حكاية من القرآن الكريم
فريد محسن علي بلعام بن باعوراء تناقل المفسرون قصته عن التوراة بأنه كان من علماء بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان مجاب الدعوة وبعثه موسى إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأغدق عليه الملك وأعطاه واقطعه فاتبع دينه، وترك دين موسى، وأخلد إلى متع الدنيا وسكن إلى عالم الطين، وانسلخ من دين الله، وصار علماً على ضلال الفكر، وعمى البصيرة، وسوء الاختيار وصار يضرب به المثل في الحالات المشابهة لحالته، يضرب به المثل لمن يختار الأدنى على الأعلى والكفر على الإيمان، كما يضرب به المثل لمن أخذ الرشوة لإبطال حق أو تغييره.ويشبه بلعام في عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم طائفة من العرب من أهل الكتاب عرفوا الحق وغلبتهم شهواتهم وفتنتهم الشبهات، إن هؤلاء الذين قبحت صفاتهم في الصفات وساء مثلهم في الأمثال لإلحادهم وتكذيبهم بآيات ربهم، انفسهم كانوا يظلمون، أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم وبعد ان أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بأن يقص قصص المنسلخ عن آيات الله على أمثاله من الضالين وأرباب الشبهات ليتفكروا فيه، وسبحان الله كم من إنسان استعمل حواسه في الضر وعقله وذكاءه في الشر، وكم من إنسان خُرم الانتفاع بمواهبه الفطرية بعدم استعماله إياها فيما يرفعه درجات في العلم والعمل. ومن هؤلاء أبو عامر بن حيفي المعروف بالراهب، لأنه كان يلبس مسوخ الرهبان في الجاهلية، وعرف التوحيد وتكلم مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة، ولكنه كفر، وخرج إلى الشام ليستعين بالروم على المسلمين، وكتب إلى المنافقين في المدينة يقول: استعدوا فاني آتيكم من عند قيصر بجندٍ لنُخرج محمداً من المدينة، وهو وأعوانه اصحاب مسجد الضرار، لكنه مات في الشام، وعُلم النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي بحقيقة الأغراض التي بني من أجلها مسجد ضرار فهدمه وأحرقه، ولهذا قال سعيد بن المسيب: إن آية الأعراف نزلت في أبي عامر، والحق أن الآية عامة في كل من عرف الحق وأعرض عنه وأوتي القرآن ولم يعمل به وذلك مثل علم بلعام وأشباهه.وهناك أمية بن أبي الصلت الذي قال عنه عبدالله بن عمرو إنه نزل فيه قول الله عز وجل (واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آيتنا فانسلخ منها..) إلى قوله تعالى: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون). لأن أمية بلغته معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآياته وبراهينه كما ظهرت لكل ذي بصيرة واجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ورضي بدينه ولكنه انقلب على عقبيه، ولم يتبعه وصار إلى موالاة المشركين، ورثى الكفار من أهل بدر قبحه الله، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آمن شعره ولم يؤمن قلبه)، فان له أشعاراً ربانية، وحكماً وفصاحة، ولكن لم يشرح الله صدره للإسلام. إنه مثل بلعام بن باعوراء.