خالد سيف سعيديعد مركز العزاني للتراث والتوثيق الفني ذا قيمة علمية وتاريخية كبيرة بالنسبة للباحثين والمهتمين والمتخصصين في المجال الفني والموسيقي، كونه يقتصر على مرحلة تاريخية من مراحل تطور الغناء والموسيقى اليمنية على مستوى الخليج والجزيرة العربية.وهذا المركز المتواضع والكائن في مديرية المنصورة لم يأت من فراغ وإنما جاء إنشاؤه بجهود ذاتية وإمكانات متواضعة بذل فيها المرحوم المهندس علي حيدرة العزاني طيب الله ثراه منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي جهود قضى حياته بتسجيل جل الأعمال الفنية والغنائية للفنانين اليمنيين الكبار ومنها الأغاني والقصائد الوطنية الحماسية المعبرة عن معاناة شعبنا اليمني في مرحلة تاريخية. هذه الأغاني والقصائد الحماسية التي كانت تصنف من قبل الاستعمار البريطاني" بالتحريضية " وعلى ضوء ذلك تعرض المرحوم العزاني للمضايقات والاستفزازات وصلت إلى حد اقتحام وتفتيش منزله من قبل القوات البريطانية وكما استطاع المرحوم بعد ذلك تجميع وتدوين وحفظ كل التسجيلات الغنائية القديمة والرائعة في الزمن الجميل على أشرطة الريل القديمة، وهذه الأغاني قلما نجدها ونسمعها اليوم في ظل ما تتعرض له أغانينا وتراثنا اليمني من السطو الفني من خلال انتسابها إلى فنانين آخرين في دول الخليج والجزيرة العربية.وترجع أهمية المركز إلى كونه يحتوي على أرشيفات الاسطوانات الريلية القديمة بأنواعها الشمعية والحجرية وكذا المعدات والأجهزة التسجيلية كالأشرطة المسجلة وراديوهات ومكبرات الصوت إلى جانب ذلك أرشيفات خاصة لأبرز أعلام الفن والأدب والنضال الوطني وتعود تلك المقتنيات الموثقة التاريخية إلى فترة الخمسينيات فهي تعد من أوائل الأجهزة التي استخدمت في اليمن والجزيرة والخليج عموماً، كما يحتوي المركز على غرفة خاصة كأستريو لتسجيل الأغاني عازلة للصوت قام خبير يوناني بتصميمها بحكم العلاقة التجارية التي كانت تربط العزاني بشركة كولومبيا في أثينا وتدل الوثائق الموجودة بالمركز على تلك العلاقة من خلال المراسلات والدعوات التجارية بينهما آنذاك.لقد سعى أبناء المرحوم علي حيدرة العزاني عبدالله، وناصر، ونبيل وعادل بعد وفاة والدهما في الثامن من ديسمبر 1984م إلى الحفاظ على المحتويات التوثيقية في مجال التراث الفني والموسيقي لتحويله إلى مركز علمي توثيقي في منزلهم بالطابق الثاني وفتح أبوابه لاستقبال الزوار والمهتمين بشؤون التراث الفني بترحيب وسعة صدر وهذا ما شاهدته أثناء زيارتي الأولى للمركز، فقد أخجلني ذلك التواضع في الترحيب والاستقبال وأدهشتني تلك المحتويات القيمة التاريخية، وبعد ذلك دار الحديث عن الهموم والصعوبات التي واجهها المركز من شحة الإمكانيات المادية ولا يزال يعاني منها، وبالرغم من زيارة بعض المسؤولين له في قيادة المحافظة ومكتب الثقافة وجامعة عدن ووعودهم بتوفير متطلباته من الأجهزة الحديثة، المتطورة الا أن تلك الوعود ظلت حبيسة الأدراج إلى يومنا هذا من ضمن الوعود تكريم مركز العزاني وأقولها مرة أخرى للأسف لم يكرم هذا المبدع كأول رائد للإعلام السمعي في اليمن إلى جانب مساهمته في النضال الوطني ضد الاستعمار من خلال تسجيلاته للأغاني والقصائد الوطنية الحماسية المحرضة وجراء ذلك العمل تعرض منزله لقذيفة كادت تودي بحياته وأسرته- أيضاً تعرضه للمضايقات ولاستفزازات وصلت إلى تفتيش منزله من قبل القوات البريطانية والسؤال الذي يطرح نفسه هل تبخل الجهات المسؤولة في قيادة المحافظة ووزارة الثقافة في تكريم العزاني عرفاناً ووفاء لما قدمه من أعمال ثوثيقية للتراث الفني، والموسيقي على الساحة اليمنية.واخيراً أدعو كلاً من السلطتين المحليتين في المحافظة ومديرية المنصورة إلى أن يوليا اهتمامهما للمركز من خلال دعمه مادياً ومعنوياً للحفاظ على هذا الصرح العلمي المتواضع كونه يشكل مرجعاً تاريخياً للتراث الثقافي والفني على مستوى اليمن والجزيرة.
|
مقالات
مركز العزاني للتوثيق مرجعا للبحث التاريخي
أخبار متعلقة