موالاتهم. ومن يتحالف معهم وينصرهم ويؤيدهم فى عدوانهم الظالم على المؤمنين فهو شريك لهم فى الظلم.بعدها انتقلت الآيات الكريمة لتضع تشريعات اجتماعية فى مشاكل الزواج والطلاق التى حدثت بعد الهجرة من مكة الى المدينة وما حدث من انقطاع تام بين أهل المدينة وأهل مكة، وترتب على هذه القطيعة تفكك بعض الأسر بين زوج كافر استمر فى مكة وزوجة مؤمنة تركت زوجها لتلحق بجماعة المؤمنين ، أو العكس ؛ زوجة تمسكت بدين أهلها المتوارث وظلت فى مكة رافضة أن تتبع زوجها الذى أسلم وهاجر.ثم هناك مشكلة أخرى ، فقد تأتى احداهن تزعم الايمان وهى فى حقيقة الأمر أتت لتتجسس على المؤمنين وتساعد المشركين فى اعتداء يعدون له ، حيث عزموا على ملاحقة المؤمنين الفارين بالقتال فى موطنهم الجديد الذى لجأوا اليه. وبالتالى لا بد أن يرسلوا جواسيس للتمهيد للعدوان. والنساء أفضل من يقوم بهذه المهمة. ومن السهل أن تأتى نساء كثيرات كل منهن تزعم الايمان ، ولا يعلم حقيقة ما فى القلب الا الله تعالى. لذا نزلت الآيات مقدما تطرح الموضوع وتضع له التشريع المناسب فى الآيات 10 ، 11 ، 12.[c1]الاية 10 :[/c]هذه الآية تخاطب المؤمنين أنه إذا جاءتهم إمرأة مهاجرة فعليهم امتحانها ،أى سؤالها عن سبب مجيئها واختبار حالها حتى لا تكون عينا للعدو، وحتى يتأكدوا حسب الظاهر من حالها ، أما حقيقة ما فى القلب فمرجعه الى الله. وإذا عرفوا صدقها فلا يجوز ارجاعها الى الكفار الذين هربت منهم. إذ لا يحل لها أن تتزوج من كافر ولا يصح لكافر أن يتزوجها. وبالهجرة تحدد من اختار الايمان ومن اختار الكفر. واذا كانت المرأة المهاجرة زوجة تركت زوجها الكافر ولجأت للمؤمنين فعلى المؤمنين دفع المهر الذى دفعه من قبل الزوج الكافر تعويضا له ، ويمكن لها أن تتزوج مؤمنا فى موطنها الجديد ، وعليه أن يدفع لها مهرها. وبالعكس ، إذا اختارت الزوجة الكفر والبقاء فى مكة رافضة أن تصحب زوجها الى المدينة فعلى زوجها المؤمن فى المدينة أن يطلقها تماما ويفارقها حتى تتزوج من كافر مثلها مقيم فى نفس الموطن، وعلي الكفاردفع المهر الذى دفعه المؤمن من قبل.[c1]الآية 11:[/c]ولآن الكفار لا عهد لهم ولا ذمة ، وليس منتظرا منهم تطبيق هذا الحكم الالهى بدفع ما عليهم من مهور للأزواج المؤمنين الذين تركوا أزواجهم فإن تعويض هؤلاء الأزواج المؤمنين بالعدل يمكن أن يتم إذا تمكن المؤمنون فى المستقبل من الحصول على غنائم من الكفار.وبعد استجواب المرأة المهاجرة واختبارها والتأكد من صدقها عليها أن تقوم بمبايعة النبى على الايمان والتمسك بالاخلاق الحميدة والطاعة فى المعروف، وهذا ما جاءت به الآية التالية:[c1]الآية 12:[/c]يقول تعالى للنبى إنه إذا جاءته المؤمنات للمبايعة فعليه أن يبايعهن على الامتناع عن : الوقوع فى الشرك والسرقة والزنا وقتل الأولاد والبهتان والكذب والزوروعصيان الأمر المعروف. واذا حدث وبايعن النبى على هذا فعلى النبى أن يدعو لهن ويطلب من الله تعالى الغفران لهن . والله تعالى غفور رحيم.[c1]الاية الأخيرة رقم 13:[/c]وتختتم السورة بآية اخيرة تؤكد على المؤمنين ألا يناصروا أو يتحالفوا أو يوالوا قوما قد غضب الله عليهم ، وقد كفروا باليوم الآخر ، ويئسوا منه بالضبط كما سييأس الكفار يوم القيامة من الأولياء المقبورين الذين يطلبون فى الدنيا شفاعتهم ثم يفاجأون يوم القيامة بأنهم لا يملكون نفعا ولا ضرا. [c1]ثانيا: تحليل موضوعي للسورة[/c]المحور الأساسى للسورة هو قضية الموالاة، وعلى هامش هذا المحور تناثرت إشارات لقضايا أخرى جاء تفصيلها فى سور أخرى.[c1]قضية الموالاة[/c] دار حول موضوع الموالاة كل آيات السورة ، إما تتناولها تناولا مباشرا، أو تناقش بعض القضايا المتصلة بها ، كاعطاء الحكم الشرعى للعلاقات المقطوعة بين زوجين منفصلين مكانا ووجدانا لكى يستأنف كل منهما حياته فى المجتمع الذى أراد الانتماء اليه.[c1]معنى الموالاة[/c]الموالاة عموما تعنى التحالف ( مع) ( ضد )، أى لا تكون إلا فى حالة حرب أو خصومة ملتهبة تستلزم ممن يهمهم الأمر تحديد الجانب الذى ينضمون اليه ، وبالتالى يكونون ضد الجانب الآخر. أى أن تكون مع واحد من خصمين ضد الأخر فى وقت خصام وحرب وما يستلزمه ذلك من معاداة الخصم الأخر.الموالاة والتبرؤ فى الاسلام تعنى أن لا توالى أو تتحالف مع المعتدى الظالم الذى يهاجم المسالمين الآمنين، فاذا كف عن اعتدائه وتاب انتهت الخصومة.الموالاة بالتعبير الأصولى فى الدين السنى تعنى ( الولاء والبراء ) وتعنى فى الدين الشيعى : ( التبرى والتولى ). وكل منها يختلف عن الباقين. التبرى والتولى فى الدين الشيعى تعنى موالاة ( على بن أبى طالب ) وذريته فى إمامة المسلمين ، وتقديسه وآله وتفضيلهم على الجميع ، ويصل معظمهم فى التفضيل والتقديس الى درجة التأليه. هذا هو العنصر الأول. العنصر الثانى هو التبرؤ من خصوم على السياسيين من أصحابه وهم أبو بكر وعمر وعثمان والسيدة عائشة ومعاوية وعمرو وطلحة والزبير ..الخ. وتصل درجة التبرؤ الى التكفير والتحقير.الولاء والبراء فى الدين السنى تعنى موالاة من يتفق معهم فى العقيدة وكراهية وعداء وقتال المخالف لهم فى عقيدتهم. وهناك درجات فى البراء ، وهناك خلاف فى موقفهم من المسلمين العوام الذين لا انتماء لديهم ، هل يصح معاملتهم كالأعداء أم لا.[c1]مشكلة الموالاة اليوم : الوهابية وسوء استخدام الموالاة فى تشريع الارهاب[/c] الوهابية تستغل نفوذها فى نشر عقيدتها فى البراء والولاء بزعم أنها تشريع الموالاة والتبرؤ فى الاسلام. على سبيل المثال فإن آيات الموالاة فى القرآن قد تم توظيفها ضد الأبرياء من المصريين الأقباط، وصرخ خطباء المساجد فى التحريض ضد الأقباط مستشهدين بقوله تعالى "يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنّصَارَىَ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلّهُمْ مّنكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ" (5 / 51). وهم فى ذلك الاستشهاد الخاطئ يتناسون سياق الآيات وهى تتحدث عن عصر النبى محمد عليه السلام حين طرأت ظروف حربية خاصة فرضت تحالفات سرية بين المنافقين ـ وهم بعض الصحابة ممن كان يعيش داخل المدينة ـ وبعض القبائل اليهودية والنصرانية المعتدية على المسلمين. اذن هو تعليق على أحداث تاريخية ارتبطت بزمانها ومكانها وحكى القرآن الكريم بعض أحداثها وما دار فيها من أقوال فى الآية التالية ( فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين)(5 / 52).لا بد من تنفيذ هذا التشريع اذا تكررت ظروفه بحذافيرها ، كان يهجم علينا عدو معتديا فيتحالف معه فريق منا ضدنا ، أى يواليه فى عدوانه علينا ، هنا يستحق اللوم ـ فقط ـ طبقا لهذا التشريع القرآنى .إلا إن الارهابيين الذين يعتدون على الأبرياء ويقتلون المدنيين لهم عقيدة أخرى فى الموالاة يسمونها البراء والولاء، أساسها تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ، دار الاسلام ودار الحرب. وهم يعتقدون أن واجبهم هو الهجوم على الآخرين باعتبارهم معسكر الحرب او دار الكفر لارغامهم على دخول الاسلام طبقا للحديث الكاذب الذى رواه البخارى والقائل " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله ".وقد جاء اختراع هذا الحديث بأثر رجعى فى العصر العباسى ليبرر الفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا، والتى استولى بها العرب على الامبراطورية الفارسية وهزموا الامبراطورية الرومية ، واستمرت الحرب بينهم وبين الروم لتقسم العالم الى معسكرين : عربى يحمل اسم الاسلام ورومى غربى يحمل اسم المسيحية، وجرى تقسيم العالم الى دار للحرب ودار للاسلام فى التراث الفقهى . وفى عصرنا الراهن ازدهرت هذه المفاهيم التراثية العصر أوسطية بتأسيس الوهابية وهى أشد المذاهب الفقهية تعصبا فى الدين السّنى. وانتشرت الوهابية فأرجعت عقيدة تقسيم العالم دينيا الى معسكرين متعاديين متحاربين. وكل مسلم لا يتفق مع الوهابيين يعتبرونه مشركا ، شأنه شأن الأفراد فى دار الحرب. وبالتالى فان الأقليات الدينية من غير المسلمين تتعرض لاضطهاد كفريضة دينية ـ مهما كانوا مسالمين ، بل يعتبر التعامل معهم بعدل واحسان وتسامح خطيئة دينية لأنها تتنافى مع البراء والولاء بالمفهوم الوهابى السنى.فالبراء عند الوهابية يعنى التبرؤ من كل من يخالف الوهابية ، سواء كان من أهل الكتاب أو من المسلمين . الكافر عندهم هم اهل الكتاب ، أما المشرك عندهم فهو المسلم غير الوهابى ، خصوصا الشيعة والصوفية. ومعنى البراء والتبرؤ عمليا هو الكراهية لهم واستحلال خداعهم والتحايل عليهم عند عدم القدرة عليهم ، اما عند القدرة والتمكين فلا بد من قتلهم أو قتالهم وأخذ الجزية منهم . هذا ما كان يمارسه المسلمون والروم فى العصور الوسطى، وانتهى ذلك بالعصر الحديث، ولكنه عاد يؤرق العالم المتحضرتحت اسم الوهابية ، وهى العقيدة الدينية للاخوان المسلمين وكل التظيمات المتطرفة المنبثقة عنها. اما الولاء فهو مناصرة الوهابيين فى اعتدائهم الاجرامى على المسالمين والذى يسمونه جهادا. ولذلك تتوالى صرخات المتطرفين فى المساجد والصحف والفضائيات وفى كل وسائل الاعلام ووسائل المواصلات تحرض ضد جميع اليهود وجميع المسيحيين تستشهد بالآية القرآنية السابقة فى غير موضعها، ويتناسون تشريعات الموالاة ومعناها، كما يتناسون تشريعات القتال وأنه للدفاع عن النفس وليس للاعتداء على الأبرياء، وان فرض الجزية لا يكون الا على جيش اعتدى علينا فتمكنا من رد عدوانه ولا بد أن يدفع غرامة حربية " جزاء " عدوانه ، وهو قانون معترف به فى عصرنا ، عوملت به ألمانيا النازية وصدام. هذه هى مشكلة الموالاة فى عصرنا الراهن. وقد كانت الموالاة أيضا مشكلة للمسلمين الأوائل استلزمت تدخل القرآن الكريم بالتشريع والنصح والتحذير.[c1]مشكلة الموالاة فى عصر النبى محمد عليه الصلاة والسلام[/c]الموالاة قد تكون موقفا لا خلاف عليه حين يهاجم عدوغريب بلدا أو قوما ، وبالتالى يكون الاجماع قائما حول الاتحاد معا أو موالاة الجميع بعضهم بعضا ضد العدو الغريب الذى يقتحم الديار ويقتل المسالمين من الوطن. ولكن تتحول الموالاة الى مشكلة حين يبدو تعارض ما بين القومية ( أى الانتماء للقوم والأهل ) والانتماء الدينى. دعنا نفترض أن أقلية مسيحية مضطهدة من الأكثرية ، مما استدعى تدخل قوة معتدية مسيحية كبرى خارجية لتأتى وتهاجم البلد بحجة الدفاع عن المسيحيين المضطهدين. ما هو موقف المسيحيين فى الداخل؟ هنا مشكلة التعارض بين الوطن والقومية وبين الانتماء الدينى.كانت المشكلة أكبر مع المسلمين الأوائل فى مكة ثم بعد هجرتهم الى المدينة. معظم العرب فى ذلك الوقت لم يعرفوا الدولة أو الوطن . عاش معظم العرب قبائل متنقلة ، اى لا تلتزم بوطن ثابت، وبالتالى ليست لهم دولة بالمعنى المعروف. كانت القبيلة هى التى تمثل الدولة والوطن. أساس القبيلة هو الانتماء الى أصل واحد ونسب واحد تتفرع منه بطون القبيلة وفروعها وعائلاتها وأسراتها. العصبية القبلية كانت أساس التعامل داخل وخارج القبائل العربية ، والولاء للقبيلة وذوبان الفرد فيها وفخره به هو أساس حماية الفرد وكينونته. القبيلة كان يمثلها الكبار المترفون الظالمون ، ولم يكن هناك من سبيل لمواجهة ظلمهم ، بل المطلوب نصرتهم حسب القاعدة القبلية القائلة ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ). القرشيون لم يكونوا أعرابا يتنقلون من مكان الى آخر. كان لهم وطن وبلد ينتمون اليه ، وهذا الوطن هو مكة ، أعظم بلد فى الجزيرة العربية، وبالتالى فانتماؤهم هنا الى وطن وبلد مقدس ، يزيد فى الارتباط به حدة الشعور بالانتماء القبلى لقريش ، أعظم قبيلة عربية وقتها . كان صعبا التضحية بهذا الانتماء للوطن ـ مكة ـ والأهل ـ قريش ـ مقابل الانتماء لدين جديد، خصوصا وأن بين الذين آمنوا من كان مؤمنا بالمعنى السلوكى ـ اختيار الأمن والأمان ـ وليس بالمعنى العقيدى ـ اخلاص الايمان لله تعالى وحده.لقد جاء القرآن بمنهج جديد يمنع الظلم ويرسى العدل والمساواة فأسلم المستضعفون والمهمشون بينما استكبر المترفون الظالمون. وبدأ الاضطهاد ، واضطر بعض المسلمين الى الهجرة مرتين الى الحبشة، واستنكف كبار قريش أن يفلتوا من أيديهم فبعثوا الى ( النجاشى ) حاكم الحبشة بوفد وهدايا يطلبون منه أن يسلم لهم أولئك الذين هاجروا اليه. ورفض. وعاد أولئك المهاجرون الى مكة، ثم كانت الهجرة الكبرى الى (يثرب ) التى حملت اسم ( المدينة ) .كانت الهجرة للمدينة نقطة فاصلة فى العلاقة بين المشركين والمؤمنين ، ليس فقط لأن النبى محمدا عليه السلام هاجر ومعه معظم من آمن ، ولكن أيضا لأن الأغلبية العظمى فى المدينة آمنت وعقدت مع النبى عهدا بنصرته وإقامة دولة له. وتمكن النبى محمد من إقامة دولة حقيقية لها حدودها وشرعها ، وتم التآخى بين أبنائها من مهاجرين وأنصار، وتم عقد عهد بين كل أفراد هذا المجتمع والنبى محمد باعتباره قائدا لهذه الدولة. وتم عقد معاهدات مع قبائل اسرائيلية تعيش فى المحيط الملاصق للمدينة تؤكد حرية الفكروالمعتقد ، وتضع أساس الدفاع المشترك. هذه الدولة الجديدة لا بد أن تتمتع بولاء الأفراد الذين بايعوا النبى أو عقدوا مع القائد عقد انشاء الدولة الجديدة. ومسئولية هذه الدولة حماية المنتمين لها والذين يعيشون فى ظلها.هنا بدأت المشكلة. فالمؤمنون المهاجرون منهم من كان مؤمنا بالسلوك أكثر منه مؤمنا بالعقيدة. أى كان مسالما يأمن الناس من شره ، يريد الابتعاد عن المشاكل والنجاة منها. وفى بداية الغربة عن الوطن ( مكة ) كان الحنين جارفا للأهل والمكان والذكريات. وجرى التسامح مع ذكريات الاضطهاد والتعذيب فى ظل هذا الحنين. وبدأت مشكلة التعارض فى الموالاة . هل هى للوطن الذى لا تزال ذكراه حية ، وللأهل مهما كانوا ظالمين ، أم للدين ؟. ونزلت آيات القرآن تضع تحديدا للموالاة فى الاسلام، وكيف أنها ليست ضد أشخاص المعتدين ولكن ضد الاعتداء كفعل إجرامى يقع منهم ، وأنها ليست مع أشخاص المؤمنين ولكن مع صفات الايمان من قيم عليا وأخلاق مثلى. وهذا يستدعى شرحا قرآنيا.[c1]الموالاة والتبرؤ فى الاسلام تتعامل مع صفات وليس مع أشخاص[/c] الواضح من القرآن الكريم أن الخصومة التى تستوجب الموالاة تكون فقط ضد ما يقترفه الشخص من عدوان فإذا كف عن العدوان انتهت الخصومة. أى أن الخصومة ليست ضد الإنسان الشرير ولكن ضد الشرور التى يرتكبها ذلك الإنسان . هذا ينطبق أيضا على قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه الظالمين ؛لقد تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه من قومهم بسبب كفرهم واعتدائهم ، وقالوا أن هذا التبرؤ مستمر حتى يؤمنوا بالله تعالى وحده فإن آمنوا بالله تعالى وحده انتهى العداء والخصام. إذن هو عداء وخصام للإعتداء والكفر والظلم .ونعطى المزيد من الأدلة من القرآن الكريم. 1- إن التحديد جاء بالوصف وليس بالشخص . فالآية الأولى تخاطب - ليس الأشخاص حول النبى محمد _ ولكنها تصفهم " بالذين آمنوا " وتصف الآخرين بأنهم أعداء الله واعداء الذين آمنوا ، لأنهم كذبوا بالقرآن وارتكبوا ظلما آخر هو إخراج النبى محمد والمؤمنين من ديارهم لمجرد أنهم اختاروا الإيمان بالله تعالى، وبينت أن عداءهم سيتطور الى اعتداء بالقتال ، ثم تلمح الآية السابعة إلى إحتمال توبتهم وعندها سيحل الود محل العداء. إذن هو عداء للفعل وليس للشخص .2- ثم يأتى التشريع فى الآيتين الثامنة والتاسعة مرتبطا بفعل عدائى يبدأ بالقتال وطرد المؤمنين من بيوتهم وعليه تمتنع صداقتهم ، فإن لم يوجد ذلك الفعل المعتدى فإن الخلاف فى الدين لا يستوجب عداءا ، فطالما لا يقاتلون المسلمين ظلما ولا يخرجونهم من ديارهم فلابد من التعامل معهم بالود والبر والعدل. 3- ولأنها خصومة وعداء لأفعال إجرامية وليس لأشخاص فى حد ذاتهم فإن المفترض فى المؤمنين أن يتحلوا بصفات الخير ، بل وعليهم أن يبايعوا النبى محمدا على التمسك بصفات الخير والإمتناع عن الوقوع فى الكفر والسرقة والزنا والقتل والبهتان وعصيان أوامر الخير. والنساء عليهن أيضا مبايعة النبى بذلك . وتختم السورة بالتأكيد على عدم موالاة اولئك الذين يرتكبون تلك الأفعال التى تستوجب غضب الله تعالى ( الممتحنة 12:13 ) .إن أفظع جريمة هى قتل نفس مسالمة بسبب أنها اختارت دينا يحض على السلم والحرية، ويتضاعف الجرم حين يتحول القتل الفردى إلى قتل جماعى يقوم فيه المشركون جميعا بالهجوم على المؤمنين المسالمين ، هنا تبلغ الجريمة درجة الشناعة التى لا مثيل لها . وهذا ما وقعت فيه قريش حين طاردت المؤمنين بالقتل والقتال فى المدينة. ومع ذلك فلم تصل الموالاة إلى خصومتهم كأشخاص أو كراهيتهم كبشر ، ولكن ظلت الخصومة مرتبطة بما يرتكبون من جرائم، ولذلك فإن الله تعالى عرض عليهم الغفران إن تابوا وانتهوا عن العدوان، جاء ذلك بعد إعتداءات القرشيين على المؤمنين فى السنوات الأولى من الهجرة ( 2/ 192- 193 ) ( 8 / 38: 39 ) ولم يرتدعوا. ثم تكررالعرض عليهم بالكف عن القتل والقتال بعد فتح مكة وعودة أئمة الكفر إلى عدوانهم فنزلت سورة " براءة " تتبرأ منهم وتعطيهم مهلة للتوبة والغفران وتؤكد إنهم إذا تابوا فسيبصبحون أخوة للمؤمنين ( 9 / 5 ، 11 ) .4ـ ولأن الخصومة والموالاة لا تتعامل مع أشخاص بل مع صفات متغيرة تقبل الزيادة والنقص لدى البشر جميعا فهناك حالات مختلفة تتطلب أحكاما مختلفة ، وهذا ما سنوضحه في حلقتنا الثانية .[c1]( يتبع غدا ً ) * مفكر اسلامي واكاديمي ازهري من مصر[/c]